رحلة أبي أنس العلمية إلى شمال المملكة المغربية

[مصطفى بن أحمد الشكيري]

بسم الله الرحمن الرحيم​

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه...
أما بعد:
يقول الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-:

تغرب عن الاوطان في طلب العلا *** وسافر ففي الاسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة *** وعلم وآداب وصحــــــــبة ماجد
فإن قيل في الاسفار ذل وغربة *** وقطع فيافٍ وارتكاب الـــــشدائد
فمـــوت الفتى خير له من حياته *** بدار هوان بين واش وحاســـــد​

من هنا كان عزمي السفر إلى مدن شمال المغرب وأخص بالذكر، طنجة، وتطوان، وفاس.
فقدَّرَ الله لي معرفة الأخ الحبيب أبي وسيم الشيخ أحمد الفاسي -حفظه الله-، فاتفق أن أَلَحَّ عليَّ في مرافقته إلى مدينتي طنجة وتطوان، للقاء مشايخها والاستجازة منهم، فعزمت على السفر معه، ثم كان استعدادي لذلك يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر شعبان سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الموافق لثاني عشر يوليوز سنة إحدى عشر وألفين بالتأريخ الفرنسي، فبعد أن صليتُ العِشاء انصرفت للبيت، وأعددت لوازم سفري، ثم انصرفت للنوم فلم أستطع النوم، وهذه حالتي عندما أرغب في السفر.
بعد صلاتي للصبح، رجعتُ للبيت، أنا والحبيب الغالي، الأخ الفاضل، هشام وريدة -حفظه الله تعالى-، فودعتُ والدتي وشقيقي، ثم انصرفت لمحطة القطار عبر سيارة الأجرة، بعد أن ودعت الأخ هشام، فكان وصولي للمحطة قبل انطلاق القطار المتجه صوب طنجة بربع ساعة.
يُتبع...

 

[مصطفى بن أحمد الشكيري]

رد: رحلة أبي أنس العلمية إلى شمال المملكة المغربية

عند وصولي لمحطة القطار -البيضاء المسافرون-، حجزت التذكرة، ثم ركبت عربة القطار، ودخلت لإحدى الغرف الصغيرة ضمن مقصوراته -القطار-، فأتيت بأذكار الركوب، والسفر، وبما لم آت به من أذكار الصباح، ثم راجعت وردي اليومي، بعدها فحصت الأسئلة التي جمعتُها من نفسي، أو التي وردتني من الإخوة، ورتبتها في أوراق، وهذبت ما يحتاج منها إلى التهذيب، ثم أخذت كتاب الإشارة في أصول الفقه لأبي وليد الباجي -رحمه الله-، فنظرت فيه نظرة إمعان، وجمعت فوائده، وأخذت ما أشكل علي منه، كل هذا كان وأنا سائر في الطريق حتى وصلت لمدينة سلا، حينها نِمْتُ إلى أن وصلت لمحطة مدينة سيدي قاسم، فاستيقظت لما دخل رجلان للمقصورة، وجلستُ أنظر في المدن والقرى والأودية التي يمر بها القطار، حتى وصلتُ إلى مدينة طنجة، ثم اتصلت بالأخ أبي وسيم حفظه الله، وأخبرته بوصولي، فقال انتظرني حتى أصل إليك، وما هي إلا دقائق قليلة حتى رأيته قادما في سيارة الأجرة، سلمتُ عليه ثم ذهبنا إلى أحد الإخوة، فتركت له حقيبة ملابسي، واحتفظت بحقيبتي الصغرى معي، إذ فيها أجمع أموري التي لا تفارقني أبدا.
انصرفت مع الأخ أبي وسيم -وفقه الله- إلى وسط المدينة العتيقة بطنجة، فكان أن توقفت عند سور يسمى بسور المعاكيز -سور العجزة-، وعبره يمكن رؤية ميناء طنجة، والبحر الأبيض المتوسط، ويوجد منظاران كبيران على السور، يكتريهما الناس بخمسة دراهم للفرد الراغب في رؤية شكل بناء مدن بلاد الأندلس أعادها الله للمسلمين، وطهرها من الصليبيين.
ثم تقدمنا قليلا، بحثا عن مكان أُفطر فيه، فاستوقنا رجل شيعي على مذهب الإمامية، فكان أول مغربي شيعي ألتقيه في حياتي، سلمنا عليه، ثم كلمناه قليلا، وقد أتى بالتقية معنا، حيث ترضى على الصحابة كلهم، وقال بأن الإمامية فيهم من غلا في تكفير الصحابة والطعن فيهم، وفيهم المتوسط، ثم استفسره الشيخ أبو وسيم عن التربة التي يصلي عليها الرافضة، فقال إنما ذلك الفعل سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يصلي على التراب، وأما ما نراه اليوم من حصير ومثله، فهذه بدعة. وناقشناه طويلا.
بعدها انصرفنا لإحدى المحلبات فأخذنا فطورنا، وذهبنا للزاوية الصديقية، التي أقام فيها محمد بن الصديق الغماري والد الحافظ أحمد بن الصديق -رحمهما الله وتجاوز عنهما-.
يُتبع...

 

[مصطفى بن أحمد الشكيري]

رد: رحلة أبي أنس العلمية إلى شمال المملكة المغربية

لقد خصصت صفحة في ذكر ما يتعلق بالرحلة من صور عبر موقع الفيس بوك، يمكنكم الاطلاع عليها هنا:
http://www.facebook.com/groups/246257015392630

 

[مصطفى بن أحمد الشكيري]

رد: رحلة أبي أنس العلمية إلى شمال المملكة المغربية

عند وصولنا لباب الزاوية الصديقية، وجدنا بابها مقفلا، ثم رجعنا القهقرى إلى أن يتيسر لنا الرجوع لها، فإذا برجل يتكئ على عصاه، وقد تجاوز عمره سبعين سنة يقول لنا: هل تريدون الزيارة، فقلت له: نعم، فقال: مرحبا بكم عندنا، ثم ذهب معنا إلى الزاية، وفتح بابها ثم دخل ودخلنا خلفه، فوجدت رجلين من سدنة الزاوية جالسين في حديث يدور بينهما، ثم نظرت في الضريح فوجدت قبر محمد بن الصديق الغماري -رحمه الله- والد الحافظ أحمد بن الصديق -رحمه الله-، وبجانبه قبر زوجته، وإذا بسادن الضريح الذي فتح لنا الباب يقول لي: بأن هذه المنطقة التي فيها هذا السياج تضم قبورا لبعض أبناء محمد بن الصديق، فجأة توجهت نحو الجهة الشرقية، وهي أول موطن تم بناؤه من الزاوية، قبل أن تتم توسعته ليشمل مساحة إضافية تضم القبر وسطه.
ثم رجعت وتقدمت نحو المحراب، فأخبرني سدنة الزاوية بأن ذلك الموطن كله قبور، فاستغربت من الأمر كثيرا، ثم رجعت وجلستُ أكلمه وأستفسره أنا والشيخ أبو وسيم -نفع الله به- عن بعض ما يذكره عن الصديقيين، فقال لي بأنه عقل عن الحافظ ابن الصديق شيئا يسيرا قبل أن يغادر المغرب إلى مصر.
ومما ذكره لنا: أن الحافظ أحمد بن الصديق أقام ما يسمى عند الصوفية بالعمارة -وهي بدعة يحصل فيها الرقص والتمايل-، فسمع نصراني أصواتا حاصلة من هذه البدعة المنكرة، فقدِمَ إلى باب الزاوية، وأراد الدخول، لكن رده مريدوا الزاوية، ثم استوقفهم الحافظ أبو الفيض، ورحب به واستقبله، فإذا بالنصراني يُعلن اسلامه ويغير اسمه إلى عبد الله الإسلامي، وترك ذرية تحمل هذا اللقب "الإسلامي" إلى يومنا هذا لا زالت مقيمة بطنجة.
ثم غادرنا الزاوية الصديقية، متجهين صوب مكتبة الشيخ عبد السلام، وهو رجل طاعن في السن صاحب لحية كبيرة بيضاء، وعنده كتب الغماريين، فأخذت بعضا منها -على ارتفاع سعرها-، ثم انصرفنا إلى مكتبة ابن حزم.
يُتبع...

 

[مصطفى بن أحمد الشكيري]

رد: رحلة أبي أنس العلمية إلى شمال المملكة المغربية

هذه صور الزاوية الصديقية: http://www.facebook.com/media/set/?s...2053040&type=1

 

[د. فؤاد بن يحيى الهاشمي]

رد: رحلة أبي أنس العلمية إلى شمال المملكة المغربية

رحلة مباركة، بلغك الله مناك، ورزقك الفردوس الأعلى.

 

[أم طارق]

رد: رحلة أبي أنس العلمية إلى شمال المملكة المغربية

نحن في شوق أستاذنا الفاضل أبا أنس لتتمة هذه الرحلة الميمونة
متابعون معكم،،،،،
​

 

[محمد حسين الإدريسي]

رد: رحلة أبي أنس العلمية إلى شمال المملكة المغربية

رحلة مباركة وشيقة