الصورة الأولى من صور القتل العمد :
القتل بالمحدد :
المسألة الأولى : تعريف المحدد :
المحدد : هو كل ماله مَور في البدن ، أي نفوذ وتفريق للأجزاء
فالقتل ﺑﻬذه الأدوات من القتل العمد باتفاق الفقهاء .
ولا خلاف بين أهل العلم على أنه إذا أحدث جرحًا كبيرًا ﺑﻬذه الأدوات فمات به فهو قتل عمد .
أما إن أحدث جرحًا صغيرة كالوخز بالإبرة ، أو بالشوكة ، فيفرق بين حالين :
الحال الأولى : أن يكون الجرح الصغير في مَقتَل بفتح التاء أي مكان قاتل فهذا عمد باتفاق الفقهاء ، مثل إدخال إبرة في القلب ، لأن هذا يقتل في الغالب .
الحال الثانية : أن يكون الجرح في غير مقتل ، كما لو وخزه بإبرة في فخذه فمات منها ، فهنا اختلف الفقهاء على قولين :
القول الأول : أنه قتل شبه عمد ، وهذا مذهب الحنفية ، وأحد الوجهين في المذهب .
والقول الثاني : أنه قتل عمد، وهذا قول الجمهور ، وعليه المذهب.
وتتأكد صورة العمدية على هذا القول فيما إذا بقي اﻟﻤﺠني عليه ضَمِنًا حتى مات لأن الظاهر أنه مات به.
وسبب الخلاف في هذه المسألة:
أن الأحناف يرون أن كون الأداة المستخدمة في القتلة من المحدد لا يعد ذلك كافيًا لتحقق العمدية ، بل لا بد من أن تكون الجناية على وجه يغلب على الظن حصول الموت ﺑﻬا ، فمناط الحكم عندهم هو غلبة الظن بحصول الموت به.
بينما يرى الجمهور أن مناط الحكم هو كونه محددًا ، بغض النظر عن حجم الجرح الذي أحدثه ، فعندهم أن الطعن بالمحدد بذاته يفيد غلبة الظن بحصول الموت به ، لأن ربط الحكم بغلبة الظن غير منضبط بخلاف ربطه بالمحدد فإنه منضبط .
استدل أصحاب القول الأول :
1 - بأن الإبرة ونحوها لا تستعمل في القتل عادة ، وهذه الجناية لا تقتل في الغالب ، وكونه مات بسبب الإبرة مستبعد ، وإنما حصل موته اتفاقًا
2 - ولأن هذه شبهة يدرأ ﺑﻬا القصاص ، لأن القصاص يدرأ بالشبهات .
واستدل أصحاب القول الثاني:
1 - بأن الظاهر من هذه الصورة أنه قصد القتل ، إذ الطعن بالمحدد يقتل غالبًا فيكون قتل عمد ولو كان بإبرة صغيرة .
2- ولأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل به , بدليل ما لو قطع شحمة أذنه , أو قطع أنملته" اه من المغني
3 - ولأنه لما لم يمكن إدارة الحكم , وضبطه بغلبة الظن , وجب ربطه بكونه محددا , ولا يعتبر ظهور الحكمة في آحاد صور المظنة , بل يكفي احتمال الحكمة , ولذلك ثبت الحكم به فيما إذا بقي ضمنا , مع أن العمد لا يختلف مع اتحاد الآلة والفعل , بسرعة الإفضاء وإبطائه .اه من المغني
4 - ولأن في البدن مقاتل خفية , وهذا له سراية ومور , فأشبه الجرح الكبير" اه من المغني
والراجح والله أعلم: أنه إذا بقي ضمنًا حتى مات ففيه القود لأن الظاهر أنه مات به ، أما إذا مات في الحال فالراجح هو قول الأحناف ( القول الأول ) ، لأن الآلة المستخدمة لا تقتل في الغالب ، والظاهر أنه لم يمت منه وإنما حصل موته اتفاقًا.
المسألة الثانية : لو تمكن الجريح من آلة حادة قاتلة من مداواة نفسه ولكنه لم يفعل فمات، فهل الجناية قتل عمد ؟
الصحيح أﻧﻬا قتل عمد لأن تقصير اﻟﻤﺠني عليه في التداوي لا يعفي الجاني ، إذ الأداة قاتلة وقصد القتل موجود ، والمداواة ليست
طريقًا محققًا للشفاء ، وهذا لا يعفي اﻟﻤﺠني عليه أيضًا من الإثم .
المسألة الثالثة : لو قطع عضوًا من أعضائه فمات فهو قتل عمد ، حتى ولو كان العضو زائدًا لأنه قتل بمحدد ، ما لم يقطع
العضو الزائد بإذن صاحبه أو قطعه حاكم من صغير أو وليه ، فمات ، فلا يكون قتلا عمدًا لأن له فعل ذلك ، وقد فعله
لمصلحته فأشبه ما لو ختنه.