العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

خاطرة للأمة بخصوص زكاة الفطر

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
58
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
فمن خلال تصفحي لمواقع النت وما يقال حول زكاة الفطر، وما يدار حولها من نزاع قد يصل أحيانا للتنابز بالألفاظ، يمكنني القول بأن أغلب المتنازعين والمتنابزين لا علاقة لهم بعلم الفقه ولا بعلم أصول الفقه، ولا ينطلقون من دراسة للقواعد ولا للأصول، ومعظم كلامهم مبني على التقليد والتعصب، أو التعامل السطحي مع النص، بعيدا عن الواقع الذي خرج منه، والسياق المحيط به، ثم سوقهم لقياسات مفارقة في محاولة للغلبة واتهام الأئمة الأعلام.
والمعلوم لأهل العلم أنه يوجد فرق بين النص وفقه النص،
إن كان النص لا تحتف به قرائن تجعله يحتمل التأويل فهو نص تعبدي لا يجوز التدخل فيه.
وإن كان نصا تحتف به قرائن ترجح تأويله وتفتح الباب للفقه والفهم والاجتهاد؛ فجائز فيه الاجتهاد وإعمال العقل.
وحديث زكاة الفطر له قرائن كثيرة تحتف به وتفتح الباب للفقه والفهم والتأويل والاجتهاد.
والأئمة أعملوا الفقه في النص واجتهدوا وفهموا من خلال القرائن المحتفة به جواز اخراج زكاة الفطر نقدا، فمن يعيب على هؤلاء في فهمهم وفقههم وإخلاصهم وهم علماء حفاظ ثقات عدول، تلقت الأمة علمهم بالقبول والثقة والاستحسان.
ومن يشك في فهم الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة والبخاري، رحمهم الله جميعا.
وابن حجر في فتح الباري، نقل عن البخاري أنه مع كثرة مخالفته لمذهب أبي حنيفة إلا أنه اتفق معهم في إخراج القيمة في زكاة الفطر.
ولا نقول أن قولهم هو الراجح، لكن في نفس الوقت لا نسقط قولهم، فمن شاء من المسلمين أن يقلدهم فنرجو أن تبرأ ذمته بذلك.
ففرق بين كون النص مغلق لا يحتمل الاجتهاد
وكون النص منفتح يحتمل الاجتهاد.
والقول بعدم الاجتهاد مع النص قول صحيح لكنه مع النص المغلق الذي لا تحتف به قرائن اجتهادية، يمكن للعلماء إعمال الفقه فيها: فقه النص.
ولست بصدد التضييق على هؤلاء ولا أولئك، بل أنا بصدد نافذة فقهية اجتهادية أفتحها وأحرص أن تظل مفتوحة ومتاحة ومباحة للعلماء المجتهدين العدول.
وإن كنت عاجزا أن أفهم من النص ما فهموه فلا يجوز لي أن أتهمهم ومن قلدهم بالبدعية، والضلال...الخ.
ولست أحجر على من قال بالطعام لوجود النص.
ولا احجر على من قال بالنقد اذا اخلص في الاجتهاد لوجود القرائن.
واختلاف المدارك والافهام من طبيعة البشر.
واذا اتسع الشرع للأمرين معا الطعام والنقد فلا تناقض طالما دل النص على الطعام،
ودلت القرائن على جواز النقد،
ففيما الخلاف إذن؟!!
فالشرع يتسع لكليهما
بفهم وفقه الأئمة الأعلام
وانا لا انكر عليك تمسكك بالنص
كذلك لا تنكر علي من اجتهد واجاز النقد
لأن لديه اجتهاده المبرر
كونهم لم يقفوا عند النص كالجمهور لا يعيبهم.
وكون الجمهور لم يقفوا عند القرائن مثلهم لا يعيبهم.
هم بشر واختلاف مداركهم وارد.
وفي بعض المسائل الفرعية كان قول امام واحد ارجح من قول الجمهور لقوة دليله،
فليس الحق مع الكثرة مطلقا بل قد يكون مع الفرد أحيانا والعبرة بالحق لا بالرجال.
والأولى من التعصب للرجال هو البحث عن القرائن والنظر فيها نظر المحايد والاجتهاد في تمحيصها علميا ان كان المعترض على جواز النقد من اهل العلم وله القدرة على النظر والبحث والاستدلال،
فإن لم يكن له قدرة ولا هو من اهل الاختصاص فليدع عنه الجدل الافتراضي.
وليذهب ويدرس ويبحث ويتعلم قواعد البحث والاجتهاد والفتوى.
أما الاحتجاج بقولهم: وهل يعقل أن الجمهور لم يدركوا هذه القرائن؟ هو احتجاج بالرجال على العلم.
والصحيح هو نظرك في القرائن ذاتها لمعرفة هل يصلح الاحتجاج بها ام لا، وهذا هو الاحتجاج بالعلم على الرجال.
والفرق واسع وشاسع بين من يحتج بذوات الرجال ومن يحتج بذات العلم.
ومثال على القرائن التي تحف النص:
كون الطعام كان يحمل معنى النقدية في التبادل التجاري، والثمنية في الأجور
فالنقدية كانت قائمة بالتمر والشعير والزبيب، بدفعها أجورا للعاملين، ولقضاء الديون، وكأثمان للمشتريات، وهذه قرينة تحف بالنص، تستدعي العقل الفقهي لإعمال الاجتهاد والنظر.
وقرينة أخرى أن النقد من الذهب والفضة لم يكن يمكن تجزئته للحد الذي يصلح أن يكون ثمنا للأمور الصغيرة التي تحتاج للقسمة، فكان العوض أو الدفع يكون بالطعام، فيدفع له تمرا أو شعيرا وربما منهما معا، وبهذه الصورة كان الطعام هو النقد المساعد أو إن شئت أسميه باسمه اليوم الفكة أو الخردة التي تسهل حركة الحياة في الأثمان القليلة، وكان الذهب والفضة كأنه اليوم الورق النقدي الكبير مثل ال 200 وال500 ريال على سبيل التقريب.
فالنقد المعاصر لو كان موجودا زمن النبي صلى الله عليه وسلم بصورته الحاضرة الفئوية (ربع ريال، نصف، ريال، خمسة، عشرة، مائة ) ما احتاج الناس لدفع الأثمان بالطعام.
فدل على أن اللجوء لدفعها بالطعام لعدم توفر النقد القائم الذي يسد المحل، فجاز اعتبار المال نقدا، فكان الذي يخرج زكاة الفطر طعاما كأنه في نفس الوقت يخرجها نقدا، لاعتبار الطعام نقدا في المعاملات آنذاك.
وعلى غير المختص ألا يقحم نفسه في معركة لم يتسلح لها بالعلم، وليتعلم ثم يتكلم، والأدب قبل العلم، والأخلاق قبل الفقه والفهم.
دمتم طيبين، ودامت أمتنا منصورة، وردنا الله إليه ردا جميلا.

أرجو ممن لم يفهم كلامي أو لم يكن متخصصا في الفقه وأصوله أن يكرمنا بعدم التعليق.
 
أعلى