العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

نكاح المتعة والنكاح المؤقت ؟فروق ومروق

د. اقبال ابداح

:: متخصص ::
إنضم
5 يناير 2008
المشاركات
13
التخصص
اصول الدين / تفسير
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنفي
الاخوة الكرام سلام تام وبعد :
فمن الامور التي كثر الحديث عنها في الاونة الاخيرة الانكحة المشبوهة التي اجمع علماء الامة على بطلانها اذا ما استثنيت الاقوال المرجوحة والشاذة هنا وهناك ؛وعلى الرغم من ذلك تجد ان كثيرا من اللغط يدور حول امر نكاح المتعة و يجد رواجا بين من يرى ان له مدخلا الى الحل
سيما من يستشهد برأي لابن عباس دون ان يعلم رجوعه عنه قبل وفاته اذاجاءه العلم بالحل وتأخر علمه بالتحريم
ومن قائل بان ذلك مما حرمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وبين من يرى باطلا ان للإمام ما لك قول بجوازه
وإغفال الشيعة لحقيقة ان من روى حديث التحريم وذكر به ابن عباس هوعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه وبالتالي إجازتهم له وهم يعدون أنفسهم أتباعا له لكن وعلى ما يبدو ان ذلك صحيح تماما عندما يوافق مذهبه مرادهم ؟ وبخلافه فلا يلزمون انفسهم مع احد
لأجل ما تقدم فقد تدبرت من النصوص الحنفية ما أظنه مفيدا في هذا السيا ق ؛املآ ألا أكون قد أقحمت فيها ما ليس منها وتستهدف النصوص هذه إجلاء الأمور التالية:
التفريق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت مع بيان موقف زفر من الحنفية حيث يرى جواز النكاح المؤقت بالاضافة الى اطلالة تاريخية عن نكاح المتعة وعلاقته بالانكحة الاخرى من المصادر الحنفية
( وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتِ بَاطِلٌ ) وَصُورَةُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةِ خُذِي هَذِهِ الْعَشَرَةَ لِأَتَمَتَّعَ بِك أَوْ مَتِّعِينِي بِنَفْسِك أَيَّامًا ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَصُورَةُ الْمُؤَقَّتِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرًا .
وَقَالَ زُفَرُ هُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ التَّزْوِيجِ فِي الْمُؤَقَّتِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُتْعَةِ ثُمَّ عِنْدَ زُفَرَ إذَا جَازَ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَكُونُ مُؤَبَّدًا ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى النِّكَاحِ التَّأْبِيدُ وَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ أُطَلِّقَك إلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ أَبَّدَ الْعَقْدَ وَشَرَطَ قَطْعَ التَّأْبِيدِ بِذِكْرِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَبَّدُ لَا يُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ فَجَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ .
الجوهرة النيرة 4/64




( وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا طَالَتْ مُدَّةُ التَّأْقِيتِ أَوْ قَصُرَتْ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنَّهُمَا إنْ ذَكَرَا مِنْ الْوَقْتِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَا يَعِيشَانِ إلَيْهِ كَمِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّأْبِيدِ .
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّأْقِيتَ مُعَيِّنٌ لِجِهَةِ الْمُتْعَةِ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُك لِلنِّكَاحِ وَمُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ شَرْعًا إلَّا لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمُتْعَةَ ؛ فَإِذَا قَالَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عَيَّنَ التَّوْقِيتَ جِهَةَ كَوْنِهِ مُتْعَةً مَعْنًى ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْمُدَّةُ الْقَلِيلَةُ وَالْكَثِيرَةُ سَوَاءٌ وَاسْتَشْكَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا شَرَطَ وَقْتَ الْعَقْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ ، وَلَافَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ فَاشْتِرَاطُهُ بَعْدَ شَهْرٍ لِيَنْقَطِعَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْعَقْدِ مُؤَبَّدًا ، وَلِهَذَا لَوْ مَضَى الشَّهْرُ لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ فَكَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا .
وَأَمَّا صُورَةُ النِّزَاعِ فَالشَّرْطُ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ لَا فِي قَاطِعِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ صَحَّ التَّوْقِيتُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ عَقْدٌ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ .
العناية شرح الهداية4/394



( وَبَطَلَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَتَمَتَّعُ بِكِ كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ وَقَالَ مَالِكٌ : هُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ نَاسِخُهُ وَاشْتَهَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْلِيلُهَا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَكَانَ يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت جَابِرًا يَقُولُ تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَنِصْفًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ نَهَى النَّاسَ عَنْهُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الشِّيعَةُ وَخَالَفُوا عَلِيًّا وَأَكْثَرَ الصَّحَابَةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ } مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَرَّمَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَثَبَتَ نَسْخُهُ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ حُكْمِ النِّكَاحِ عَنْهَا وَانْتِفَاءِ شَرْطِهِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِرْثِ وَصِحَّةِ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالشُّهُودِ ، وَلَا هِيَ مِمَّا مَلَكَتْهُ الْأَيْمَانُ فَيَجِبُ حِفْظُ الْفَرْجِ وَالتَّبَاعُدُ عَنْهَا ؛ إذْ هِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ وَعَنْهُ { عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ النِّسَاءِ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ الْفَتْوَى بِهَا ، وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ إنَّك تَائِهٌ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ الْمُتْعَةُ وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الصَّلَاةِ ، وَالْجَوَابُ عَمَّا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِمْتَاعِ مِنْهُنَّ النِّكَاحُ ، وَالْمَهْرُ يُسَمَّى أُجْرَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ ثُمَّ بَلَغَهُمْ فَتَرَكُوهُ

الشَّرْحُ
( قَوْلُهُ : وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ ) أَيْ لِامْرَأَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ الْمَوَانِعِ .
ا هـ .
فَتْحٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ مَالِكٌ : هُوَ جَائِزٌ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ فِرِشْتَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ وَمَا حَكَاهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ جَوَازِهَا فَخَطَأٌ ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ : نِسْبَتُهُ إلَيْهِ غَلَطٌ ا هـ وَقَالَ السُّرُوجِيُّ : وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ ، وَنَقْلُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ عَنْهُ سَهْوٌ ا هـ وَفِي الْمَنَافِعِ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ خُذِي هَذِهِ الْعَشَرَةَ لِأَتَمَتَّعَ بِك أَوْ لِأَسْتَمْتِعَ بِك أَوْ مَتِّعِينِي بِنَفْسِك أَيَّامًا وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهَا وَالْفَرْقُ بِذِكْرِ لَفْظِ التَّزَوُّجِ فِي الْمُؤَقَّتِ دُونَ الْمُتْعَةِ وَكَذَا بِالشَّهَادَةِ فِيهِ دُونَ الْمُتْعَةِ ، وَفِي الْمُحِيطِ كُلُّ نِكَاحٍ مُؤَقَّتٍ مُتْعَةٌ ، وَقَالَ زُفَرُ : لَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ إلَّا بِلَفْظِهَا .
ا هـ .
غَايَةٌ ( قَوْلُهُ : وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَرَّمَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ ) ، وَالتَّوْفِيقُ أَنَّهَا حُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ .تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق5/289_290


فَوَجَبَ بِمَا ذَكَرْنَا ، نَسْخُ مَا رَوَيْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ إبَاحَةِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إنَّ النِّكَاحَ إذَا عُقِدَ عَلَى مُتْعَةِ أَيَّامٍ ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْأَبَدِ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ .
فَمِنْ الْحُجَّةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ ، قَالَ لَهُمْ { مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ اللَّاتِي يُتَمَتَّعُ بِهِنَّ شَيْءٌ ، فَلْيُفَارِقْهُنَّ } .
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ ، لَا يُوجِبُ دَوَامَ الْعَقْدِ لِلْأَبَدِ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُوجِبُ دَوَامَ الْعَقْدِ لِلْأَبَدِ ، لَكَانَ يُفْسَخُ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَا تَعَاقَدَا بَيْنَهُمَا ، وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ إذَا كَانَ قَدْ ثَبَتَ عَلَى صِحَّةٍ وَجَوَازٍ قَبْلَ النَّهْيِ .
فَفِي أَمْرِهِ إيَّاهُمْ بِالْمُفَارَقَةِ ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ بِهِ مِلْكُ بُضْعٍ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ .
شرح معاني الاثار3/392


بَابُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ( قَالَ : ) بَلَغْنَا { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَحَلَّ الْمُتْعَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الدَّهْرِ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ فِيهَا الْعُزُوبَةُ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا } ، وَتَفْسِيرُ الْمُتْعَةِ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ : أَتَمَتَّعُ بِكَ كَذَا مِنْ الْمُدَّةِ بِكَذَا مِنْ الْبَدَلِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَنَا جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وَلِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ يَبْقَى حَتَّى يَظْهَرَ نَسْخُهُ وَلَكِنْ قَدْ ثَبَتَ نَسْخُ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ { أَنَّ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى يَوْمَ خَيْبَرَ أَلَّا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ } وَمِنْهُ حَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتْعَةَ عَامَ الْفَتْحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَجِئْتُ مَعَ عَمٍّ لِي إلَى بَابِ امْرَأَةٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَةٌ وَكَانَ بُرْدَةُ عَمِّي أَحْسَنَ مِنْ بُرْدَتِي فَخَرَجَتْ امْرَأَةٌ كَأَنَّهَا دُمْيَةٌ عَيْطَاءُ فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَى شَبَابِي وَإِلَى بُرْدَتِهِ ، وَقَالَتْ هَلَّا بُرْدَةٌ كَبُرْدَةِ هَذَا أَوْ شَبَابٌ كَشَبَابِ هَذَا ثُمَّ آثَرَتْ شَبَابِي عَلَى بُرْدَتِهِ فَبِتُّ عِنْدَهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ إذَا مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي أَلَّا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى - وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْهَا } ثُمَّ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي الْمُتْعَةِ قَطُّ إنَّمَا ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ مُؤَقَّتَةً بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَلَا يَبْقَى ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى دَلِيلِ النَّسْخِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ نَسَخَتْهَا آيَةُ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِي الْمُتْعَةِ لَرَجَمْت ، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا خَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي الصَّرْفِ وَالْمُتْعَةِ فَثَبَتَ النَّسْخُ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلَمَّا سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَلَتْ قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } الْآيَةَ ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ لَهُ ، وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ لَهُ ، وَبَيَانُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِالزَّوْجِيَّةِ ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَاسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ لِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } الزَّوْجَاتُ فَإِنَّهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ } وَالْمُحْصِنُ النَّاكِحُ ( قَالَ : ) وَإِنْ قَالَ : تَزَوَّجْتُكِ شَهْرًا فَقَالَتْ : زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ ، فَهَذَا مُتْعَةٌ وَلَيْسَ بِنِكَاحٍ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ شَرْطٌ فَاسِدٌ ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ ، وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ بَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ، كَاشْتِرَاطِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهَا ، تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ صَحَّ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ ، فَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا شَهْرًا ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا أُوتَى بِرَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى أَجَلٍ إلَّا رَجَمْتُهُ ، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ مَيِّتًا لَرَجَمْتُ قَبْرَهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ إنَّمَا التَّوْقِيتُ فِي الْمُتْعَةِ ، فَإِذَا وَقَّتَا فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا التَّنْصِيصُ عَلَى الْمُتْعَةِ ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ ، وَإِنْ ذَكَرَ لَفْظَ النِّكَاحِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْعَقْدُ مُؤَبَّدًا أَوْ فِي مُدَّةٍ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَعْقِدَا الْعَقْدَ فِيمَا وَرَاءَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِيمَا وَرَاءَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِانْعِقَادِ الْحُكْمِ فِي زَمَانٍ لَمْ يَعْقِدَا فِيهِ الْعَقْدَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ أَضَافَا النِّكَاحَ إلَى مَا بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْقِدَاهُ فِي الْحَالِ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ فِي الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ ، وَلَكِنْ يَنْعَدِمُ بِالتَّوْقِيتِ أَصْلُ الْعَقْدِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي لَمْ يَعْقِدَاهُ فِيهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ فَاشْتِرَاطُ الْقَاطِعِ بَعْدَ شَهْرٍ لِيَنْقَطِعَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا
عَقَدَا الْعَقْدَ مُؤَبَّدًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الشَّرْطُ هُنَاكَ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ ، وَهُنَا لَوْ صَحَّ التَّوْقِيتُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ ذَكَرَا مِنْ الْوَقْتِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَا يَعِيشَانِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَأْكِيدَ مَعْنَى التَّأْبِيدِ ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلْعُمْرِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَا مُدَّةً قَدْ يَعِيشَانِ أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، وَعِنْدَنَا الْكُلُّ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ مِنْ شَرْطِ النِّكَاحِ فَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُهُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .المبسوط6/426_428

من شروط النكاح التأبيد فلا يجوز النكاح المؤقت
و منها : التأبيد فلا يجوز النكاح المؤقت و هو نكاح المتعة و أنه نوعان :
أحدهما : أن يكون بلفظ التمتع
و الثاني : أن يكون بلفظ النكاح و التزويج و ما يقوم مقامها
أما الأول فهو أن يقول أعطيك كذا على أن أتمتع منك يوما أو شهرا أو سنة و نحو ذلك و أنه باطل عند عامة العلماء و قال بعض الناس : هو جائز و احتجوا بظاهر قوله تعالى : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } و الاستدلال بها من ثلاثة أوجه
أحدها : أنه ذكر الاستمتاع و لم يذكر النكاح و الاستمتاع و التمتع واحد
و الثاني : أنه تعالى أمر بإيتاء الأجر و حقيقة الإجارة و المتعة عقد الإجارة على منفعة البضع
و الثالث : أنه تعالى أمر بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع و ذلك يكون في عقد الإجارة و المتعة فأما المهر فإنما يجب في النكاح بنفس العقد و يؤخذ الزوج بالمهر أولا ثم يمكن من الاستمتاع فدلت الآية الكريمة على جواز عقد المتعة
و لنا : الكتاب و السنة و الإجماع و المعقول :
أما الكتاب الكريم فقوله عز و جل : { و الذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } حرم تعالى إلا بأحد شيئين و المتعة ليست بنكاح و لا بملك يمين فيبقى التحريم
و الدليل على أنها ليست بنكاح أنها ترفع من غير طلاق و لا فرقة و لا يجري التوارث بينهما فدل أنها ليست بنكاح فلم تكن هي زوجة له و قوله تعالى في آخر الآية : { فمن ابتغى و راء ذلك فأولئك هم العادون } سمي مبتغي ما وراء ذلك عاديا فدل على حرمة الوطء بدون هذين الشيئين و قوله عز و جل : { و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء } و كان كذلك منهم إجارة الإماء نهى الله عز و جل عن ذلك و سماه بغاء فدل على الحرمة
و أما السنة : فما روي عن علي رضي الله عنه : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر و عن أكل لحوم الحمر الإنسية ]
و عن سيرة الجهني رضي الله عنه : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة ]
و عن عبد الله بن عمر أنه قال : [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر عن متعة النساء و عن لحوم الحمر الأهلية ]
و روي : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قائما ببن الركن و المقام و هو يقول : إني كنت أذنت لكم في المتعة فمن كان عنده شيء فليفارقه و لا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا فإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة ]
و أما الإجماع : فإن الأمة بأسرهم امتنعوا عن العمل بالمتعة مع ظهور الحاجة لهم إلى ذلك
و أما المعقول : ؟ فهو أن نكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة بل لأغراض و مقاصد يتوسل به إليها و اقتضاء الشهوة بالمتعة لا يقع و سيلة إلى المقاصد فلا يشرع
و أما الآية الكريمة فمعنى قوله : { فما استمتعتم به منهن } أ ي في النكاح لأن المذكور في أول الآية و آخرها هو النكاح فإن الله تعالى ذكر أجناسا من المحرمات في أول الآية في النكاح و أباح ما وراءها بالنكاح بقوله عز و جل : { و أحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم } أي بالنكاح
و قوله تعالى : { محصنين غير مسافحين } أي غير متناكحين غير زانين و قال تعالى في سياق الآية الكريمة : { و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات } ذكر النكاح لا الإجارة و المتعة فيصرف قوله تعالى : فما استمتعتم به إلى الاستمتاع بالنكاح
و أما قوله : سمى الواجب أجرا فنعم المهر في النكاح يسمى أجرا قال الله عز و جل : { فانكحوهن بإذن أهلهن و آتوهن أجورهن } أي مهورهن و قال سبحانه و تعالى : { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } و قوله أمر تعالى بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع بهن و المهر يجب بنفس النكاح و يؤخذ قبل الاستمتاع قلنا : قد قيل في الآية الكريمة تقديم و تأخير كأنه تعالى قال : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } أي أردتم الاستمتاع بهن كقوله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } أي إذا أردتم تطليق النساء على أنه إن كان المراد من الآية الإجارة و المتعة فقد صارت منسوخة بما تلونا من الآيات و روينا من الأحاديث و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قوله : { فما استمتعتم به منهن } نسخه قوله عز و جل : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء }
و عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : المتعة بالنساء منسوخة نسختها آية الطلاق و الصداق و العدة و المواريث و الحقوق التي يجب فيها النكاح أي النكاح هو الذي تثبت به هذه الأشياء و لا يثبت شيء منها بالمتعة و الله أعلم
و أما الثاني : فهو أن يقول : أتزوجك عشرة أيام و نحو ذلك و أنه فاسد عند أصحابنا الثلاثة و قال زفر النكاح جائز و هو مؤبد و الشرط باطل
و روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال : إذا ذكرا من المدة ما يعيشان إلى تلك المدة فالنكاح باطل و إن ذكرا من المدة مقدار مالا يعيشان إلى تلك المدة في الغالب يجوز النكاح كأنهما ذكرا الأبد
وجه قوله : أنه ذكر النكاح و شرط فيه شرطا فاسدا و النكاح لا تبطله الشروط الفاسدة فبطل الشرط و بقي النكاح صحيحا كما إذا قال : تزوجتك إلى أن أطلقك إلى عشرة أيام
و لنا : أنه لو جاز هذا العقد لكان لا يخلو : إما أن يجوز مؤقتا بالمدة المذكورة و إما أن يجوز مؤبدا لا سبيل إلى الأول لأن هذا معنى المتعة إلا أنه عبر عنها بلفظ النكاح و التزويج و المعتبر في العقود معانيها لا الألفاظ كالكفالة بشرط براءة الأصيل أنها حوالة معنى لوجود الحوالة و إن لم يوجد لفظها و المتعة منسوخة و لاوجه للثاني : لأن فيه استحقاق البضع عليها من غير رضاها و هذا لا يجوز
و أما قوله : أتى النكاح أدخل عليه شرطا فاسدا فممنوع بل أتى بنكاح مؤقت و النكاح المؤقت نكاح متعة و المتعة منسوخة و صار هذا كالنكاح المضاف أنه لا يصح و لا يقال يصح النكاح و تبطل الإضافة لأن المأتي به نكاح مضاف و أنه لا يصح كذا هذا بخلاف ما إذا قال : تزوجتك على أنه أطلقك إلى عشرة أيام لأن هناك أبد النكاح ثم شرط قطع التأبيد بذكر الطلاق في النكاح المؤبد لأنه على أن كلمة شرط و النكاح و المؤبد لا تبطله الشروط و الله عز و جل أعلم
بدائع الصنائع2/556

املا ان يتكرم اهل الاختصاص باجلاء النظرة حول ما ثبت من مواقف اهل العلم تجاه المعروض من هذه المسائل.
 
أعلى