د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الإمام الصنعاني
"استيفاء الاستدلال في تحريم الإسبال"
تنبيه: هذه القراءة لهذا الكتاب تمت من خلال معالجة مسألة حكم الإسبال من غير خيلاء والتي تم تناولها في موضوع الأخ د. ربيع أحمد على هذا الرابط،
http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php?t=405
ولذا فقد تضمنت هذه القراءة جملة من الإجالات على ذلك الموضوع، كما أنبه أن هذه القراءة لا تغني أبدا عن قراءة الرسالة فثمة مسائل تم تجاوزها لأن القراءة كانت من زاوية معينة.
----
يقول الصنعاني رحمه الله:
"وأخرج البيهقي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سألت أبا سعيد عن الإزار فقال: أخبرك بعلم؟ سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إزرة الؤمن إلى نصف الساقين، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، فما أسفل من ذلك ففي النار لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا."
قال الصنعاني:
وقد دلت الأحاديث على أن ما تحت الكعبين في النار، وهو يفيد التحريم.
ودل على أن من جر إزاره خيلاء لا ينظر الله إليه، وهو دال على التحريم، وعلى أن عقوبة الخيلاء عقوبة خاصة في عدم نظر الله إليه، وهو مما يبطل القول بأنه لا يحرم إلا إذا كان للخيلاء كما سيأتي بسطه ورده.
----------
قال أبو فراس:
وهذا من أقوى أدلة من أطلق تحريم الإسبال ولم يقيده بالخيلاء فهو يقول: إن الإسبال له حكم خاص، والإسبال بخيلاء له حكم خاص ووعيد يناسبه، بدليل أنهما ذكرا في حديث واحد وفرق بينهما في العقوبة فذكر في هذا الحديث أن ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار بينما توعد من جر إزاره بطرا أن الله لا ينظر إليه.
فالعقوبة في المسألتين تدل على الاشتراك في أصل التحريم ويدل اختلاف العقوبتين على أنهما مسألتان مستقلتان وإلا فما سبب الاختلاف في العقوبة؟
ولذا فعلى من قصر التحريم على ما كان خيلاء أن يتكلف الجواب عن هذا الحديث، والذي يظهر لي والعلم عند الله في هذا الحديث هو ما ذكر الشيخ عبد الوهاب مهية في رسالته رفع العتاب عن جواز إسبال الثياب.
فإن هذه الرسالة على ما فيها من ملاحظات فإن صاحبها أجاد في الجواب عن هذا الحديث، قال حفظه الله ورعاه:
و زعم بعضهم أن الجمع بين العقوبتين في لفظ واحددليل على اختلافهما.
و الجواب :
أن قوله " لا ينظر الله يوم القيامة ..." فيالحديث هو تذييل لتقرير حكم وتعليله . و لذلك لم تعطف على ما قبلها ، كما فيالرواية السابقة ، و إن كان قد أثبت بعضهم حرف العطف و لكن هذه أرجح .
و المعنى:
أن من أسبل ثوبه خيلاء وكبرًا ، حق له أن يطأ في النار إلى كعبيه ، لأن الله لايرحمه يوم القيامة بل يمقته. و هذا ما فهمه الإمام مالك من الحديث ، حيث أورده في باب ( ما جاء في إسبال الرجل ثوبه)
قال أبو فراس:
ويبدو لي والعلم عند الله وجاهة ما ذكره الشيخ عبد الوهاب ونلخص جوابه فنقول:
1- جوابه مبني على مقدمة وهي أن الراجح في روايات هذا الحديث هي الرواية التي أغفلت العطف وهي ( ما أسفل من ذلك ففي النار. لا ينظر اللهيوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا )
2- بينما كان حجة من استدل بهذا الحديث مبني على الرواية التي جاء فيها حرف العطف وهي ( ما أسفل من ذلك ففي النار ولا ينظر اللهيوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا )
قال أبو فراس: وهذه المقدمة تحتاج إلى مزيد تحرير في بيان الرواية الراجحة من الروايتين.
3- أن الجملة الثانية هي تذييل وتعليل للجملة الأولى، والمعنى: أن من أسبل ثوبه خيلاء حق له أن يطأ في النار إلى كعبيه ، لأن الله لايرحمه يوم القيامة بل يمقته.
4- أن هذا ما فهمه الإمام مالك من الحديث ، حيث أورده في باب ( ما جاء في إسبال الرجل ثوبه)
قال أبو فراس:
وهذا الجواب متجه جدا على الطريقة التي حكيناها عن الأئمة في ذم الإسبال عموما، وملتئم كذلك مع تفسير سبب إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم نصوص الوعيد على الإسبال من غير تقييد وأن سببه هو غلبة المحل فلما كان الإسبال غالبا محلا ومظنة للخيلاء ناسب أن ينيط النبي صلى الله عليه وسلم التحريم به في بعض المناسبات لاسيما وأنها هيئة معروفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يشكل الإطلاق، ولذا فلما استشكل أبو بكر رضي الله عنه أجابه عليه الصلاة والسلام بالمعنى المباشر للتحريم وهو "إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء".
-------
نصوص نقلها الصنعاني:
وأخرج مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلا يجر إزراه فقال له: ممن أنت؟
فانتسب له فإذا رجل من بني ليث يعرفه ابن عمر: فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة"
وفي رواية لأبي داود والنسائي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسبال في الإزار والقميص والعمامة. من جر شيئا منها خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"
....
وأخرج أحمد ومسلم وأهل السنن الأربع من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا:
"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منَّة، والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب."
...
قال في النهاية: "المسبل إزاره: هو الذي يطول ثيابه ويرسله إلى الأرض إذا مشى وإنما يفعل ذلك كبرا واختيارا"
--------
ثم قال الصنعاني:
ولنعد إلى تحرير المقال في الإسبال، فنقول: ههنا أربع صور:
إسبال مع مخيلة ، وبغيرها، في الصلاة ، وفي غيرها.
الأول: الإسبال في الصلاة:
قال النووي:
إنه في الصلاة وفي غيرها سواء، فإن كان للخيلاء فهو حرام ، وإن كان لغير الخيلاء فهو مكروه"
ثم قال:
فأما السدل لغير الخيلاء في الصلاة فهو خفيف لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه- وقد قال: إن إزاري يسترخي، أي يسقط من أحد شقي -: "إنك لست منهم" انتهى.
قال الصنعاني:
كلامه مبني على تسليم مقدمتين:
الأولى: حمل المطلق على المقيد.
والثانية: القول بمفهوم الصفة.
وفي المقدمتين نزاع طويل بين أئمة الأصول تأتي الإشارة إليه"
قال أبو فراس:
إذن موقف الصنعاني من هذه المسألة واضح جداً فهو لا يصحح قضيتين أصوليتين بنى عليهما من قيد نصوص الوعيد بالخيلاء:
1- حمل المطلق على المقيد.
2- القول بمفهوم الصفة.
وهذا الموقف من الصنعاني رحمه الله غريب جداًَ فالغالب على أهل العلم هو اعتبار هاتين القضيتين.
ونحن الآن بين أمرين:
1- إما أن نتكلف الاحتجاج لهاتين القضيتين الأصوليتين
2- أو أن نحيل النقاش في هذه المسائل إلى كتب الأصول فهي به أشبه.
وبما أن الغالب على أهل العلم هو اعتبار هاتين المسألتين الأصوليتين فإنا نختار الخيار الثاني، غير أنه لا يمكننا بهذه الطريقة أن ننقض كلام الصنعاني إلا بإثباتها عليه ثم تقريره بها على المسألة الحاضرة.
وهذه الطريقة في النقاش مع الصنعاني هي نفس الطريقة التي استعملها الصنعاني نفسه في حاشيته العدة على إحكام الأحكام حين حاكم بين الإمامين: ابن حزم وابن دقيق العيد في مسألة البول في الماء الدائم ثم قضى لابن حزم وما ذاك إلا لأن الشارح وهو ابن دقيق العيد أهمل أصلا أصيلا تدور عليه فلك المناظرة وهو تسليم المخالف.
وكان في ذلك الموضع يدافع عن ابن حزم في استطالة الفقهاء عليه ويقول: ابن حزم ينازعكم في هذه الأصول فأثبتوها عليه ثم قرروه بها.
ونحن هنا وإن لم نتفق مع الصنعاني رحمه الله في مخالفة هذه الأصول إلا أنه قد لقننا في ذلك الموضع درسا نمتنع معه أن نحاكمه بما لا يسلمه.
----------------
ثم نقل الصنعاني كلام ابن حزم في عدم صحة صلاة من جر ثوبه خيلاء.
------------
ونقل عن ابن حزم أيضاً قوله:
"وأما المرأة فلها أن تسبل ذيل ما تلبس ذراعا"
قال الصنعاني مذيلا على كلام ابن حزم:
واستدل بما قدمناه من أحاديث الترخيص لها.
قلت: إلا أنه لا يتم الاستثناء الذي قاله إلا إذا صلت مع الرجال للعلة وهي انكشاف القدم، فيراه من يحرم عليه رؤيتها، وأما إذا صلت خالية في منزلها أو مع نساء مثلها فالواجب تغطية القدم بلا زيادة وذلك يتم من دون إسبال كما يدل له قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة تصلي بدرع وخمار من غير إزار قال: لا بأس إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها."
قال أبو فراس:
كلام الصنعاني رحمه الله يحتاج إلى تأمل ودراسة فهو يقول إن الاستثناء الوارد هو في حال معينة وهي إذا ما صلَّت النساء مع الرجال والعلة هي انكشاف القدم.
أما إذا صلت في منزلها أو مع نساء مثلها فقد انتفت العلة وهي انكشاف القدم فالواجب لها حينئذ تغطية القدم فقط بلا زيادة وهذا يحصل من غير إسبال ثم استدل على هذا التحصيل بقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها"
فتم الستر من غير إسبال.
وكلام الصنعاني فيه إشارة إلى أن الإسبال ليس هو مجرد ما نزل عن الكعبين وإنما إذا وصل الثوب إلى الأرض.
فإنه رحمه الله اعتبر تغطية المرأة ظهور قدميها يحصل من غير إسبال، وهذا ظاهر.
وكلام الصنعاني هذا يذكرنا بكلام زين الدين العراقي في شرحه للترمذي والذي نقله عنه ابنه أبو زرعة وسأعيد نقله هنا لكن ملخصا وبتصرف:
اعتبر زين الدين العراقي أن النساء داخلين في النهي عن جر الثوب بلا خيلاء واستظهر أن الخيلاء محرمة على كلا الفريقين: النساء والرجال وَلِذَلِكَ سَأَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ فاستثني لهم عليه الصلاة والسلام التطويل من غير خيلاء فَصَحَّ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ فَهْمُ أُمِّ سَلَمَةَ وَتَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُنَّ لَقَالَ لَهَا لَيْسَ حُكْمُ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الرِّجَالِ
فإن قيل: لو سلم بقولكم فكيف صح الاسثناء على حال غير الخيلاء وأنتم قد قصرتم التحريم على ما كان خيلاء.
فالجواب أنه استثناء من الْكَرَاهَةَ فَإِنَّ فِيهَا مَنْعًا غَيْرَ جَازِمٍ ؛ ويَصِحُّ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْمَكْرُوهِ.
قال أبو فراس:
وإذا صح أن ينهى عن المكروه فإنه بالتالي يصح أن يستثنى منه وبه يندفع الاعتراض السابق.
----------
وقال الصنعاني:
في مسألة إذا صلى من يرى تحريم الإسبال مطلقا خلف مسبل جاهلا للتحريم أو شافعي المذهب....
فكان من جملة جوابه: "فالمسائل الخلافية الإمام فيها حاكم"
------
قال الصنعاني:
واعلم أنه لم يصرح ببطلان صلاة المسبل خيلاء إلا ابن حزم رحمه الله ودليله نفي القبول في الأحاديث عن صلاة المسبل([1])
وقد طرد ابن حزم قاعدة نفي القبول في جعله دليلا على عدم الصحة فيجزم بعدم صحة صلاة العبد الآبق.
ثم نقل عن ابن دقيق العيد قوله:
إنه قد استدل جماعة من المتقدمين بانتفاء القبول على انتفاء الصحة، كما فعلوه في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار). قال: "ولا يتم ذلك إلا بأن يكون انتفاء القبول دليلا على انتفاء الصحة"
قال الصنعاني: وهذا الذي ذهب إليه أبو محمد ابن حزم
ثم قال ابن دقيق العيد: وقد حرر المتأخرون في هذا بحثا لأن انتفاء القبول قد ورد في مواضع مع ثبوت الصحة كالعبد إذا أبق لا يقبل الله له صلاة، وكما ورد فيمن أتى عرافا، وكشارب الخمر".
ثم قال: إنه إذا قيل: قد دل الدليل على أن القبول من لوازم الصحة، فإذا انتفى انتفت، فيصح الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة، وتحتاج تلك الأحاديث التي نفي فيها القبول مع بقاء الصحة إلى تأويل أو تخريج جواب."
ثم قال الصنعاني بعد كلام:
ثم إنا لا نسلم صحة صلاة الآبق ومن ذكر معه وأين الدليل على صحتها؟ وقولهم: الدليل عليه الإجماع بعدم أمر الآبق ونحوه بإعادة الصلاة ممنوع وقوع الإجماع، وهذا ابن حزم وأبو هريرة مخالفان، على أن الإجماع نفسه ممنوع تحققه كما قرره الأئمة المحققون في الأصول وغيرها.
فالملازمة بين نفي الصحة ونفي القبول هي الأصل، والدليل على من ادعى خلافها، ولا شيء أدل على ذلك من أمره صلى الله عليه وسلم للمسبل بإعادة وضوئه ثم قوله معللا بذلك: إن الله لا يقبل صلاة مسبل إزراه.
فالأمر بالإعادة دليل على ملازمة عدم القبول لعدم الصحة، ومن ادعى عدم ملازمتهما طولب بالدليل على دعواه على أن الحديث دل على عدم صحة وضوء من صلى مسبلا ولا عذر من ذلك.
قال أبو فراس:
خلاصة ما سبق أن ابن حزم ومن قبله أبو هريرة والإمام أحمد ومن بعده الإمام الصنعاني يرون بطلان صلاة من جر ثوبه خيلاء محتجين بنفي القبول الوارد في الحديث.
ونَقَلَ الصنعانيُّ عن ابن دقيق العيد ما ملخصه أن أصحاب هذه الطريقة (وهي استلزام نفي القبول لنفي الصحة) عليهم أن يجيبوا عن الأحاديث التي وقع فيها نفي القبول مع الإجماع الواقع على صحتها.
فمنع الصنعاني من هذا الإلزام لعدم تسليمه بوقوع الإجماع على صحة ما نفي عنه القبول في النصوص.
وطعن الصنعاني في صحة هذا الإجماع فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه وابن حزم بعدم صحة صلاة الآبق، على أن الإجماع نفسه ممنوع تحققه.
ثم قال الصنعاني في نهاية هذا المبحث:
فهذا الكلام في الطرفين الأولين: الإسبال في الصلاة لخيلاء ولغيرها.
وقد عرفت أنه عند النووي لا يضر بالصلاة إن كان للخيلاء بل يكون فاعل محرم فيها، وأنه يكره فيها إذا كان لغير خيلاء، وأنه يبطلها عند ابن حزم إذا كان للخيلاء
قال أبو فراس: هذه الجملة تؤكد أحد الاحتمالين اللذين ترددنا في تحديد موقف ابن حزم تجاه هذه المسألة.
---------------
قال المحقق المقبلي:
هذه المسألة في السنة نار على علم في منع ما تحت الكعبين، وأنه في النار وأن الحد وسط الساقين فإن أبيت فإلى الكعبين.
والعجب من الفقهاء في تهوين أمرها وكان الواجب أن يهوِّلوا ما هولت السنة ويهونوا ما هونته، وهم إنما يلتفتون إلى هذه المسألة أدنى التفات فيما طولوا من المصنفات، وقل من يزيدها على لفظ الكراهة الذي غلب استعمالهم لها في التنزيه دون الحظر.
وتقييد كثير من الروايات بالخيلاء بيان للحامل على ذلك في الأغلب.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: لست ممن يفعل ذلك خيلاء.
أي لست ممن يتعمد ذلك.
وهذا ما نختاره من العمل بالمطلق وحمل المقيد على زيادة في موجب الحكم فيكون التحريم عاما"
قال الصنعاني:
نعم ما قال، أي عاما في حال الخيلاء وغيرها، وهو يشير إلى ما نختاره من أنه لا يحمل المطلق على المقيد كما يقول بحمله عليه الجمهور، وهو مذهب الشافعي وإليه يشير كلام النووي وخالفهم الحنفية ووافقهم صاحب المنار.
وقال في نجاح الطالب:
المقيد إنما هو أحد الأفراد التي يصدق عليها المطلق والنص على فرد من أفراد العام ليس بتخصيص مع اتفاق الحكمين، فكذا هنا."
ثم قال الصنعاني:
وقد بحث [يقصد المقبلي] مع أئمة الأصول القائلين بالحمل بما يظهر به قوة ما جنح إليه.
مع أنه قد أشار هنا بقوله: بيان الحامل على ذلك في الأغلب
إلى أن قيد الخيلاء خرج مخرج الأغلب، والمقيد إذا خرج مخرج الأغلب لم يعتبر له مفهوم عند جمهور أهل الأصول....
وأجاب الشيخ عبد الوهاب بن مهية بما محصله:
أن التقييد لم يكن بمجرد هذا المفهوم وإنما كان مستفادا من منطوق قوله عليه الصلاة والسلام: "إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء"
---------
ثم قال الصنعاني:
ويؤيده أن في بعض الأحاديث: "وإياك والإسبال فإنه من المخيلة" فجعل نفس الإسبال بعضا من المخيلة.
قال أبو فراس: وسبق في أكثر من مناسبة سبب جعل الإسبال بعضا من المخيلة وأن هذه الطريقة هي طريقة ابن العربي وقد تعقبه في اعتبارها العراقي والشوكاني، بينما ارتضاها ابن حجر واحتج لها.
------------
ثم قال الصنعاني:
"وأما حديث أبي بكر رضي الله عنه ، فالذي يظهر لي : أنه من باب نفي القيد والمقيَّد معا، وأن مراده صلى الله عليه وسلم في جوابه عليه: إنك لا تسبل ولا تفعله مخيلة، وذلك أنه قال: إن إزاري يسترخي، وهذا ليس بإسبال فإنه لا بد أن يكون من فعل المسبل نفسه، وهنا نسب الاسترخاء إلى الإزار من غير إرادته.
فالجواب منه صلى الله عليه وسلم من باب نفي القيد والمقيد وهو نظير ما قاله صاحب الكشاف رحمه الله في قوله تعالى: "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم"
"إنه نفيٌ للتوبة والقبول، أي لا توبة لهم ولا قبوله"
قال أبو فراس:
وهذا الجواب من الصنعاني رحمه الله هو من أقوى الأجوبة على حديث أبي بكر رضي الله عنه، وأن مقصوده عليه الصلاة والسلام نفي القيد والمقيد أي أنك لا تسبل يا أبا بكر ولا تفعله مخيلة.
وفي الحقيقة إن المتامل للقصة يرى أن استفادة الصنعاني لهذا المعنى هو من مجموع اعتذار أبي بكر رضي الله عنه وقوله عليه الصلاة والسلام.
بينما احتج غالب أهل العلم وتمسكوا بقوله عليه الصلاة والسلام "إنك لست منهم" واقتصرو عليه في إناطة حكم المسألة.
ونحتاج إلى أن ننظر ونتأمل في هذين المسلكين لأهل العلم وأيهما كان مقصود النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال لأبي بكر: إنك لست منهم.
هل يريد تعليق الحكم بالخيلاء.
أو أنه يريد إنك يا أبكر لم تسبل ولم تصنعه خيلاء.
والذي يظهر لي والعلم عند الله:
هو مسلك غالب أهل العلم ولاسيما وقد تصدى لهذه المسألة الأئمة الكبار: الشافعي وأحمد وابن عبد البر والباجي وابن تيمية وغيرهم كثير.
كلهم نصوا على إفادة حديث أبي بكر على تعليق الحكم بالخيلاء.
وعند التأمل تجد أن أبا بكر لما عتذر بأن ثوبه يسترخي أجابه عليه الصلاة والسلام بأنه ليس منهم وفي رواية: إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء.
وهذا ظاهر جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن جوابه المفصل وقال: يا أبكر إنك لست ممن يسبل خيلاء وكبرا، فالوعيد من حيث الأصل لا يرد عليك، فكيف وأنت لم تسبل، فعلة الحكم هي الخيلاء، وعذر أبي بكر أنه ليس من أهل الخيلاء ثم إنه هو لم يسبل.
ثم إن قول الصنعاني:
(أنه من باب نفي القيد والمقيَّد معا، وأن مراده صلى الله عليه وسلم في جوابه عليه: إنك لا تسبل ولا تفعله مخيلة)
يرد عليه أمر:
وهو تخصيص الحكم بالسبب.
والقاعدة: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ففي النص تعليل واضح وصريح بإحدى أدوات التعليل وهي حرف "إن" فقال عليه الصلاة والسلام: فإنك لست منهم وفي رواية "إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء."
بينما الإمام الصنعاني رحمه الله أضاف إلى هذه العلة تفاصيل قصة أبي بكر وأنه في الحقيقة لم يكن مسبلاً، فأرجع قوله عليه الصلاة والسلام: "إنك لست منهم" أو "إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء"
إلى اعتبار عدم الإسبال مع عدم الخيلاء في نفي الحكم عن أبي بكر رضي الله عنه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى عدم الخيلاء، فأضاف إليه الصنعاني ما في قصة أبي بكر من عدم إسباله.
والذي يظهر والعلم عند الله أن مدار الحكم في هذه المسألة هو على الخيلاء فحسب كما علقه عليه الصلاة والسلام.
أما تعليل أبي بكر رضي الله عنه أن ثوبه يسترخي عليه فنستفيد منه في الحكم على أبي بكر رضي الله عنه ، فهو لم يكن مسبلا في الحقيقة وهو على كل حال ليس من أهل الخيلاء.
فنفي القيد والمقيد الذي ذكره الإمام الصنعاني رحمه الله صالح في تنزيل حكم المسألة على أبي بكر رضي الله عنه.
أما حكم المسألة من حيث هي فإن إناطتها بما أناطها النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأحكم فقد تجاوز عليه الصلاة والسلام تفاصيل عذر أبي بكر رضي الله عنه ليخبره بأن النص لا يرد عليك فإنك لست من أهل الخيلاء ولم تصنعه خيلاء.
ثم قال الصنعاني:
ويؤيده أنه لا بد من القصد في الإسبال أنه لا يحرم جره حال الفزع والغضب والنسيان...وحينئذ فحديث أبي بكر ليس من محل النزاع في ورد ولا صدر، إنما توهم أبو بكر فسأل، فأجيب بأنه ليس من ذلك.
ثم وجدت في "التمهيد" لابن عبد البر بعد أيام من كتب هذه الرسالة ما لفظه:
"إنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: إنك لست ممن يرضى ذلك ولا يتعمده، ولا يظن بك ذلك"
وهو بحمد الله صريح فيما قلناه.
قال أبو فراس:
سبق أن هذا الجواب صالح في تنزيل الحكم على أبي بكر رضي الله عنه أما عموم المسألة فلا، وإنما كان احتجاجنا واحتجاج الأئمة من قبلنا بقوله عليه الصلاة والسلام لا بعذر أبي بكر رضي الله عنه.
أما ابن عبد البر فقد سبق تفصيل قوله في المسألة وهو أنه ممن قيد نصوص الوعيد بما كان خيلاء
وجوابه في هذا الموضع هو من باب تفصيل إعذار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه.
لا أن المقصود إدارة المسألة على تعمد الإسبال مع الخيلاء فهذا ما لم يذكر في قوله عليه الصلاة والسلام وما م يقصده ابن عبد البر وقد سبق تفصيل قوله في المسألة وأنه في جملة القائلين بتقييد نصوص الوعيد بما كان خيلاء وإن اعتبر الإسبال كله مذموما، هذا والله أعلم.
--------------
ثم قال الصنعاني:
ويدل له : أنه صلى الله عليه وسلم أذن لأمهات المؤمنين في إسبال ذيولهن ذراعا، ولم يقل لأم سلمة رضي الله عنها وقد سألته: إنه ليس من المخيلة، لأنهن قاصدات ذلك، فهو مخيلة أو مظنة لها لكن عارض مفسدة الإسبال مفسدة أعظم منها وهي انكشاف أقدام النساء وهي عورة، فأذن لهن وإن حصلت المخيلة دفعا لأعظم المفسدتين بأخفهما، وحينئذ يتوجه الوعيد على الإسبال لغير النساء، ولكن تخص الإباحة بذيولهن لا بقميصهن وثياب البذلة التي تلبسها في منزلها خالية عن الأجانب.
قال أبو فراس:
كلام الصنعاني في هذا الموضع يحتاج إلى مراجعة ونظر فهو صريح بتجويز الإسبال للنساء وجر الثياب ( وإن حصلت المخيلة ) دفعا لأعظم المفسدتين بأخفهما.
والذي سبق من كلام العراقي وما فهمته من كلام الصنعاني كما مر قريبا في استدراكه على ابن حزم جواز تطويل النساء ثيابهن بإطلاق ما يدل على أمرين:
1- تحريم الخيلاء مطلقا للرجال والنساء.
2- تحريم الإسبال للنساء من غير حاجة كأن يكن بين النساء وما وقع اليوم من تطويل النساء ذيول ثيابهن على سبيل التزين والتجمل لأكبر شاهد على فقه العراقي الذي فطن لمعنى الخيلاء عموما للرجال والنساء وما يحصل للنساء من جر الثياب ما يحصل للرجالِ، ثم إنه لا جدال في تحريم الخيلاء على الرجال والنساء أياً كانت صورته.
3- وإنما يرخص للنساء بقدر لحاجة الستر فقط، والله أعلم.
ثم قال الصنعاني:
واعلم أن هذا الذي أشار إليه صاحب المنار في خروج المفهوم على الأغلب تنزل منه على القول بالمفهوم وإلا فهو ينفيه كما يأتي.
ثم قال في حاشية المنار ( يعني المقبلي ):
"ومما وقع لي من اللطف: أنه كان لي عباة، وما يكون من هذا النوع في زماننا عالية الطول، فكنت في اليمن –لأنه يغلب على المتفقهة لبس ذلك – أشتغل بطولها، فقلت مرة: إني لست ممن يفعل ذلك خيلاء مشيرا إلى حديث أبي بكر رضي الله عنه، فقالت لي امرأة: أو ما يكفيك أن يراك الله متخلِّقا بأخلاقهم؟
فكأنها كشفت عن قلبي غشاوة، واستغربت ذلك منها، ورأيت أنها ملقَّنة"
قال الصنعاني:
هذا وسبقت بنا الإشارة إلى أنه لا يتم حمل المطلق على المقيد كما قاله النووي والبيهقي إلا مع القول بمفهوم الصفة والقول بحمل المطلق على المقيد وفيهما نزاع ...
فذهب إلى القو ل بمفهوم الصفة : الشافعي وجماعة من الأئمة وذهب إلى نفيه: الحنفية وأئمة من الشافعية كالقاضي والغزالي ونفاه المعتزلة والمهدي في البحر"
ثم ذكر من حجج من قال بمفهوم الصفة أنه قال به الشافعي وأبو عبيدة من أئمة اللغة فظهر إفادتها لغة"
فأجاب الصنعاني فقال:
"وأجيب عنه: بأن اللغة إنما تثبت بالنقل لا بالفهم، والنقل يختص بالموضوعات للشخص أو للنوع، وليس ذلك أحدهما....والحاصل أنهما لم يوردا ذلك عن اللغة وإنما أخبرا عن فهمهما ورأيهما وهو كآرائهم الشرعية والنقلية....
ثم قال الصنعاني:
....هذا قصارى ما عند الفريقين استدلالا وردا فتأمل فإنه لا يخفى عليك الأقوى دليلا والأحسن قيلا.
وإذا عرفت ما قررناه وأحطت علما بما سقناه عرفت قوة التحريم مطلقا للإسبال في كل حال."
ثم قال الصنعاني:
وأما ما نقل عن ابن حجر الهيتمي:
أن الإسبال صار الآنشعارا للعلماء وكأنه يريد علماء الحرمين لا غيرهم،
قال: فلا يحرم عليهم بل يباحلهم، فهو كلام يكاد يضحك منه الحبر والورق
وكأنه يريد: إذا صار شعارا لهم لم يبقفيه للخيلاء مجال.
ولكنه يقال: وهل يجعل ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليهوسلم حلالا إذا صار شعارا ومعتادا لطائفة لاسيما أشرف الطوائف وهم هداة الناسوقدوتهم وأعيانهم فيصير حلالا وينتفي عنه النهي؟
وهل قدوة العلماء والعباد وإمامالمبدأ والمعاد سوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسله معلما للعباد لكلما يقربهم إلى ربهم ويبعدهم عن معصيته؟
حتى قال بعض الصحابة: "لقد علمنانبينا كل شيء حتى الخراءة" أي آداب التخلي.
فالشعار للعلماء هو شعاره وشعارأصحابه رضي الله عنهم، فهم القدوة لا ما جعله من ارتكب ما نهي عنه شعارا، فإن أولمن خالف النهي واتخذه له لباسا قبل أن يسبقه إليه أحد مبتدع قطعا آتيا بما نهي عنه،لا تتم فيه هذه المعذرة القبيحة لأنه لم يكن شعارا إلا من بعده، ممن تبعه علىالابتداع وارتكاب المنهي عنه ثم اعتذر لنفسه بأنه صار لهشعارا.
وسبحان الله ما أقبح بالعالم أنه يروِّج فعله لما نهي عنه نهي تحريم أوكراهة ويجعله شعارا مأذونا فيه.
وكان خيرا منه الاعتراف بأنه خطيئة، أقل الأحوال: مكروهةومحل ريبة؛ فإن هذه الأحاديث التي سمعتها من أول الرسالة تثير ريبة إذا لم يحصلالتحريم، وقد ثبت حديث "دع ما يريبك إلى ما لايريبك"
وإذا لم تثر هذه الأحاديث ريبة توجب الترك للمنهي عنه وعدم حله حلالا خالصا،فليس عند من سمعها أهلية لفهم التكاليف الشرعية، فكيف وقد قال صلى الله عليه وآلهوسلم في الحديث الذي أخبرت فيه امرأة بإرضاعها امرأة رجل فأمره صلى الله عليه وآلهوسلم بفراقها، وقال له: "كيف وقد قيل"
ثم قال الصنعاني:
وهذا كله منا تنزل وإلا فما قدمناه من الأدلة وبيان دلالتها ما ينادي على التحريم أعظم نداء، والاعتذار بكون النهي للخيلاء عرفتَ بطلانه، وهل أوضح من قول الشارع: "ما زاد على الكعبين ففي النار" دلالة على إطلاق التحريم وشدة الوعيد؟
وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للعراقيب من النار" في حديث الوضوء.
ولم يستفصل صلى الله عليه وسلم من المسبل ولا الذي أمره بإعادة الوضوء ولا غيرهما ممن نهاه: هل كان إسباله للخيلاء أو لغيرها في حديث واحد، وقد عرفت القاعدة الأصولية، وهي أن ترك الاستفصال في موضع الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
قال الشيخ عبد الوهاب مهية :
حديث ابن عمر رضي اللهعنهما ...يحدث أن النبي صلى اللهعليه وسلم رآه وعليه إزار يتقعقع ، يعني جديدًا ، فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا عبدالله . فقال : إن كنت عبد الله فارفع إزارك . قال : فرفعته ، قال : زد ؟ قال : فرفعته حتى بلغ نصف الساق... فإن قيل : لِم أمر ابن عمر بالتشمير و لم يستفصل ؟ فالجواب : أن حال ابن عمر كانت تغني عن الاستفصال ؛ شاب حدث ، عليه لباس جديد ، يتقعقع أييحدث صوتًا عند تحريكه ، قد أسبله ، فما ظنك به و هو في مجتمع قد تواطأ على اعتبارمثل تلك المظاهر ؟..و لذلك بالغ النبي صلى الله عليه و سلم في أمره بالتشمير ، وكان يكفيه أن يأمره برفعه إلى الكعبين . و الظاهر أن ابن عمر رضي الله عنهما قد كانفي نفسه بعض تلك المعاني ، لأنه لم يعتذر بشيء بعد سماعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من جر ثوبه من الخيلاء " كما اعتذر الصديق رضي الله عنه
قال أبو فراس:
وهذا الجواب من الشيخ عبد الوهاب إن صح فهو قاصر على بعض النصوص التي وقع فيها الإطلاق، ولا شك أن هناك جملة من النصوص وقع فيها الإطلاق من غير تفصيل، وحينئذ يكون سؤال الصنعاني لا يزال واردا في جملة كثيرة من النصوص وهو أن ترك الاستفصال في موضع الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
وسبق مرارا التعرض لسبب إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم منع الإسبال على وجه العموم، وأنه لا يخالف تقييد نصوص الوعيد بما كان خيلاء فلا حاجة لإعادة تكراره هنا.
ثم قال الصنعاني:
ولا يروِّج جواز الإسبال إلا من جعل الشرع تبعا لهواه ، ذلك ليس من شأن المؤمن وقد قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
ومما يدل على عدم النظر إلى الخيلاء أمره صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمر رضي الله عنه، وهل يظن بابن عمر أنه يفعل ذلك مع شدة تأسيه به؟ وكيف يتأسى به في الفضائل، ولا يتأسى به صلى الله عليه وسلم في ترك المحرمات؟
ما ذاك إلا أنه أرخى إزاره غير عالم بالتحريم قطعا، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"إياك والإسبال فإن الإسبال من المخيلة".
ولو جاز لغير المخيلة لما جاز أن يطلق صلى الله عليه وآله وسلم النهي فإن المقام مقام بيان ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة وأي حاجة أشد من مقام النهي والله أعلم.
وإلى هنا انتهى بنا ما أردنا تحريره، وإبانة المقام وإيضاحه والله يرزقنا اتباع رسوله على كل حال صلى الله عليه وعلى آله خير آل.
--------------------------------
([1]) نقل المحقق عن ابن تيمية قوله في الاختيارات: "أنه ينبغي أن يكون الذي يجر ثوبه خيلاء في الصلاة على الخلاف في حكم الصلاة في الثوب المغصوب، والمكان المغصوب، وفي الحرير، وأصح الروايتين عن أحمد عدم الصحة في هذه الثلاثة." وسيأتي عن الصنعاني إضافته هذا القول إلى أبي هريرة رضي الله عنه في أثر ساقه عنه ابن حزم بإسناده.
التعديل الأخير: