الحمد للهرب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد : فإن الباعث على كتابة هذه الكلمة هو حرصي على حصول الخير لك أخي المسلم فنحن أخوة في الدين فقد قال تعالى :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[1]و الأخوة في الدين أوثق من أخوة النسب فإن علمت ذلك فارعني سمعك وقلبك رعاك الله .
أخي سؤال أريد منك أن تجيب عليه لماذا لا تكره الأغاني ؟
و اريدك أن تنتبه لمعاني الكلمات الاتية كي تفهم كلام العلماء في هذه المسألة التي كثر فيها الكلام في هذا العصر فعندنا كلمة غناء و كلمة اللحن و كلمة التطريب و كلمة السماع وكلمة المعازف فهيا نعرف معاني هذه الكلمات كي نستقي منها علما سنفعنا في الدنيا والآخرة
حبيبي في الله الغناء في اللغة التي نزل بها القرآن و تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم هو رفع الصوت وموالاته[2] واللحن هو التطريب وترجيع الصوت والغناء[3] ،و التطريب في الصوت مده وتحسينه [4] ،والسماع هو الغناء[5] و المعازف هي آلات اللهو التي يضرب بها [6]أن قلت لك ذلك كي تعلم أن العلماء عندما يتكلمون عنالغناء فلا يقصدون الغناء الذى هو الغناء المصحوب بالآلآت الموسيقية وإنما يقصدونالغناء الذى هو إلقاء الشعر و الأناشيد . أظن المسائل قد وضحت الآن .
أنا الآنأسألك عن الأغاني بالمعنى المتعارف عليه لدى الناس ، ولا اتكلم عن الأغاني بالمعنى اللغوي التي هي الشعر الذي يعتبر كلمات الأغاني ،و الشعر حسنه حسن وقبحه قبيح فقد سمع النبى صلى الله عليه وسلم الشعر ، وكان الصحابة يرتجزون بين يديه مما يدل على جواز الشعر أما الآن أنا أسألك عن هذه الأغاني المكونة من كلمات و مغني و موسيقى لماذا لا تكرها ؟
[1]- سورة الحجرات : من الآية رقم 10 [2] - انظر لسان العرب لابن منظور مادة غنى [3] - انظر تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي مادة لحن [4] - انظر لسان العرب لابن منظور مادة طرب [5] - انظر لسان العرب لابن منظور مادة سمع [6] - انظر لسان العرب لابن منظور والمصباح المنير للفيومي وتاج العروس للزبيدي مادة عزف
أخي أتصدق النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أنا طبعا أعلم أنك تصدقه وتحبه أحسبك على ذلك والله حسيبك لكن أخي مادمت تصدقه فاسمع لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من تشبه بقوم فهو منهم ))[1]، وهذا الحديث يدل على أن من تشبه بأي قوم كان منهم فيما تشبه بهم فيه ، و أي مسلم لا يرضى أبداً أن يتشبه بقوم في ضلالتهم على كل حال ، وعندك أخي طريق الصالحين وطريق الطالحين أي الطريقين تحب ،و أنت تعلم أنوسط المغنيين والمغنيات وسط مليء بالفسوق ،والعصيانو العلاقات المحرمة؟ أخي أنا أسألك أترضى أن تتشبه بهذا الوسط المليء بالفسق أم تتشبه بأهل الصلاح والطاعة ؟ ومعنى التشبه بأهل المعاصي أن تفعل ما يفعلوه هم يسمعون الأغاني وأنت تسمعها إذن أنت تفعل فعلا من أفعالهم وأنا أسألك لو كان سماع هذه الأغاني حلالا فلماذا غالب من يسمعها من غير الملتزمين ومن غير أهل الطاعة ؟ أخي ألا ترى أن الأغاني أصبحت من العلامات الدالة عند الكثير ممن الناس على عدم الالتزام ؟ انظر الفطر السليمة عندما تجد من يقول لها أنا اسمع الأغاني ينصرف الذهن أن هذا القائل غير ملتزم فلماذا تسمعها إذن ؟ لماذا تسمع الأغاني إذن وهي علامة على غير الالتزام ؟ أخي هل رأيت رجلا عليه سمة الوقار ،والطاعة يسمع الأغاني ؟ لا تقل هناك فلان وفلان فكم عدد فلان وفلان من عداد الناس أنا أكلمك عن غالب من يسمعها أليس الغالب أهل معاصي و فسوق بل هي عند الناس علامة على ذلك ؟
أخي ستقول لي هناك من العلماء من جوز هذه الأغاني إذ لم تشتمل على محرم ،و أنا سأفترض أن الأغاني هذه المشتملة على الموسيقى حلال ،و أكرر لك سؤاليأتصدق النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أنا طبعا أعلم أنك تصدقهوتحبه أحسبك على ذلك والله حسيبك لكن أخي مادمت تصدقه فاسمع هذا الكلام الجميل من النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال : «البرّ حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك ، وكرهتأن يطلع عليه الناس »[1] انظر أخي إلى هذا النبي الحكيم جعل للإثم علامتين فأما العلامة الأولى فهي ما يشعر به المرء من قلق واضطراب في نفسه عند ممارسة هذا الفعل ، وما يحصل له من التردد في ارتكابه ، فهذا دليل على أنه إثم في الغالب ، والعلامة الثانيةيكره أن يطلع على هذا الفعل الأفاضل من الناس ، والصالحون منهم ، وهاتين العلامتينيدلان أن هذا الفعل محل ذم وعيب ، و قل لي بربك وربي هل تسمع الأغاني في نهار رمضان ؟ هل تسمع الأغاني أمام الصالحين ؟ هل تسمع الأغاني أمام أحد من الدعاة ؟ أسأل نفسك ليه هذا يا أخي يدل أن فطرتك على أن الأغاني شيء حرام شيء خبيث شيء تستحي أن يطلع عليه الناس لذلك لا تسمعها أمم الصالحين ولا أمام الدعاة ،ولا في نهار رمضان فلماذا إذن لا تكره الأغاني ؟
أخي النبي صلى الله عليه وسلم قال أتصدقه ستقول نعم إذن اسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : «المرء مع من أحب»[1] و أنا أسألك أخي لما لا تكره الأغاني لأجل أهلها ؟ أخي أهل الأغاني وأصحاب هذا الفن معيشتهم في الغالب مليئة بالفسق و الفجور انجوا بنفسك أخي فو الله إني أخاف عليك ،و حريص عليك انجوا بنفسك حتى لا يتعلق قلبك بأحد من هؤلاء فتحشر معه يوم القيامة فالمرء يحشر مع من أحب .
[1] - رواه البخاري وسلم في صحيحهما ، و صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6565 ، و في صحيح أبي داود رقم 4276
أخي النبيصلى الله عليه وسلم قال أتصدقه ستقول نعم إذن اسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك »[1]يعنياترك الذي ترتاب فيه و تشك فيه إلى الشيء الذي لا تشك فيه فالذي يريبك وتشك فيه فالأحسن أن ترتاح منه وتدعه حتى لا يكون في نفسك قلق واضطراب فيما فعلت و أتيت ، و أنا أريدك أنتطبق النص على الأغاني المكونة من موسيقى وكلمات و مغني فقد اختلف العلماء المعاصرين على قولين قول يقول لا تجوز ، و قول يقول تجوز أي هذه الأقوال اضمن لدينك هل تأخذ بفتوى الإباحة أم بفتوى الحرمة ؟ لو كانت الأغاني جائزة و أنت لم تفعلها لم تخسر شيئا أما لو كانت حراما فستلوم نفسك لماذا تجعل نفسك في ريبة ابغضها لله ؟ يا أخي إذا كان من أباح الأغاني بالمعازف قالوا بشرط ألا تكون مثيرة للغرائز كيف تضمن أن هذه الأغنية مثيرة والأخرى غير مثيرة ومسألة الإثارة تختلف من شخص لآخر ابغضها لله ؟
[1] - رواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه والنسائي في سننه وابن حبان والحاكم في المستدرك ، وصححه الألباني في غاية المرام حديث رقم 179
أخي النبي صلى الله عليه وسلم قال أتصدقه ستقول نعم إذن اسمع قولالحبيب صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ، ولا ضرار »[1]، انظر أخي نفى النبي صلى الله عليه وسلمالضرر أولا ، ثم نفى الضرار ثانيا ، أما نفي الضرر إنما قُصد به عدم وجود الضرر فيما شرعه الله لعباده من الأحكام ، وأما نفي الضرار : فأُريد به نهي المؤمنين عن إحداث الضرر أو فعله .و قال تعالى : ﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾[2] ، و قد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما .أي أندرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ،و أهل الأغاني يقولون في الغناء مصالح ، و هي أن هذه الأغاني تعمل على إدخال البهجة على النفوس و ترقق القلوب و الشعور ، و تنمي العاطفة ، و لكن هذه المصالح ليست هي الغالبة ففي الغالب يحدث بجانبها العديد من المفاسد فمن المشاهد أن من استلذّ بسماع الأغاني لا يُمكن أن يجد حلاوة تلاوة القرآن ،و قد تجتمعتلاوة القرآن مجرّد تلاوة مع سماع الأغاني ، لكن سماع انتفاع وتلذذ لا يمكن أن يجتمعا ،والقرآن ينهى عن اتباع الهوى , و يأمر بالعفة و مجانبة شهواتالنفوس و أسباب الغي , و ينهىعن اتباع خطوات الشيطان وغالب الأغاني تأمر بضد ذلك كله وتحسنه وتثير الشهواتوتسبب الغفلة وترك العبادات ، ،وهذه الأغاني في الغالب لا تدعو إلى مكارم الأخلاق ، ولا تدعو إلى الأخلاق الفاضلة بل تدعو إلى العشق والغرام ، والحب والهيام . كأن الدنيا ما هي إلا حب و عشق فينسى الناس لما خلقوا ، و في غالب الأغاني تجد ذكر محاسن النساء و الرجال ، و في غالب الأغاني تجد الكلام الساقط الماجن البذيء الذي يحرك الأولاد والبنات إلى التفكير في الفاحشة والرذيلة .
[1] - صححه الألباني في غاية المرام حديث رقم 254 ، و صححه في تخريج أحاديث مشكلة الفقر رقم 8
أخي هناك قاعدة عظيمة من القواعد الفقهية ألا وهي إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام[1] أي إذا اجتمع الحرام والحلالفي الشيء بحيث يشتبه الأمر و يتعذر ترجيح أحدهما على الآخر فيغلب جانب الحرمة باجتناب ذلك الشيءمثلا إذا صُبَّ ماء نجس على ماء طاهر أكثر منه في إناء فإنه ينجس،و أيضا مثلإذا اشتبهتامرأة الرجل بامرأة أجنبية، حرمتا عليه حتى يميز امرأته منغيرها.و أيضا مثل إذا ربح مالاً منتجارة فيها ربا وغش وخديعة حرم عليه الربح كله إذا لميمكن تمييزالحلال من الحرام ،أخيلو افترضنا أن هذه الأغاني جائزة فغالب هذه الأغاني لا تخلو من محرم فتجد الغناء في الخمرو في العشق و في الهوى و في الدعوة إلى الرذيلة بل هذه الأغاني فيها إثارة للمشاعر و الأحاسيس والشهوة بل ربما وجدت أخطاء في العقيدة ،وألفاظ كفرية ،وقلما تجد مُغنِّـيـاً يدعو إلى فضيلة وإلى خُلُق فاضِلو غالب الأغاني لا تخلو من محرم إذن لمالاتكرها وتبتعد عنها تغليبا للحرام ؟
[1]- القواعد الفقهية للدكتور محمد عثمان شبير ص 325 و ما بعدها دار النفائس الطبعة الأولى 1426 هـ - 2006 م
أخي قالتعالى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسْوَة حَسَنَةٌ ﴾[1]أي علينا أن نتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل أفعالنا وأحوالنا ، وحبيبنا وحبيبك النبي صلىالله عليه وسلم عندما سمع صوت المزمار سد أذنه مما يدل على نكارة صوت المعازف وإلا لما سد أذنه فكيف تخالفه و تسمع الأغاني ؟ فعننافع قال : سمع ابن عمر مزماراً ، قال : فوضع أصبعيه على أذنيه ، ونأى عن الطريق ، وقال لي : يا نافع هل تسمع شيئاً ؟ قال : فقلت : لا، قال : فرفع أصبعيه من أذنيه ، وقال : كنت مع النبي rفسمع مثل هذا ، فصنع مثل هذا[2] . و احذر أخي من قول البعض الحديث ليس دليلاً على التحريم ، إذ لو كان كذلك لأمر رسولاللهr ابن عمر رضي الله عنهما بسد أذنيه ، ولأمر ابن عمر نافعاً كذلك ! ، و قال شيخالإسلام ابن تيمية ردا على هؤلاء : ( أما ما لم يقصده الإنسان من الاستماع فلا يترتب عليه نهي ، ولا ذم باتفاق الأئمة ، ولهذا إنما يترتب الذم والمدح على الاستماع لا على السماع فالمستمع للقرآن يثاب عليه ، والسامع له من غير قصد ولا إرادة لا يثاب على ذلك، إذ الأعمال بالنيات ، وكذلك ما ينهى عنه من الملاهي ، لو سمعه السامع بدون قصده لم يضره ذلك )[3]واعلم أخي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الضرب بالدف في مناسبات معينة كالعرس فقدقال النبي صلى الله عليه وسلم : « فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف »[4]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال الضرب بالدف ،ولم يقل الضرب بالمعازف مما يشعر أن المباح من المعازف الضرب بالدف فقط ؛لأن وقت بيان أن المعازف مباحة هذا الوقت فلما ذكر الدف وسكت عن الباقين دل على أن غير الدف لا يجوز فلو كان جائز لذكره صلى الله عليه وسلم.
[1] - الأحزاب من الآية 21 [2] -صححه الألباني في صحيح أبى داود حديث رقم 4116. [3] - مجموع الفتاوى لابن تيمية 10/78 [4]- حديث فى سنن ابن ماجة ، وقد صححه الألبانى فى صحيح وضعيف سنن ابنماجة حديث رقم 1538
أخي عن أبي هريرة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس ))[1]وإذا كانت الملائكة لا تصحب الرفقة التي فيها جرس فكيف تدخل بيتاً فيه جرس إذن لا يجوز اقتناء الجرس في البيت ، والجرس هو الناقوس أو الوعاء من معدن والذي بداخله لسان يصطك بجوانب الوعاءو يحدث صلصلة فأخي قف مع نفسك وقفة صريحة إذا كان الإسلام حرم الجرس الذي نغمته أقل تأثيرا من نغمة الالات المعازف فكيف بالالات المعازف أيهما يكون أشد حرمة نغمة الجرس أم نغمة الالات المعازف ؟
وختاما أجب أخي على هذه الأسئلة : أيهماسيفيدك و يقربك من الله عز وجلأن تسمع الأغاني أم تسمع القرآن والعلم النافع ؟ أيهما سيشعركبالطمأنينة و السكينة و ويكسوك الوقار أن تسمع الأغاني أمتسمع القرآن والعلم النافع ؟ وأيهما سيبعد عنكوساوس الشيطان الوقار أن تسمع الأغاني أم تسمع القرآن والعلم النافع ؟ وأيهما لا يلهيك عن ذكرالله أن تسمع الأغاني أم تسمع القرآن والعلم النافع ؟ أجب عن الأسئلة و ستعرف الإجابة من قلبك والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وكتب ربيع أحمد بكالوريوسالطب 26/2/ 2008م
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.