ضرغام بن عيسى الجرادات
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 26 فبراير 2010
- المشاركات
- 596
- الكنية
- أبو الفضل
- التخصص
- الفقه المقارن
- المدينة
- الخليل
- المذهب الفقهي
- فقه مقارن
[FONT="]بسم الله الرحمن الرحيم[/FONT]
هذا جواب كتبته إجابة لبعض الإخوة الذين سألوا وقد لبس عليهم ، منذ عام تقريبا، ثم رأيت أهمية الاطلاع عليه .والله الموفق.
حكم النظر إلى الأفلام والصور الخليعة، والرد على بعض الشبهات.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ،وبعد:
والله سبحانه وتعالى ما أمر بأمر إلا وفيه للناس مصلحة ومنفعة،و لا نهاهم عن أمر إلا وفيه شر ومضرة.
وديننا قائم في حقيقته على التسليم ،وليس من شرط تطبيق الأحكام معرفة عللها ،لكن إذ عرفت العلل والحًًٍَُِكم،فذلك نور على نور.
ومسألة:حكم النظر إلى الصور العارية،والأفلام الخليعة،مسألة كثر تحذير العلماء منها ،والتنفير عنها، لما تشتمل عليه من المفاسد الدنيوية والأخروية.
ثم يخرج بعض من نظر في كتب أهل العلم فوجد شبهة حسبها دليلا فطار بها ، كأنها وافقت هواه ،وأرضت مبتغاه، فجوز للناس هذا الفعل، ولكن أهل العلم حقيقة لهم نظر في النصوص ومعرفة في سياقاتها ،فليس كل من جلب نصا من كتاب حاز دليلا ،لأن الاستدلال بالدليل موقوف على فهمه ومعرفة مهيجاته وسياقته.
وقد وصلني من بعض الأخوة نصوصا استند إليها من قال بجواز النظر إلى الصور الخليعة استلها من سياقها ،وها أنا أنقلها بنصها ثم أحللها وأبين فقهها.
1-قال ابن الهمام الحنفي رحمه الله تعالى في : "شرح فتح القدير" (3/131)
"النظر من وراء الزجاج إلى الفرج مُحرِّم ـ أي : في المصاهرة ـ بخلاف النظر في المرآة، ولو كانت في الماء فنظر فيه فرأى فرجها فيه ثبتت به الحرمة، ولو كانت على الشَّط فنظر في الماء فرأى فرجها لا يُحرِّم "
فهم المجوز من هذا :أن ابن الهمام عندما يقول (لا يحرم) أنه يقصد أن النظر لا يحرم إلى فرج المرأة في المرآة والماء، وهذا من نزع النصوص من سياقها.
فابن الهمام –رحمه الله- يقرر مسألة (هل النظر إلى فرج الأم أو تقبيلها يحرم البنت )
وقد أورد هذه المسألة تحت فصل: (في بيان المحرمات المحلية الشرعية من شرائط النكاح).
فالكلام إذن في أمر آخر غير ما أراد الناقل للنص الاستدلال به،فإن قوله (لا تحرم) أي لا يحرم الزواج بالبنت بالنظر إلى فرج أمها من خلال المرآة أو الماء.
هذا قصد ابن الهمام،على أن المسألة من أفراد الحنفية،وهي من أضعف مسائلهم كما يعرف الممارس للفقه،فلم يقل أحد غيرهم بأن النظر المباشر أو غير المباشر إلى فرج الأم يحرم البنت أو العكس.
2-ما جاء في حاشية قليوبي وعميرة على شرح "منهاج الطالبين" حيث جاء فيها: "وشمل النظر ما لو كان من وراء زجاج أو مهلهل النسج أو في ماء صاف . وخرج به رؤيةالصورة في الماء أو في المرآة فلا يحرم ولو مع الشهوة"
أقول:جاء هذا النص في " كتاب النكاح"
والسياق هنا :في ما يجوز للخاطب أن يراه من مخطوبته،وما يحل له من التحين لرؤيتها حتى ولو لم تعلم، ومعلوم أن كل ما يقرب من المقصد الحلال يكون مشروعا لأن الأمور بمقاصدها،هذا كلام بعض الشافعية.
ثم هذا تمام النص"ويحرم سماع صوتها , ولو نحو القرآن , إن خاف منه فتنة , أو التذ به وإلا فلا"
وهنا نقاش لأصحاب الحاشية على المنهاج،وهو قولهم: "إن خاف الفتنة،أو التذ به"
وهذا والله عجيب:إذ كيف فرقتم بين الأمرين،فهل النظر إلى صورة المرأة العارية في المرآة أو في الماء لا يؤدي إلى الفتنة، وسماع صوتها يؤدي إلى الفتنة؟
وهل النظر إلى الصورة المعكوسة حلال ولو التذ به(بشهوة) واللتذاذ بصوت المرأة حرام؟؟
3- قال في إعانة الطالبين 3/301 : ( ولا يحرم نظره لها [أي المرأة الأجنبية] في نحو مرآة كماء وذلك لأنه لم يرها فيها وإنما رأى مثالها)
قلت:هذا نص واضح من صاحب حاشية إعانة الطالبين، وهو رأي له وليس رأيا للشافعية، ولا ينقل عن المتقدمين منهم،وهو مناقش بما نوقش به النص السابق،
فقد ذكر في الحاشية ،أن من أجاز النظر إلى الوجه والكفين عند المرأة، أجازه بشرط أمن الفتنة، وهنا سؤال: هل النظر إلى العورات في المرآة لا فتنة فيه؟
وهذا عجيب أيضا: قولهم إن النظر المباشر إلى وجه المرأة وكفيها حرام،والنظر إلى أعز ما يجب ستره والاحتياط في أمره -غير المباشر- حلال.
ثم ملاحظة: لا أعرف أحدا من العلماء المتقدمين المرجوع إليهم في الفتيا ،والمعتمدة أقوالهم في كل مذهب ذكر التفريق بين النظر المباشر والنظر غير المباشر،وفي هذا أهمية عدم تتبع شواذ العلماء خاصة المتأخرين منهم وأصحاب الحواشي المقلدين-هذا مع بالغ الاحترام-.
وبعد النظر في النصوص التي نقلوها وبيان أنه لا حجة فيها أبين بفضل الله ما تقر به عيون المنصفين.
لا فرق عرفا ولا لغة بين النظر في المرآة والنظر المباشر في تسمية كل منهما نظرا، وعليه فلا فرق شرعا في تسمية كل منهما نظرا،فإن الشرع إنما تندرج تحت نصوصه العامة ما يندرج لغة وعرفا.
وقد جاءت النصوص عامة في تحريم النظر بشهوة إلى ما حرم الله ،وهي تشمل بأصل وضعها كل ما يندرج تحتها.
ومنه قوله تعالى"
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور/30]).
وإذا قال قائل: سلمنا أنه نظر:لكنه ليس محرما لأنه غير مباشر،
يقال:هنا سؤال:هل من أطلق نظره في الصور العارية ،والأفلام الماجنة يعد عرفا ولغة غاضا للبصر؟؟؟
ولست أخال عاقلا يقول:إنه غاض للبصر، بل إن عرف العقلاء يقضي بأنه مطلق للنظر ،وهو بذلك داخل تحت النص العام المباشر بدون شك.
وهو بذلك مخالف لأمر الله سبحانه من وجوب غض البصر ،وحفظ النظر.
وأخيرا أريد أن أعلق على أمرين:
الأول :استدلال من أجاز هذا الفعل المنكر بقاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة"
والرد عليه يكون من خلال فهم هذه القاعدة، نعم الأصل في الأشياء الإباحة، لكن العلماء نصوا على أن الأصل في العبادات والأبضاع والأعراض التحريم.
ثم لو سلمنا-جدلا- أن هذه القاعدة تنطبق على هذه المسألة، فهي مشروطة أن لا يرد نص بالتحريم ،وقد وردت النصوص الكثيرة على وجوب غض البصر ، وتحريم إطلاقه،وهي عامة شاملة تشمل المباشر وغير المباشر كما أكدته آنفا.
الثاني:يظن بعض الناس أن الفتنة منتفية في حال مشاهدة الأفلام ،لأنها لا ينبني عليها وصول للزنى.
نقول:إن الفتنة التي ذكرها العلماء تنقسم أقساما منها عدم الوقوع في الزنا، ولكن الواقع شاهد بانحلال أخلاق من يداوم النظر ،وقربه من الزنا، وبلادة طبعه،وقلة مروءته، وضعف قربه من ربه.
ثم الفتنة أقسام ،وقد جاءت الشواهد كثيرة على أن الرجل يتأثر نفسيا من مشاهدة هذه الأفلام، ويتضرر حقيقة جسمانيا ومعنويا من هذه المشاهدة.
إذن الفتنة لا تقتصر على أن المشاهد لا يستطيع أن يقترب من هذه المشاهدة فيزني بها ،بل ثمة أضرار نفسية وجسدية واجتماعية....إلخ.
وقد اطلعت على أسئلة لبعض من كان يشاهد الأفلام قبل زواجه،وكم أثرت في سلوكه بعد زواجه.
وقد ذكر في بعض ندوات الإعجاز العلمي في القرآن الكرم والسنة ، بعض أسرار الأمر بغض البصر،وهي مفيدة لمن يريد أن يقتنع من جهة علمية أيضا،والله الموفق.
والخلاصة:أنه لا يجوز مطالعة هذه الأفلام ،ولا الصور ،والتمسك بما نقل عن بعض المتأخرين،ضعيف لا يرقى لأن يكون دليلا أو شبهة دليل، بل كلامهم يحتاج إلى التدليل،وخطر إطلاق البصر كبير على الفرد وأخلاقه وأخلاقيات المجتمع.
هذا ما تيسر إعداده على عجل ،والله الهادي إلى سواء السبيل.
وكتب:ضرغام بن عيسى الجرادات
ماجستير الفقه والأصول –
الثلاثاء 8/6/2010م-26/6/1431هـ
ماجستير الفقه والأصول –
الثلاثاء 8/6/2010م-26/6/1431هـ
التعديل الأخير: