اتجاه الشافعية الى تاليف الحواشي بعد ترجيح الشيخين

[محمود احمد ادم]

السلام عليكم و رحمة الله,

يبدو أن العديد من الكتاب بعد عصر ابن حجر والرملي شغل أنفسهم مع تأليف الحواشي بدلا من تأليف كتب جديدة(أي اصلية) مثل التي شهدناها في في العصور السابقة كالمهذب و غيره. ما هو سبب هذا الإتجاه بين المتاخرين ؟ لماذا لم يكن كتاب مثل المجموع التي تجمع اقوال الشافعية و غيرهم من المذاهب الفقهية الا انه يذكر اقوال المتاخرين ؟ هل الحاجة تجرهم (اي اصحاب الحواشي)الى هذا الإتجاه كما ان الحاجة في زماننا هذا تجرنا الى تبسيط وتظهر الأدلة لتعزيز الاقتناع والتخلص من التهمة الباطلة.

 

[د. محمد بن عمر الكاف]

رد: اتجاه الشافعية الى تاليف الحواشي بعد ترجيح الشيخين

ينبغي لنا أن نتصور أولا ما هي الحواشي وما قيمتها العلمية حتى نحكم عليها .. ومراحل تطور المذاهب الفقهية ..
فعصر الموسوعات الفقهية كان عصر ما قبل الشيخين الرافعي والنووي وصلا إليهما .
وعصر ما بعد الشيخين هو عصر الشروح الفقهية ، فتجد كثرة شروح المنهاج خاصة في تلك الفترة ..
وعصر ما بعد ابن حجر والرملي هو عصر الحواشي على تلك الشروح ..
فهي عملية طبيعية تراكمية ولا تثريب عليهم فيها .. فلكل عصر ظروفه وما يناسبه ..
الحاشيةُ هي : ما عُلِّقَ على الكتابِ من زياداتٍ وإيضاحٍ[FONT=&quot]([1])[/FONT] .
وتكون عادةً تعليقاتٍ يكتبها المدرِّسُ على شرح المتنِ ، لإيضاحِ مسألةٍ أو تتميمِ مسائلَ لم يعرِض لها الشارحُ ، وعادةً ما يقومُ المُدَرِّسُ بكتابتها وإعدادها قبل إلقائها على الطلبة أثناء تحضيرِهِ للدَّرسِ ، أو بعد الدَّرسِ للاستذكارِ والمراجعةِ .
وربما قيَّدَ بعضُ الطَّلَبَةِ ما يُلقِيه المدرِّسُ شفهياً ، فيكتُبُها عنه ثم يعرِضُها على شيخِه فَيُقِرُّه عليها ، وربما هَذَّبَ بعضَ ما كتبه تلميذُه فيزيدُ عليه أو ينقُصُ .
أو قد يجرِّدُ الحاشيةَ بعضُ تلاميذِ المؤلِّفِ بعد وفاتِه[FONT=&quot]([2])[/FONT] .
وقد اشتَهَرَ بعضُ هذه الحواشي اشتهاراً عظيماً حتى أصبحت شروحاً تُنافِسُ أصولَها الأولى وتُلحَقُ بها غالباً [FONT=&quot]([3])[/FONT].
وهناك أيضا (التقريراتُ) على الحاشيةِ ، وهي : كلماتٌ يسيرةٌ يكتُبها الشيخُ أو الناسخُ على الحاشيةِ ، والحاشيةُ الصغيرةُ قد تُسَمَّى تقريراً [FONT=&quot]([4])[/FONT].
وهذا النَّمَطُ من التأليفِ الذي وُصِفَ بالضعفِ أو الانحطاطِ ، ليس ضعفاً أو انحطاطاً في الحقيقةِ ، بل هو سِمَةُ ذلك العصرِ وأنسَبُ ما يحتاجُ إليه في حينه .
حيث أُلِّفَت في المذهب الموسوعاتُ الفقهيةُ والخلافيةُ ، وأُلِّفَ الكثيرُ من الشُّروحِ الفقهيَّةِ التي تحتاجُ لتفسيرٍ لإشكالاتها وإيضاحٍ وتتميمٍ لمسائلها ، فلم يَعُد أنسَبُ ولا أوفَقُ لطلابِ العلمِ الشرعيِّ من هذه الحواشي التي تُيسِّرُ لهم السبيلَ لفهمِ مُغلقاتِ تلك الشروحِ ، وسُلَّماً للوصولِ إلى مطوَّلاتِ المذهبِ ، وعادةً ما تكون الحاشيةُ خلاصةَ الأعمالِ السابقةِ حول المتنِ وأصولِه[FONT=&quot]([5])[/FONT] .
خصوصاً مع انتشارِ حَلَقاتِ التدريسِ في الحرمينِ والأزهرِ الشريفِ وغيرِهما من الحواضرِ العلميةِ ، أصبحت الحاجةُ ماسةً جداً لمثل هذه الحواشي التي لا يستغني عنها طالبُ مبتدئٌ ، بل حتى المنتهي .
يضاف إلى ذلك سبب آخر وهو إبعاد الشافعية عن القضاء والحكم من قبل الخلافة العثمانية .. جعل المذهب الشافعي محصورا في حلقات التدريس .. فلذا انحصرت جهود العلماء تلك الفترة في التحشية على المتون والشروح المقررة للتدريس .
وقد توسعت في هذا الموضوع في رسالتي (المعتمد عند الشافعية) لعل الله ييسر طباعتها قريباً .


http://www.mmf-4.com/vb/#_ftnref1([1]) المعجم الوسيط ، مادة (حشا) 1/177 .

http://www.mmf-4.com/vb/#_ftnref2([2]) الشمراني ، المدخل إلى علم المختصرات الفقهية (ص65) .

http://www.mmf-4.com/vb/#_ftnref3([3])عبدالله الحبشي ، جامع الشروح والحواشي (1/8) .

http://www.mmf-4.com/vb/#_ftnref4([4]) الشمراني ، المدخل إلى علم المختصرات الفقهية (ص78) .

http://www.mmf-4.com/vb/#_ftnref5([5]) الشمراني ، المدخل إلى علم المختصرات الفقهية (ص75) .

 

[عبدالاله عبدالرحمن العمير]

رد: اتجاه الشافعية الى تاليف الحواشي بعد ترجيح الشيخين

ما شاء الله عليك يا أخي محمد الكاف على مشاركاتك المتقنة إنك كما عودتنا أدامك الله ذخراً لهذا الملتقى المبارك

 

[محمود احمد ادم]

رد: اتجاه الشافعية الى تاليف الحواشي بعد ترجيح الشيخين

ينبغي لنا أن نتصور أولا ما هي الحواشي وما قيمتها العلمية حتى نحكم عليها .. ومراحل تطور المذاهب الفقهية ..
فعصر الموسوعات الفقهية كان عصر ما قبل الشيخين الرافعي والنووي وصلا إليهما .
وعصر ما بعد الشيخين هو عصر الشروح الفقهية ، فتجد كثرة شروح المنهاج خاصة في تلك الفترة ..
وعصر ما بعد ابن حجر والرملي هو عصر الحواشي على تلك الشروح ..
فهي عملية طبيعية تراكمية ولا تثريب عليهم فيها .. فلكل عصر ظروفه وما يناسبه ..
الحاشيةُ هي : ما عُلِّقَ على الكتابِ من زياداتٍ وإيضاحٍ[font=&quot]([1])[/font] .
وتكون عادةً تعليقاتٍ يكتبها المدرِّسُ على شرح المتنِ ، لإيضاحِ مسألةٍ أو تتميمِ مسائلَ لم يعرِض لها الشارحُ ، وعادةً ما يقومُ المُدَرِّسُ بكتابتها وإعدادها قبل إلقائها على الطلبة أثناء تحضيرِهِ للدَّرسِ ، أو بعد الدَّرسِ للاستذكارِ والمراجعةِ .
وربما قيَّدَ بعضُ الطَّلَبَةِ ما يُلقِيه المدرِّسُ شفهياً ، فيكتُبُها عنه ثم يعرِضُها على شيخِه فَيُقِرُّه عليها ، وربما هَذَّبَ بعضَ ما كتبه تلميذُه فيزيدُ عليه أو ينقُصُ .
أو قد يجرِّدُ الحاشيةَ بعضُ تلاميذِ المؤلِّفِ بعد وفاتِه[font=&quot]([2])[/font] .
وقد اشتَهَرَ بعضُ هذه الحواشي اشتهاراً عظيماً حتى أصبحت شروحاً تُنافِسُ أصولَها الأولى وتُلحَقُ بها غالباً [font=&quot]([3])[/font].
وهناك أيضا (التقريراتُ) على الحاشيةِ ، وهي : كلماتٌ يسيرةٌ يكتُبها الشيخُ أو الناسخُ على الحاشيةِ ، والحاشيةُ الصغيرةُ قد تُسَمَّى تقريراً [font=&quot]([4])[/font].
وهذا النَّمَطُ من التأليفِ الذي وُصِفَ بالضعفِ أو الانحطاطِ ، ليس ضعفاً أو انحطاطاً في الحقيقةِ ، بل هو سِمَةُ ذلك العصرِ وأنسَبُ ما يحتاجُ إليه في حينه .
حيث أُلِّفَت في المذهب الموسوعاتُ الفقهيةُ والخلافيةُ ، وأُلِّفَ الكثيرُ من الشُّروحِ الفقهيَّةِ التي تحتاجُ لتفسيرٍ لإشكالاتها وإيضاحٍ وتتميمٍ لمسائلها ، فلم يَعُد أنسَبُ ولا أوفَقُ لطلابِ العلمِ الشرعيِّ من هذه الحواشي التي تُيسِّرُ لهم السبيلَ لفهمِ مُغلقاتِ تلك الشروحِ ، وسُلَّماً للوصولِ إلى مطوَّلاتِ المذهبِ ، وعادةً ما تكون الحاشيةُ خلاصةَ الأعمالِ السابقةِ حول المتنِ وأصولِه[font=&quot]([5])[/font] .
خصوصاً مع انتشارِ حَلَقاتِ التدريسِ في الحرمينِ والأزهرِ الشريفِ وغيرِهما من الحواضرِ العلميةِ ، أصبحت الحاجةُ ماسةً جداً لمثل هذه الحواشي التي لا يستغني عنها طالبُ مبتدئٌ ، بل حتى المنتهي .
يضاف إلى ذلك سبب آخر وهو إبعاد الشافعية عن القضاء والحكم من قبل الخلافة العثمانية .. جعل المذهب الشافعي محصورا في حلقات التدريس .. فلذا انحصرت جهود العلماء تلك الفترة في التحشية على المتون والشروح المقررة للتدريس .
وقد توسعت في هذا الموضوع في رسالتي (المعتمد عند الشافعية) لعل الله ييسر طباعتها قريباً .


([1]) المعجم الوسيط ، مادة (حشا) 1/177 .

([2]) الشمراني ، المدخل إلى علم المختصرات الفقهية (ص65) .

([3])عبدالله الحبشي ، جامع الشروح والحواشي (1/8) .

([4]) الشمراني ، المدخل إلى علم المختصرات الفقهية (ص78) .

([5]) الشمراني ، المدخل إلى علم المختصرات الفقهية (ص75) .

السلام عليكم و رحمة الله, جزاك الله خيرا لهذه الاجابة المفيدة. متى سيتم نشر رسالتك ؟

 

[د. محمد بن عمر الكاف]

رد: اتجاه الشافعية الى تاليف الحواشي بعد ترجيح الشيخين

أنا بصدد تغيير صياغة بعض الأبواب التي كتبت على عجلة بسبب انتهاء المدة المحددة للبحث ..
واطلعت على مصادر جديدة .. وأفدت من نقاشاتكم في هذا المنتدى الرائع .. وأضفت وعدلت ووصلت إلى نتائج جديدة ومختلفة عما وصلت له أثناء البحث .. وهذا شأن التآليف بشكل عام .. كما قال العماد الأصفهاني :
"إني رأيت أنه لا يكتُب أحداً كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غُير هذا لكان أحسن؛ ولو زيد هذا لكان يُستحسن؛ ولو قدم هذا لكان أفضل؛ ولو تُرك هذا لكان أجمل؛ وهذا من أعظم العبر؛ وهو دليلٌ على استيلاء النقص على جملةِ البشر"
وللإخوة في هذا المنتدى المبارك فضل في إرشادي إلى تطوير البحث وتجاوز عيوبه وهناته .. فالفضل منكم وإليكم ..
ولا أريد أن يخرج البحث على عجل.. وإلا فقد كنت أستطيع إخراجه من سنتين .. فعدم خروجه أفضل من خروجه بصورة أندم عليها ..
ولعل يكون خروجه في بداية السنة القادمة بإذن الله .. فدعاؤكم لنا ..

 

[ضياء الدين رياض الحلو]

رد: اتجاه الشافعية الى تاليف الحواشي بعد ترجيح الشيخين

يسر الله لك إخراجه على أتم صورة ووضع له القبول ونفع به على مر الدهور اللهم آمين

 

[محمود احمد ادم]

رد: اتجاه الشافعية الى تاليف الحواشي بعد ترجيح الشيخين

السلام عليكم, اريد ان اترجم التقريرات السديدة عن العربية الى الإنجليزية إن شاء الله . كيف اطلب من المصنف اذنا لهذا الأمر ؟

 

[محمد ابوبكر باذيب]

رد: اتجاه الشافعية الى تاليف الحواشي بعد ترجيح الشيخين

افدتم وأجدتم، وأحسنتم سيد محمد بن عمر على هذه التوضيحات ..
وفي الحقيقة مادة الحواشي الشافعية تحتاج أن تفرد بدراسة موسعة.
فهناك آراء كثيرة ضمن هذه الحواشي لمؤلفيها، ظلمت وظلموا لعد الانصراف نحوها، حذرا من مقولة: (من تتبع الحواشي خرج بلاشي).
ومما أحب أن ألفت الأنظار إليه بخصوص تلك الحواشي:
1- أن أصحاب الحواشي هم أول من أورد الخلاف بين ابن حجر والرملي .. فهذه حاشية الشيخ عميرة، وتلميذه القليوبي، تجد فيهما الكثير الطيب من مسائل خلاف الشيخين، وهما أقرب اصحاب الحواشي الى عصر الشيخين الجليلين.
2- في مادة الحواشي، قد يغلب الفقيه الرملاوي أقوالا للشيخ ابن حجر، اي يخالف شيخه، وهذا أمر مهم جدا، بل وممتاز، لنفي صفة التعصب المذهبي، والتقليد الأعمى عن متأخري الشافعية، وبالأخص أصحاب الحواشي .. فالقليوبي كثيرا ما تجده يختار قولا للشيخ ابن حجر يرد به اختيار شيخه الشمس الرملي. وهذه لفتة جميلة، بالامكان ان يفردها أحد الشباب ببحث لطيف.
3- تتجلى في هذه الحواشي شخصيات مؤلفيها، والحياة العلمية التي عاشوها .. فهي وثائق تاريخية مهمة.
والكلام عن أهميتها العلمية يفوق ما ذكرته .. ورحم الله العلامة الكردي، فقد أبان في (الفوائد المدنية) عن علم كثير، وعن نوادر من النصوص والقواعد، فعليكم به أيها الأحباب.