د / ربيع أحمد ( طب ).
:: متخصص ::
- إنضم
- 4 يناير 2008
- المشاركات
- 1,323
- التخصص
- طبيب تخدير
- المدينة
- الجيزة
- المذهب الفقهي
- ما وافق الدليل
لقد ردد الكثير من الفضلاء ممن تتلمذنا على أشرطتهم وكتبهم ومحاضراتهم أن القائلين بجواز كشف الوجه يوجبون تغطيته في زمن الفتن ،ولازم هذا وجوب تغطية الوجه في هذا الزمان ، وهذا لا يصح ، وكل يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم ،وهؤلاء الأفاضل لهم علم جاري إلى يوم القيامة ،و جعلهم الله سببا من أسباب هداية الناس ورفع بهم الدين لكن الحق أحق أن يتبع ،وكنت أغض الطرف عنها لأني اعتقد أي أجزم بأن قولهم هو الأحوط ،والأفضل أن تغطي المرأة وجهها وليس ذلك بالقول الصحيح ،ولأن البعض أثار هذه المقولة فلا وجه للسكوت ،وكتمان العلم بشأنها حتى لا يكون هناك إيجاب بما لم يوجبه الله فبسم الله أبدء وبه اهتدي وعليه اتوكل من قال تغطية المرأة وجهها - في زمن الفتنة - واجب بإجماع العلماء فإنه قد يستند لمقولته لما يلي : قال ابن عابدين في رد المحتار: (( تمنع المرأة الشابة، وتنهى عن كشف الوجه بين الرجال لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة، أي: تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها، فتقع الفتنة لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة )) . وقال الزيلعي في كتابه البحر الرائق : (( تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة)) . وقال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح : (( ومَنْعُ الشابة من كشفه لخوف الفتنة، لا لأنه عورة )). وقال القرطبي في تفسيره ( قال ابن خويز منداد ـ وهو من علماء المالكية ـ: المرأة إذا كانت جميلة، وخيف من وجهها وكفيها الفتنة، فعليها ستر ذلك )). وقال محمد الخطاب في مواهب الجليل شرح مختصر خليل: (( إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين )) . و قال الشيخ داماد افندي في مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر: (( وفي المنتقى : تمنع الشابة عن كشف وجهها لئلا يؤدي إلى الفتنة . وفي زماننا المنع واجب بل فرض لغلبة الفساد )) . وقال الشيخ محمد علاء الدين الإمام في الدر المنتقى في شرح الملتقى: (( وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها ، وقدميها في رواية ، وكذا صوتها، وليس بعورة على الأشبه ، وإنما يؤدي إلى الفتنة ، ولذا تمنع من كشف وجهها بين الرجال للفتنة )) . وقال العلامة ابن نجيم في ( البحر الرائق شرح كنز الدقائق) : (( قال مشايخنا : تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة )). وقال الشيخ علاء الدين عابدين في ( الهدية العلائية ) : (( وتُمنع الشابة من كشف وجهها خوف الفتنة )) . وحكى الإمام العلامة أحمد بن حسين بن رسلان الشافعي: (( اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ، لا سيما عند كثرة الفساق )) نقله الشوكاني في نيل الأوطار . وحكى العلامة السهانفوري في بذل المجهود : (( ..اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ، لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره)) . وكل هذه الأقوال لا تفيد القول بالإجماع على وجوب تغطية الوجه لما يلي : الوجه الأول : هذا الإجماع المزعوم معارض بقول ابن حجر الهيثمي في ( الفتاوى الكبرى ) : (( وحاصل مذهبنا أن إمام الحرمين نقل الإِجماع على جواز خروج المرأة سافرة وعلى الرجال غضّ البصر )) والمرأة لفظ عام يشمل الجميلة وغير الجميلة . الوجه الثاني : لو سلمنا بوجود الإِجماع على أنها تؤمر بستره إذا خرجت فهذا ليس نصا في وجوب التغطية لأنه لا يلزم من أمرها بتغطية الوجه وجوبه عليها ألا ترى أن الشرع حث الرجل على أمر طفله بالصلاة ،وليس هذا دليلا على وجوبها عليه ،وأيضا المرأة تمنع من كشف الوجه ،وليس يجب منعها من كشف الوجه . الوجه الثالث : هذا الإجماع معارض بقول ابن مفلح الحنبلي في ( الآداب الشرعية ) عندما سئل هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق؟ (( ينبني (الجواب) على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها أو يجب غض النظر عنها ؟ وفي المسألة قولان : قال القاضي عياض في حديث جرير رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم قال العلماء رحمهم الله تعالى : وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبة لها ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض شرعي . ذكره الشيخ محيي الدين النووي ولم يزد عليه (( فابن مفلح قال بوجود قولين في المسألة قول بجواز الكشف وقول بعدم الجواز ،ولم يقل أن قول الذي قال بالجواز منعه عند خوف الفتنة .
الوجه الرابع : هذا الإجماع المزعوم معارض بقول الإمام السرخسي الحنفي (483 هـ) في المبسوط : (( ثم لا شك أنه يباح النظر إلى ثيابها ولا يعتبر خوف الفتنة في ذلك فكذلك إلى وجهها وكفها )) انظروا حتى النظر مع مظنة الفتنة لوجه المرأة عند أحد كبار الأحناف يجوز ،وجواز النظر مع الخوف من الفتنة أقل من الحكم أو يساوي القول بجواز الكشف مع الخوف من الفتنة ؛لأن المرأة هي المتسببة فيه ،وها هو العلامة الطرسوسي يقول في حق كتاب المبسوط للسرخسي : مبسوط السرخسي لا يعمل بما يخالفه ،ولا يركن إلا إليه ولا يفتى ولا يعول إلا عليه ( رسم الفتوى لابن عابدين الحنفي) الوجه الخامس : هذا الإجماع المزعوم معارض بقول الإمام المرغيناني الحنفي ( 593 هـ ) في ( الهداية )(( ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة(( . انظروا النظر مع خوف الفتنة عند الإمام المرغيناني ، وجواز النظر مع الخوف من الفتنة أقل من الحكم أو يساوي القول بجواز الكشف مع الخوف من الفتنة ،والمرغيناني من علماء الطبقة الخامسة لأحناف كما في رسم الفتوى لابن عابدين . الوجه السادس : هذا الإجماع المزعوم معارض بقول الإمام البابرتي الحنفي ( 786 هـ ) في ( العناية شرح الهداية ) : (( إذا خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة )) . ،وكذلك قال الإمام زين الدين الرازي الحنفي من علماء القرن السابع الهجري في ( تحفة الملوك ) : ))ويحرم النظر إلى غير الوجه والكفين من الحرة الأجنبية وفي القدم روايتان فإن خاف الشهوة لم ينظر إلى الوجه أيضا إلا لحاجة وكذا لو شك(( . الوجه السابع : هذا القيد لم ينسب لأئمة المذاهب ،وإنما لبعض المتأخرين ،وقبل هذا الإجماع المزعوم خلاف مستقر في جواز كشف الوجه ،ولم يقيد باشتراط أمن الفتنة وقد قرأت للشيخ ابن عثيمين في الأصول من علم الأصول : (( الإجماع لا يرفع الخلاف السابق ،وإنما يمنع من حدوث الخلاف )) والمعلوم أن الراجح من أقوال العلماء عدم إحداث قول ثالث إذا اختلف العلماء على قولين كما في الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان ،وهذا القيد يعتبر قول ثالث في المسألة . الوجه الثامن : أن هذا الإجماع المزعوم يخالف تعريف العلماء للإجماع فالإجماع هو اتفاق مجتهدى الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي كذا في الأصول من علم الأصول للعلامة ابن عثيمين فهل المجيزين كشف الوجه على التسليم بأن هذا قول المجيزين كلهم يعتبر إجماعهم إجماع ؟ و كيف يعتبر المجيزين و المحرمين مجموعون وهؤلاء لم يقيدوا سبب حرمة الكشف وهؤلاء قيدوا سبب حرمة الكشف ؟!!!!!!!! الوجه التاسع : أن فتنة الرجل بالمرأة كفتنة المرأة بالرجل فلما يؤمرون المرأة وحدها بتغطية وجهها مع أنهم لا يوجبونها على الرجل ؟ وهل نساء اليوم الذين يشاهدون التلفزيون ويسمعون الأغاني كالصحابيات و أمهات المؤمنين ،ولقد سمعت أن بعض طالبات الطب عندما مسكن قضيب رجل ميت عبرت بكلمات جنسية في غاية السفالة ،وهذا في كلية من أعرق كليات الطب في مصر ،ولقد سمعت من بعض طلبة الحقوق والآداب والشريعة أن الطالبات تفتن بطالبات مثلهن ،ولم أكن أصدق حتى رأيت في يوم وكنت ذاهبا لأشرح كتاب الحكم الشرعي للدكتور بلال مهران في جامعة القاهرة ،وهذا الكتاب يقع في 450 صفحة فرأيت شابا يقول لا حول ولا قوة إلا بالله فنظرت فإذ وللأسف بنت تنظر نظرة شهوانية لفتاة ماشية فإذا كانت البنت تنظر للفتاة بهذه الطريقة فكيف تنظر للولد صبيح الوجه أو فتي الجسم ؟!!!!!!! فهذا الإجماع المزعوم يستلزم باطلا ،وما استلزم باطلا فهو باطل . الوجه العاشر : في هذا الإجماع المزعوم اتهاما للشريعة بالتناقض إذا كيف تجعل عقوبة المعصية في الحرم مضاعفة ،ولم توجب على النساء تغطية الوجه في الحج،وهذا زمان فتن بل النساء يكن بجانب الرجال ،والناس في الحرم منهم من يأتي ليسرق ومنهم من يأتي لمنفعة ومنهم من يأتي لكي يقول الناس أنه حاجا ومنهم من يأت للحج لكنه رجل شهواني فداعي التغطية في الحرم أشد من التغطية في غير الحرم لمضاعفة العقوبة في الحرم ؟!!! فإذا قالوا أوجبت الشريعة على الجنسين غض البصر إذن لما لا تقولون هذا في المسألة التي نحن بصددها ،وتوجبون ما لم يوجبه الله على النساء ؟ ،وقد أفتى ابن عقيل الحنبلي ردا على سؤال وجه إليه عن كشف المرأة وجهها في الإحرام -مع كثرة الفساد اليوم-: أهو أولى أم التغطية. فأجاب: بأن الكشف شعار إحرامها، ورفع حكم ثبت شرعا بحوادث البدع لا يجوز، لأنه يكون نسخا بالحوادث، ويفضي إلى رفع الشرع رأسا. وليس ببدع أن يأمرها الشرع بالكشف، ويأمر الرجل بالغض، ليكون أعظم للابتلاء، كما قرب الصيد إلى الأيدي في الإحرام ونهى عنه ( بدائع الفوائد لابن القيم ).
الوجه الحادي عشر : عصر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كان عصر بشر فيه افتتان الرجال بالنساء وفيه فسقة وفيه منافقون و كان فيه من يزن وإن كان عصرًا مثاليًا حقًا، ولم تر البشرية مثله في النقاء والارتقاء، فما هو إلا عصر بشر مهما كانوا، ففيهم ضعف البشر، وأهواء البشر، وأخطاء البشر، ولهذا كان فيهم من زنى، ومن أقيم عليه الحد، ومن ارتكب ما دون الزنى، وكان فيه الفُسَّاق والمُجَّان الذين يؤذون النساء بسلوكهم المنحرف، وقد نزلت آية سورة الأحزاب التي تأمر المؤمنات بإدناء الجلابيب عليهن، حتى يعرفن بأنهن حرائر عفيفات فلا يؤذين : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين). وقد نزلت آيات في سورة الأحزاب تهدد هؤلاء الفسقة والماجنين إذا لم يرتدعوا عن تصرفاتهم الشائنة، فقال تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قيلاً. ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً) أضف إلى هذا أن الناس كانوا حديث عهد بجاهلية ،وكانوا في الجاهلية يبيعون الجوارى ويعرضونها كالسلعة ،وكان الرجل يجملها طبعا ليروج البيع ،وقد يجس الرجل صدرها ليعرف حجمه وينظر لفخذها إلى هذه الأشياء التي تحدث اليوم في تركيا و ألمانيا وهولندا فكان داعي الشهوة موجود فلماذا هذا الإجماع المزعوم في هذا العصر ،وهو كغيره من العصور في افتتان الرجال بالنساء ؟ الوجه الثاني عشر : في عصرنا الشيخ الألباني والقرضاوي وإن كان فيه دخن لم يوجبا على المرأة تغطية الوجه مع خوف الفتنة وفساد الزمان ،و الشيخ محمد عليش المالكي شارح مختصر خليل يقول بنفس القول فدعوى الإجماع لا تصح ومخالفة الواحد والاثنين تنقض الإجماع على القول الراجح فعلماء الأصول قد عرفوا الإجماع بأنه اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي فخرج بقولهم: (اتفاق) ؛ وجود خلاف ولو من واحد، فلا ينعقد معه الإجماع . وخرج بقولهم : (مجتهدي) ؛ العوام والمقلدون، فلا يعتبر وفاقهم ولا خلافهم وخرج بقولهم : (هذه الأمة) ؛ إجماع غيرها فلا يعتبر. وخرج بقولهم: (بعد النبي صلى الله عليه وسلم ) ؛ اتفاقهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتبر إجماعاً من حيث كونه دليلاً، لأن الدليل حصل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم من قـول أو فعل أو تقرير، ولذلك إذا قال الصحابي: كنا نفعل، أو كانوا يفعلون كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كان مرفوعاً حكماً، لا نقلاً للإجماع. وخرج بقولهم : (على حكم شرعي) ؛ اتفاقهم على حكم عقلي، أو عادي فلا مدخل له هنا، إذ البحث في الإجماع كدليل من أدلة الشرع ،ومن يقول خلاف الواحد والاثنين لايخرق الإجماع فقوله ليس بصواب فالله سبحانه إنما أخبر عن عصمة الأمة عند الاجتماع فدل على جواز الخطأ على بعضهم فقد قال تعالى : ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ النساء115 ولا شك أن مشاقة الرسول وحدها موجبة للعذاب فما دام أن الله جمع لذلك أيضاً اتباع غير سبيل المؤمنين دل ذلك على أن هذا موجب للعذاب أيضاً ، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحاً لما جمع بينه وبين المحظور كما لا يجوز أن يقال إن زنيت وشربت الماء عاقبتك فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين محظورة ،ومتابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى غير قولهم وفتواهم ،وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة ضرورة أنه لا خروج من القسمين وكلمة سبيل لاتتأتى إلا فيما أجمعوا عليه أما الذى اختلفوا فيه فليس سبيل بل سبل ، فالأمة معصومة باجتماعها فقط ،والكثرة لاحجة فيها بدليل قوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ الأنعام من الآية 116ويقول أيضاً :﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ يوسف آية 103 ،وقال صلى الله عليه وسلم : (( بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كم بدأ ؛ فطوبى للغرباء )) رواه مسلم ، فهذا الحديث دليل على قلة أهل الحق فالكثرة ليست دليلآ قاطعاً على الصواب ،ومع احتمال خطأ الكثرة يسقط الاستدلال بها،وقد دل القرآن والسنة على عدم اعتبار الكثرة فى الدلالة على الصواب فإن قيل اتفاق الأكثرين يشعر بأن الحق معهم فيندر فى العادة أن يكون المخالف هو الراجح قلنا ليس هذا نادراً فقد دل القرآن والسنة على التزام الحق ،وإن خالف الأكثرون ، ولذلك لا يكون قول الأكثرين أولى بالإتباع، لأن الترجيح بالكثرة، ،وإن كان حقا في باب رواية الأخبار لما فيه من ظهور أحد الظنين على الآخر، فلا يلزم مثله في باب الاجتهاد، لما فيه من ترك ما ظهر له من الدليل لما لم يظهر له فيه دليل، أو ظهر، غير أنه مرجوح في نظره. فقول من جوز الإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين فاسد من وجوه : الأول : الآية حرمت مخالفة سبيل المؤمنين ،وبوجود مخالف يكون هناك أكثر من سبيل فتنتفى الحرمة. الثانى :جرى فى عصر الصحابة خلاف الواحد منهم ،ولم ينكروا عليه بل سوغوا له الاجتهاد فيما ذهب إليه مع مخالفة الأكثر، ولو كان إجماع الأكثر حجة ملزمة للغير لأخذ به، لأنكروا على المخالف ،ولو أنكروا لنقل إلينا ذلك ،والمنقول عنهم الإقرارفدل هذا على أن إجماع الكثرة ليس بحجة، ومن ذلك اتفاق أكثر الصحابة على امتناع قتال ما نعي الزكاة مع خلاف أبي بكر لهم، وكذلك خلاف أكثر الصحابة لما انفرد به ابن عباس في مسألة العول وتحليل المتعة وأنه لا ربا إلا في النسيئة ،وكذلك خلافهم لابن مسعود فيما انفرد به في مسائل الفرائض، ولزيد بن أرقم في مسألة العينة، ولأبي موسى في قوله: النوم لا ينقض الوضوء، ولأبي طلحة في قوله بأن أكل البرد لا يفطر، إلى غير ذلك ،ولو كان إجماع الأكثر حجة، لبادروا بالإنكار والتخطئة، فإن قيل قد أنكروا على ابن عباس خلافه في ربا الفضل في النقود، وتحليل المتعة، والعول نقول بأن إنكار الصحابة على ابن عباس فيما ذهب إليه لم يكن بناء على إجماعهم واجتهادهم، بل بناء على مخالفة ما رووه له من الأخبار الدالة على تحريم ربا الفضل ونسخ المتعة، على ما جرت به عادة المجتهدين في مناظراتهم، والإنكار على مخالفة ما ظهر لهم من الدليل حتى يبين لهم مأخذ المخالفة فما وجد منهم من الإنكار في هذه الصور لم يكن إنكار تخطئة بل إنكار مناظرة في المأخذ، كما جرت عادة المجتهدين بعضهم مع بعض. الثالث :قال : (( إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة )) حديث حسن بمجموع طرقه فى صحيح الجامع رقم 1786،ولفظ الأمة عام يشمل كل الأمة ،ومن قال المراد غالب الأمة فقد أخرج اللفظ عن ظاهره ،وإخراج اللفظ عن ظاهره يحتاج لقرينة ، فالأمة معصومة فى اجتماعها لا فى آحادها ،وعلى هذا فالكثرة ليست دليلاً على الصواب فمَنْ يَقُولُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْجَمِيعِ ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالتَّحَكُّمِ بَلْ بِدَلِيلٍ وَضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا ، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَقَلَّ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ الْبَعْضُ الْمُرَادُ عَمَّا لَيْسَ بِمُرَادٍ وَلَا بُدَّ مِنْ إجْمَاعِ الْجَمِيعِ لَيُعْلَمَ أَنَّ الْبَعْضَ الْمُرَادَ دَاخِلٌ فِيهِ ، كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ أَهْلِ الْحَقِّ. الرابع : قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار)) [ حديث صححه الألبانى فى جامع الترمذى رقم 2167 ] ،فقوله شذ يدل على أن العبرة بموافقة الجميع فالشاذِ عبَارَةٌ عَنْ الْخَارِجِ عَنْ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِجْمَاعِ لَا يُقْبَلُ خِلَافُهُ بَعْدَهُ وَهُوَ الشُّذُوذُ ، أَمَّا الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى شَاذًّا فالشاذ هو المخالف بعد الموافقة، لا من خالف قبل الموافقة فالمخالفة قبل الموافقة تقتضى عدم الإجماع فلا حجة فى إجماع الأكثر مع مخالفة الواحد. الخامس: قوله تعالى : ﴿ ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ ﴾ [ سورة الشورى من الآية 10] فدلت الآية أن عند الاختلاف يرد الحكم إلى الله أى أن قول أحد ليس حجة على أحد ،ومَفْهُومُهُ : أَنَّ مَا اتَّفَقْ المسلمون فِيهِ فَهُوَ حَقٌّ . السادس: قوله تعالى : ﴿ َفإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ﴾[ سورة النساء من الآية 59] فدلت الآية أنه عندالاختلاف حتى وإن كان من واحد يرد الحكم إلى الكتاب والسنة أى ليس قول أحد حجة على أحد أما إذا اتفقوا فقولهم حق بدليل المخالفة وانظر هذا الكلام النفيس لابن حزم : (( فصل في من قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن بعدهم لا يعد خلافاً وأن قول من سواه فيمن خالفهم فيه إجماع قال أبو محمد: ذهب محمد بن جرير الطبري إلى أن خلاف الواحد لا يعد خلافاً، وحكى أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي : أن أبا حازم عبد العزيز بن عبد الحميد القاضي الحنفي فسخ الحكم بتوريث بيت المال ما فضل عن ذوي السهام وقال : إن زيد بن ثابت لا يعد خلافا على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. قال أبو محمد: فيقال لهم: ما معنى قولكم لا يعد خلافا ؟ أتنفون وجود خلاف ؟ فهذا كذب تدفعه المشاهدة والعيان، أم تقولون: إن الله تعالى أمركم ألاتسموه خلافا ؟ أو رسوله صلى الله عليه وسلم أمركم بذلك ؟ فهذه شر من الأولى، لأنه كذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم أم تقولون: إن قائل ذلك الخلاف من الضعة والسقوط في المسلمين - إما لفسقه وإما لجهله - بحيث لا يكون وجود قوله إلا كعدمه ففي هذا ما فيه، إذ ينزلون زيد بن ثابت أو ابن عباس أو غيرهما من التابعين الأئمة في هذه المنزلة. ولعمري إن من أنزل عالما - من الصحابة رضي الله عنهم أو من التابعين أو من أئمة المسلمين - هذه المنزلة لاحق بهذه الصفة وأولى بها، ولا يخرج قولكم من إحدى هذه الثلاث قبائح، إذ لا رابع لها. فإن قالوا: إنما قلنا: إنه خطأ وشذوذ قلنا : قد قدمنا أن كل من خالف أحداً فقد شذ عنه، وكل قول خالف الحق فهو شاذ عن الحق، فوجب أن كل خطأ فهو شذوذ عن الحق، وكل شذوذ عن الحق فهو خطأ، وليس كل خطأ خلافا للإجماع، فليس كل شذوذ خلافاً للإجماع ، ولا كل حق إجماعا، وإنما نكلمكم ههنا في قولكم: ليس خلافا، ولكون ما عداه إجماعا، فقد ظهر كذب دعواهم وفسادها ،والحمد لله رب العالمين )) وممن قال بعدم انعقاد الإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين الجمهور كالآمدى فى الإحكام ،والرازى فى المحصول والغزالى فى المستصفى وأبو إسحاق الشيرازى فى اللمع . الوجه الثالث عشر : الشريعة أمرت الرجل بغض البصر لحفظ فرجه ،وأمرت المرأة بالاحتشام كي لا تتعرض للأذى ونحوه فلما لم ينص القرآن على تغطية الوجه حتى لا تتعرض المرأة لهذا وحتى لا يفتن بها الرجل يقولون قد دل على ذلك القرآن وكل ما يستدلون به لا يسلم من معارض قوي فمثلا يستدلون على وجوب تغطية الوجه، بالنهي عن الضرب بالأرجل، فيقولون :« فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجال بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه، فكيف بكشف الوجه». و نقول لهم ،و هل الوجه موضع شهوة وافتتان فقط أم هو أيضا موضع الكرامة الإنسانية، قبل أن يكون موضع الجمال والافتتان وإصدار المرأة للصوت المُوقع بالأرجل حركة مثيرة تدعوى الناس للنظر لها لإصدارها هذا الصوت أما امرأة كاشفة الوجه ناظرة للأرض وهي ماشية كيف تثير الناس ؟ ،وأيضا هذا لا يصلح دليلا على فريضة النقاب فالعلة التي ذكروه ،وهي خوف الفتنة يستوي فيها الجنسين ،وهم يفرضون التغطية على المرأة فقط وهذا تناقض لأن كما أن وجه المرأة مصدر فتنة بالنسبة للرجل فوجه الرجل فتنة أيضا بالنسبة للمرأة ،وهل زنا العين يختص بنظر الرجل للمرأة بشهوة فقط أم نظر الرجل للمرأة بشهوة ونظر المرأة للرجل بشهوة ؟ وهل توجبون على الرجل الوسيم تغطية وجهه خشية افتتان النساء به ؟ فلو أوجبتم على المرأة تغطية وجهها حفظا لفرج الرجل فيلزمكم أيضا إيجاب تغطية الرجل لوجهه حفظا لفرج المرأة ،وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم ،وإن أوجبتم التغطية للنساء دون الرجال كان هذا تناقض فالأمر بحفظ الفرج للرجال والنساء جميعا . الوجه الرابع عشر : حديث الخثعمية قاصمة الظهر لهذا الإجماع المزعوم فلو كان سكوته صلى الله عليه وسلم عن أمر الخثعمية بتغطية وجهها لأجل إحرامها لأمرها بسدل الساتر على وجهها مع مجافاته حتى لا يلتصق بالوجه لكنه لم يأمرها، ولما لم يأمر المرأة الخثعمية بتغطية وجهها في ذلك الجمع الكبير، الذي قال جابر رضي الله عنه في وصف ما كان من الحجّاج عندما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من المدينة : إن الناس كانوا مدّ البصر في جوانبه الأربعة : أمامه وخلفه ويمينه وشماله، علم من ذلك عدم وجوبه، ولو كان واجباً لأمرها بذلك. ،و دعوى البعض أن سكوت النبيّ على كشف الخثعمية وجهها كان لأجل الإحرام دعوى فاسدة لا عبرة بها إذ لو كان تغطية الوجه أمام غير المحارم فرضا خاصة أنها حسناء لأمرها النبي بتغطيته صلى الله عليه وسلم لأن المنهي عنه فقط لبس النقاب وليس تغطية الوجه فسكوته صلى الله عليه وسلم دليل ظاهر على أن وجه المرأة من غير أمّهات المؤمنين يجوز كشفه في الطرق ونحوها، لأن هذه الخثعمية كانت عند الرمي وذلك الموضع يكثر فيه اجتماع الحجّاج حتى إنه يحصل كثيراً التلاصق بين الرجال والنساء من شدة الزحمة بلا تعمّد ، ويردون هؤلاء الأفاضل ممن ألف رسائل في الحجاب بقولهم عن هذا الحديث : (( وغاية مافيه ذكر أن المرأة كانت وضيئة ؛ وفي الرواية الأخرى حسناء فيحتمل أنه أراد حسن قوامها وقدها ووضاءة ما ظهر من أطرافها )). قوله يحتمل لا عبرة به عند الفقهاء فالوجه يقولون أنه مجمع الحسن والمرأة يعرف حسنها من وجهها ،ومن قال بغير هذا فعليه بالدليل فالله المستعان .وكتب ربيع أحمد 26/12/2007 م
الوجه الرابع : هذا الإجماع المزعوم معارض بقول الإمام السرخسي الحنفي (483 هـ) في المبسوط : (( ثم لا شك أنه يباح النظر إلى ثيابها ولا يعتبر خوف الفتنة في ذلك فكذلك إلى وجهها وكفها )) انظروا حتى النظر مع مظنة الفتنة لوجه المرأة عند أحد كبار الأحناف يجوز ،وجواز النظر مع الخوف من الفتنة أقل من الحكم أو يساوي القول بجواز الكشف مع الخوف من الفتنة ؛لأن المرأة هي المتسببة فيه ،وها هو العلامة الطرسوسي يقول في حق كتاب المبسوط للسرخسي : مبسوط السرخسي لا يعمل بما يخالفه ،ولا يركن إلا إليه ولا يفتى ولا يعول إلا عليه ( رسم الفتوى لابن عابدين الحنفي) الوجه الخامس : هذا الإجماع المزعوم معارض بقول الإمام المرغيناني الحنفي ( 593 هـ ) في ( الهداية )(( ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة(( . انظروا النظر مع خوف الفتنة عند الإمام المرغيناني ، وجواز النظر مع الخوف من الفتنة أقل من الحكم أو يساوي القول بجواز الكشف مع الخوف من الفتنة ،والمرغيناني من علماء الطبقة الخامسة لأحناف كما في رسم الفتوى لابن عابدين . الوجه السادس : هذا الإجماع المزعوم معارض بقول الإمام البابرتي الحنفي ( 786 هـ ) في ( العناية شرح الهداية ) : (( إذا خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة )) . ،وكذلك قال الإمام زين الدين الرازي الحنفي من علماء القرن السابع الهجري في ( تحفة الملوك ) : ))ويحرم النظر إلى غير الوجه والكفين من الحرة الأجنبية وفي القدم روايتان فإن خاف الشهوة لم ينظر إلى الوجه أيضا إلا لحاجة وكذا لو شك(( . الوجه السابع : هذا القيد لم ينسب لأئمة المذاهب ،وإنما لبعض المتأخرين ،وقبل هذا الإجماع المزعوم خلاف مستقر في جواز كشف الوجه ،ولم يقيد باشتراط أمن الفتنة وقد قرأت للشيخ ابن عثيمين في الأصول من علم الأصول : (( الإجماع لا يرفع الخلاف السابق ،وإنما يمنع من حدوث الخلاف )) والمعلوم أن الراجح من أقوال العلماء عدم إحداث قول ثالث إذا اختلف العلماء على قولين كما في الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان ،وهذا القيد يعتبر قول ثالث في المسألة . الوجه الثامن : أن هذا الإجماع المزعوم يخالف تعريف العلماء للإجماع فالإجماع هو اتفاق مجتهدى الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي كذا في الأصول من علم الأصول للعلامة ابن عثيمين فهل المجيزين كشف الوجه على التسليم بأن هذا قول المجيزين كلهم يعتبر إجماعهم إجماع ؟ و كيف يعتبر المجيزين و المحرمين مجموعون وهؤلاء لم يقيدوا سبب حرمة الكشف وهؤلاء قيدوا سبب حرمة الكشف ؟!!!!!!!! الوجه التاسع : أن فتنة الرجل بالمرأة كفتنة المرأة بالرجل فلما يؤمرون المرأة وحدها بتغطية وجهها مع أنهم لا يوجبونها على الرجل ؟ وهل نساء اليوم الذين يشاهدون التلفزيون ويسمعون الأغاني كالصحابيات و أمهات المؤمنين ،ولقد سمعت أن بعض طالبات الطب عندما مسكن قضيب رجل ميت عبرت بكلمات جنسية في غاية السفالة ،وهذا في كلية من أعرق كليات الطب في مصر ،ولقد سمعت من بعض طلبة الحقوق والآداب والشريعة أن الطالبات تفتن بطالبات مثلهن ،ولم أكن أصدق حتى رأيت في يوم وكنت ذاهبا لأشرح كتاب الحكم الشرعي للدكتور بلال مهران في جامعة القاهرة ،وهذا الكتاب يقع في 450 صفحة فرأيت شابا يقول لا حول ولا قوة إلا بالله فنظرت فإذ وللأسف بنت تنظر نظرة شهوانية لفتاة ماشية فإذا كانت البنت تنظر للفتاة بهذه الطريقة فكيف تنظر للولد صبيح الوجه أو فتي الجسم ؟!!!!!!! فهذا الإجماع المزعوم يستلزم باطلا ،وما استلزم باطلا فهو باطل . الوجه العاشر : في هذا الإجماع المزعوم اتهاما للشريعة بالتناقض إذا كيف تجعل عقوبة المعصية في الحرم مضاعفة ،ولم توجب على النساء تغطية الوجه في الحج،وهذا زمان فتن بل النساء يكن بجانب الرجال ،والناس في الحرم منهم من يأتي ليسرق ومنهم من يأتي لمنفعة ومنهم من يأتي لكي يقول الناس أنه حاجا ومنهم من يأت للحج لكنه رجل شهواني فداعي التغطية في الحرم أشد من التغطية في غير الحرم لمضاعفة العقوبة في الحرم ؟!!! فإذا قالوا أوجبت الشريعة على الجنسين غض البصر إذن لما لا تقولون هذا في المسألة التي نحن بصددها ،وتوجبون ما لم يوجبه الله على النساء ؟ ،وقد أفتى ابن عقيل الحنبلي ردا على سؤال وجه إليه عن كشف المرأة وجهها في الإحرام -مع كثرة الفساد اليوم-: أهو أولى أم التغطية. فأجاب: بأن الكشف شعار إحرامها، ورفع حكم ثبت شرعا بحوادث البدع لا يجوز، لأنه يكون نسخا بالحوادث، ويفضي إلى رفع الشرع رأسا. وليس ببدع أن يأمرها الشرع بالكشف، ويأمر الرجل بالغض، ليكون أعظم للابتلاء، كما قرب الصيد إلى الأيدي في الإحرام ونهى عنه ( بدائع الفوائد لابن القيم ).
الوجه الحادي عشر : عصر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كان عصر بشر فيه افتتان الرجال بالنساء وفيه فسقة وفيه منافقون و كان فيه من يزن وإن كان عصرًا مثاليًا حقًا، ولم تر البشرية مثله في النقاء والارتقاء، فما هو إلا عصر بشر مهما كانوا، ففيهم ضعف البشر، وأهواء البشر، وأخطاء البشر، ولهذا كان فيهم من زنى، ومن أقيم عليه الحد، ومن ارتكب ما دون الزنى، وكان فيه الفُسَّاق والمُجَّان الذين يؤذون النساء بسلوكهم المنحرف، وقد نزلت آية سورة الأحزاب التي تأمر المؤمنات بإدناء الجلابيب عليهن، حتى يعرفن بأنهن حرائر عفيفات فلا يؤذين : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين). وقد نزلت آيات في سورة الأحزاب تهدد هؤلاء الفسقة والماجنين إذا لم يرتدعوا عن تصرفاتهم الشائنة، فقال تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قيلاً. ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً) أضف إلى هذا أن الناس كانوا حديث عهد بجاهلية ،وكانوا في الجاهلية يبيعون الجوارى ويعرضونها كالسلعة ،وكان الرجل يجملها طبعا ليروج البيع ،وقد يجس الرجل صدرها ليعرف حجمه وينظر لفخذها إلى هذه الأشياء التي تحدث اليوم في تركيا و ألمانيا وهولندا فكان داعي الشهوة موجود فلماذا هذا الإجماع المزعوم في هذا العصر ،وهو كغيره من العصور في افتتان الرجال بالنساء ؟ الوجه الثاني عشر : في عصرنا الشيخ الألباني والقرضاوي وإن كان فيه دخن لم يوجبا على المرأة تغطية الوجه مع خوف الفتنة وفساد الزمان ،و الشيخ محمد عليش المالكي شارح مختصر خليل يقول بنفس القول فدعوى الإجماع لا تصح ومخالفة الواحد والاثنين تنقض الإجماع على القول الراجح فعلماء الأصول قد عرفوا الإجماع بأنه اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي فخرج بقولهم: (اتفاق) ؛ وجود خلاف ولو من واحد، فلا ينعقد معه الإجماع . وخرج بقولهم : (مجتهدي) ؛ العوام والمقلدون، فلا يعتبر وفاقهم ولا خلافهم وخرج بقولهم : (هذه الأمة) ؛ إجماع غيرها فلا يعتبر. وخرج بقولهم: (بعد النبي صلى الله عليه وسلم ) ؛ اتفاقهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتبر إجماعاً من حيث كونه دليلاً، لأن الدليل حصل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم من قـول أو فعل أو تقرير، ولذلك إذا قال الصحابي: كنا نفعل، أو كانوا يفعلون كذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كان مرفوعاً حكماً، لا نقلاً للإجماع. وخرج بقولهم : (على حكم شرعي) ؛ اتفاقهم على حكم عقلي، أو عادي فلا مدخل له هنا، إذ البحث في الإجماع كدليل من أدلة الشرع ،ومن يقول خلاف الواحد والاثنين لايخرق الإجماع فقوله ليس بصواب فالله سبحانه إنما أخبر عن عصمة الأمة عند الاجتماع فدل على جواز الخطأ على بعضهم فقد قال تعالى : ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ النساء115 ولا شك أن مشاقة الرسول وحدها موجبة للعذاب فما دام أن الله جمع لذلك أيضاً اتباع غير سبيل المؤمنين دل ذلك على أن هذا موجب للعذاب أيضاً ، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحاً لما جمع بينه وبين المحظور كما لا يجوز أن يقال إن زنيت وشربت الماء عاقبتك فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين محظورة ،ومتابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى غير قولهم وفتواهم ،وإذا كانت تلك محظورة وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة ضرورة أنه لا خروج من القسمين وكلمة سبيل لاتتأتى إلا فيما أجمعوا عليه أما الذى اختلفوا فيه فليس سبيل بل سبل ، فالأمة معصومة باجتماعها فقط ،والكثرة لاحجة فيها بدليل قوله سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ﴾ الأنعام من الآية 116ويقول أيضاً :﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ يوسف آية 103 ،وقال صلى الله عليه وسلم : (( بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كم بدأ ؛ فطوبى للغرباء )) رواه مسلم ، فهذا الحديث دليل على قلة أهل الحق فالكثرة ليست دليلآ قاطعاً على الصواب ،ومع احتمال خطأ الكثرة يسقط الاستدلال بها،وقد دل القرآن والسنة على عدم اعتبار الكثرة فى الدلالة على الصواب فإن قيل اتفاق الأكثرين يشعر بأن الحق معهم فيندر فى العادة أن يكون المخالف هو الراجح قلنا ليس هذا نادراً فقد دل القرآن والسنة على التزام الحق ،وإن خالف الأكثرون ، ولذلك لا يكون قول الأكثرين أولى بالإتباع، لأن الترجيح بالكثرة، ،وإن كان حقا في باب رواية الأخبار لما فيه من ظهور أحد الظنين على الآخر، فلا يلزم مثله في باب الاجتهاد، لما فيه من ترك ما ظهر له من الدليل لما لم يظهر له فيه دليل، أو ظهر، غير أنه مرجوح في نظره. فقول من جوز الإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين فاسد من وجوه : الأول : الآية حرمت مخالفة سبيل المؤمنين ،وبوجود مخالف يكون هناك أكثر من سبيل فتنتفى الحرمة. الثانى :جرى فى عصر الصحابة خلاف الواحد منهم ،ولم ينكروا عليه بل سوغوا له الاجتهاد فيما ذهب إليه مع مخالفة الأكثر، ولو كان إجماع الأكثر حجة ملزمة للغير لأخذ به، لأنكروا على المخالف ،ولو أنكروا لنقل إلينا ذلك ،والمنقول عنهم الإقرارفدل هذا على أن إجماع الكثرة ليس بحجة، ومن ذلك اتفاق أكثر الصحابة على امتناع قتال ما نعي الزكاة مع خلاف أبي بكر لهم، وكذلك خلاف أكثر الصحابة لما انفرد به ابن عباس في مسألة العول وتحليل المتعة وأنه لا ربا إلا في النسيئة ،وكذلك خلافهم لابن مسعود فيما انفرد به في مسائل الفرائض، ولزيد بن أرقم في مسألة العينة، ولأبي موسى في قوله: النوم لا ينقض الوضوء، ولأبي طلحة في قوله بأن أكل البرد لا يفطر، إلى غير ذلك ،ولو كان إجماع الأكثر حجة، لبادروا بالإنكار والتخطئة، فإن قيل قد أنكروا على ابن عباس خلافه في ربا الفضل في النقود، وتحليل المتعة، والعول نقول بأن إنكار الصحابة على ابن عباس فيما ذهب إليه لم يكن بناء على إجماعهم واجتهادهم، بل بناء على مخالفة ما رووه له من الأخبار الدالة على تحريم ربا الفضل ونسخ المتعة، على ما جرت به عادة المجتهدين في مناظراتهم، والإنكار على مخالفة ما ظهر لهم من الدليل حتى يبين لهم مأخذ المخالفة فما وجد منهم من الإنكار في هذه الصور لم يكن إنكار تخطئة بل إنكار مناظرة في المأخذ، كما جرت عادة المجتهدين بعضهم مع بعض. الثالث :قال : (( إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة )) حديث حسن بمجموع طرقه فى صحيح الجامع رقم 1786،ولفظ الأمة عام يشمل كل الأمة ،ومن قال المراد غالب الأمة فقد أخرج اللفظ عن ظاهره ،وإخراج اللفظ عن ظاهره يحتاج لقرينة ، فالأمة معصومة فى اجتماعها لا فى آحادها ،وعلى هذا فالكثرة ليست دليلاً على الصواب فمَنْ يَقُولُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْجَمِيعِ ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالتَّحَكُّمِ بَلْ بِدَلِيلٍ وَضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا ، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَقَلَّ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ الْبَعْضُ الْمُرَادُ عَمَّا لَيْسَ بِمُرَادٍ وَلَا بُدَّ مِنْ إجْمَاعِ الْجَمِيعِ لَيُعْلَمَ أَنَّ الْبَعْضَ الْمُرَادَ دَاخِلٌ فِيهِ ، كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ أَهْلِ الْحَقِّ. الرابع : قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار)) [ حديث صححه الألبانى فى جامع الترمذى رقم 2167 ] ،فقوله شذ يدل على أن العبرة بموافقة الجميع فالشاذِ عبَارَةٌ عَنْ الْخَارِجِ عَنْ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِجْمَاعِ لَا يُقْبَلُ خِلَافُهُ بَعْدَهُ وَهُوَ الشُّذُوذُ ، أَمَّا الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى شَاذًّا فالشاذ هو المخالف بعد الموافقة، لا من خالف قبل الموافقة فالمخالفة قبل الموافقة تقتضى عدم الإجماع فلا حجة فى إجماع الأكثر مع مخالفة الواحد. الخامس: قوله تعالى : ﴿ ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ ﴾ [ سورة الشورى من الآية 10] فدلت الآية أن عند الاختلاف يرد الحكم إلى الله أى أن قول أحد ليس حجة على أحد ،ومَفْهُومُهُ : أَنَّ مَا اتَّفَقْ المسلمون فِيهِ فَهُوَ حَقٌّ . السادس: قوله تعالى : ﴿ َفإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ﴾[ سورة النساء من الآية 59] فدلت الآية أنه عندالاختلاف حتى وإن كان من واحد يرد الحكم إلى الكتاب والسنة أى ليس قول أحد حجة على أحد أما إذا اتفقوا فقولهم حق بدليل المخالفة وانظر هذا الكلام النفيس لابن حزم : (( فصل في من قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن بعدهم لا يعد خلافاً وأن قول من سواه فيمن خالفهم فيه إجماع قال أبو محمد: ذهب محمد بن جرير الطبري إلى أن خلاف الواحد لا يعد خلافاً، وحكى أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي : أن أبا حازم عبد العزيز بن عبد الحميد القاضي الحنفي فسخ الحكم بتوريث بيت المال ما فضل عن ذوي السهام وقال : إن زيد بن ثابت لا يعد خلافا على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. قال أبو محمد: فيقال لهم: ما معنى قولكم لا يعد خلافا ؟ أتنفون وجود خلاف ؟ فهذا كذب تدفعه المشاهدة والعيان، أم تقولون: إن الله تعالى أمركم ألاتسموه خلافا ؟ أو رسوله صلى الله عليه وسلم أمركم بذلك ؟ فهذه شر من الأولى، لأنه كذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم أم تقولون: إن قائل ذلك الخلاف من الضعة والسقوط في المسلمين - إما لفسقه وإما لجهله - بحيث لا يكون وجود قوله إلا كعدمه ففي هذا ما فيه، إذ ينزلون زيد بن ثابت أو ابن عباس أو غيرهما من التابعين الأئمة في هذه المنزلة. ولعمري إن من أنزل عالما - من الصحابة رضي الله عنهم أو من التابعين أو من أئمة المسلمين - هذه المنزلة لاحق بهذه الصفة وأولى بها، ولا يخرج قولكم من إحدى هذه الثلاث قبائح، إذ لا رابع لها. فإن قالوا: إنما قلنا: إنه خطأ وشذوذ قلنا : قد قدمنا أن كل من خالف أحداً فقد شذ عنه، وكل قول خالف الحق فهو شاذ عن الحق، فوجب أن كل خطأ فهو شذوذ عن الحق، وكل شذوذ عن الحق فهو خطأ، وليس كل خطأ خلافا للإجماع، فليس كل شذوذ خلافاً للإجماع ، ولا كل حق إجماعا، وإنما نكلمكم ههنا في قولكم: ليس خلافا، ولكون ما عداه إجماعا، فقد ظهر كذب دعواهم وفسادها ،والحمد لله رب العالمين )) وممن قال بعدم انعقاد الإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين الجمهور كالآمدى فى الإحكام ،والرازى فى المحصول والغزالى فى المستصفى وأبو إسحاق الشيرازى فى اللمع . الوجه الثالث عشر : الشريعة أمرت الرجل بغض البصر لحفظ فرجه ،وأمرت المرأة بالاحتشام كي لا تتعرض للأذى ونحوه فلما لم ينص القرآن على تغطية الوجه حتى لا تتعرض المرأة لهذا وحتى لا يفتن بها الرجل يقولون قد دل على ذلك القرآن وكل ما يستدلون به لا يسلم من معارض قوي فمثلا يستدلون على وجوب تغطية الوجه، بالنهي عن الضرب بالأرجل، فيقولون :« فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجال بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه، فكيف بكشف الوجه». و نقول لهم ،و هل الوجه موضع شهوة وافتتان فقط أم هو أيضا موضع الكرامة الإنسانية، قبل أن يكون موضع الجمال والافتتان وإصدار المرأة للصوت المُوقع بالأرجل حركة مثيرة تدعوى الناس للنظر لها لإصدارها هذا الصوت أما امرأة كاشفة الوجه ناظرة للأرض وهي ماشية كيف تثير الناس ؟ ،وأيضا هذا لا يصلح دليلا على فريضة النقاب فالعلة التي ذكروه ،وهي خوف الفتنة يستوي فيها الجنسين ،وهم يفرضون التغطية على المرأة فقط وهذا تناقض لأن كما أن وجه المرأة مصدر فتنة بالنسبة للرجل فوجه الرجل فتنة أيضا بالنسبة للمرأة ،وهل زنا العين يختص بنظر الرجل للمرأة بشهوة فقط أم نظر الرجل للمرأة بشهوة ونظر المرأة للرجل بشهوة ؟ وهل توجبون على الرجل الوسيم تغطية وجهه خشية افتتان النساء به ؟ فلو أوجبتم على المرأة تغطية وجهها حفظا لفرج الرجل فيلزمكم أيضا إيجاب تغطية الرجل لوجهه حفظا لفرج المرأة ،وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم ،وإن أوجبتم التغطية للنساء دون الرجال كان هذا تناقض فالأمر بحفظ الفرج للرجال والنساء جميعا . الوجه الرابع عشر : حديث الخثعمية قاصمة الظهر لهذا الإجماع المزعوم فلو كان سكوته صلى الله عليه وسلم عن أمر الخثعمية بتغطية وجهها لأجل إحرامها لأمرها بسدل الساتر على وجهها مع مجافاته حتى لا يلتصق بالوجه لكنه لم يأمرها، ولما لم يأمر المرأة الخثعمية بتغطية وجهها في ذلك الجمع الكبير، الذي قال جابر رضي الله عنه في وصف ما كان من الحجّاج عندما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من المدينة : إن الناس كانوا مدّ البصر في جوانبه الأربعة : أمامه وخلفه ويمينه وشماله، علم من ذلك عدم وجوبه، ولو كان واجباً لأمرها بذلك. ،و دعوى البعض أن سكوت النبيّ على كشف الخثعمية وجهها كان لأجل الإحرام دعوى فاسدة لا عبرة بها إذ لو كان تغطية الوجه أمام غير المحارم فرضا خاصة أنها حسناء لأمرها النبي بتغطيته صلى الله عليه وسلم لأن المنهي عنه فقط لبس النقاب وليس تغطية الوجه فسكوته صلى الله عليه وسلم دليل ظاهر على أن وجه المرأة من غير أمّهات المؤمنين يجوز كشفه في الطرق ونحوها، لأن هذه الخثعمية كانت عند الرمي وذلك الموضع يكثر فيه اجتماع الحجّاج حتى إنه يحصل كثيراً التلاصق بين الرجال والنساء من شدة الزحمة بلا تعمّد ، ويردون هؤلاء الأفاضل ممن ألف رسائل في الحجاب بقولهم عن هذا الحديث : (( وغاية مافيه ذكر أن المرأة كانت وضيئة ؛ وفي الرواية الأخرى حسناء فيحتمل أنه أراد حسن قوامها وقدها ووضاءة ما ظهر من أطرافها )). قوله يحتمل لا عبرة به عند الفقهاء فالوجه يقولون أنه مجمع الحسن والمرأة يعرف حسنها من وجهها ،ومن قال بغير هذا فعليه بالدليل فالله المستعان .وكتب ربيع أحمد 26/12/2007 م