محمد غازي بن عبد السلام
:: متابع ::
- إنضم
- 26 ديسمبر 2013
- المشاركات
- 1
- الإقامة
- المغرب
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عمر
- التخصص
- دراسات إسلامية
- الدولة
- المغرب
- المدينة
- القنيطرة
- المذهب الفقهي
- مالكي
بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الأول: ترجمة مختصرة للإمام أبي حنيفة
المبحث الثاني: نشأة المذهب الحنفي
المبحث الثالث: أصوله
المبحث الرابع: أهم مصادره
المبحث الأول: نبذة موجزة عن الإمام أبي حنيفة
ــ نسبه ومولده
هو الإمام، فقيه الملة، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي، الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة. يقال: إنه من أبناء الفرس. ولد: سنة ثمانين، في حياة صغار الصحابة.
ــ وفاته
وتوفي في رجب، وقيل في شعبان سنة خمسين ومائة، وقيل لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى من السنة، وقيل إحدى وخمسين وقيل ثلاث وخمسين، والأول أصح.
المبحث الثاني: نشأة المذهب الحنفي
أولا: تعريف المذهب الحنفي
ثانيا : نشأة المذهب الحنفي
لقد نشأ المذهب الحنفي بالكوفة موطن الإمام أبي حنيفة، وكانت الكوفة آنذاك مركزا علميا كبيرا ، تموج بالعلم والعلماء وتغص مساجدها بحلقات الفقه والحديث .
ولقد ساعد على نمو الحركة العلمية وازدهارها بهذه المدينة أنها كانت محط رحال لعديد من الصحابة ولاسيما بعدما أذن لهم عثمان بن عفان بالخروج إلى الأمصار، وبعدما جعلها علي بن أبي طالب رضي الله عنه مقر خلافته. ويرجع الفضل الأكبر بعد الله عز وجل في زرع بذر العلم وتعاهد نبته بها إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود عندما وجهه إليها امير المؤمنين عمر بن الخطاب معلما ووزيرا برفقه اميرها عمار بن ياسر رضي الله عنهم.
وقد ظل ابن مسعود يعلم اهل الكوفة ردحا من الزمن، حتى عندما عاد منها الى المدينة خلف بها نخبة من اهل العلم الذين تربوا على يديه ونهلوا من معين علمه ، وكانوا هم الفقهاء بعد الصحابة يحملون لواء العلم والفقه والفتوى بالكوفة. ومن أبرز أصحابه الذين تفقهوا عليه بالكوفة وورثوا بها علمه ، علقمة بن قيس ، فكان أشبه الناس بابن مسعود في هديه وسمته ، فقيها متضلعا، وروى أيضا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي وغيرهم من الصحابة، وعنه أخذ النخعي ، حتى قيل "ما رأينا رجلا قط أشبه هديا بعلقمة من النخعي.. " وعن ابراهيم النخعي أخذ طريقته مفتي الكوفة حماد بي ابي سليمان ، الذي كان يوصي به النخعي في حياته، يقول: " عليكم بحماد فإنه قد سألني عن جميع ما سألني عنه الناس " ، وحماد هو الشيخ الذي تفقه عليه الامام أبو حنيفة ولازمه ثماني عشره سنة حتى وفاته ثم توج على كرسيه ، واجلس للفتيا والتدريس مكانه.
ثالثا: مراحل تطور المذهب الحنفي
مر المذهب الحنفي في تطوره على ثلاث مراحل أو أدوار:
1) دور النشوء والتكوين
وهو دور التأسيس ووضع قواعد المذهب وأصوله الفقهية على يد مؤسسه وتلاميذه المقربين.
ويتوافق هذا الدور مع الطبقة الأولى والثانية من طبقات الفقهاء ــ حسب توزيع ابن الكمال ــ (طبقة المجتهدين في الشرع وطبقة المجتهدين في المذهب ) ، وهو من ناحية أخرى يمثل (طبقة السلف) من فقهاء الحنفية على التقسيم الاخر .
ومن تم يمكن القول أن هذا الدور يبدأ من عهد الإمام أبي حنيفة، وينتهي بموت آخر الكبار من تلاميذه، وهو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي المتوفى سنة (204) .
2) دور التوسع والنمو والانتشار
ويمثل هذه الدور الطبقة الثالثة والرابعة من طبقات الفقهاء، ( طبقة المجتهدين في المسائل التي لارواية فيها عن صاحب المذهب .. وطبقة أصحاب التخريجات) ، ويدخل في عمومه ( طبقة الخلف وطبقة المتأخرين) حسب التقسيم الاخر المذكور سابقا .
وانتهى بنهاية القرن السابع الهجري، وهي خمسة قرون تمخضت عن ظهور الكثير من مشاهير علماء الحنفية، كما اتسعت بتوسع اجتهادات المذهب وتطور آرائه الفقهية.
وتميز الصدر الأول من هذه الفترة بظهور طبقة ( المشايخ ) وهم كبار علماء المذهب الذين لم يعاصروا الإمام ،وعلى أيدي هؤلاء المشايخ وعلى ضوء اجتهاداتهم بدأت أولى خطوط الاصطلاح ــ على تحديد مفهوم المذهب ـــ تظهر، ولا شك أن هذه الخطوط لم تكن واضحة متفقا عليها إبان الصدر الأول من هذه الفترة.
حتى جاء المتأخرون من علماء هذا الدور، أخذوا يستقرؤون آراء سلفهم وما احتوته مؤلفاتهم، يستخلصون منها الأسس التي بنو عليها ترجيحاتهم.
و هذا الدور يبدأ من وفاة الحسن بن زياد (204) وينتهي بوفاة الإمام عبد الله بن محمد بن محمود النسفي (710) وعده بعضهم من المجتهدين في المذهب وقال: إنه اختتم به، ولم يوجد بعده مجتهد في المذهب.
3) دور الاستقرار
يبدأ بإهلال القرن الثامن الهجري ، ويستمر إلى هذا العصر، وهي فترة تكاد تقارب الستة قرون عصفت خلالها حوادث التاريخ بالأمة الإسلامية وتراثها عصفا لا تزال ترزح تحت آثاره ،وكان أن اتسمت أعمال هذه الفترة بوسم ( التكرار ) فأكتر مؤلفات هذه الفترة لا تكاد تتجاوز الشروح، والحواشي، والتعليقات، والنقض، والرد، والمحور الذي لا يتغير هو الآراء الفقهية التي تركها علماء الصدر الأول المشايخ.
المبحث الثالث: أصول استنباط المذهب الحنفي:
ذكر الإمام ابن عبد البر القرطبي المالكي في كتابه الانتقاء أن أبا حنيفة قال: " آخذ بكتاب الله فما لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لم أجد في كتاب الله. ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت منهم وأدع من شئت منهم، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم .
ترتيب أصول أبي حنيفة :
القرآن الكريم: عند الإمام رحمه الله تعالى هو المصدر الأول والأعلى في مسائل الفقه؛ لأنه الكتاب القطعي الثبوت ، لا يشك في حرف منه ، وأنه ليس يوازي كلام الله تعالى ، ولا يصل إلى رتبته في الثبوت إلا الحديث المتواتر ، لذلك لا يرى رحمه الله تعالى نسخ القرآن الكريم بخبر الآحاد من السنة ، وإنما يعمل بها ما أمكن ، وإلا ترك السنة الظنية للكتاب .
السنة النبوية :
كان أبو حنيفة يتحرى عن رجال الحديث، ويتثبت من صحة روايتهم، فقد لا يقبل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا رواه جماعة عن جماعة ، أو اتفق فقهاء الأمصار على العمل به ، فأصبح مشهوراً ، وهذا تضيق دائرة العمل بالحديث.
القياس:
فإن مسلك أبي حنيفة في فهم النصوص كان يؤدي إلى الإكثار من القياس ، إذ لا يكتفي بمعرفة ما تدل عليه من أحكام ، بل يتعرف من الحوادث التي اقترنت بها وما ترمى إليه من إصلاح الناس ، والأسباب الباعثة ، والأوصاف التي تؤثر في الأحكام وعلى مقتضاها يستقيم القياس
الاستحسان:فكما عرفه الكرخي: أن يعدل المجتهد عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها لوجه أقوى يقتضي العدول عن الأول . فأساس الاستحسان أن يجيء الحكم مخالفًا قاعدة مطردة لأمر يجعل الخروج عن القاعدة أقرب إلى الشرع من الاستمساك بالقاعدة ، إلا أن المتأخرين منهم على أن الاستحسان عبارة عن دليل يقبل القياس الجلي الذي تسبق إليه الأفهام .
الحيل الشرعية: وقد نسب إلى الإمام أبو حنيفة رحمه الله استعماله للحيل الشرعية ، وقد ذكر هذا غير واحد من العلماء ومنهم الإمام الحجوي الثعالبي رحمه الله تعالى حيث قال " ومن أصول أبي حنيفة باب الحيل ويسمونه المخارج من المضايق. وهو التحيل على إسقاط حكم شرعي أو قلبه إلى حكم آخر، وذلك لأن الله سبحانه أوجب أشياء إما مطلقة من غير قيد ولا ترتيب على سبب كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنى والربا ، أو على سبب كالزكاة والكفارة وتحريم المطلقة وتحريم الانتفاع بالمغصوب ، فإذا تسبب المكلف في إسقاط الوجوب عن نفسه أو إباحة المحرم عليه بوجه من وجوه التسبب حتى يصير الواجب غير واجب في الظاهر أو المحرم حلالاً في الظاهر أيضاً، فهذا التسبب يسمى حيلة
العرف العام:
فيرى الحنفية أنه حيث لا نص ، فإن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ، وأن الثابت بالعرف كالثابت بالنص ، فحيث لم يوجد في الفرع نص ، ولم يمض له قياس ولا استحسان نظر إلى ما عليه تعامل الناس
المبحث الرابع: مصادر المذهب الحنفي :
من أشهر مصادر المذهب الحنفي : كتب ” ظاهر الرواية ” وهي:
المبسوط( الأصل ) ، والجامع الصغير ، والجامع الكبير ، والزيادات ، والسير الصغير ، والسير الكبير للإمام لمحمد بن الحسن الشيباني ( ت 189هـ ) : وقد سميت ” بظاهر الرواية ” ؛ لأنها رويت عن الإمام محمد بروايات ثقات ؛ فهي ثابتة عنه إما متواترة أو مشهورة عنه ،.
كتب غير ظاهر الرواية: وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب المذكورين لا في الكتب المذكورة (أي : كتب محمد الستة) بل :
- إما في كتاب آخر لمحمد كالكيسانيات، والهارونيات، والجرجانيات والرقيات، وتسمَّى: مسائل غير ظاهر الرواية، وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية؛ لأنها لم ترد عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى .
مختصر الطحاوي: لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي ( ت 321هـ ) : يُعد من أقدم مختصرات المذهب الحنفي " .
كتاب الكافي: لمحمد بن محمد المروزي المعروف بالحاكم الشهيد ( ت 334هـ ) : جمع فيه المؤلف كتب ظاهر الرواية واختصرها وحذف المكرر من مسائله ، وهو كتاب حسن يُعد من أصول كتب الحنفية .
- كتاب المنتقى وهو للحاكم الشهيد أيضاً : جمع فيه نوادر المذهب من الروايات غير الظاهرة، قال فيه: نظرت في ثلاثمائة جزء مثل: «الأمالي» و «النوادر»
- مختصر الكرخي : للإمام أبي الحسين عبد الله بن الحسين الكرخي، المتوفى سنة 340ه
- مختصر القدوري : للإمام الشيخ أحمد القدوري المتوفى سنة 428ه ، وهو الذي يطلق عليه لفظ الكتاب في المذهب، وهو متن معتبر متداول بين الأئمة الأعيان وشهرته تغني عن البيان».
شرح مختصر الطحاوي: لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص ت 370هـ : شرح قيم حظى بالشهرة والقبول لدى الحنفية ، وصفه بعض متأخري الحنفية بأنه أهم شروح مختصر الطحاوي .
المبسوط: لشمس الدين محمد بن أحمد السرخسي ( ت 483هـ ) : وهو أكبر شرح موسع لكتاب ” الكافي ” للحاكم الشهيد الذي لخص فيه مؤلفه كتب ظاهر الرواية للشيباني .
الهداية شرح بداية المبتدي: لبرهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني( ت 593هـ )
فتح القدير: لكمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام ت 861هـ
الدر المختار في شرح تنوير الأبصار: لمحمد علاء الدين بن علي الحصكفي
( ت 1088هـ )
رد المحتار على الدر المختار: للشيخ محمد أمين المعروف بابن عابدين ( ت 1250هـ )
لائحة المصادر والمراجع
1) القرآن الكريم
2) سير أعلام النبلاء للذهبي (المتوفى : 748هـ) مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط مؤسسة الرسالة الطبعة : الثالثة ، 1405 هـ / 1985 م .
3) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ) تحقق: الدكتور بشار عواد معروف ، دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002 م
4) طبقات الفقهاء لأبي اسحاق الشيرازي (المتوفى: 476هـ) هذبهُ: محمد بن مكرم ابن منظور (المتوفى: 711هـ) المحقق: إحسان عباس
الناشر: دار الرائد العربي، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، 1970.
5) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان (المتوفى: 681هـ) تحقيق إحسان عباس، دار صادر – بيروت.
6) لسان العرب لابن منظور(المتوفى: 711هـ) دار صادر – بيروت الطبعة: الثالثة - 1414 هـ
7) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ۔ مالك والشافعي وابي حنيفة رضي الله عنهم للإمام ابن عبد البر (ت463هـ) ص 142 مكتبة القدس القاهرة سنة 1350 هـ .
8) مباحث في المذهب المالكي بالمغرب عمر الجيدي الطبعة الأولى 1993م.
9) نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية الأربعة الحنفي المالكي الشافعي الحنبلي وانتشارها عند جمهور المسلمين احمد تيمور ، دار القادري الطبعة لأولى 1990 1411 هـ .
10) المذهب الحنفي مراحله وطبقاته وضوابطه ومصطلحاته، خصائصه ومصطلحاته، أحمد النقيب ـ مكتبة الرشيد الرياض.
11) المذهب عند الحنفية المالكية الشافعية الحنابلة لمحمد علي و علي الهندي اعتنى به تركي محمد النصر طبعة وزارة الأوقاف الكويتية الإصدار الخامس والأربعون 2012 م 1433 هــ .
12) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، للإمام محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي المجلد الأول ط دار الكتب العلمية .
13) المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية د.علي جمعة طبعة دار السلام
14) كتاب " أبو حنيفة: حياته وعصره ـ وآراؤه الفقهية . للإمام أبو زهرة دار الفكر العربي ط2
15) مقدمة كتاب "مختصر الطحاوي" وهي مقدمة للمحقق أبو الوفاء الأفغاني
المبحث الأول: ترجمة مختصرة للإمام أبي حنيفة
المبحث الثاني: نشأة المذهب الحنفي
المبحث الثالث: أصوله
المبحث الرابع: أهم مصادره
المبحث الأول: نبذة موجزة عن الإمام أبي حنيفة
ــ نسبه ومولده
هو الإمام، فقيه الملة، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي، الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة. يقال: إنه من أبناء الفرس. ولد: سنة ثمانين، في حياة صغار الصحابة.
ــ وفاته
وتوفي في رجب، وقيل في شعبان سنة خمسين ومائة، وقيل لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى من السنة، وقيل إحدى وخمسين وقيل ثلاث وخمسين، والأول أصح.
المبحث الثاني: نشأة المذهب الحنفي
أولا: تعريف المذهب الحنفي
ثانيا : نشأة المذهب الحنفي
لقد نشأ المذهب الحنفي بالكوفة موطن الإمام أبي حنيفة، وكانت الكوفة آنذاك مركزا علميا كبيرا ، تموج بالعلم والعلماء وتغص مساجدها بحلقات الفقه والحديث .
ولقد ساعد على نمو الحركة العلمية وازدهارها بهذه المدينة أنها كانت محط رحال لعديد من الصحابة ولاسيما بعدما أذن لهم عثمان بن عفان بالخروج إلى الأمصار، وبعدما جعلها علي بن أبي طالب رضي الله عنه مقر خلافته. ويرجع الفضل الأكبر بعد الله عز وجل في زرع بذر العلم وتعاهد نبته بها إلى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود عندما وجهه إليها امير المؤمنين عمر بن الخطاب معلما ووزيرا برفقه اميرها عمار بن ياسر رضي الله عنهم.
وقد ظل ابن مسعود يعلم اهل الكوفة ردحا من الزمن، حتى عندما عاد منها الى المدينة خلف بها نخبة من اهل العلم الذين تربوا على يديه ونهلوا من معين علمه ، وكانوا هم الفقهاء بعد الصحابة يحملون لواء العلم والفقه والفتوى بالكوفة. ومن أبرز أصحابه الذين تفقهوا عليه بالكوفة وورثوا بها علمه ، علقمة بن قيس ، فكان أشبه الناس بابن مسعود في هديه وسمته ، فقيها متضلعا، وروى أيضا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي وغيرهم من الصحابة، وعنه أخذ النخعي ، حتى قيل "ما رأينا رجلا قط أشبه هديا بعلقمة من النخعي.. " وعن ابراهيم النخعي أخذ طريقته مفتي الكوفة حماد بي ابي سليمان ، الذي كان يوصي به النخعي في حياته، يقول: " عليكم بحماد فإنه قد سألني عن جميع ما سألني عنه الناس " ، وحماد هو الشيخ الذي تفقه عليه الامام أبو حنيفة ولازمه ثماني عشره سنة حتى وفاته ثم توج على كرسيه ، واجلس للفتيا والتدريس مكانه.
ثالثا: مراحل تطور المذهب الحنفي
مر المذهب الحنفي في تطوره على ثلاث مراحل أو أدوار:
1) دور النشوء والتكوين
وهو دور التأسيس ووضع قواعد المذهب وأصوله الفقهية على يد مؤسسه وتلاميذه المقربين.
ويتوافق هذا الدور مع الطبقة الأولى والثانية من طبقات الفقهاء ــ حسب توزيع ابن الكمال ــ (طبقة المجتهدين في الشرع وطبقة المجتهدين في المذهب ) ، وهو من ناحية أخرى يمثل (طبقة السلف) من فقهاء الحنفية على التقسيم الاخر .
ومن تم يمكن القول أن هذا الدور يبدأ من عهد الإمام أبي حنيفة، وينتهي بموت آخر الكبار من تلاميذه، وهو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي المتوفى سنة (204) .
2) دور التوسع والنمو والانتشار
ويمثل هذه الدور الطبقة الثالثة والرابعة من طبقات الفقهاء، ( طبقة المجتهدين في المسائل التي لارواية فيها عن صاحب المذهب .. وطبقة أصحاب التخريجات) ، ويدخل في عمومه ( طبقة الخلف وطبقة المتأخرين) حسب التقسيم الاخر المذكور سابقا .
وانتهى بنهاية القرن السابع الهجري، وهي خمسة قرون تمخضت عن ظهور الكثير من مشاهير علماء الحنفية، كما اتسعت بتوسع اجتهادات المذهب وتطور آرائه الفقهية.
وتميز الصدر الأول من هذه الفترة بظهور طبقة ( المشايخ ) وهم كبار علماء المذهب الذين لم يعاصروا الإمام ،وعلى أيدي هؤلاء المشايخ وعلى ضوء اجتهاداتهم بدأت أولى خطوط الاصطلاح ــ على تحديد مفهوم المذهب ـــ تظهر، ولا شك أن هذه الخطوط لم تكن واضحة متفقا عليها إبان الصدر الأول من هذه الفترة.
حتى جاء المتأخرون من علماء هذا الدور، أخذوا يستقرؤون آراء سلفهم وما احتوته مؤلفاتهم، يستخلصون منها الأسس التي بنو عليها ترجيحاتهم.
و هذا الدور يبدأ من وفاة الحسن بن زياد (204) وينتهي بوفاة الإمام عبد الله بن محمد بن محمود النسفي (710) وعده بعضهم من المجتهدين في المذهب وقال: إنه اختتم به، ولم يوجد بعده مجتهد في المذهب.
3) دور الاستقرار
يبدأ بإهلال القرن الثامن الهجري ، ويستمر إلى هذا العصر، وهي فترة تكاد تقارب الستة قرون عصفت خلالها حوادث التاريخ بالأمة الإسلامية وتراثها عصفا لا تزال ترزح تحت آثاره ،وكان أن اتسمت أعمال هذه الفترة بوسم ( التكرار ) فأكتر مؤلفات هذه الفترة لا تكاد تتجاوز الشروح، والحواشي، والتعليقات، والنقض، والرد، والمحور الذي لا يتغير هو الآراء الفقهية التي تركها علماء الصدر الأول المشايخ.
المبحث الثالث: أصول استنباط المذهب الحنفي:
ذكر الإمام ابن عبد البر القرطبي المالكي في كتابه الانتقاء أن أبا حنيفة قال: " آخذ بكتاب الله فما لم أجد فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لم أجد في كتاب الله. ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول أصحابه، آخذ بقول من شئت منهم وأدع من شئت منهم، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم .
ترتيب أصول أبي حنيفة :
القرآن الكريم: عند الإمام رحمه الله تعالى هو المصدر الأول والأعلى في مسائل الفقه؛ لأنه الكتاب القطعي الثبوت ، لا يشك في حرف منه ، وأنه ليس يوازي كلام الله تعالى ، ولا يصل إلى رتبته في الثبوت إلا الحديث المتواتر ، لذلك لا يرى رحمه الله تعالى نسخ القرآن الكريم بخبر الآحاد من السنة ، وإنما يعمل بها ما أمكن ، وإلا ترك السنة الظنية للكتاب .
السنة النبوية :
كان أبو حنيفة يتحرى عن رجال الحديث، ويتثبت من صحة روايتهم، فقد لا يقبل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا رواه جماعة عن جماعة ، أو اتفق فقهاء الأمصار على العمل به ، فأصبح مشهوراً ، وهذا تضيق دائرة العمل بالحديث.
القياس:
فإن مسلك أبي حنيفة في فهم النصوص كان يؤدي إلى الإكثار من القياس ، إذ لا يكتفي بمعرفة ما تدل عليه من أحكام ، بل يتعرف من الحوادث التي اقترنت بها وما ترمى إليه من إصلاح الناس ، والأسباب الباعثة ، والأوصاف التي تؤثر في الأحكام وعلى مقتضاها يستقيم القياس
الاستحسان:فكما عرفه الكرخي: أن يعدل المجتهد عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها لوجه أقوى يقتضي العدول عن الأول . فأساس الاستحسان أن يجيء الحكم مخالفًا قاعدة مطردة لأمر يجعل الخروج عن القاعدة أقرب إلى الشرع من الاستمساك بالقاعدة ، إلا أن المتأخرين منهم على أن الاستحسان عبارة عن دليل يقبل القياس الجلي الذي تسبق إليه الأفهام .
الحيل الشرعية: وقد نسب إلى الإمام أبو حنيفة رحمه الله استعماله للحيل الشرعية ، وقد ذكر هذا غير واحد من العلماء ومنهم الإمام الحجوي الثعالبي رحمه الله تعالى حيث قال " ومن أصول أبي حنيفة باب الحيل ويسمونه المخارج من المضايق. وهو التحيل على إسقاط حكم شرعي أو قلبه إلى حكم آخر، وذلك لأن الله سبحانه أوجب أشياء إما مطلقة من غير قيد ولا ترتيب على سبب كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنى والربا ، أو على سبب كالزكاة والكفارة وتحريم المطلقة وتحريم الانتفاع بالمغصوب ، فإذا تسبب المكلف في إسقاط الوجوب عن نفسه أو إباحة المحرم عليه بوجه من وجوه التسبب حتى يصير الواجب غير واجب في الظاهر أو المحرم حلالاً في الظاهر أيضاً، فهذا التسبب يسمى حيلة
العرف العام:
فيرى الحنفية أنه حيث لا نص ، فإن الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ، وأن الثابت بالعرف كالثابت بالنص ، فحيث لم يوجد في الفرع نص ، ولم يمض له قياس ولا استحسان نظر إلى ما عليه تعامل الناس
المبحث الرابع: مصادر المذهب الحنفي :
من أشهر مصادر المذهب الحنفي : كتب ” ظاهر الرواية ” وهي:
المبسوط( الأصل ) ، والجامع الصغير ، والجامع الكبير ، والزيادات ، والسير الصغير ، والسير الكبير للإمام لمحمد بن الحسن الشيباني ( ت 189هـ ) : وقد سميت ” بظاهر الرواية ” ؛ لأنها رويت عن الإمام محمد بروايات ثقات ؛ فهي ثابتة عنه إما متواترة أو مشهورة عنه ،.
كتب غير ظاهر الرواية: وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب المذكورين لا في الكتب المذكورة (أي : كتب محمد الستة) بل :
- إما في كتاب آخر لمحمد كالكيسانيات، والهارونيات، والجرجانيات والرقيات، وتسمَّى: مسائل غير ظاهر الرواية، وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية؛ لأنها لم ترد عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى .
مختصر الطحاوي: لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي ( ت 321هـ ) : يُعد من أقدم مختصرات المذهب الحنفي " .
كتاب الكافي: لمحمد بن محمد المروزي المعروف بالحاكم الشهيد ( ت 334هـ ) : جمع فيه المؤلف كتب ظاهر الرواية واختصرها وحذف المكرر من مسائله ، وهو كتاب حسن يُعد من أصول كتب الحنفية .
- كتاب المنتقى وهو للحاكم الشهيد أيضاً : جمع فيه نوادر المذهب من الروايات غير الظاهرة، قال فيه: نظرت في ثلاثمائة جزء مثل: «الأمالي» و «النوادر»
- مختصر الكرخي : للإمام أبي الحسين عبد الله بن الحسين الكرخي، المتوفى سنة 340ه
- مختصر القدوري : للإمام الشيخ أحمد القدوري المتوفى سنة 428ه ، وهو الذي يطلق عليه لفظ الكتاب في المذهب، وهو متن معتبر متداول بين الأئمة الأعيان وشهرته تغني عن البيان».
شرح مختصر الطحاوي: لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص ت 370هـ : شرح قيم حظى بالشهرة والقبول لدى الحنفية ، وصفه بعض متأخري الحنفية بأنه أهم شروح مختصر الطحاوي .
المبسوط: لشمس الدين محمد بن أحمد السرخسي ( ت 483هـ ) : وهو أكبر شرح موسع لكتاب ” الكافي ” للحاكم الشهيد الذي لخص فيه مؤلفه كتب ظاهر الرواية للشيباني .
الهداية شرح بداية المبتدي: لبرهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني( ت 593هـ )
فتح القدير: لكمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام ت 861هـ
الدر المختار في شرح تنوير الأبصار: لمحمد علاء الدين بن علي الحصكفي
( ت 1088هـ )
رد المحتار على الدر المختار: للشيخ محمد أمين المعروف بابن عابدين ( ت 1250هـ )
لائحة المصادر والمراجع
1) القرآن الكريم
2) سير أعلام النبلاء للذهبي (المتوفى : 748هـ) مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط مؤسسة الرسالة الطبعة : الثالثة ، 1405 هـ / 1985 م .
3) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ) تحقق: الدكتور بشار عواد معروف ، دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002 م
4) طبقات الفقهاء لأبي اسحاق الشيرازي (المتوفى: 476هـ) هذبهُ: محمد بن مكرم ابن منظور (المتوفى: 711هـ) المحقق: إحسان عباس
الناشر: دار الرائد العربي، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، 1970.
5) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان (المتوفى: 681هـ) تحقيق إحسان عباس، دار صادر – بيروت.
6) لسان العرب لابن منظور(المتوفى: 711هـ) دار صادر – بيروت الطبعة: الثالثة - 1414 هـ
7) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ۔ مالك والشافعي وابي حنيفة رضي الله عنهم للإمام ابن عبد البر (ت463هـ) ص 142 مكتبة القدس القاهرة سنة 1350 هـ .
8) مباحث في المذهب المالكي بالمغرب عمر الجيدي الطبعة الأولى 1993م.
9) نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية الأربعة الحنفي المالكي الشافعي الحنبلي وانتشارها عند جمهور المسلمين احمد تيمور ، دار القادري الطبعة لأولى 1990 1411 هـ .
10) المذهب الحنفي مراحله وطبقاته وضوابطه ومصطلحاته، خصائصه ومصطلحاته، أحمد النقيب ـ مكتبة الرشيد الرياض.
11) المذهب عند الحنفية المالكية الشافعية الحنابلة لمحمد علي و علي الهندي اعتنى به تركي محمد النصر طبعة وزارة الأوقاف الكويتية الإصدار الخامس والأربعون 2012 م 1433 هــ .
12) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، للإمام محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي المجلد الأول ط دار الكتب العلمية .
13) المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية د.علي جمعة طبعة دار السلام
14) كتاب " أبو حنيفة: حياته وعصره ـ وآراؤه الفقهية . للإمام أبو زهرة دار الفكر العربي ط2
15) مقدمة كتاب "مختصر الطحاوي" وهي مقدمة للمحقق أبو الوفاء الأفغاني