عبد المالك بن عبد المجيد حريش
:: مشارك ::
- إنضم
- 18 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 266
- الكنية
- أبو عبد الله
- التخصص
- المذهب المالكي
- المدينة
- قسنطينة
- المذهب الفقهي
- مالكي
دارت مكاتبة بين الشيخ بشير الإبراهيمي وبين شاعر الشباب محمد العيد آل خليفة، فكان مما كتب به الشيخ البشير:
الحمد لله وحده
تلمسان يوم 3 صفر الخير 1355ه
إلى ولدي الروحي الأستاذ محمد العيد
ولدي
طالما قرأت في وجهك الشاحب آيات الحزن، وتلمحت في قسماتك دلائل الهم والأسى، وكم حركتك بمعاريض من القول علني أستبين شيئًا من حقيقة هذا الهم الدفين الذي تنطوي عليه أحناؤك. وهذا الأسى المبرح الذي أعلم أنّك تقاسيه، فكنت كمن يستجلي المعنى الدقيق من اللفظ المعقّد. وإنّ بين التعقيد ونفوس الشعراء "الأتقياء" نسبًا وثيقًا. ويا لله للنفوس الشاعرة التقية وما تلاقيه من عناء ممض يتقاضاها الشعر إطلاقًا، فيتقاضاها التقى تقييدا . . . لها الله فماذا تفعل!
أتظنّ أنّنا جاهلون بهذه المنازع العجيبة التي تنزعها في شعرك وبمناشئها من نفسك، فاحمد الله على أنّ في قومك من يعرفها ويتذوقها ويطرب لها . . .
ما لهذه النفس الكبيرة في هذا الهيكل الصغير يهفو بها الشعر في مضطربه الواسع فلا يبلغ مداه حتى يقول:
خلا القلب من حبّ العباد وبغضهم ****وأصبح بيتا للذي حرّم البيتـــا
ويقول: وتبت يا رب تبت
ويقول اليوم:
ولــــــــولا رجـــــــــاء الــــــذي **** إليـــــــــــــــه أنــــــــــا زالـــــــف
إنّها،وأبيك، لنزوة الشعر تعتلج في الفؤاد بنزعة التقى.
طالما سمعت منك كلمة "اليأس"، وبودّي أن لا أسمعها منك مرّة أخرى لأنّني أعدّها غميزة في شاعريتك، ولولا شذوذ نعرفه في نفوس الشعراء كأنّه معاني كمالهم لما صدّقنا باجتماع اليأس والشعر، وكيف ييأس شاعر وهو ملك مملكة الآمال وسلطان جو الخيال. فإن كان تقيا رجع من "رجاء الله" إلى ما لا يحدّ له أمد. فكيف تيأس نفس الشاعر لولا ذلك الشذوذ؟
لقد قال أولكم:
حــرّك منـــــاك إذا اغتمــــــ **** ـــمـــــت فإنّــــــهــــــــن مــــــــــــراوح
وما قالها لغيره إلا بعد أن جربها في نفسه . . . فلا تيأس يا بني ولا تكذب إمامك الذي يقول: خلق الشاعر سمحًا طربًا.
قرأت زفراتك هذه الساعة في الشهاب- يقصد مجلة الشهاب التي كانت تصدرها جمعية العلماء الجزائريين - وأنا طريح الفراش، أعالج زكاما مستعصيا ونزلة شعبية، وسعالا مزمنا وأولادا يطلبون القوت أربع مرات في اليوم، وتلاميذ يطلبون الدرس سبع مرات في اليوم والليلة فقلت: وهذه أخرى. إنّ ولدنا هذا لذو حقّ. وكتبت لك هذه الكلمات كما يكتب الأب الشفيق إلى ولده الرفيق. وعسى أن يكون فيها ترويحًا لخاطرك.
محمد البشير الإبراهيمي
آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/227-228).
الحمد لله وحده
تلمسان يوم 3 صفر الخير 1355ه
إلى ولدي الروحي الأستاذ محمد العيد
ولدي
طالما قرأت في وجهك الشاحب آيات الحزن، وتلمحت في قسماتك دلائل الهم والأسى، وكم حركتك بمعاريض من القول علني أستبين شيئًا من حقيقة هذا الهم الدفين الذي تنطوي عليه أحناؤك. وهذا الأسى المبرح الذي أعلم أنّك تقاسيه، فكنت كمن يستجلي المعنى الدقيق من اللفظ المعقّد. وإنّ بين التعقيد ونفوس الشعراء "الأتقياء" نسبًا وثيقًا. ويا لله للنفوس الشاعرة التقية وما تلاقيه من عناء ممض يتقاضاها الشعر إطلاقًا، فيتقاضاها التقى تقييدا . . . لها الله فماذا تفعل!
أتظنّ أنّنا جاهلون بهذه المنازع العجيبة التي تنزعها في شعرك وبمناشئها من نفسك، فاحمد الله على أنّ في قومك من يعرفها ويتذوقها ويطرب لها . . .
ما لهذه النفس الكبيرة في هذا الهيكل الصغير يهفو بها الشعر في مضطربه الواسع فلا يبلغ مداه حتى يقول:
خلا القلب من حبّ العباد وبغضهم ****وأصبح بيتا للذي حرّم البيتـــا
ويقول: وتبت يا رب تبت
ويقول اليوم:
ولــــــــولا رجـــــــــاء الــــــذي **** إليـــــــــــــــه أنــــــــــا زالـــــــف
إنّها،وأبيك، لنزوة الشعر تعتلج في الفؤاد بنزعة التقى.
طالما سمعت منك كلمة "اليأس"، وبودّي أن لا أسمعها منك مرّة أخرى لأنّني أعدّها غميزة في شاعريتك، ولولا شذوذ نعرفه في نفوس الشعراء كأنّه معاني كمالهم لما صدّقنا باجتماع اليأس والشعر، وكيف ييأس شاعر وهو ملك مملكة الآمال وسلطان جو الخيال. فإن كان تقيا رجع من "رجاء الله" إلى ما لا يحدّ له أمد. فكيف تيأس نفس الشاعر لولا ذلك الشذوذ؟
لقد قال أولكم:
حــرّك منـــــاك إذا اغتمــــــ **** ـــمـــــت فإنّــــــهــــــــن مــــــــــــراوح
وما قالها لغيره إلا بعد أن جربها في نفسه . . . فلا تيأس يا بني ولا تكذب إمامك الذي يقول: خلق الشاعر سمحًا طربًا.
قرأت زفراتك هذه الساعة في الشهاب- يقصد مجلة الشهاب التي كانت تصدرها جمعية العلماء الجزائريين - وأنا طريح الفراش، أعالج زكاما مستعصيا ونزلة شعبية، وسعالا مزمنا وأولادا يطلبون القوت أربع مرات في اليوم، وتلاميذ يطلبون الدرس سبع مرات في اليوم والليلة فقلت: وهذه أخرى. إنّ ولدنا هذا لذو حقّ. وكتبت لك هذه الكلمات كما يكتب الأب الشفيق إلى ولده الرفيق. وعسى أن يكون فيها ترويحًا لخاطرك.
محمد البشير الإبراهيمي
آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (1/227-228).