د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحكم والمقاصد الشرعية في الطلاق لشيخنا المختار الشنقيطي
يقول شيخنا محمد بن محمد المختار الشنقيطي في بداية شرحه على كتاب الطلاق من زاد المتسقنع الذي كان يدرسه في مسجد الشيخ عبد العزيز بن باز في مكة ( وقد شهدت أحد الدروس وكان الشيخ عبد العزيز بن باز حاضرا فحاول المختار أن يقدم الشيخ عبد العزيز فأبى عليه فلم يصعد الشيخ على الكرسي وابتدأ الدرس جالسا من مكان الإمام ورأسه طيلة الدرس قد أرخاه وصوته كان هادي جدا ولا يرجح وإذا جاء إلى مسألة خلافية سأل الشيخ عبد العزيز بن باز حتى إنه في إحدى المسائل رجح الشيخ عبد العزيز خلاف رأي الشيخ المختار وهو في مسألة خطبة الرجل على خطبة أخيه أين محل النهي فشيخنا المختار يرى أن النهي يكون إذا تراكنا واتفقا فإنه حينئذ لا يجوز خطبة الرجل على خطبة أخيه وما قبل ذلك يجوز بدليل حديث "انكحي أسامة" بينما الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أن النهي مطلق وحمل الحديث على المشاورة"الشاهد أنه كان موقفا مثيرا وكان حديث الناس، وماأخبرت أحداً بأني كنت أحد الحاضرين في ذلك الدرس إلا وأمرني أن أعيد له تفاصيل القصة طلبا للاستزادة وعلو السند، غفر الله لنا ولمشايخنا أجمعين.
نرجع إلى موضوعنا:
الحكم والمقاصد الشرعية في الطلاق لشيخنا المختار الشنقيطي
قال أهل العلم: إن في الطلاق حكما عظيمة، فالله سبحانه وتعالى شرع للزوج إذا وصلت الحياة الزوجية إلى مقام لا يحتمل، وحصل الضرر على الزوج أو الزوجة أو عليهما معا من البقاء في النكاح أن يطلق، وجعل هذا الطلاق ثلاثا، فجاءت الشريعة بالوسطية، فكان أهل الجاهلية في القديم يتخذون من الطلاق وسيلة لأذية النساء، فكان الرجل يطلق المرأة ويتركها حتى تقارب الخروج من العدة فيراجعها، ثم يطلقها طلقة ثانية، ويتركها حتى تكاد تخرج من عدتها فيراجعها ولا يقربها ولا يعاشرها، إنما يفعل بها ذلك إضرارا: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا [البقرة:231]، فتذروها كالمعلقة [النساء:129]، فكانوا يجعلونها كالمعلقة، لا زوجة ولا مطلقة، فكانوا يضارون بالطلاق، فجعله الله ثلاثا. وانظر إلى حكمته سبحانه وتعالى وكمال علمه جل جلاله، حينما جعل الطلاق على هذا الوجه، قالوا: لأن الحياة الزوجية إذا وصلت إلى ضرر يوجب الطلاق فإما أن يكون من الرجل أو المرأة، فالرجل يقدم على الطلاق فيطلق الطلقة الأولى.
ففي الطلقة الأولى إما أن يكون الخطأ من الرجل أو يكون من المرأة.
أما إذا كان منهما فلا إشكال
وفي الحالة الثانية: فإن الغالب أن الرجل إذا طلق الطلقة الأولى أن يتعقل ويذوق مرارة الطلاق، ويعرف هذه المرارة فيحن إلى زوجته إذا كان ظالما ومسيئا، فيشعر بقيمة الزوجة عند الفراق لها، فيحن لها فيراجعها، فأعطاه الله الرجعة، فإن رجع إليها رجع لها بعقل غير عقله الذي كان معه، ويرجع إليها ببصيرة أكمل من بصيرته في حاله الأولى، فإذا رجعت إليه ربما أخطأت هي، فإذا أخطأت عليه في هذه الحالة فإنه سيطلقها الطلقة الثانية، فأعطوا أيضا مهلة ثالثة، فإذا زادت عن الثالثة فلا وجه، فتصبح الحياة فيها نوع من الإضرار، وربما استغل الرجال الطلاق للإضرار بالمرأة، لذلك حدده الله عز وجل بثلاث تطليقات.
فالطلقة الأولى لأن الخطأ إما أن يكون منه أو منها؛ فإن تكرر الخطأ منه في الثانية والثالثة، فلن تعود إليه حتى تكون عند زوج غيره، فإذا عاشرت زوجا غيره وطلقها الطلقة الثالثة أدبه الشرع بأن تكون فراشا لغيره، فيكتوي بنار الغيرة ويتألم ويتأوه، فإن كانت هذه المرأة عاقلة حكيمة ووجدت زوجا أصلح من الزوج الأول وبقيت معه وحمدت الله على السلامة من الأول، فعندها يكتوي الأول وينال عاقبة ظلمه وإضراره. فإن تزوج امرأة ثانية؛ فإنه يتأدب ولا يقدم على الطلاق ولا يهجم عليه؛ لأنه يخاف أن يحصل له مثل ما حصل مع الأولى، وإن نكحت هذه الزوجة زوجا أضر منه وطلقها ثلاثا فتحل للأول؛ فإن عادت للأول عادت وهي تحمد ضرره وقالت: هذا أرحم من سابقه، فصبرت عليه، ثم هو يعود لها بنفس غير النفس التي كان عليها. فإذا: تقييد الطلاق بالثلاث فيه حكم عظيمة؛ ثم إن الله سبحانه وتعالى من حكمته أن جعل الطلاق مخرجا من المشاكل، فإن الحياة الزوجية لا تخلو من وجود المشاكل، إما بسبب اختلاف طبائع الناس، طبيعة الرجل وطبيعة المرأة، أو تكون باختلاف الطبائع ممن يحيط بالزوج والزوجة كأهله وقرابته وأهلها وقرابتها، وحينئذ تنشأ المشاكل بسبب هذا الاختلاف والتضاد، فيكون الطلاق حلا لهذه المشاكل؛ لأن كلا منهما يمضي لسبيله، ويلتمس عشيرا يحسن إليه ولا يسيء، ويكرمه ولا يهينه، ويكون منه ما يقصد من النكاح. أما لو بقيت المرأة عند زوجها، ولم يكن للزوج مخرج بطلاقها فلا شك أنه أمر عظيم، فلربما اطلع الرجل من امرأته -والعياذ بالله- على خيانة، أو على وقوع في حرام، أو يكون يطلع منها على أخلاق رديئة، تنتقل إلى أولاده وذريته، فلو أن الشرع ألزمه ببقائها، فإن هذا غاية الضرر على الرجال، ولترك الكثير الزواج خوفا من هذا؛ لأن المنهج التشريعي في شرع النكاح أن نقول: يبقى إلى الأبد، أو نقول: يبقى مؤقتا، فأما بقاؤه مؤقتا ففيه إضرار بالرجل والمرأة كما في نكاح المتعة، وقد ذكر العلماء الضرر فيه، وأما كونه يبقى إلى الأبد، فإنه في حال وجود المشاكل والأضرار يبقى النكاح مفسدة بدل أنه مصلحة، فينقلب من المصالح إلى المفاسد والشرور. فالوسط أن يبقى النكاح إلى الأبد، ولكن يرتفع إذا وجد موجب ارتفاعه وذلك بالطلاق. ثم هذا اللفظ -لفظ الطلاق- عظم الشرع أمره، وألزم المكلف أن يحذر منه، فحتى لو تلفظ به هازلا أو مازحا؛ فإنه يؤاخذ بهذا اللفظ، ويعاقب بمضي الطلاق عليه، فلو أن رجلا قال لرجل يمزح معه: امرأتي طالق، فإنها طالق ولو قصد الهزل، وكذلك لو جلس مع امرأته فأحب أن يمزح معها وقال هازلا: أنت طالق.. أو طلقتك.. أو أنت مطلقة فإنه يمضي عليه الطلاق، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والعتاق ) ، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: (أربع جائزات إذا تكلم بهن: النكاح والطلاق والعتاق والنذر)، فهذا يدل على عظم شأن الطلاق، ولذلك ينبغي للمسلم ألا يستعجل في الطلاق وأن يتريث فيه. وقد نص العلماء رحمهم الله على كراهية الطلاق إذا لم يكن من حاجة، وأنه كالمخرج عند إعياء الحيل، وإذا تعب الزوج ولم يستطع علاج مشاكله، فإن الطلاق يكون مخرجا من هذه المشاكل، وعلاجا لهذه الأضرار، أما إذا كان من دون حاجة فقد نصوا على كراهيته وبغضه في هذه الحالة."([1])
([1]) شرح زاد المستقنع للشنقيطي - (ج 11 / ص 337)