العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل الجزية لعصمة الدم أم عقوبـة؟

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
قال العلامة ابن القيم في "أحكام أهل الذمة": والمسألة مبنية على حرف: و هو أن الجزية هل وضعت عاصمة للدم، أو مظهرا لصغار الكفر وإذلال أهله : فهى عقوبة ؟

فمن راعى فيها المعنى الأول قال : لا يلزم من عصمها لدم من خف كفره بالنسبة إلى غيره - و هم أهل الكتاب - أن تكون عاصمة لدم من يغلظ كفره .

و من راعى فيها المعنى الثاني قال : المقصود إظهار صغار الكفر وأهله و قهرهم، و هذا أمر لا يختص أهل الكتاب بل يعم كل كافر و قد أشار النص إلى هذا المعنى بعينه فى قوله : ( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )

فالجزية صغار وإذلال. ولهذا كانت بمنزلة ضرب الرق. قالوا : وإذا جاز إقرارهم بالرق على كفرهم جاز إقرارهم عليه بالجزية الأولى؛ لأن عقوبة الجزية أعظم من عقوبة الرق، ولهذا يسترق من لا تجب عليه الجزية من النساء و الصبيان وغيرهم.

إلى أن قال: وسر المسألة أن الجزية من باب العقوبات، لا أنها كرامة لأهل الكتاب فلا يستحقها سواهم.

وأما من قال: إن الجزية عوض عن سكنى الدار -كما يقوله أصحاب الشافعي- فهذا القول ضعيف من وجوه كثيرة ...

وقال ابن القيم في موطن آخر من كتابه: ولا ريب أن الجزية عقوبة وحق عليه، ففيها الأمران. أهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول":
فإنَّ الجزية عند بعضهم: عقوبة للمقام على الكفر،
وعند بعضهم: عوض عن حقن الدماء،
وقد يقال: أجرة سكنى الدار ممن لا يملك السكنى فليست عقوبة وجبت لقدر زائد على الكفر. أهـ

 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
قلت: ممن نص على اعتبار المعنى الأول: أبو يوسف في "الخراج"؛ حيث يقول:

لأن دماءهم وأموالهم إنما أحرزت بأداء الجزية، والجزية بمنزلة الخراج. أهـ

وقوله -رحمه الله- بأن الجزية بمنزلة الخراج، وكذلك الخراج -عنده- بمنزلة الجزية
فالخراج جزية الأرض، والجزية خراج الرؤوس.. وإذا أُخِذ من الذمي الجزيةُ لم يؤخذ منه العشر، كما أن الأرض لا يجتمع فيها عشر وخراج على مذهبه.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
قال ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن":
المسألة الحادية عشرة: اختلف العلماء فيما وجبت الجزية عنه..
فقال علماء المالكية: وجبت بدلاً عن القتل بسبب الكفر.
وقال بعض الحنفية بقولنا.
وقال الشافعي: بدلاً عن حقن الدم وسُكنى الدار.
وقال بعضهم -من أهل ما وراء النهر: إنما وجبت بدلاً عن النصرة بالجهاد. واختاره القاضي أبو زيد، وزعم أنه سر الله في المسألة.

واستدل علماؤنا على أنها عقوبة بأنها وجبت بسبب الكفر، وهو جناية؛ فوجب أن يكون مسببها عقوبة، ولذلك وجبت على من يستحق العقوبة، وهم البالغون العقلاء المقاتلون.

قال القرطبي في تفسيره: وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا وجبت بدلا عن القتل فأسلم سقطت عنه الجزية لما مضى , ولو أسلم قبل تمام الحول بيوم أو بعده عند مالك . وعند الشافعي أنها دين مستقر في الذمة فلا يسقطه الإسلام، كأجرة الدار . وقال بعض الحنفية بقولنا . وقال بعضهم : إنما وجبت بدلا عن النصر والجهاد . واختاره القاضي أبو زيد وزعم أنه سر الله في المسألة . وقول مالك أصح , لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس على مسلم جزية ) . قال سفيان : معناه إذا أسلم الذمي بعد ما وجبت الجزية عليه بطلت عنه . أخرجه الترمذي وأبو داود . قال علماؤنا : وعليه يدل قوله تعالى : " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " لأن بالإسلام يزول هذا المعنى . ولا خلاف أنهم إذا أسلموا فلا يؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون . والشافعي لا يأخذ بعد الإسلام على الوجه الذي قاله الله تعالى . وإنما يقول : إن الجزية دين , وجبت عليه بسبب سابق وهو السكنى أو توقي شر القتل , فصارت كالديون كلها . أهـ
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
قال الزركشي في شرحه على الخِرَقي: وقال القاضي في الأحكام السلطانية: اسمها مشتق من الجزاء؛ إما جزاءً على كفرهم؛ لأخْذها منهم صغاراً، أو جزاء على أماننا لهم؛ لأخذها منهم رفقاً.

وقد تقدم قول الشافعية: أنها بدل عن حقن الدم والسكنى في دار المسلمين.. قال الشيرازي في "المهذب": فإن مات أو أسلم بعد الحول لم يسقط ما وجب؛ لأنه عوض عن الحَقْن والمساكنة، وقد استوفى ذلك فاستقر عليه العِوَض، كالأجرة بعد استيفاء المنفعة. أهـ
وحجتهم أن الجزية تجب بالتعاقد والتراضي، والعقوبات لا تتوقف على التراضي.. وأنها تختلف بحسب اليسار والإعسار، والعقوبات لا تختلف بذلك..

قال ابن العربي المالكي راداً ما قالوا: وأما قولهم إنها وجبت بالرضا فغير مسلَّم؛ لأن الله تعالى أمرنا بقتالهم حتى يعطوها قسراً.
وأما إنكارهم اختلاف العقوبات بالقلة واليسار فذلك باطل من الإنكار؛ لأن ذلك إنما يبعد في العقوبات البدنية دون المالية، ألا ترى أن العقوبات البدنية تختلف بالثيوبة والبكارة والإنكار، فكما اختلفت عقوبة البدن باختلاف صفة الموجب عليه لا يستنكر أن تختلف عقوبة المال باختلاف صفات المال في الكثرة والقلة. أهـ الغرض منه
ومما أجيب به عن هذا القول أيضاً: أنها لو كانت عوضاً عن سكنى الدار لوجبت على النساء والصبيان والزمنى والرهبان الذين لا يقاتلون، وقد جاء النهي عن ذلك.

وذهب بعض الحنفية إلى أن الجزية ليست بدلاً عن شيء
وناقشوا القول الأول بأن الجزية ليست هي التي حقنت الدم؛ لأن قتل الكافر من حقوق الله تعالى فلا يسقطها العوض المالي، كما أنها ليست بدلاً عن السكنى في دار المسلمين؛ لأن الذمي يسكن ملك نفسه لا ملك غيره.

وقد نص جماعات من الحنابلة أن الجزية عقوبة سببها الكفر، ومنهم الزركشي في شرحه على مختصر الخِرَقي إذ يقول: "ويؤيد دخول ذلك في العموم أن الجزية عقوبة سببها الكفر فسقطت بالإسلام، كالقتل".
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
حال الخلل الفني بالملتقى في الفترة القريبة الماضية دون المتابعة في الموضوع، وسنعود قريباً إن شاء الله تعالى
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
سبق أن نقلتُ عن ابن العربي رحمه الله تعالى قوله: ( وقال بعضهم -من أهل ما وراء النهر: إنما وجبت بدلاً عن النصرة بالجهاد. واختاره القاضي أبو زيد، وزعم أنه سر الله في المسألة )، وانظر تفسير القرطبي أيضاً.

ويستدل لهذا القول
-بأن خالداً رضي الله عنه كتب لأهل بعض النواحي في العراق : فإن منعناكم فلنا الجزية، وإلا فلا حتى نمنعكم.

-وبأن أبا عبيدة رضي الله عنه رد الجزية لأهل حمص عندما خاف أن لا يقدر على حمايتهم، كما روى أبو يوسف في كتاب الخراج عن مكحول أن الأخبار تتابعت على أبي عبيدة بجموع الروم، فاشتد ذلك عليه وعلى المسلمين، فكتب أبو عبيدة لكل والٍ ممن خلَّفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما جُبي منهم من الجزية والخراج، كتب إليهم أن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم، لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط وما كان بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم.

-ولما تعهد الجراجمة بالقيام بالدفاع عن ثغرهم مع المسلمين، وأن يكونوا عيوناً للمسلمين وأعواناً لهم؛ أسقط عنهم أبو عبيدة -رضي الله عنه- الجزية، بل صالحهم على أن ينفلوا مع المسلمين إذا غنموا في حربهم إلى جانب المسلمين.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الجزية لعصمة الدم أم عقوبـة؟

قال ابن الفَرَس الأندلسي -رحمه الله- في "أحكام القرآن": والأظهر من لفظ الآية أنها عوض عن حقن الدماء؛ لأنه تعالى أمر بكف القتل عند إعطاء الجزية، والقتال فيه إراقة الدم، وبالجزية يدفع ذلك فكأنهم بالجزية حقنوا دماءهم فهي إذن عوض عن حقن الدم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الجزية لعصمة الدم أم عقوبـة؟

قال الرازي في تفسيره: ( لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ تَقْرِيرُهُ عَلَى الْكُفْرِ، بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَقْنُ دَمِهِ وَإِمْهَالُهُ مُدَّةً، رَجَاءَ أَنَّهُ رُبَّمَا وَقَفَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَقُوَّةِ دَلَائِلِهِ، فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ).

وقال: ( لَا بُدَّ مَعَهُ -أي مع حقن الدم- مِنْ إِلْحَاقِ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ لِلْكُفْرِ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ طَبْعَ الْعَاقِلِ يَنْفِرُ عَنْ تَحَمُّلِ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ، فَإِذَا أُمْهِلَ الْكَافِرُ مُدَّةً وَهُوَ يُشَاهِدُ عِزَّ الْإِسْلَامِ وَيَسْمَعُ دَلَائِلَ صِحَّتِهِ، وَيُشَاهِدُ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ فِي الْكُفْرِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِقَالِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَهَذَا هو المقصود من شرع الجزية ).

 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الجزية لعصمة الدم أم عقوبـة؟

قال القاسمي في تفسيره: ( قال ابن الأثير: الجزية المال الذي يعقد عليه الكتابيّ الذمة، وهي (فعلة) من الجزاء كأنها جزت عن قتله.
وقال الراغب: سميت بذلك للاجتزاء بها عن حقن دمهم.
وقال الشهاب: قيل مأخذها من (الجزاء) بمعنى القضاء. يقال: جزيته بما فعل، أو جازيته. أو أصلها الهمز من (الجزء والتجزئة)؛ لأنها طائفة من المال يعطى.
وقيل: إنها معرب (كَزَيت) وهو الجزية بالفارسية. انتهى ).
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الجزية لعصمة الدم أم عقوبـة؟

قال محمد رشيد رضا: وَهَلْ هِيَ:
1-جَزَاءُ حَقْنِ الدَّمِ، أَوْ
2-جَزَاءُ الْحِمَايَةِ لَهُمْ وَالدِّفَاعِ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِهِمُ التَّجَنُّدَ لِلْقِتَالِ مَعَنَا، أَوْ
3-جَزَاءُ إِعْطَاءِ الذِّمِّيِّ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ وَمُسَاوَاتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ فِي حُرِّيَّةِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ وَالدِّينِ؟
وُجُوهٌ. أَضْعَفُهَا أَوَّلُهَا، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ثَانِيهَا.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الجزية لعصمة الدم أم عقوبـة؟

وقال محمد رشيد رضا أيضاً: ( وَلَعَلَّكَ تُطَالِبُنِي بِإِثْبَاتِ بَعْضِ الْقَضَايَا الْمُنْطَوِيَةِ فِي هَذَا الْبَيَانِ، أَيْ إِثْبَاتِ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَا كَانَ تُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّينَ إِلَّا لِلْقِيَامِ بِحِمَايَتِهِمْ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ، وَأَنَّ الذِّمِّيِّينَ لَوْ دَخَلُوا فِي الْجُنْدِ أَوْ تَكَفَّلُوا أَمْرَ الدِّفَاعِ لَعُفُوا عَنِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ صَدَقَ ظَنِّي فَاصْغَ إِلَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي تُعْطِيكَ الثَّلْجَ فِي هَذَا الْبَابِ وَتَحْسِمُ مَادَّةَ الْقِيلِ وَالْقَالِ.

(فَمِنْهَا) مَا كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لِصَلُوبَا بْنِ نَسْطُوْنَا حِينَمَا دَخَلَ الْفُرَاتَ وَأَوْغَلَ فِيهَا وَهَذَا نَصُّهُ: " هَذَا كِتَابٌ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَصَلُوْبَا بْنِ نَسْطُوْنَا وَقَوْمِهِ، إِنِّي عَاهَدْتُكُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ وَالْمَنْعَةِ فَلَكَ الذِّمَّةُ وَالْمَنْعَةُ وَمَا مَنَعْنَاكُمْ (أَيْ حَمَيْنَاكُمْ) فَلَنَا الْجِزْيَةُ وَإِلَّا فَلَا؟ كُتِبَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِي صَفَرٍ ".

(وَمِنْهَا) مَا كَتَبَ نُوَّابُ الْعِرَاقِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَاكَ نَصَّهُ: " بَرَاءَةٌ لِمَنْ كَانَ مِنْ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجِزْيَةِ الَّتِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا خَالِدٌ وَالْمُسْلِمُونَ، لَكُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ بَدَّلَ صُلْحَ خَالِدٍ مَا أَقْرَرْتُمْ بِالْجِزْيَةِ وَكُنْتُمْ. أَمَانُكُمْ أَمَانٌ، وَصُلْحُكُمْ صُلْحٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ عَلَى الْوَفَاءِ ".

(وَمِنْهَا) مَا كَتَبَ أَهْلُ ذِمَّةِ الْعِرَاقِ لِأُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا نَصُّهُ: " إِنَّا قَدْ أَدَّيْنَا الْجِزْيَةَ الَّتِي عَاهَدْنَا عَلَيْهَا خَالِدًا عَلَى أَنْ يَمْنَعُونَا وَأَمِيرُهُمِ الْبَغْيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ ".

(وَمِنْهَا) الْمُقَاوَلَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ يَزْدِجِرْدَ مَلِكِ فَارِسَ حِينَمَا وَفَدُوا عَلَى يَزْدِجِرْدَ وَعَرَضُوا عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ هَذَا فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ نُعْمَانَ الَّذِي كَانَ رَئِيسَ الْوَفْدِ: " وَإِنِ اتَّقَيْتُمُونَا بِالْجَزَاءِ قَبِلْنَا وَمَنَعْنَاكُمْ وَإِلَّا قَاتَلْنَاكُمْ ".

(وَمِنْهَا) الْمُقَاوَلَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ حُذَيْفَةَ بْنِ مِحْصَنٍ وَبَيْنَ رُسْتُمَ قَائِدِ الْفُرْسِ، وَحُذَيْفَةُ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَافِدًا عَلَى رُسْتُمَ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ كَلَامِهِ: " أَوِ الْجَزَاءُ وَنَمْنَعُكُمْ إِنِ احْتَجْتُمْ إِلَى ذَلِكَ " فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمَوْثُوقِ بِهَا، كَيْفَ قَارَنُوا بِهَا بَيْنَ الْجِزْيَةِ وَالْمَنْعَةِ وَكَيْفَ صَرَّحَ خَالِدٌ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّا لَا نَأْخُذُ مِنْكُمُ الْجِزْيَةَ إِلَّا إِذَا مَنَعْنَاكُمْ وَدَفَعْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ عَجَزْنَا عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَخْذُهَا.
وَهَذِهِ الْمُقَاوَلَاتُ وَالْكُتُبُ مِمَّا ارْتَضَاهَا عُمَرُ وَجُلُّ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ سَبِيلُهَا سَبِيلَ الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا. قَالَ الْإِمَامُ الشَّعْبِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ: أَخَذَ " أَيْ سَوَادَ الْعِرَاقِ " عَنْوَةً وَكَذَلِكَ كُلَّ أَرْضٍ إِلَّا الْحُصُونَ، فَجَلَا أَهْلَهَا فَدُعُوا إِلَى الصُّلْحِ وَالذِّمَّةِ فَأَجَابُوا وَتَرَاجَعُوا فَصَارُوا ذِمَّةً وَعَلَيْهِمُ الْجَزَاءُ وَلَهُمُ الْمَنْعَةُ، وَذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ كَذَلِكَ مَنَعَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِدَوْمَةٍ ).
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل الجزية لعصمة الدم أم عقوبـة؟

لو أن إخواني شاركوا في الموضوع لسرني ذلك
 

سيدي محمد ولد محمد المصطفى ولد أحمد

:: قيم الملتقى المالكي ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
2,243
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
كرو
المذهب الفقهي
مالكي
رد: هل الجزية لعصمة الدم أم عقوبـة؟

لو أن إخواني شاركوا في الموضوع لسرني ذلك

اسمح لي بمشاركتك بجملتين
الأولى : جزاك الله خيرا
الثانية : أعاد الله للمسلمين أخذهم للجزية من الكفار
 
إنضم
27 مارس 2008
المشاركات
96
الكنية
أبو ريـــــان
التخصص
علوم الشريعة وما يخدمها
المدينة
جازان
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: هل الجزية لعصمة الدم أم عقوبـة؟

جزاك الله خيراً شيخنا الفاضلَ على هذه النقولات ، وبارك الله في علمك .
 
أعلى