قال السديس:
ثم إن القسم الثاني: وهو التشريعي المحض إن كان بيانا لنص في كتاب الله فإنه يأخذ حكم ذلك النص المبين من وجوب أو ندب وقد نص على ذلك عند استدلاله على اشتراط الطهارة للطواف بأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثم طاف بالبيت..الحديث
حيث ذكر اعتراضا على الحديث حاصله: أنه فعل مطلق وهو لا يدل على الوجوب فضلا عن الاشتراط ثم أجاب عن الاعتراض بأمرين:
ثانيهما: "إن فعله في الطواف من الوضوء له ، ومن هيئته التي أتى به عليها كلها بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى { وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } [ الحج : 29 ]
وقد تقرر في الأصول:
أن فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نص من كتاب الله ، فهو على اللزوم والتحتم .
ولذا أجمع العلماء على قطع يد السارق من الكوع ، لأن قطع النَّبي صلى الله عليه وسلم للسارق من الكوع بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى { فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا } [ المائدة : 38 ] لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق ، وإلى المنكب ."
قال السديس:
ثم نقل عن صاحب الضياء اللامع " ما يؤيد كلامه ثم قال:
وأشار في مراقي السعود :
إلى أن فعله صلى الله عليه وسلم الواقع لبيان مجمل من كتاب الله إن كان المبين بصيغة اسم المفعول واجباً فالفعل المبين له بصيغة اسم الفاعل واجب بقوله :
من غير تخصيص وبالنص يرى ... وبالبيان وامتثال ظهرا
ومحل الشاهد منه قوله :
وبالبيان يعني : أنه يعرف حكم فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان، فإذا بين أمراً واجباً : كالصلاة والحج ، وقطع السارق بالفعل ، فهذا الفعل واجب إجماعاً لوقوعه بياناً لواجب ، إلا ما أخرجه دليل خاص
وبهذا تعلم:
أن الله تعالى أوجب طواف الركن بقوله: { وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } [ الحج : 29 ] وقد بينه صلى الله عليه وسلم بفعله وقال « خذوا عني مناسككم » ومن فعله الذي بينه به : الوضوء له كما ثبت في الصحيحين ، فعلينا أن نأخذه عنه إلا بدليل ، ولم يرد دليل يخالف ما ذكرنا."
يقول السديس حفظه الله:
وحين ذكر أن من أدلة القائلين بركنية السعي في الحج والعمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجه وعمرته بين الصفا والمروة سبعا قال: "وقد دل على أن ذلك لا بد منه دليلان:
الأول : هو ما قدمنا من أنه تقرر في الأصول أن فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم ، إذا كان لبيان نص مجمل من كتاب الله ، أن ذلك الفعل يكون لازماً ، وسعيه بين الصفا والمروة ، فعل بين به المراد من قوله تعالى : { إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَآئِرِ الله } [ البقرة : 158 ] والدليل على أنه فعله بياناً للآية هو قوله صلى الله عليه وسلم « نبدأ بما بدأ الله به » يعني الصفا لأن الله بدأ بها في قوله : { إِنَّ الصفا والمروة } [ البقرة : 158 ] الآية . وفي رواية « أبدأ » بهمزة المتكلم والفعل مضارع . وفي رواية عند النسائي « ابدَؤوا بما بدأ الله به » بصيغة الأمر ."...ا.هـ. الغرض من كلامه رحمه الله.
ثم قال السديس:
وقرر نحوا من هذا التقرير لكن باستفاضة وتوسع في النقل حين ذكر من أدلة القائلين بأنه لا يجوز ذبح دم التمتع والقران قبل يوم النحر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينحر عن نفسه –وكان قارنا- ولا عن أزواجه – وكن متمتعات إلا عائشة فإنها كانت قارنة على التحقيق- إلا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة حيث قرر أن فعله هذا يحمل على الوجوب لأنه بيان للآيات الدالة على الحج وقد قال صلى الله عليه وسلم : "لتأخذوا عني مناسككم".