د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
النقاب: أن تفتح لعينيها بقدر ما تنظر منه، فهو غطاء للوجه فيه خرقان للعينين، هكذا نطقت كتب اللغة.
بينما "النقاب الغزلي": له قصة أخرى، فهو أن تفتح من عينيها وأشياء من وجنتيها (الوجنة ما ارتفع من لحم الخد) بقدر ما تفتن من "خلق الله"!.
"وما زال هذا البرقع: يرق حتى صار يشف ما وراءه، فيبدوا مستورًا أجمل منه مكشوفًا!!.
وما زال يدق من جانبيه: ويتدلى من أعلاه، والملاءة تنحسر من حوله!!"([1]).
مع ملاحظة: ستر ما قد يؤثر على "المنظر الجمالي"، ولهذا فقد فضحت "اللثمة" التي تشكل "خط استواء" للوجه، كثيرا مما كانت تدسه "المتبرقعة"!!.
ومن اللطيف: أن البرقع يسمى برقوعاً، فلعله وقع على سبيل التدليل!
وكانت العرب: تصف الجارية بأنها بلهاء إذا كانت لا تتفطن للشر والريبة لاسيما إذا كانت صغيرة السن وإن كانت ذكية الفؤاد، ومما حكوا من ذلك في أشعارهم: سقوط البرقع فـ "لم تحفظ ولم تضيع"!.
وفي مقابل البلهاء: ذات العقارب، ومن أمثلة عوام العرب: عقارب تحت براقع([2]).
ولذا فقد آلت العيون المبرقعة مصيدة للرجال، فنظم أحدهم:
حذراً عليه من العيون البرقع ....عهدي الحبائل صائدات شبهه ... فارتاع فهو لكل حبل يقطع.
وصنف ثالث من المتبرقعات لهن مآرب أخرى:
إذا بارك الله في ملبس ... فلا بارك الله في البرقع
يريك عيون المها غرة ... ويكشف عن منظر أشنع
ورابعة قد جرفها السيل:
"فما كل متبرجة بغي أو ملتمسة خدن، بل فيهن المقلدة في الزي كيلا تعاب بين النساء بالعجز عن مجاراة صنفها، أو بالتأخر فيما يسمونه (المودة)"([3]).
وأظرف من كل ظريف: أنه ليس واحدة من هذه الأصناف الأربعة "متفرنجة"!! فهو ابتكار عربي أصيل!!.
وقد امتلأت كتب اللغة والأدب: بأصناف شتى من ألبسة "العين" مدحاً ووصفاً، طولاً وعرضا، أثراً وعمقاً، فالحورُ يُرين الشمسَ من تحت البرقع! وكم في المحاجر من خناجر! والمحاجر هي ما يرى من نقب البرقع.
يقول مجنون ليلى:
وكُنْتُ إذا ما زُرْتُ ليلى تَبَرْقَعَتْ ... فقد رابَني منها الغداة سفورها
ومن شدة افتتان العرب بالمتبرقعة، فقد بلغ بهم الأمر مدىً أن يتمدحوا الفتاة السافرة بما يرى من وراء ألبسة العين! يقول قائلهم:
تزدادُ للعينِ إبهاجاً إذا سفرَتْ ... وتحرج العينُ فيها حينَ تنتقِبُ
وفي جملة المبتكرات: وافتتان العرب بالبرقع: ما وقع من تشبيه الشاعرٌ: الخد نفسه بالبرقوع: (وخَدٍّ كبُرْقُوعِ الفَتَاةِ مُلَمَّعٍ)([4]).
وبدت ليلى في شعر المجنون كأنها الشمس تحت الغيوم بسبب الخمار الذي لم يظهر منه سوى حاجبها:
تبدَّتْ لنا كالشمسِ تحت غمامةٍ ... بدا حاجبٌ منها وضنَّتْ بحاجبِ
يا أطيبَ الناسِ ريقاً عندَ هجعتِها ... وأملحَ الناسِ عيناً حينَ تنتقِبُ
أما أبو الطيب المتنبي فقد سرح بخياله بعيدا حتى راح يرسم برقعاً على خد الفراق:
سَفَرَتْ وبَرْقَعَها الفِراقُ بصُفْرَةٍ سَتَرَتْ مَحاجرَها ولم تَكُ بُرْقُعَا
فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا
نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا
واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا
فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا
نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا
واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا
وفي حسرات من عبث بعينيه، فوقع في مصيدة ذوات البراقع:
وكنتَ متى أرسلتَ طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ
رأيتَ الذي لا كله أنتَ قادرٌ ... عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ
وما سبق: يرشد إلى شدة افتتان العرب قديما بالمتبرقعة حتى أربت على السافرة جمالا وافتتاناً وإغراء، وفي الإشارة غنية للبيبة، فلتحزم أمرها، أما الفتاوى فعلى مدى البصر!.
وثمة نظرة دقيقة يفرزها علم الاجتماع: بإزاء ما يحصل من "التصدير والاستيراد" غير المنظم للفتوى: فإنه مهما كان القول في جواز كشف الوجه أو منعه؛ فإن النساء اللواتي نشأن على عادة ستر الوجه، وعدم معاملة الرجال؛ لا ينبغي كسر عادتهن، وتجاوز فتوى علمائهن، وانتهاك حرمة بلادهن، وذلك بإفتائهن بخلاف ما عليه أمرهن، وذلك لما يترتب على الانتقال الفجائي من ذلك إلى ضده من المفاسد التي لا تقابلها مصلحة حقيقية ناجزة مع ما في ذلك من انحطاط عن درجة الفضيلة إلى رتبة اختصموا في موضعها حظراً وإباحة([5]).
([1]) من كلام محمد رشيد في مقاله: "تبرج النساء في مصر". مجلة المنار (8/ 517).
([2]) تاج العروس (20/ 320).
([3]) يريد الموضة، ينظر: خنوثة الرجال وفسوقهم لمحمد رشيد رضا. مجلة المنار (8/ 519).
([4]) تاج العروس (20/ 319).
([5]) حجاب المرأة في الإسلام لمحمد توفيق صدقي.مجلة المنار (13/ 771).