العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

بين الشيخين الدكتور يوسف القرضاوي والعلامة عبد العزيز بن باز

إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي
تحدث الشيخ يوسف القرضاوي في مذكراته عن مراسلات جرت بينه وبين سماحة العلامة عبد العزيز بن باز، يظهر فيها جليا خلق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وسعة أفقه في مسائل الخلاف، وكذلك ما كان يتحلى به الشيخ من العدل والانصاف مع المحالف كماهو منهج الكبار من أهل العلم..

قال الشيخ الدكتور القرضاوي"

رسالة مهمة من الشيخ ابن باز

الشيخ ابن باز

ومما أذكره من وقائع تلك المدة من الزمن أني تلقيت رسالة من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، خلاصتها: أن وزارة الإعلام طلبت رأيه في كتابي "الحلال والحرام في الإسلام"؛ لأن بعض الناشرين طلبوا من الوزارة أن "تفسح" له، وكلمة "الفسح" غدت مصطلحا معروفا في المملكة يقصد به الإذن بنشر الكتاب ودخوله في السعودية.
وكان الشيخ صالح الفوزان -من شباب علماء المملكة- قد أثار ضجة بما كتبه في الصحف، وأصدره في كتاب سماه "الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام"، وهو يمثل وجهة النظر السلفية في المسائل الخلافية المعروفة من قديم، مثل تغطية وجه المرأة هل هو واجب أو لا؟ وحكم خروج المرأة للتعلم والعمل، وحكم الغناء بآلة وبغير آلة، وحكم التصوير الزيتي والفوتوغرافي، وغير ذلك، مما تتفاوت فيه فتاوى المفتين بين ميسر ومعسر، وبين من يميل إلى الظاهر، ومن يرجح الالتفات إلى المقاصد.
فلا غرو أن ذكر الشيخ ابن باز بأدب العالم الكبير، ورفق الداعية البصير أنه يريد أن يفسح الكتاب لما فيه من نفع للمسلمين لسلاسته وجمال أسلوبه، وأخذه بمنهج التيسير، ولكن المشايخ في المملكة خالفوه في ثماني مسائل. وسرد الشيخ رحمه الله هذه المسائل الثمانية، ومنها: ما يتعلق بزي المرأة وعملها، وما يتعلق بالغناء والسماع، وما يتعلق بالتصوير، وما يتعلق بالتدخين وأني لم أحسم الرأي فيه بالتحريم، وما يتعلق بمودة غير المسلم... إلخ.
وقال الشيخ رحمه الله: وإن كتبك لها وزنها وثقلها في العالم الإسلامي، وقبولها العام عند الناس، ولذا نتمنى لو تراجع هذه المسائل لتحظى بالقبول الإجماعي عند المسلمين.
والواقع أني ظللت محتفظا بهذه الرسالة سنين طويلة ثم اختفت مني، ويبدو أنها غرقت في بحر الأوراق الخضم الذي عندي، والذي قل أن ينجو ما غرق فيه!
هذا وقد رددت تحية الشيخ بأحسن منها، وكتبت له رسالة رقيقة، تحمل كل مودة وتقدير للشيخ، وقلت له: لو كان من حق الإنسان أن يدين الله بغير ما أداه إليه اجتهاده، ويتنازل عنه لخاطر من يحب، لكان سماحتكم أول من أتنازل له عن رأيي؛ لما أكن لكم من حب وإعزاز واحترام، ولكن جرت سنة الله في الناس أن يختلفوا، وأوسع الله لنا أن نختلف في فروع الدين، ما دام اختلافا في إطار الأصول الشرعية، والقواعد المرعية، وقد اختلف الصحابة والتابعون والأئمة الكبار؛ فما ضرهم ذلك شيئا؛ اختلفت آراؤهم، ولم تختلف قلوبهم، وصلى بعضهم وراء بعض.
والمسائل التي ذكرتموها سماحتكم، منها ما كان الخلاف فيها قديما، وسيظل الناس يختلفون فيها، ومحاولة رفع الخلاف في هذه القضايا غير ممكن، وقد بين العلماء أسباب الاختلاف وألفوا فيها كتبا، لعل من أشهرها كتاب شيخ الإسلام "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".
ومن هذه المسائل ما لم يفهم موقفي فيها جيدا، مثل موضوع التدخين؛ فأنا من المشددين فيه، وقد رجحت تحريمه في الكتاب بوضوح، إنما وهم من وهم في ذلك؛ لأني قلت في حكم زراعته: حكم الزراعة مبني على حكم التدخين؛ فمن حرم تناوله حرم زراعته، ومن كره تناوله كره زراعته، وهذا ليس تراجعا عن التحريم.
وأما مودة الكافر فأنا لا أبيح موادة كل كافر؛ فالكافر المحارب والمعادي للمسلمين لا مودة له، وفيه جاء قوله تعالى: "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله" [المجادلة: 22]، ومحادة الله ورسوله ليست مجرد الكفر، ولكنها المشاقة والمعاداة.
وتعلم سماحتكم أن الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج كتابية، كما في سورة المائدة "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب" [المائدة: 5]، فهل يحرم على الزوج أن يود زوجته، والله تعالى يقول: "وجعل بينكم مودة ورحمة" [الروم: 21]، وهل يحرم على الابن أن يود أمه الكتابية؟ أو يود جده وجدته، وخاله وخالته، وأولاد أخواله وخالاته؟ وكلهم تجب لهم صلة الرحم، وحقوق أولي القربى.
على كل حال أرجو من فضيلتكم ألا يكون الاختلاف في بعض المسائل الاجتهادية الفرعية حائلا دون الفسح للكتاب، وها هو الشيخ الألباني يخالفكم في قضية حجاب المرأة المسلمة.. فهل تمنعون كتبه؟
وختمت الكتاب بالتحية والدعاء.. وأعتقد أن الشيخ استجاب لما فيه، وفسح لكتاب "الحلال والحرام" ولغيره من كتبي، والحمد لله.:" انتهى

رحمة الله على سماحة الشيخ عبد العزيز وأسكنه فسيح جناته، ووفقنا جميعا لحسن التأسي بأخلاق هؤلاء الكبار من العلماء....
 
أعلى