العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
جملة الأدلة القاضية بأن من أنزل بمباشرة متعمداً فقد أفطر

الأول
قال الله تعالى: ((أُحِلَّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)) فدل على تحريمه زمن الصيام.
وقال تعالى: ((فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)) وقال في نفس الآية: ((ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد))
قال بعض أهل العلم: لما كانت المباشرة تطلق على ما دون الجماع الذي يكون من مثله الولد، نص على إباحة ما يكون منه الولد: ((وابتغوا ما كتب الله لكم))

الثاني
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل)الحديث. متفق عليه.
قال السيوطي في حاشيته على سنن النسائي: والمراد بالرفث الكلامُ الفاحش، وهو يطلق على هذا، وعلى الجماع وعلى مقدماته، وذكره مع النساء أو مطلقاً، ويحتمل أن يكون النهي لما هو أعم منها. أهـ
وانظر فتح الباري للحافظ وعمدة القاري للعيني ففيهما مثل ما نقلنا عن السيوطي.

الثالث
أن الإنزال المتولد عن المباشرة منافٍ لمعنى الصوم ومقصوده، فمن فعل ذلك لا يسمى صائماً شرعاً؛ إذ الصوم إمساك عن شهوتي البطن والفرج. ومن باشر فأنزل ليس ممسكاً عن شهوة فرجه
وقد جاء في الحديث القدسي: ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) وكذلك: ( يَدَع الطعام من أجلي، ويدعالشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي)
فأي لذة وشهوة بعد هذه؟!

الرابع
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، (وكان أملككم لإربه) وفي لفظ:(وأيكم أملك لإربه من رسول الله؟!).
*المباشرة: اللمس باليد، وهو من التقاء البشرتين. قال في كشف المشكِل: (المباشرة إلصاق البشرةبالبشرة)، وقال السندي: (قوله (يباشر) أي يمس بشرة المرأة ببشرته، كوضع الخد على الخد ونحوه).
*أملككم لإربه: قال الخطابي:(معنى ذلك: حاجة النفس ووطرها)
قلت: أليس من باشر فأنزل قد قضى وطره وحاجته؟!
قال الإمام النووي: (معنى كلام عائشة رضي الله عنها أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القبلة، ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثل النبي -صلى الله عليه وسلم- في استباحتها لأنه يملك نفسه ويأمن الوقوع في قبلة يتولد منها إنزال أو شهوة أو هيجان نفس ونحو ذلك، وأنتم لا تأمنون فطريقكم الانكفاف عنها)
قال المهلب: (وكل من رخص في المباشرة للصائم فإنما ذلك بشرط السلامة مما يخاف عليه من دواعي اللذة والشهوة، ألا ترى إلى قول عائشة عن النبي عليه السلام: "وكان أملككم لإربه).

الخامس
القياس الصحيح:
إذ أن من أولج في فرج فلم ينزل ولم يقضِ شهوته يعَد مفطراً، وحكي إجماعاً.. ولا أظن أحداً يخالف في هذا
فما بالكم بمن قضـــى شهوته وأنــزل بمباشرة فيما دون الفرج؟!!!
قال ابن بطال في شرحه على البخاري مستدلاً لمن أوجب القضاءوالكفارة على من باشر دون الفرج فأنزل: (وحجة هذا القول أنه إذا باشر أو جامع دون الفرج فأنزل فقد حصل المعنى المقصود من الجماع؛ لأن الإنزال أقصى ما يُطلَب من الالتذاذ، وهو من جنس الجماع التام في إفساد الصوم، فقد وجبت فيه الكفارة)،
وقال صاحب الشرح الكبير: (الحال الثاني: أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه؛ لِما ذكرنا من إيماء الخبرين، ولأنه أنزل بمباشرة أشبه الإنزال بجماع دون الفرج).

السادس
حُكِي الإجماع على هذا القول:
قال النووي في المجموع شرح المهذب (6/349) :" إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا , فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلا فَلا , وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْبَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ" .
وقال ابن قدامة في المغني :(4/361) إذَا قَبَّلَ فَأَمْنَى فَيُفْطِرَبِغَيْرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ.
وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/296):لا أعلم أحداً أرخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة ممايتولد منها ، وأن من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها .
وقال صاحب "بداية المجتهد" (1/382):كلهم يقولون أن من قبَّل فأمنى فقد أفطر .

السابع
أن خروج المني بالاستمناء ونحوه منهك للبدن مضعف له،فكان في حكم القيء والحجامة عند من قال بالفطر بهما.


وأما الإنزال بغير مباشرة فمنها ما لا يفطر بلا خلاف كالاحتلام، ومنها ما هو محل خلاف كالإنزال بتكرار نظر
وبالله التوفيق

يتبع إن شاء الله
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قوة في الطرح، ما شاء الله تبارك الله.
 
إنضم
29 أغسطس 2008
المشاركات
26
التخصص
لغة ودراسات قرآنية
المدينة
جبل عمور
المذهب الفقهي
مذهب الإمام مالك
بارك الله فيك يا أبا بكر
يا جماعة بلغني أن الشيخ الألباني أفتى بأن الاستمناء على حرمته فهو غير مفطر للصائم.
فهل هذا النقل صحيح عن الشيخ.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
نعم أخي محمد.. وسيأتي البيان إن شاء الله إن وجدت متسعاً من الوقت.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
بارك الله فيك يا أبا بكر

يا جماعة بلغني أن الشيخ الألباني أفتى بأن الاستمناء على حرمته فهو غير مفطر للصائم.

فهل هذا النقل صحيح عن الشيخ.

يقول الشيخ الألباني رحمه الله: لا دليل على الإبطال بذلك وإلحاقه بالجماع غير ظاهر، ولذلك قال الصنعاني : " الأظهر أنه لا قضاء ولا كفارة إلا على من جامع وإلحاق غير المجامع به بعيد " . وإليه مال الشوكاني وهو مذهب ابن حزم فانظر " المحلى " ( 6 / 175 - 177 و205 ) .

ومما يرشدك إلى أن قياس الاستمناء على الجماع قياس مع الفارق أن بعض الذين قالوا به في الإفطار لم يقولوا به في الكفارة قالوا : " لأن الجماع أغلظ والأصل عدم الكفارة " . انظر " المهذب " مع " شرحه " للنووي ( 6 / 368 ) . فكذلك نقول نحن : الأصل عدم الأفطار والجماع أغلظ من الاستمناء فلا يقاس عليه. فتأمل .
وقال الرافعي ( 6 / 396 ) : " المني إن خرج بالاستمناء أفطر لأن الإيلاج من غير إنزال مبطل فالإنزال بنوع شهوة أولى أن يكون مفطرا " . قلت : لو كان هذا صحيحا لكان إيجاب الكفارة في الاستمناء أولى من إيجابها على الإيلاج بدون إنزال وهم لا يقولون أيضا بذلك . فتأمل تناقض القياسيين أضف إلى ذلك مخالفتهم لبعض الآثار الثابتة عن السلف في أن المباشرة بغير جماع لا تفطر ولو أنزل وقد ذكرت بعضها في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " تحت الأحاديث ( 219 - 221 )

ومنها قول عائشة رضي الله عنها لمن سألها : ما يحل للرجل من امرأته صائما ؟ قالت : " كل شئ إلا الجماع " . أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " ( 4 / 190 / 8439 ) بسند صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " واحتج به ابن حزم . وراجع سائرها هناك .

وترجم ابن خزيمة رحمه الله لبعض الأحاديث المشار إليها بقوله في " صحيحه " ( 2 / 243 ) : " باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم والدليل على أن اسم الواحد قد يقع عل فعلين : أحدهما مباح والآخر محظور إذ اسم المباشرة قد أوقعه الله في نص كتابه على الجماع ودل الكتاب على أن الجماع في الصوم محظور قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " إن الجماع يفطر الصائم " والنبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قد دل بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير مكروهة " .

وإن مما ينبغي التنبيه عليه هنا أمرين :
الأول : أن كون الإنزال بغير جماع لا يفطر شيء، ومباشرة الصائم شيء آخر، ذلك أننا لا ننصح الصائم وبخاصة إذا كان قوي الشهوة أن يباشر وهو صائم خشية أن يقع في المحظور الجماع، وهذا سدا للذريعة المستفادة من عديد من أدلة الشريعة. منها قوله صلى الله عليه وسلم : " ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه "، وكأن السيدة عائشة رضي الله عنها أشارت إلى ذلك بقولها حين روت مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم : " وأيكم يملك إربه ؟ "

والأمر الآخر : أن المؤلف لما ذكر الاستمناء باليد فلا يجوز لأحد أن ينسب إليه أنه مباح عنده؛ لأنه إنما ذكره لبيان أنه مبطل للصوم عنده. أهـ
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
القول بأن خروج المني بسبب مباشرة لا يبطل الصوم هو قول ابن حزم والشوكاني والألباني وغيرهم.

ومما يستدل به لهذا القول أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- سئلت ما يحل للرجل من امرأته صائماً؟ قالت : كل شيء إلا الجماع. رواه عبد الرزاق وصححه الألباني ، ورواه البخاري معلقا بصيغة الجزم بلفظ: ( يحرم عليه فرجها)، وقد وصله الطحاوي بسند صحيح إلى حكيم بن عقال أنه سأل عائشة ما يحرم عليّ من امرأتي وأنا صائم قالت : فرجها.
وذكروا في المسألة آثاراً أخرى عن جماعة من السلف.
وفي مسند أحمد وصحيح ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم ، ثم يجعل بينه وبينها ثوبا يعني الفرج ، والحديث في السلسلة الصحيحة 221
قالوا: وفي هذه الأحوال المذكورة لا يؤمن الإنزال. فظاهر هذه الآثار أنهم لايرون بأسا لو حصل إنزال.

وابن خزيمة قد ترجم في صحيحه بقوله :
باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم ، والدليل على أن اسم الواحد قد يقع على فعلين أحدهما مباح والآخر محظور ... والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قد دل بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير مكروهة.

وثبت عند البخاري معلقاً أن جابر بن زيد التابعي سُئِل عن رجل نظر فأنزل فقال: لا شيء عليه.

قلت:
نسبة هذا القول من عدم الفطر بالإنزال المتعمَّد لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وللتابعي جابر بن زيد.. مجازفة لا يدل عليها المنقول عنهم، وكذلك القول في كلام ابن خزيمة المذكور آنفاً.

أما قول أم المؤمنين فغاية ما فيه إباحة المباشرة للصائم، وكلامها متوجه لما يباح إصابته من بدن الزوجة، فبينت أن له مباشرة سائر بدنها عدا الفرج، فأين التصريح بإباحة الإنزال؟!

وكذا الآثار عن الصحابة في جواز تقبيل الرجل امرأتَه بل ومباشرته لها حال الصيام، لا تضعف من قول الجمهور؛ لورود النص بهذا، فالاستدلال بهذه الآثار على جواز المباشرة مع حصول الإنزال فيه بُعد، إذ الجمهور قد صرحوا بجواز مباشرة الرجل امرأته حال الصوم، فهل لازم قولهم أن يقولوا بجواز ذلك مع حصول الإنزال بسببه؟!

وأما قول جابر بن زيد التابعي فلا دلالة لهم فيه؛ إذ استدل به الشافعية وغيرهم على أن الإنزال لا عن مباشرة لا يفسد الصوم، والنظر لا يعد مباشرة، كما أنه يحتمل أن يكون السائل غير عامد، فلا يصح أن يكون دليلاً لهم.
قال الشيرازي الشافعي في "المهذب": (وإن نظر وتلذذ فأنزل لم يبطل صومه؛ لأنه أنزل من غير مباشرة فلم يبطل الصوم كما لو نام فاحتلم، وإن استمنى فأنزل بطل صومه؛ لأنه إنزال عن مباشرة فهو كالإنزال عن القبلة، ولأن الاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج من الاجنبية في الإثم والتعزير، فكذلك في الافطار).

وقد عد النوويُّ في "شرح المهذب" جابراً ممن يقولون بعدم الفطر بالإنزال بالنظر. لا أنه ممن لا يرون الفطر بالإنزال مطلقاً..
قال رحمه الله: ((الثانية) إذا قبل أو باشر فيما دون الفرج بذكره أو لمس بشرة امرأة بيده أو غيرها..
فإن أنزل المني بطل صومه، وإلا فلا؛ لما ذكره المصنف، ونقل صاحب الحاوى وغيره الاجماع على بطلان صوم من قبل أو باشر دون الفرج فأنزل، ويستدل أيضاً لعدم الفطر إذا لم ينزل بالاحاديث الصحيحة المشهورة " أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم "، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى، وهذا الذى ذكرناه هو المذهب، والمنصوص، وبه قطع الجمهور، وحكى إمام الحرمين عن والده أنه حكى وجهين فيمن ضم امرأة إلى نفسه وبينهما حائل فأنزل، قال: وهو عندي كسبق ماء المضمضة.. قال: فان ضاجعها متجردا فهو كالمبالغة في المضمضة.. قال: وقد وجدت للشيخ أبى علي السنجي في الشرح رمزا إلى هذا. قلت: قد جزم المتولي بأنه لو قبلها فوق خمار فأنزل لا يفطر لعدم المباشرة، قال: ولو لمس شعرها فأنزل ففى بطلان صومه وجهان بناء علي انتقاض الوضوء بمسه...) إلى أن قال:
( (الرابعة) إذا نظر إلى امرأة ونحوها وتلذذ فأنزل بذلك لم يفطر سواء كرر النظر أم لا، وهذا لا خلاف فيه عندنا الا وجها شاذا حكاه السرخسي في الامالي أنه إذا كرر النظر فأنزل بطل صومه، والمذهب الاول. وبه قال أبو الشعثاء جابر بن زيد التابعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو ثور، وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري: هو كالجماع؛ فيجب القضاء والكفارة، ونحوه عن الحسن بن صالح، وعن مالك روايتان: (أحدهما) كالحسن (والثانية) ان تابع النظر فعليه القضاء والكفارة والا فالقضاء. قال ابن المنذر: لا شيء عليه، ولو احتاط فقضى يوما فحسن. قال صاحب الحاوي: أما إذا فكر بقلبه من غير نظر فتلدذ فأنزل فلا قضاء عليه ولا كفارة بالإجماع، قال: وإذا كرر النظر فأنزل أثم وان لم يجب القضاء ).


ولبيان المسألة حتى يتضح محل النزاع:

1. من احتلم في نومه فإنه لا يفسد صومه بلا خلاف؛ لأنه عن غير قصد.

2. من باشر بتقبيل أو مس أو وطء فيما دون فرج أو كرر النظر فلم ينزل فإنه لا يفسد صومه عند الجماهير. (على خلاف فيما إذا أمذى).

3. من باشر بتقبيل أو مس أو وطء فيما دون فرج ذاكراً لصومه فأنزل فإنه يفسد صومه عند الجماهير.

4. من كرر النظر أو فكّر فأنزل (محل خلاف بين العلماء)
فالشافعية -مثلاً- يرون أن من نظر فأنزل أنه لا يفســد صومه لأنه إنزال عن غير مباشرة، وأما الحنابلة فإنهم يرونه مفسداً للصوم لأنه عن تسبب منه.

فالمفسد: تعمُّد الإنزال بأي وسيلة كانت.
وعند بعض العلماء: تعمُّد الإنزال بالمباشرة.

فالمباشرة وحدها لا تفسد الصوم، كالقبلة واللمس....
والإنزال بلا تعمد وتسبب لا يفسد الصوم، كالاحتلام في المنام ....

ومسألتنا في هذا الموضوع متعلقة بالقسم الثالث، وإنما أشرنا للقسم الرابع لاعتماد القائلين بعدم الفطر بالإنزال مطلقاً، عدا الإنزال عن إيلاج في فرج، على أدلة محلها هو ذاك.

فإن قالوا: أقمتم الحد على من أولج في فرج ولو لم ينزل، ولم تقيموه على من أنزل فيما دون الفرج! ففرقتم.
قلنا: إنما لم نقم الحد على الثاني لأن الحد إنما هو في الزنا بالإيلاج، والمباشرة فيما دون الفرج ليست داخلة في مسمى "الزنا"، ففاعلها لا يسمى زانياً مطلقاً.
وأما مسألتنا فجوهرها: هل من أنزل بمباشرة يعتبر ممسكاً عن شهوته؟. فالمناط مختلف. وبالله التوفيق
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
إلى هنا أكون قد ختمت المقال.. واللهَ أسأل أن يكون قولي سديداً وأمري رشيداً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

وإياكم أخي الحبيب
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

اعترض بعض الناس على قول الجمهور، وسأجتهد أن أذكر أشهر اعتراضاتهم حول المسألة:

* الأول: نُسِب القول بأن الإنزال لا يفطر مطلقاً ما لم يكن في فرج إلى جماعة من أهل العلم.. منهم: أم المؤمنين عائشة، والتابعي جابر بن زيد، والبخاري، وابن خزيمة، وأبو بكر الإسكاف وأبو القاسم من الحنفية، ونسب ذلك للحنابلة أيضاً على أنه قول عندهم.

أقول: وفي نسبة هذا الإطلاق إلى هؤلاء غلط على كل منهم.

1- فغاية ما في أثر أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وقولها لمن سألها : ما يحل للرجل من امرأته صائماً ؟ قالت : " كل شئ إلا الجماع ": إباحة المباشرة للصائم، وكلامها متوجه لما يباح إصابته من بدن الزوجة، فبينت -رضي الله عنها- أن له مباشرة سائر بدنها عدا الفرج، فأين التصريح بإباحة الإنزال؟!

2
- وجاء عند البخاري معلقاً أن جابر بن زيد التابعي سُئِل عن رجل نظر فأنزل فقال: لا شيء عليه.
وهذا لا دلالة لهم فيه؛
إذ هو في خصوص الإنزال بالنظر، وقد اعتمد عليه الشافعية وغيرهم في قولهم بأن الإنزال لا عن مباشرة لا يفسد الصوم، والنظر لا يعد مباشرة، كما أنه يحتمل أن يكون السائل غير عامد، فلا يصح أن يكون دليلاً لهم.

فأنى لهم أن جابراً يقول بعدم فطر من أمنى بتقبيل أو لمس أو نحو ذلك؟!

قال الإمام النووي في شرح المهذب: إذا نظر إلى امرأة ونحوها وتلذذ فأنزل بذلك لم يفطر سواء كرر النظر أم لا، وهذا لا خلاف فيه عندنا الا وجها شاذا حكاه السرخسي في الامالي أنه إذا كرر النظر فأنزل بطل صومه، والمذهب الاول. وبه قال أبو الشعثاء جابر بن زيد التابعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو ثور، وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري: هو كالجماع؛ فيجب القضاء والكفارة، ونحوه عن الحسن بن صالح، وعن مالك روايتان.

3- أما الإمام البخاري فاعتمدوا على نسبة القول بعدم الفطر بالإمناء عن مباشرة إليه بتبويبه: ( باب المباشرة للصائم ) و ( باب القبلة للصائم )،
والآثار التي رواها تحتهما
قالوا: والظاهر فيهما إباحة الاستمتاع للصائم من طريق المباشرة والتقبيل إذا كان متملّكاً لنفسه بحيث لا يفضي استمتاعه إلى الجماع ، فلا يؤثّر هذا الاستمتاع على صومه وإن أمنى .. وإذا أبيحت له القبلة واللمس فلا فرق بين أن يمني و أن لا يمني!

قلت: قد أباح جمهور العلماء القبلة واللمس للصائم، فهل كان من لازم قولهم إباحة المضي في ذلك حتى ينزل؟! وهنا يقال ما قيل هنالك سواءً بسواء: إباحة القبلة واللمس للصائم لا يلزم منه أنه لو أمنى أن ذلك مباح له حال الصوم، فهذا من الرجم بالغيب والتقول على الإمام البخاري رحمه الله تعالى، وقل مثل ذلك فيما قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى.

4- وأما أبو بكر الإسكاف وأبو القاسم من الحنفية فقد فرقا بين المستمني بيده فقالا: لا يفسد صومه، وبين المباشر للنساء فصومه يفسد عندهم، وعامة مشايخ الحنفية على كونه يفسد بجميع ذلك.

وسبب تفريقهما بين الأمرين: أنه لا يتحقق في الاستمناء باليد صورة الجماع ولا معناه، فمعنى الجماع يعتمد على المباشرة، ولم توجد.


وهنا نقول: إن موافقة هذين الشيخين من الحنفية لابن حزم في أن المستمني بيده لا يفطر: لا يجعلهما في جملة القائلين بفساد الصوم بخروج المني عن مباشرة،
وقد وافقا الجمهور على أن الإنزال عن مباشرة النساء يفسد الصوم، وإنما خلافهما معهم في اعتبار الاستمناء باليد من المباشرة أو لا.. وهذا يرِد على قول الشافعية أيضاً -على سبيل المثال- في عدم اعتبارهم تكرار النظر المفضي للإنزال مفطراً.

5- وأما نسبة ذلك للحنابلة فسيأتيك نبؤه إن شاء الله تعالى..
قال المرداوي في "الإنصاف": ( قَوْلُهُ (أَوْ اسْتَمْنَى) ، فَسَدَ صَوْمُهُ. يَعْنِي: إذَا اسْتَمْنَى فَأَمْنَى، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ: لَا يُفْسِدُ. قَوْلُهُ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْنَى) ، فَسَدَ صَوْمُهُ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَمَالَ إلَيْهِ، وَرَدَّ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ )
قلت: لو كان المحتج بهذا على أن للحنابلة وجهاً لا يرون فيه الفطر بالإنزال عن مباشرة يقِظاً لعرف أن هذا القول الذي أشار إليه صاحب "الإنصاف" بقوله: ( وَقِيلَ: لَا يفْسدُ) إنما هو في الاستمناء بغير القبلة واللمس وما شابههما بقرينة ذِكر ذلك بعده، فكان كقول أبي بكر الإسكاف وأبي القاسم الحنفيَّين، بل في تكرار النظر خلاف داخل المذهب: هل يفسد أم لا، ولا يصح الاحتجاج بهذا ولا بالأول على خلاف ما ذكرنا.

وأما الاحتمال الذي ذكره صاحب "الفروع"؛ فقد قال بنصه: وَإِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَأْتِي فِيمَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ, وَإِنْ أَمْنَى أَفْطَرَ "و" لِلْإِيمَاءِ فِي أَخْبَارِ التَّقْبِيل, كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ, وَهِيَ دَعْوَى, ثُمَّ إنَّمَا فِيهَا أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً وَذَرِيعَةً إلَى الْجِمَاعِ, وَاحْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّ إبَاحَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقَ مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ لَيَالِيَ الصَّوْمِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ نهاراً, "والأصل في التحريم الفساد, خَرَجَ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ بِلَا إنْزَالٍ, لِدَلِيلٍ", كَذَا قَالَ, وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْجِمَاعُ, كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِه, يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ مُحَرَّمًا ثُمَّ نُسِخَ, لَا مَا دُونَهُ, مَعَ أَن الْأَشْهَرَ: لَا يَحْرُمُ مَا دُونَهُ, وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ, وَقَالَهُ دَاوُد, وَإِنْ صَحَّ إجْمَاعٌ قَبْلَهُ كَمَا قَدْ ادَّعَى تعين القول به, وعن أبي يزيد الضني عَنْ مَيْمُونَة مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ, قَالَ: "قَدْ أَفْطَرَا" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِي وَقَالَ: لَا يَثْبُتُ هَذَا. وَأَبُو يَزِيد الضني ليس بمعروف. وكذا قال البخاري وغيره: حديث منكر وأبو يزيد مَجْهُولٌ. أهـ

قلت: هذا الاحتمال لم يجزم به ابن مفلح، بل مال إليه كما قال المرداوي، مع تصريحه بأن الإجماع لو صح قبل داود في الفطر به تعين الأخذ به. وهذا -كما هو ظاهر- ليس من روايات المذهب ولا وجوهه. والله أعلم

وسيأتي الكلام على نسبة القول للإمام الشوكاني رحمه الله. وبالله التوفيق


 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

وأما الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى فقد جعل الإمناء عن مباشرة في حكم الوطء؛ فقال في "السيل الجرار": أقول: إن وقع من الصائم سبب من الأسباب التي وقع الإمناء بها بطل صومه، وإن لم يتسبب بسبب بل خرج منيه لشهوة ابتداء أو عند النظر إلي ما يجوز له النظر اليه مع عدم علمه بأن ذلك مما يتسبب عنه الامناء فلا يبطل صومه وما هو باعظم ممن أكل ناسيا كما سيأتي. أهـ
وقال: أقول: أما الوطء فقد تقدم،
وأما الإمناء فإن كان عن مباشرة فله حكم الوطء لدخوله تحت قوله: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، وإلا فلا وجه لاقتضائه الفساد. أهـ
وهذا صريح من الشوكاني -رحمه الله- في محل النزاع لا يقبل التأويل.

ولم أرَ له في "نيل الأوطار" ترجيحاً في المسألة، ولعل سبب الوهم في نسبة ذلك إليه، وقد تبعتُ عليه بعضهم أعلاه، أنه قال: ( قوله: ( كان يقبلها ) فيه دليل على أنه يجوز التقبيل للصائم ولا يفسد به الصوم. قال النووي: ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا إن أنزل بها، ولكنه متعقب بأن ابن شبرمة أفتى بإفطار من قَبَّل ). وهذا لا يلزم منه أنه يقول بذلك كما تقدم. وبقي النظر في رسالته في حكم الاستمناء، وهل تعرض لهذه المسألة أم لا؟ وبالله التوفيق

للتنبيه: الذي لفت انتباهي للنظر في قول الشوكاني: بحثٌ مختصر كتبه أخونا الشيخ فؤاد يحيى الهاشمي، وقد أحال إلى السيل الجرار، فشكر الله له.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

* الاعتراض الثاني: لم يستدل الفقهاء بهذه الأدلة التي تذكرونها عدا القياس، فهو عمدتهم في المسألة، وهو قياس فاسد.

أقول: ثَمَّ أمران:

أولهما: أن هذا الاعتراض في غير محله، ويجب أن لا يحجر على الفقيه أن يستدل بغير الأدلة المودعة في كتب المتقدمين، ولمن صح نظره أن يستدل لقول محفوظ بما يؤيده من الكتاب أو صحيح السنة أو القياس الصحيح.

ثانيهما: أن دعوى عدم استدلالهم بهذه الأدلة -عدا القياس- ليست صواباً؛ ففي كلامهم ما ينقض هذه الدعوى، وإليك الأمثلة:

- قال في "الفروع": وَاحْتَجَّ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّ إبَاحَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقَ مُبَاشَرَةِ النِّسَاءِ لَيَالِيَ الصَّوْمِ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ نهارا, والأصل في التحريم الفساد, خَرَجَ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ بِلَا إنْزَالٍ؛ لِدَلِيلٍ. أهـ الغرض منه ، فها هو المجد ابن تيمية يحتج بالآية على فساد صوم من باشر فأنزل، وأن من لم ينزل خرج بالدليل.

- قال الموفق ابن قدامة في "الكافي": فصل: وتحرم عليه المباشرة للآية، فإن باشر فيما دون الفرج، أو قبل أو لمس فأنزل فسد صومه، فإن لم ينزل لم يفسد، لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم قال: أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم قلت: لا بأس قال: فمه؟» رواه أبو داود. شبه القبلة بالمضمضة لأنها من مقدمات الشهوة، والمضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر كذلك القبلة، ولو احتلم لم يفسد صومه؛ لأنه يخرج عن غير اختياره.
وإن جامع ليلاً فأنزل نهاراً لم يفطر؛ لأن مجرد الإنزال لا يفطر كالاحتلام، وإن كرر النظر فأنزل أفسد صومه؛ لأنه إنزال عن فعل في الصوم أمكن التحرز عنه، أشبه الإنزال باللمس، وإن صرف بصره فأنزل لم يفطر لأنه لا يمكن التحرز عنه وإن أنزل بالفكر لم يفطر لذلك، وإن استمنى بيده فأنزل أفطر؛ لأنه إنزال عن مباشرة أشبه القبلة، وسواء في هذا كله المني والمذي؛ لأنه خارج تخلله الشهوة انضم إلى المباشرة به فأفطر به كالمني، إلا في تكرار النظر لا يفطر، إلا بإنزال المني في ظاهر كلامه؛ لأنه ليس بمباشرة. أهـ
ثم عقد فصلاً آخر فقال:
فصل: ومن جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل فعليه القضاء والكفارة. أهـ فدل على أنه أراد بالمباشرة هناك ما سوى الجماع، وقد استدل بالآية كما ترى.

قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبد البر في "التمهيد": كُلُّ مَنْ كَرِهَهَا -يعني القبلة- فَإِنَّمَا كَرِهَهَا خَوْفًا أَنْ تُحْدِثَ شَيْئًا يَكُونُ رَفَثًا كَإِنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلصَّائِمِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ كَانَ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ، فَدَخَلَ فِيهِ رَفَثُ الْقَوْلِ وَغِشْيَانُ النِّسَاءِ وَمَا دَعَا إِلَى ذَلِكَ وَأَشْبَاهُهُ. أهـ وهذا استدلال بالنهي عن الرفث، وهو ما قررناه فوق.

وقال في "المغني": وَلَا يَخْلُو الْمُقَبِّلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ لَا يُنْزِلَ، فَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. أهـ ثم ذكر حديث عمر، وأن أحمد ضعفه، ثم قال: الْحَالُ الثَّانِي، أَنْ يُمْنِيَ فَيُفْطِرَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إيمَاءِ الْخَبَرَيْنِ، وَلِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ، فَأَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْجِمَاعِ دُونَ الْفَرْجِ. أهـ والمراد بإيماء الخبر: إشارته للفطر بذلك.

- وفي "بدائع الصنائع": وَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ». أهـ الغرض منه.

- وفي "البناية" شرح الهداية: (ولو قبل امرأته لا يفسد صومه يريد به إذا لم ينزل) ش: أي يريد القدوري أو محمد في " الجامع الصغير " بقوله - ولو قبل امرأة لا يفسد صومه - إنه إذا لم ينزل المني (لعدم المنافي صورة ومعنى) أي لعدم ما ينافي الصوم من حيث الصورة وهو إيلاج الفرج في الفرج ومن حيث المعنى وهو الإنزال بالمس عن شهوة، وقد روى البخاري ومسلم «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبل ويباشر بعض نسائه وهو صائم وكان أملككم لإربه» . قوله - لإربه - بكسر الهمزة وسكون الراء، قال ابن الأثير أي لحاجة يعني أنه كان غالباً لهواه، وقال: أكثر المحدثين يرويه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وله تأويلات أحدها [أرادت به] الحاجة ويقال فيها الإربة والمأربة، والثاني أرادت به العضو وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة.
فإن قلت: روى ابن ماجه من رواية زيد بن جبير عن أبي يزيد بن الضبي عن ميمونة مولاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: «سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل قبل امرأته وهما صائمان، قال قد أفطرا جميعاً» ثم قال فينبغي أن لا تجوز القبلة للصائم أصلاً، ثم قال قلت المراد منه إذا أنزل بالقبلة توفيقا بين الحديثين، انتهى.قلت: هذا الحديث ليس بشيء، لأنه إنما يصح هذا الجواب إذا كان الحديثان متساويين في الصحة وحديث ميمونة هذا لا يساوي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لأن في إسناده أبا يزيد الضبي لا يعرف اسمه، وهو مجهول، وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " العلل المفرد " سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هذا حديث منكر لا أحدث به. أهـ من البناية

-وقال الماوردي في "الحاوي الكبير": وَذَهَبَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّ الْقُبْلَةَ لَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ إِلَّا أَنْ يُنْزِلَ مَعَهَا، فَإِنْ أَنْزَلَ أَفْطَرَ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفْطِرْ بِالْقُبْلَةِ إِذَا لَمْ يُنْزِلْ لِمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عِنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ أَرَاكِ هِيَ فَضَحِكَتْ، وَرَوَى الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمُ لِإِرْبِهِ
. أهـ

- وفي "كشاف القناع": (( أَوْ اسْتَمْنَى ) أَيْ : اسْتَدْعَى الْمَنِيَّ ( فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَسَدَ بِالْقُبْلَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْإِنْزَالِ فَلَأَنْ يَفْسُدَ بِهِ بِطَرِيقِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَقَدْ أَتَى مُحَرَّمًا وَلَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ ، وَإِنْ أَنْزَلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا كَالْبَوْلِ ( أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد { عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي فَعَلْتُ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ مِنْ إنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ فَمَهْ } فَشَبَّهَ الْقُبْلَةَ بِالْمَضْمَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفِطْرِ فَإِنَّ الْقُبْلَةَ إذَا كَانَ مَعَهَا نُزُولٌ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ : أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً وَذَرِيعَةً إلَى الْجِمَاعِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فِطْرَ بِدُونِ الْإِنْزَالِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيّ، وَرُوِيَ بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَمَعْنَاهُ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرِهَا. وَقِيلَ : بِالتَّسْكِينِ الْعُضْوُ وَبِالتَّحْرِيكِ الْحَاجَةُ ( أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى ) ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِفِعْلٍ يَلْتَذُّ بِهِ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِاللَّمْسِ. أهـ

وفي شرح الزركشي على الخِرَقي: وأما الفطر بالقبلة مع الإمناء والإمذاء فلما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه» . متفق عليه واللفظ لمسلم، وفي لفظ له: «يقبل في رمضان وهو صائم» . وفيه إشارة إلى أن من لا يملك إربه يضره ذلك. أهـ

- وفي "تبيين الحقائق" شرح كنز الدقائق: لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ -يعني في الصوم- قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَيَفْسُدُ لِأَجْلِ مَا يُضَادُّهُ، وَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ. أهـ
وهذا موافق لما ذكرنا من أن من باشر امرأة حتى أنزل فقد أتى بما ينافي الصوم، والضدان لا يجتمعان.

فظهر أن دعوى عدم احتجاج الفقهاء بالنصوص في هذه المسألة ضرب من التخرص، وعُلِم منه أن هذه الأدلة حاضرة في كتبهم غير معدومة. والله أعلم.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

الاعتراض الثالث: اعترض به ابن حزم من أنه لا يعلم أن أحداً من خلق الله تعالى قال بالفطر بتعمد الإمناء قبل أبي حنيفة، وأن مالكاً والشافعي تبعاه على ذلك: غلط محض.

فالفطر بالإمناء معروف بين التابعين:

* عن عطاء قال : إذا لاعب الرجل أهله وهو صائم حتى يأتي منه الدافق فعليه الزكاة.

* وعن عطاء أيضاً، قال : إذا أمنى الصائم فقد أفطر.

* وعن الزهري قال : إذا جاء الدافق بملاعبته فعليه ما على المواقع.

* وعن الحسن في الرجل يقبل نهارا في رمضان ، أو يباشر ، أو يعالج فيمذي ، قال : ليس عليه شيء ، وبئس ما صنع ، فإن خرج منه الماء الدافق فهو بمنزلة الغشيان.

* وعنه أيضاً، قال : إذا قبل ، أو لمس وهو صائم فأمنى ، فهو بمنزلة المجامع.

* قال قتادة: إن خرج منه الدافق فليس عليه إلا أن يصوم يوماً.

ينظر : مصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة.

ويمكن أن يُعكَس الأمر فيقال لابن حزم: إنه لا يعرَف أن أحداً صحح صوم من تعمد الإمناء بالمباشرة قبلُ، لا الأربعة، ولا أحد غيرهم.
 

رشيد لزهاري حفوضة

:: مطـًـلع ::
إنضم
8 يناير 2012
المشاركات
103
الإقامة
الوادي/ الجزائر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد البر
التخصص
ماستر دراسات قرآنية و آداب إسلامية
الدولة
الجزائر
المدينة
الوادي
المذهب الفقهي
مالكي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

لكن يبقى التحقيق في شأن الكفارة ...هل تقاس المباشرة (دون الفرج)على المباشرة (في الفرج) فتجب الكفارة ....أم أنه ينبغي الوقوف عند ما ورد فيه النص (...وقعت على أهلي في نهار رمضان...) ...
كما فعل الجمهور- خلافاً للمالكية -في عدم إيجابها على متعمد الفطر بالأكل أو الشرب و لم يقيسوهما على الجماع ...و الله الموفق.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

لكن يبقى التحقيق في شأن الكفارة ...هل تقاس المباشرة (دون الفرج)على المباشرة (في الفرج) فتجب الكفارة ....أم أنه ينبغي الوقوف عند ما ورد فيه النص (...وقعت على أهلي في نهار رمضان...) ...
كما فعل الجمهور- خلافاً للمالكية -في عدم إيجابها على متعمد الفطر بالأكل أو الشرب و لم يقيسوهما على الجماع ...و الله الموفق.
التحقيق أنه لا تجب الكفارة في المباشرة بإنزال إذا كانت فيما دون الفرج؛ لأن المباشرة دون الفرج ليست محظورة في حد ذاتها ما لم يصحبها إنزال.
ومجرد الإنزال ليس هو سبب الكفارة؛ إذ لو وطئ في الفرج ولم ينزل فالكفارة باقية..

وفوق ذلك أن الشرع قد علق على الوطء في الفرج أحكاماً تميز شأنه عن المباشرة فيما دونه في أبواب كثيرة، فكان القياس عليه في الكفارة قياساً مع الفارق، والله أعلم.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

السلام عليكم ورحمة الله
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل
أنبه أولاً أني مع الجمهور لعدم المخالف في حد علمي أما ما ذكرتموه من الأدلة ـ وقد كنت رددت بعضها في (الخواطر) ـ ففيها نظر :

الأول : قوله سبحانه : (فلا تباشروهن) والمراد الجماع كما ذكرتموه ، يدل عليه فعله صلى الله عليه وسلم المباشرة ، فعلم أن المباشرة الممنوعة ما صاحبها إيلاج ، ولا يقال المراد ما صحابه إنزال ، وإلا لكانت تجوز المباشرة بالإيلاج ما لم يصاحبها إنزال .

الثاني : (ولا يرفث) المراد به الكلام خاصة ، لانطلاقه عليه حقيقة ، ولو جاز حمله على الجماع هنا ، لقلنا : هو مع جوازه غير مراد لثبوت المباشرة على ما قدمناه ، فلا تسمى رفثاً ، وإلا كان صلى الله عليه وسلم واقعاً في النهي وحاشاه.

الثالث : دعوى المنافاة غير مسلمة ، فإن الشهوة تحصل بنفس المباشرة ، وإن كانت الحاصلة بالإنزال أقوى ، ولا فرق في تأثير الشهوة بين قليل وكثير كما أن الطعام يحصل به الفطر قل أو كثر.
على أن نفس الإنزال ليس من مقدورات المكلف ، ومن المعروف أن الرجل قد يجاهد لتأخيره فلا يتأتى له ذلك ، وليس له من الأمر إلا التصرف في مقدماته ، وقد تقدم أن تلك المقدمات مباحة ، فنحن نحتاج إلى دليل زائد يدل على حصول الحكم بارتباط المباح بغير المقدور الذي لم يثبت إلى الآن دليل على المنع منه.

الرابع : (وأيكم يملك إربه) لا دليل على أن المراد به الإنزال دون الإيلاج ، ونحن نزعم أن المراد به الإيلاج بدليل أن من وقع فيه أفطر ولو لم ينزل ولا دليل على أنه لو لم ينزل فقد حصل منه الفطر إلى الآن.
وبدليل أن الشهوة حاصلة بالمباشرة وبالإنزال كما تقدم ، ويرد على التفريق بين الشهوة الحاصلة بالإنزال والشهوة الحاصلة بالمباشرة ما قدمناه ، ولا دليل على أنه فرق معتبر في تعلق الحكم.
على أنه لو صرحت بأن مرادها بالإرب الإنزال خاصة من المباشرة والقبلة خاصة ، لكان قول صحابي لا يصلح الاحتجاج به على من لا يقول بحجية قول الصحابي.

الخامس : قياس ، والظاهرية فلا يقولون به ، أما غيرهم فيدعي أن لا دليل على تعيين العلة التي ذكرتموها ، ويمكن قلبه بأن يقال : بل الحكم متعلق بالإيلاج خاصة بدليل عدم وجوب الكفارة بغيره ، ونحن ندعي أن الشهوة الحاصلة بالمباشرة والإيلاج أعظم من تلك الحاصلة بالإنزال ، يدل عليه وقوع الناس في الزنا تطلباً لها ، وقد كان يمكنهم أن يستمنوا ويحصلوا غاية مقصودهم لو كانت الشهوة المصاحبة للإنزال هي المقصود الأعظم ، أو على الأقل أن الشهوة الحاصلة بالمباشرة والإيلاج مغايرة للحاصلة بالإنزال مغايرة لا دليل على عدم تأثيرها.

السادس : يكفي في رده أنكم صدرتموه بلفظ (حُكِيَ) ولو كان موثوقاً به لجزمتم به.

السابع : هو قياس أيضاً ، وهو أضعف من سابقه ، يكفي أن تحاول أن تفهمه بعض العوام ، فإن لم يستحِ منك ويسلم حياء فقط ، فسيصرح بأنه لا يعلم بهذا التعب والضعف الحاصل بنفس النزول ، فكيف إذا ضممت إليه أن تقول مثلاً : والتعب والضعف الحاصل بالإنزال أكثر من الحاصل بالمباشرة مع ما يعتريها من حركة تختلف شدة وضعفاً بحسب اختلاف الناس في طريقة مباشرتهم.

أخيراً : قد أباح صلى الله عليه وسلم المباشرة للصائم وعاب من ظن أن له خصوصية تبيح له ما يمنع منه غيره ، فكان محرضاً للناس على فعلها ، ولم يجعل لهم مع ذلك حداً يقفون عنده أو ينتهوا إليه ، فلو كان هناك ثمة حداً يجب الوقوف عنده لكان سكوته إعراض عن البيان وقت الحاجة ، وأنتم لم تقبلوا مجرد تأخيره فكيف قبلتم إلغاؤه بالكلية.

والله سبحانه أعلم

هذا ما جال في الخاطر الساعة.
وأرجو أن لا نثقل عليكم شيخنا الفاضل
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكم الله وبياكم يا شيخ وضاح

الأول : قوله سبحانه : (فلا تباشروهن) والمراد الجماع كما ذكرتموه ، يدل عليه فعله صلى الله عليه وسلم المباشرة ، فعلم أن المباشرة الممنوعة ما صاحبها إيلاج ، ولا يقال المراد ما صحابه إنزال ، وإلا لكانت تجوز المباشرة بالإيلاج ما لم يصاحبها إنزال .
ألا يمكن القول -بارك الله فيكم- بأن المباشرة تعم، وجاءت السنة بإخراج المباشرة التي لا يخشى معها الإنزال من هذا العموم؟ لأن حمل العام على خصوص بعض الأفراد خلاف الأصل.

ومما يضعف حمل المباشرة على الجماع وحده في أصل اللفظة ما جاء في قول أم المؤمنين: كَانَت إحدانا إِذْ كَانَت حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُبَاشِرهَا أمرهَا أَن تأتزر من فَور حَيْضَتهَا ثمَّ يُبَاشِرهَا. ولعلكم تراجعون كلام صاحب الفروع في مشاركتي رقم 14.

الثاني : (ولا يرفث) المراد به الكلام خاصة ، لانطلاقه عليه حقيقة ، ولو جاز حمله على الجماع هنا ، لقلنا : هو مع جوازه غير مراد لثبوت المباشرة على ما قدمناه ، فلا تسمى رفثاً ، وإلا كان صلى الله عليه وسلم واقعاً في النهي وحاشاه.
1. هل تعنون أن إطلاق الرفث على الجماع ومقدماته من قبيل المجاز؟
2. قوله تعالى: { فمن فرض فيهنَّ الحج فلا رفث }.. هل هو الجماع ومقدماته؟ أم الجماع دون مقدماته؟
3. ألا يكون فعل النبي صلى الله عليه وسلم تشريعاً أيضاً يخصِّص ما ورد؟
4. قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبد البر في "التمهيد": كُلُّ مَنْ كَرِهَهَا -يعني القبلة- فَإِنَّمَا كَرِهَهَا
خَوْفًا أَنْ تُحْدِثَ شَيْئًا يَكُونُ رَفَثًا كَإِنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلصَّائِمِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ كَانَ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ، فَدَخَلَ فِيهِ رَفَثُ الْقَوْلِ وَغِشْيَانُ النِّسَاءِ وَمَا دَعَا إِلَى ذَلِكَ وَأَشْبَاهُهُ. أهـ


الثالث : دعوى المنافاة غير مسلمة ، فإن الشهوة تحصل بنفس المباشرة ، وإن كانت الحاصلة بالإنزال أقوى ، ولا فرق في تأثير الشهوة بين قليل وكثير كما أن الطعام يحصل به الفطر قل أو كثر.
على أن نفس الإنزال ليس من مقدورات المكلف ، ومن المعروف أن الرجل قد يجاهد لتأخيره فلا يتأتى له ذلك ، وليس له من الأمر إلا التصرف في مقدماته ، وقد تقدم أن تلك المقدمات مباحة ، فنحن نحتاج إلى دليل زائد يدل على حصول الحكم بارتباط المباح بغير المقدور الذي لم يثبت إلى الآن دليل على المنع منه.
السؤال هنا: هل تسمي الذي باشر فأنزل ممسكاً عن شهوة فرجه أم لا؟
فإن كان ممسكاً عن شهوة فرجه صح اعتراضكم، وإن لم يكن ممسكاً فالأصل أنه غير صائم، والخروج عنه مخالفة للأصل.

قال في "تبيين الحقائق" شرح كنز الدقائق: لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ -يعني في الصوم- قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَيَفْسُدُ لِأَجْلِ مَا يُضَادُّهُ، وَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ. أهـ


وأما الاعتراض بمن باشر ولم ينزل.. فالجواب أنه قد رُخِّص في ذلك،
وهذا ينطبق عليه معنى الرخصة في الشريعة، فلا غرابة فيه.

وبقي الإجماع.. فما الذي يعارض الإجماع "فيمن باشر امرأة فيما دون الفرج فأنزل أنه يفطر"؟


السابع : هو قياس أيضاً ، وهو أضعف من سابقه ، يكفي أن تحاول أن تفهمه بعض العوام ، فإن لم يستحِ منك ويسلم حياء فقط ، فسيصرح بأنه لا يعلم بهذا التعب والضعف الحاصل بنفس النزول ، فكيف إذا ضممت إليه أن تقول مثلاً : والتعب والضعف الحاصل بالإنزال أكثر من الحاصل بالمباشرة مع ما يعتريها من حركة تختلف شدة وضعفاً بحسب اختلاف الناس في طريقة مباشرتهم.
هذا غير صحيح، فخروج القيء يذهب مادة البدن (الغذاء)، والحجامة (الدم)، والمني إذا خرج فتر البدن، ولو أنه كرر إخراجه كثيراً لأصابه فقر دم وضعف بدن، ولذا تصيب كثرةُ الجماع أو كثرة الاستمناء صاحبها بالرعشة، وقد اشتهر عند بعضهم أن المني خلاصة العظم.

أخيراً : قد أباح صلى الله عليه وسلم المباشرة للصائم وعاب من ظن أن له خصوصية تبيح له ما يمنع منه غيره ، فكان محرضاً للناس على فعلها ، ولم يجعل لهم مع ذلك حداً يقفون عنده أو ينتهوا إليه ، فلو كان هناك ثمة حداً يجب الوقوف عنده لكان سكوته إعراض عن البيان وقت الحاجة ، وأنتم لم تقبلوا مجرد تأخيره فكيف قبلتم إلغاؤه بالكلية.
دعوى أن الشرع جاء بتحريض الناس على ذلك غير مقبولة، لا سيما أن كثيراً من الرجال لا يملك نفسه فقد يقع في نهار رمضان في المحظور الذي هو كبيرةٌ بالإجماع، والشريعة لا تأتي بالتحريض على ما يفضي إلى الكبائر في حق العموم.

نعم.. أنا مقر بأن الأدلة المذكورة ليست على وزان واحد في القوة، ولكني جمعتها ليستبين ما استدل به العلماء وليندفع ما يردده الشباب اليوم من أن هذا لا دليل عليه، والله يوفقنا وإياكم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: المناصرة للقول بالفطر بالإنزال عن مباشرة:

نعم شيخنا الفاضل قد كنت أردت أنه حقيقة في الكلام دون الجماع ومقدماته ، ولم أجد بعد البحث عن مصدر هذه الدعوة التي ادعيتُها سوى اقتصار الرازي عليه في (صحاحه) وقول صاحب (اللسان) : "وأَصله قَوْلُ الفُحْش"
والآن أسحب هذه الدعوى ، إذ لو لم يكن حقيقة لغوية فهو حقيقة شرعية وعرفية في الجماع ومقدماته متى حصل مع المرأة ، لكن هو هنا بمعنى المباشرة أيضاً ، يدل عليه قوله سبحانه بعد ذكر الرفث : {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}.
أما دعوى عموم المباشرة لما يكون معه إمناء وما لا يكون معه إمناء ، فهذا أيضاً مما ادعيناه في كلامنا مع ابن حزم ، لكن التحقيق أن نفس الإمناء ليس داخلاً في مسمى المباشرة أصلاً حتى تكون المباشرة في الآية عامة تحتمل صورة المصاحبة للإمناء وعدمه ، بل ليست إلا المباشرة التي تلتقي فيه البشرتين ، فإما أن يصاحبها الإيلاج أو لا ، وقد دل فعله على جواز الثاني ، فلم يبقَ سوى الأول وهو ما يكون معه إيلاج.
فيكون الإنزال على أقل الأحوال مسكوت عن حكمه في الآية كما أنه مسكوت عنه في الحديث ، ودخوله في مسمى المباشرة أو الرفث يحتاج إلى دليل ، والظاهر أنه نتيجة المباشرة والرفث لا فرد من أفراد أيّ منهما.
السؤال هنا: هل تسمي الذي باشر فأنزل ممسكاً عن شهوة فرجه أم لا؟
هذا يتوقف على مرادكم بالإمساك وبشهوة الفرج ، إن أردتم بالإمساك نفس الصيام وبشهوة الفرج ما يحصل به الفطر ، فهذا موضع الخلاف وخصمك لا يسميه شهوة الفرج بالمعنى الذي يحصل به الفطر ، فإنه عنده كالمباشرة بغير إنزال ، ويتضح ذلك بعكس السؤال عليك : ماذا تسمي الذي باشر ولم ينزل ، أتسميه ممسكاً عن شهوة فرجه أم لا؟
إن قلت : لا.
قال : وكذا إذا أنزل.
وإن قلت : نعم.
أجاب : إما بالمنع لفعله صلى الله عليه وسلم ، أو وافقك على المسمى وقال : لكن هذا المقدار غير مؤثر لفعله صلى الله عليه وسلم.
أما الإجماع فحقيقته عدم العلم بالمخالف . وقد ادعى غير واحد الخلاف فيها كما ذكرتموه ، وقد حققتم بارك الله فيكم خطأ هذه الدعوى بما لو طبقناه على من ادعى الإجماع لظهر بطلانها أيضاً ، فإن من ادُّعِيَ خلافهم كما لم ينصوا على عدم حصول الفطر بخصوص الإنزال لم ينصوا على خلافه وأنه يحصل به ، ومع ذلك فالنافي أسعد بهم ، لأن الأصل عدم دعواهم إياه، كما أنهم لم ينبهوا عليه مع عموم البلوى به ، وأطلقوا الإباحة ولم يجعلوا لها حداً.
وفي مذهب أحمد رواية بعد الفطر بالمباشرة بغير إيلاج مطلقاً اختارها الخرقي فهي مبنية على عدم وجود ذلك الإجماع.
أما ما ذكرناه عن التحريض ، فليس على معنى الحث على فعله ، بل على معنى أن الداعي كان موجوداً لديهم رضي الله عنهم ، وإنما منعهم ظن اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك بوجه من أوجه الخصوص ، فنفى صلى الله عليه وسلم الخصوصية ووجود المانع ، فبقى الداعي خالياً عن المعارض ، ولم يكن يخفى عليه صلى الله عليه وسلم قوة الداعي كيف وقد قال سبحانه : {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} ، فنص سبحانه على قوة الداعي حتى نسخ حكم الصيام لأجله.
فإذا دققنا النظر في حديث عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ: «سَلْ هَذِهِ» لِأُمِّ سَلَمَةَ وَهِي جَالِسَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَيَفْعَلُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْتَ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: «أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ»
ظهر لك أمرين :
الأول : ما قدمناه عن التحريض.
الثاني : ما قدمناه أيضاً من أنه صلى الله عليه وسلم لم يبين للسائل الحد الذي يجب أن ينتهي إليه ، كأن يأمره بالتوقف إن أحس اقتراب الإنزال أو نحو ذلك ، فيكون أخلى جوابه عن البيان وقت الحاجة إليه ، وقد منع الجمهور من أقل منه وهو تأخير البيان عن وقت الحاجة.
هذا غير صحيح، فخروج القيء يذهب مادة البدن (الغذاء)، والحجامة (الدم)، والمني إذا خرج فتر البدن، ولو أنه كرر إخراجه كثيراً لأصابه فقر دم وضعف بدن، ولذا تصيب كثرةُ الجماع أو كثرة الاستمناء صاحبها بالرعشة، وقد اشتهر عند بعضهم أن المني خلاصة العظم.
شيخنا الفاضل الكلام في كون الضعف والتعب الحاصل بخروج المني معتبر ، لا مجرد وجود التعب والضعف حتى لو كان غير ملاحظ عند الأكثرين ، كيف وقد اختلف الفقهاء في الحجامة والضعف فيها واضح ظاهر.

هذا يا شيخنا مع تأكيدي أني موافق لكم عموماً لوجود دعوى الإجماع في خصوص المسألة ، وإن كان فيها ما قدمناه ، لكن مخالفة الفقهاء من غير معرفة مخالف واحد مخالفة ظاهرة واضحة مما يكبر علي ، وأراه يلزمني أن لا أقول بالقول إلا ولي فيه إمام.
والله سبحانه أعلم
 
التعديل الأخير:
أعلى