العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التكفير: تقسيم المقسم وتفتيت المفتت

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
238
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١٧٦. تُوفي رجل من أهل العلم نحسبه على خير وهو ليس من المشهورين ولا يظهر في الإعلام، وقمت بنشر وفاته طمعا في دعاء المسلمين له، فتوالت التعليقات تدعو بالرحمة والمغفرة، واستبشرت بذلك إلى أن راعني سؤال من أحدهم يقول: هل كان المتوفى وهابيا أم مسلما؟!
بما يفهم منه أنه يعتقد أن الوهابي كافر وليس مسلما، ومع التحفظ على كلمة وهابي لأن الوهابية ليست مذهبا كالحنفية والمالكية ...الخ، وإنما هي نسبة للإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، فالذي يثير الحزن بل الأحزان، هذه الجُرأة على تكفير الآخرين، أفرادا أو جماعات بدون مراعاة للضوابط الشرعية، وأن يكون التكفير من قبل أفراد لا من قبل العلماء أو القضاة أو المجامع الفقهية.
تخيلوا، الأمة الواحدة التي نحلم كل يوم بوحدتها، تنقسم فيما بينها إلى سنة وشيعة، فيتناحران ويتحاربان ويكفر كل طرف صاحبه.
وهل يقف الانقسام داخل الأمة عند ذلك؟!
لا لا؛ فداخل السنة تجد من يقول بكفر الوهابية والأشعرية والصوفية، والإخوان خوارج، والتبليغ مبتدعة، والسلفية العلمية يخرج منها المدخلية والجامية ...
أمة تنقسم وتُقسم والمقسم يقسم، ثم يفتت، فأصبحنا أمة من فتات، غثاء كغثاء السيل.
وهنا تحضرني نصوص تزيد من شجوني وأحزاني على الحال الذي وصلنا إليه، يقول الله سبحانه: (فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النساء: 94].
وفي الصحيحين من حديث ابنِ عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إذا قال الرجلُ لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدُهما، فإن كان كما قال وإلاّ رجعت عليه".
وفيهما من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أنه سمع رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "من دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدوّ الله، وليس كذلك، إلا حارَ عليه".
وعند الطبرانيّ بسند صحيحٍ أنّ رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن رمى مؤمِنًا بكفرٍ فهو كقتلِه".
وعلى هذا المنهَج الناصِع الوضيء سارَ صحابةُ رسول الله، خرّج الإمام أحمد والطبرانيّ وغيرهما عن أبي سفيانَ قال: سألتُ جابرًا وهو مجاورٌ بمكّة: هل كنتم تزعُمون أحدًا من أهل القبلة مشركًا؟! فقال: معاذ الله، وفَزع لذلك، فقال رجلٌ: هل كنتم تدعون أحدًا منهم كافرًا؟! قال: لا.
يقول الإمام الشوكانيّ -رحمه الله-: "وها هنا تُسكَب العبرات، ويُناح على الإسلام وأهلِه بما جناه التعصّبُ في الدين على غالبِ المسلمين من الترامي بالكُفر، لا لسنّةٍ ولا لقرآن، ولا لبيانٍ من الله ولا لبرهان، بل لما غلَت به مراجلُ العصبيّة في الدين، وتمكّن الشيطان الرجيم، من تفريقِ كلمة المسلمين، لقَّنهم إلزاماتِ بعضِهم لبعض بما هو شبيهُ الهباء في الهواء والسّراب بقيعةٍ، فيا للهِ والمسلمين من هذه الفاقِرة التي هي أعظمُ فواقرِ الدين، والرّزيةِ التي ما رُزِئ بمثلِها سبيلُ المؤمنين...".
حقا والله، على مثل ذلك تسكب العبرات...
تسكب العبرات على شباب على مواقع التواصل وقنوات اليوتيوب أعادوا الحرب جذعة في الأسماء والصفات، وأعادوا الخوض في علم الكلام، وأعادوا تكفير العلماء والسلف من أهل السنة والجماعة، فمنهم من يكفر النووي ومنهم من يكفر صلاح الدين الأيوبي، وصاروا يتنابزون فيما بينهم بالألقاب، ودخل العامة يناصرون هذا أو ذاك بغير علم، وأضحت فتنة، تنبئ بجيل جديد لا يحترم العلم ولا العلماء، فتنة تزيدنا انقساما وتفتيتا، أكثر وأكثر، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه للتكتل ونبذ الخلاف، لصد موجات العدوان الصهيوأمريكي، انجليزي، أوربي، ماسوني، صليبي.
تخيلوا أننا نتناحر هذا التناحر حول مسائل علمية ليست من الأصول ولا من الفروع، بل هي من علم الكلام الذي لا حجة فيه ولا دليل ولا برهان، ولا قواعد ولا ضوابط، نفعل ذلك وإخواننا وأطفالنا ونساؤنا وبناتنا في غزة يُنحرون ويقتلون جهارا نهارا بلا أدنى ذرة خوف أو رهبة من ملياري مسلم، مجموع هذه الأمة، فأين فقه الأولويات يا شباب العلم؟!، يا سادة الغد، يا نور الظلام، يا معلمي الناس الحلال والحرام، والوحدة والجهاد، أين؟!
هل صار المبتغى أرباحا مادية تجلبها مواقع النت، من إعلانات غالبها مخالف ومحرم؟!
ومن أسف أن هذا صار حاصلا بين شيوخ العلم الذين ابيضت لِحاهم، لا شبابه فقط، ووقع التنابز والتخاصم والتهاجر، ولم يعد للنصيحة في السر مقام بيننا، بل جهارًا على القنوات.
العلم وشبابه، ليس هكذا تورد الإبل، عودوا إلى رشدكم، والزموا فقه الأولويات، وقدموا المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وخذوا بقلوب الناس وعقولهم، إلى الوحدة والتلاحم، والتراص، والتصاف، وبغض النزاع والخلاف، فإننا كعنزتين تتعاركان، والوحش يطوي الأرض نحوهما، ليلتهم أيهما أكثر غفلة.
فهل نبادر ونحاذر؟! هل نفوق ونستفيق؟!
والله المستعان وبه التوفيق، ومنه السداد، وإليه المرجع والمصير.
 
أعلى