رد: سؤال حول مسألة المشقة المعتادة هل هي مقصودة أو لا
[FONT="]
ثم طرح[/FONT][FONT="]
الشاطبي -رحمه الله[/FONT][FONT="]
-[/FONT][FONT="]
سؤالاً وقال: [/FONT]
[FONT="]هل نقول إن هذه المشقة المعتادة إنها مقصودة للشارع؟ هل يقصد الشارع إلى وجودها أم لا يقصد؟[/FONT] [FONT="]فقرر أن الشارع [/FONT][FONT="]لا يقصد حتى هذه المشاق المعتادة[/FONT][FONT="]، لكنها تأتي تبعاً للعمل[/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]ف[/FONT][FONT="]المشاق التي تلازم العبادات أو الأعمال المأمور بها هي [/FONT][FONT="]مشقة تابعة للعمل ليست مقصودة.
[/FONT]
[FONT="]مثال :[/FONT][FONT="] مشقة الوضوء مشقة القيام والقعود في الصلاة ً، الصلاة ً في المسجد مع وجود البرودة الشديدة [/FONT][FONT="],[/FONT]
[FONT="] وأحال في الاستدلال الأدلة [/FONT][FONT="]التي فيها نفي الحرج ونفي المشقة، والآيات الدالة على أن الله أراد اليسر[/FONT][FONT="]:-[/FONT]
1- [FONT="]قوله تعالى [/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="] [البقرة: 185]، [/FONT]
2- [FONT="]وقوله[/FONT][FONT="]: [/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="] [الحج: 78]،[/FONT]
3- [FONT="]وقوله[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="] [المائدة: 6] [/FONT]
4- [FONT="]وقول الرسول: [/FONT][FONT="](بعثت بالحنيفية السمحة)[/FONT][FONT="].[/FONT]
5- [FONT="]ورد في الصحيح من [/FONT][FONT="]حديث [/FONT][FONT="]ابن عباس قال: [/FONT][FONT="](بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه، فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم)[/FONT][FONT="] فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: [/FONT][FONT="](مروه فليجلس، وليستظل، وليتكلم وليتم صومه)[/FONT][FONT="] الصوم مشروع، ومقصود لله -جل وعلا- فلهذا أمره بإتمامه.[/FONT][FONT="]لكن أن تعذب نفسك بالوقوف في الشمس، وترك الظل؛ لأن الصوم ينفصل عن هذه المشقة، ليس من لوازم الصوم أن تعطش عطشاً كثيراً، وأن تقف في الشمس[/FONT][FONT="].[/FONT]
6- [FONT="] لم يمنع[/FONT][FONT="] النبي صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT="] المرأة التي نذرت أن تحج ماشية من المشي، وإنما قال لها: [/FONT][FONT="](لتمش ولتركب[/FONT][FONT="]) كما ورد في حديث أخت عقبة، وهو حديث متفق عليه؛ أنها نذرت أن تحج ماشية، فقال: [/FONT][FONT="](لتمش ولتركب[/FONT][FONT="]) يعني لا تشق على نفسها بالمشي ولا أيضاً تترك المشي[/FONT][FONT="].
[/FONT]
[FONT="] فهذ[/FONT][FONT="]ه[/FONT][FONT="] أدلة[/FONT][FONT="] على أن المشقة بذاتها ليست من مقاصد الشارع، ولا يقصد الشارع إليها، وإن جاءت تبعاً مع العبادة؛ فإنها تكون تابعة للعبادة، وليست مستقلة بالقصد.
[/FONT]
[FONT="]إشكالاً [/FONT][FONT="]أورده الشاطبي ف[/FONT][FONT="]قال[/FONT][FONT="]: [/FONT][FONT="]إن الشارع سَمَّى أوامر الشريعة ونواهيها تكليفاً، في قوله:[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]فمفهومه أنه يكلفها وسعها[/FONT][FONT="]و[/FONT][FONT="]هي التكاليف الشرعية؛ فكيف تقولون إنها غير مقصودة والشرع أمر بها وفيها هذه التكاليف؟[/FONT]
[FONT="]فيجاب عن هذا بأن تكليف المكلف بما فيه مشقة معتادة لم يكن القصد فيه إلى ذات المشقة، بل إلى المصلحة الناشئة عن هذا العمل بغض النظر عما يتبعه من مشقة،[/FONT][FONT="]فالشارع مقصوده هو إلى المصلحة الملازمة لهذه المشقة حيث رجح هذه المصلحة ولم تعد المشقة ذات اعتبار عند الشارع ولم يلتفت إليها ولم يعتبرها.[/FONT]
[FONT="]مثال :[/FONT][FONT="] الطبيب مثلاً قد يشق بطن المريض لاستخراج داء في بطنه، ويعلم هو أن في هذا مشقة، ومع ذلك هو لا يقصد إلى هذه المشقة، [/FONT][FONT="]ف[/FONT][FONT="]هو يقصد إلى المصلحة،
[/FONT]
[FONT="]إشكال:[/FONT][FONT="]إن الله -جل وعلا- يعلم أن هذا العمل تترتب عليه مشقة وتلازمه مشقة؛ فكيف تقولون: إنها غير مقصودة للشارع وهو يعلمها؟ [/FONT]
[FONT="]الجواب[/FONT][FONT="]:[/FONT][FONT="] علم الله -جل وعلا- بما يصاحب هذا العمل من المشقة ً ليس دليلاً على أنه قصدها، [/FONT][FONT="]ف[/FONT][FONT="]هو قصد العمل، والمشقة جاءت تبعاً، فالمشقة بذاتها ليست مقصودة لله -جل وعلا-،[/FONT][FONT="] ف[/FONT][FONT="]لا يلزم أن يكون قاصداً لما ينشأ عن السبب وإن كان عالماً به، وقد ضربنا مثالاً بالطبيب الذي قد يشق بطن المريض فإنه لا يقصد المشقة مع علمه بوجود المشقة، لكنه ما يقصدها، وإنما يقصد مصلحة المريض[/FONT][FONT="].
[/FONT]
إ[FONT="]شكال:[/FONT][FONT="]المشقة اللاحقة للتكليف عليها ثواب زائد على ثواب العمل[/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]ومثال ذلك:[/FONT][FONT="] قوله -صلى الله عليه وسلم-: ([/FONT][FONT="]أجركِ على قدر نصبكِ[/FONT][FONT="]) وقوله تعالى[/FONT][FONT="]: [/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="][التوبة: 120]،[/FONT][FONT="] وقوله: [/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="] [البقرة: 216].[/FONT]
[FONT="]ف[/FONT][FONT="]المعترض يقول: هذا دليل على أنها مقصودة للشارع، لو لم تكن مقصودة للشارع؛ لما أثاب عليها ثواباً زائداً[/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="]ال[/FONT][FONT="]أجاب[/FONT][FONT="]ه[/FONT][FONT="]عن ذلك[/FONT][FONT="]: ([/FONT][FONT="]أن الثواب عليها لكونها ملازمة[/FONT][FONT="]) يعني أن الثواب عليها إنما هو لكونها ملازمة لفعل المقصود للشارع، لا لكونها مقصودة لذاتها، والدليل على هذا: أنها لو انفردت؛ فلا ثواب عليها، كما في قصة أبي إسرائيل الذي قال: ([/FONT][FONT="]مروه فليستظل، وليجلس، وليتم صومه[/FONT][FONT="]) فلما أمكن انفصال المشقة عن العمل نهاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن هذه المشقة وأمره بإتمام العمل، ثم أيضاً قد يقال: إن الثواب تَفَضُّل من الله -جل وعلا-، فالله قد يثيب الإنسان على ما لم يعمله أصلاً كالمصائب التي تصيبه مثلاً، فيقع له ثواب بسببها.
[/FONT]
[FONT="]قال المصنف -رحمه الله تعالى-: ([/FONT][FONT="]وأحوال الإنسان كلها كلفة في هذه الدار في أكله، وشربه، وسائر تصرفاته، ولكن جعل له قدرة عليها بحيث تكون تلك التصرفات تحت قهره، لا أن يكون هو تحت قهر التصرفات، فكذلك التكاليف، فعلى هذا ينبغي أن يفهم التكليف وما تضمن من المشقة، وإذا تقرر هذا؛ فما تضمن التكليف الثابت على العباد من المشقة المعتادة أيضاً ليس بمقصود الطلب للشارع من جهة نفس المشقة[/FONT][FONT="]بل من جهة ما في ذلك من المصالح العائدة على المكلف، والدليل على ذلك ما تقدم في المسألة قبل هذا، فإن قيل ما تقدم لا يدل على عدم القصد إلى المشقة في التكليف لأوجه:[/FONT][FONT="]أحدها: أن نفس تسميته تكليفاً يشعر بذلك؛ إذ حقيقته في اللغة: طلب ما فيه كلفة، وهي المشقة فقول الله تعالى: [/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]معناه: لا يطلبه بما يشق عليه مشقة لا يقدر عليه[/FONT][FONT="]والثاني: أن الشارع عالم بما كلف به وبما يلزم عنه، ومعلوم أن مجرد التكليف يستلزم المشقة فالشارع عالم بلزوم المشقة من غير انفكاك.[/FONT][FONT="]فإذن يلزم أن يكون الشارع طالباً للمشقة، بناءً على أن القاصد إلى السبب عالماً بما يتسبب عنه قاصد للمسبب[/FONT][FONT="]الثالث: أن المشقة في الجملة مُثاب عليها إذا لحقت في أثناء التكليف[/FONT][FONT="]كقوله تعالى: [/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]إلى آخر الآية، وقوله: [/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="][[/FONT][FONT="]العنكبوت: 69]، وما جاء في كثرة الخطى إلى المساجد وأن أعظمهم أجراً أبعدهم داراً، وما جاء في إسباغ الوضوء على المكاره، وقد نبه على ذلك أيضاً قوله تعالى: [/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ[/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="] الآية، وذلك لما في القتال من أعظم المشقات حتى قال تعالى: [/FONT][FONT="]"[/FONT][FONT="]إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ?[/FONT][FONT="] [التوبة: 111] وأشباه ذلك[/FONT][FONT="])[/FONT][FONT="].
[/FONT]
[FONT="]مسألة مهمة:[/FONT][FONT="]ليس للمكلف أن يقصد إلى المشاق طلباً لزيادة الأجر، وهذا الأمر أيضاً من الأمور التي قد تشكل، [/FONT][FONT="]ل[/FONT][FONT="]أنه ورد مثلاً أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال لعائشة: ([/FONT][FONT="]أجركِ على قدر نصبك[/FONT][FONT="]) [/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="]وورد أيضاً عن بني سلمة أنهم رغبوا في الانتقال إلى جوار المسجد فأخبروا النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبروه بذلك برغبتهم، فقال: ([/FONT][FONT="]بني سلمة! دِيَارَكُم -؛ أي الزموا دياركم- تُكتبْ آثارُكم[/FONT][FONT="]) فنهاهم عن الانتقال إلى قرب المسجد[/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="] كذلك ورد بعض الآثار عن أبي موسى الأشعري أنه كان يتخير الأوقات شديدة الحر ويصوم فيها[/FONT][FONT="].[/FONT]
[FONT="]أجاب المصنف عن هذا بعدة أجوبة، منها [/FONT][FONT="]:-[/FONT]
1- [FONT="]جواب عام، أن هذه أمور آحادية أو أخبار جزئية يمكن أن تكون معارضة لقاعدة عامة تقررت بنصوص شرعية قطعية والقاعدة عندنا: [/FONT][FONT="]أن الجزئيّ حينما يتعارض مع القطعيّ الكلي يُؤَوَّل[/FONT][FONT="].[/FONT]
2- [FONT="] ثم أجاب جواباً تفصيلياً وقال: ([/FONT][FONT="]أما طلب بني سلمة الانتقال؛ فقد ورد في بعض روايات الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهاهم عن الانتقال حتى لا تخلو الناحية التي هم فيها ممن يحرس المدينة من تلك الجهة[/FONT][FONT="]) ففي بعض روايات الحديث أنه كره أن تخلو تلك المنازل ممن يحرس المدينة من تلك الجهة حتى يكونوا عيوناً له فلا يهجم عليه من عدوه من لا يعلم به حتى يصل إليه.[/FONT]
[FONT="]3-[/FONT][FONT="]وما نُقِلَ عن أبي موسى الأشعري أيضاً أجاب عنه، وقال: ([/FONT][FONT="]أولاً يحتاج إلى ثبوت هذا عنه من حيث السند.[/FONT][FONT="]وثانياً: هو فعل صحابي لا يكفي لمواجهة بعض النصوص القطعية[/FONT][FONT="]) [/FONT]
[FONT="]الخلاصة أن المكلف لا يجوز له أن يقصد إلى المشقة بذاتها[/FONT][FONT="].
[/FONT]