العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد هل إيقاف المساجد خوفاً من كورونا محرمٌ شرعاً ؟ (مقالة نقدية لفتوى الشيخ العلامة الددو بخصوص رأيه في عدم جواز تعطيل المساجد رغم انتشار وباء كورونا)

إنضم
23 مارس 2016
المشاركات
1
الكنية
أبو حامد
التخصص
أصول الفقه
المدينة
طنجة
المذهب الفقهي
مالكي
(مقالة نقدية لفتوى العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، بخصوص رأيه في عدم حلية تعطيل المساجد، رغم انتشار وباء كورونا).

كتبه: أنس القرباص، باحث دكتوراه، بكلية أصول الدين، تطوان.

تفاعلاً مع فتوى الشيخ محمد الحسن ولد الددو، بخصوص فتواه بعدم حلية تعطيل المساجد، رغم انتشار الوباء والمرض.

هذه بعض الملاحظات السريعة، على فتوى الشيخ محمد الحسن ولد الددو، بخصوص رأيه في عدم جواز تعطيل الجمعة والجماعات بالمسجد، رغم انتشار الوباء والمرض.

أولا: قرار إيقاف إقام الصلوات الخمس والجمعة، ليس تعطيلاً للمساجد، وإنما هو مجرد إيقافٍ مؤقتٍ لها. فالتعطيل من شأنه الإلغاء المطلق، بينما الإيقاف هو إجراءٌ مؤقتٌ وحسب.

ثانيا: الاستدلال بقوله تعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىظ° فِي خَرَابِهَا"(1)، في هذا الصدد، لا يستقيم من جهتين:

أولاهما: أن ذكر اسم الله تعالى في هذه المساجد، لا يزال قائماً من خلال رفع (الآذان).

ثانيهما: أن سياق الآية ( وسعى في خرابها )، يبين أن المقصود بها، هؤلاء الذين يتعمدون منع الناس من المساجد، ويحاولون تخريبها وهجر الناس لها، حقداً وكرها من عند أنفسهم، وهم النصارى كما نص على ذلك كبار الصحابة والتابعين في التفسير، من أمثال: ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي ... وغيرهم، حيث قالوا في تأويل الآية، بأن المراد منها: "النصارى الذين كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه"(2).

ثالثا: وأما الاستدلال بقوله تعالى: "واستعينوا بالصبر و الصلاة"(3)، وبفعله: صلى الله عليه وسلم أنه "كان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة(4)"، وقوله: عليه الصلاة والسلام: ( أرحنا بها يا بلال )(5)، و قوله كذلك: ( و جعلت قرة عيني في الصلاة) (6)، فلا وجه للاستدلال بها هنا، لأنها ليست في محل النزاع، ولأنها دلائل عامة وليست خاصة في محل الخلاف، وبما أن هذه الاستدلالات عامة، فتحمل على عمومها لعدم وجود المخصص، فتشمل صلاة الفذ والمنفرد، وصلاة الجماعة.

رابعا: وأما قول الشيخ: "فلا تعطل المساجد، ولكن يمكن أن تنتقص جماعتها خوفا من الضرر عند الانتشار السريع والفادح للوباء، فيصلي فيها الإمام الراتب معه المؤذن، ومن حضر مع الاحتياط باستعمال الكمامات و القفازين و السجادة الخاصة بكل واحد منهم وعدم المصافحة، و لا يلزم حينئذ اصطفاف المصلين و لا تقاربهم، وهم بذلك يقومون عن أهل البلد بفرض كفاية"، فلا يسلم له، من وجوه:

* الوجه الأول: أن الضرر ما دام متحققا، أو قريباً من التحقق بالظن الراجح، فلا فرق بين التقليل والتكثير في الجماعة، لأن ما ينطبق على الكثرة، ينطبق كذلك على القلة.

* الوجه الثاني: أننا الآن أمام احتياطين:

- الاحتياط الأول: هو البقاء في المنزل والصلاة فيه. والصلاة في المنزل مجزئةٌ -وهذا مذهب جمهور أهل العلم-، لقوله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءاً"(7)، ووجه الاستدلال بهذا الحديث، أن قوله عليه الصلاة والسلام "أفضل"، يقتضي أن صلاة المنفرد صحيحة ومجزئة، وإن كانت صلاة الجماعة أفضل منها، وأحسن منها.

- الاحتياط الثاني: هو الذهاب إلى المسجد، مع اتخاذ طرق الوقاية والحماية (مثل استعمال الكمامات والقفازين ...الخ)، لأداء "فضيلة" الجماعة، وعند النظر والتأمل، يتضح أن الاحتياط الأول، أسلم وأحوط، وأكثر أمانا من الاحتياط الثاني الذي قد يؤدي إلى الوقوع في المحظور والمحرم، وهو قوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا"(8)، وقوله عز وجل: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً"(9).

وإذا ترتب الأمر على هذا النحو، نقول بأن : الحفاظ على "كلي النفس" (حفظ نفوس المسلمين) ، أولى من الحفاظ على "جزئي الدين" (صلاة الجماعة)، لأنه لا يتصور حفظ الدين، بدون الحفاظ على "كلي النفس"، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلامِ، فَلا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا" (10).

* الوجه الثالث: أنا لا نسلم للشيخ بأن صلاة الجماعة فرض كفاية، بل هي سنة مؤكدة على رأي كثير من أهل العلم، من الحنفية والمالكية، والشافعية، والمسألة مختلف فيها قديماً وحديثاً، وليس هذا محل تحريرها.

خامساً: وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم"(11)، فلا وجه للاستدلال به في هذا السياق، لأن القصد منه: بيان كيفية صلاة الجماعة، ومن هو أحق لللتقدم للإمامة، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام فيما بعد ذلك: "وَأَحَقُّهُمْ بالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ". فلا دليل فيه على وجوب الجماعة، ومفهوم الحديث المخالف : أنهم إذا لم يكونوا ثلاثة، فإن كل واحد منهم يؤم نفسه.

سادساً: وما ذكره الشيخ من قضية إقامة خطبة الجمعة عن طريق التلفاز أو المذياع أو مكبرات الصوت ... ففيه من التكلف والمشقة الشيء الكثير، والشرع قد رفع عنا المشقة والحرج والتكلف، ومما يدل على صحة ترك الجمعة للضرورة، ما روي في الصحيحين من أن "ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ . قُلْ : صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ . فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا . قَالَ : فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- ؛ إِنَّ الْجُمْعَةَ عَزْمَةٌ ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ"(12). فإذا كان مجرد المطر عذراً مبيحاً لترك الجمعة، فإن المرض المعدي والفتاك لاشك أنه أولى منه، لأن ضرره أكثر وأشد.

سابعا: وأما قول الشيخ، بأن الخوف الحاصل من الذهاب إلى المسجد، متحقق كذلك في الذهاب إلى المستشفيات والأسواق ... وغيرهما، فهذا قياسٌ مع الفارق، والفارق هو أن: الذهاب إلى المسجد، لا يرقى إلى مقام الفرائض والواجبات، وأما الحفاظ على النفس بالتداوي والاستشفاء، والتغدية والشراب، فهو في مقام الضروريات. والله تعالى أعلم.
الإحالات والهوامش:
(1) [سورة البقرة: 114].
(2) انظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن،لابن جرير الطبري، 2/520-521، (تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط: مؤسسة الرسالة، ط1، 1420 هـ - 2000م).
(3) [سورة البقرة: 45].
(4) أخرجه أبو داوود في سننه، كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، رقم: 1319. وحسنه الشيخ الألباني. (تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط: المكتبة العصرية، بيروت، بدون تاريخ)
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، بنحو هذا اللفظ، رقم: 23154، ج: 38/225، (تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرين، ط: مؤسسة الرسالة، ط1، 1421 هـ - 2001م).
(6) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، رقم: 14037، ج21/433. قال الشيخ الأرناؤوط: إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سلام أبي المنذر، فهو صدوق حسن الحديث.
(7) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، رقم: 646 (تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، ط: دار طوق النجاة، ط1، 1422هـ)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، رقم: 649 (تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ).
(8) [سورة البقرة: 195].
(9) [النساء: 29]
(10) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، رقم: 17663.
(11) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، رقم: 672.
(12) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر، رقم: 901، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الصلاة في الرحال في المطر، رقم: 699.
 
أعلى