العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:
فقال ابن الجوزي، رحمه الله تعالى، في كتابه النفيس صيد الخاطر (ص: 183):
"ينبغي لمن له أنفةٌ أن يأنَفَ من التقصير الْمُمْكِن دفعُه عن النفس، فلو كانت النبوة مثلًا تأتي بكسب؛ لم يجز له أن يقنع بالولاية، أو تصوَّر أن يكون مثلًا خليفة، لم يحسن به أن يقتنع بإمارة، ولو صحَّ له أن يكون مَلَكًا، لم يرض أن يكون بشرا، والمقصود أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن لها في العِلم والعَمل"
قلت ـ أيمن: وهذا هو ما يدندن حوله كثير من المختصين بما بات يعرف في وقتنا الحاضر بعلوم النجاح أو علوم تطوير النفس من التفكير عاليا والتصويب بعيدا والجموح في التهديف (Thinking big).​
ثم قال رحمه الله تعالى:
"وقد علم قِصَر العمر، وكثرة العلم: فيبتدئ بالقرآن وحفظه، وينظر في تفسيره نظرًا متوسِّطًا، لا يخفى عليه بذلك منه شيء، وإن صحَّ له قراءة القراءات السبع، وأشياء من النحو، وكتب اللغة، وابتدأ بأصول الحديث من حيث النَّقل، كالصحاح والمسانيد والسنن، ومن حيث علم الحديث، كمعرفة الضعفاء والأسماء، فلينظر في أصول ذلك، وقد رتَّبَتِ العلماءُ من ذلك ما يستغني به الطالب عن التعب.
ولينظر في التواريخ، ليعرف ما لا يُستغنى عنه، كنسب الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأقاربه به وأزواجه وما جرى له
".
قلت: وهو بهذا يدعو إلى البدء بالمنقولات (القرآن، السنة، اللغات، السيرة)، ولكنه يدعو في ذلك إلى التوسط وعدم الإغراق وإفناء العمر في فن واحد، وقد أشار إلى ذلك بقوله قبل أن يذكر هذا المنهج المتوازن:
"أمّا العالم، فلا أقول له: اشبع من العلم، ولا اقتصر على بعضه، بل أقول له: قدِّمِ المهم؛ فإن العاقل من قدر عمره، وعمل بمقضتاه، وإن كان لا سبيل إلى العلم بمقدار العمر، غير أنه يبني على الأغلب، فإن وصل، فقد أعد لكل مرحلة زادًا، وإن مات قبل الوصول، فنيتُه تسلك به. فإذا علم العاقل أن العمر قصير، وأن العلم كثير، فقبيح بالعاقل الطالب لكمال الفضائل أن يتشاغل مثلًا بسماع الحديث ونسخه، ليحصل كل طريق، وكل رواية، وكل غريب، وهذا لا يفرغ من مقصوده منه في خمسين سنة، خصوصًا إن تشاغل بالنسخ، ثم لا يحفظ القرآن، أو يتشاغل بعلوم القرآن، ولا يعرف الحديث، أو بالخلاف في الفقه، ولا يعرف النقل الذي عليه مدار المسألة".
ثم استأنف منهج التعلم رحمه الله تعالى فقال:
"ثم ليقبل على الفقه، فلينظر في المذهب والخلاف، وليكن اعتماده على مسائل الخلاف، فلينظر في المسألة وما تحتوي عليه، فيطلبه من مظانِّه، كتفسير آية وحديث وكلمة لغة. ويتشاغل بأصول الفقه وبالفرائض، وليعلم أن الفقه عليه مدار العلو".
قلت: وهو في هذا يدعو إلى دراسة الفقهين معا المذهبي والمقارن ويشدِّد على الاهتمام بمسائل الخلاف، مع عدم الاعتماد على كتب الفقهاء في النقل والتفسير واللغة بل يعود إلى مظان ذلك في التفسير يطلبه من كتبه والحديث من أهله وكذا اللغة، وهذا والله منهج رصين لأنه أولا يوصي بدراسة الخلاف في المراحل الأولى وهذا أدفع للتعصب المذهبي وأجدى في توسيع المدارك وتقليب المسائل والآراء وفهم النصوص. وثانيا: لأنه يطلب العودة إلى المصادر الأصلية لا التابعة، وهذه هي قمة الموضوعية والدقة العلمية. وانظر إليه كيف طلب التشاغل والاهتمام بأصول الفقه مع دراسة الخلاف، لأن الناظر في الخلاف من غير تبصر بالأصول يضيع. ثم هو يوصي بالفقه ويجعله الغاية من التعلم، وعليه "مدار العلو" والفقه هنا قد يكون بالمعنى الخاص (أي العلم بالأحكام العملية واستنباطها) وهو الظاهر، أو بالمعنى العام (أي العلم بالنصوص وتدبرها واستباط مراد الشارع منها) وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".
ثم قال رحمه الله:
"ويكفيه من النظر في الأصول [يقصد أصول الدين وعلم الكلام] ما يستدل به على وجود الصانع، فإذا أثبته بالدليل، وعرف ما يجوز عليه مما لا يجوز، وأثبت إرسال الرسل، وعلم وجوب القبول منهم؛ فقد احتوى على المقصود من علم الأصول".
وهو في هذا يزهِّد فيما سُمي بعلم أصول الدين وعلم الكلام وعلوم العقيدة، وهو حقيق بالتزهيد فيه، لأنه لا يزيد طالبه علما ولا إيمانا بل يفتح عليه أبواب الشبه ويقسِّي القلوب ولا يوصل إلى يقين، كما قال الغزالي، رحمه الله، في الإحياء: "فقس عقيدة أهل الصلاح والتقى من عوام الناس بعقيدة المتكلمين والمجادلين فترى اعتقاد العامي في الثبات كالطود الشامخ لا تحرِّكه الدواهي والصواعق، وعقيدة المتكلم الحارس اعتقاده بتقسيمات الجدل كخيط مُرسَلٍ في الهواء تفيئه الرياح مرة هكذا ومرة هكذا، إلا من سمع منهم دليل الاعتقاد فتلقَّفه تقليدا كما تلقَّف نفس الاعتقاد تقليدا".
ثم قال رحمه الله تعالى:
"فإن اتسع الزمان للتزيد من العلم، فليكن من الفقه، فإنه الأنفع".
قلت: وهو تأكيد آخر على فضل الفقه والفهم والتدبر
ثم قال رحمه الله:
"ومهما فسح له في المهل، فأمكنه تصنيفٌ في علم، فإنه يخلِّف بذلك خلفه خلفًا صالحًا. مع اجتهاده في التسبب إلى اتخاذ الولد".
قلت: وهو هنا يدعو إلى التصنيف وذلك بعد إحكام الآلات والنظر في جملة العلوم، وهو إذ يوصي بالتسبب إلى الخلف العلمي (علم ينتفع به). يدعو إلى التسبب إلى الخلف المادي (ولد صالح يدعو له).
ثم قال رحمه الله تعالى:
"ثم يعلم أن الدنيا معبرة، فيلتفت إلى فهم معاملة الله عز وجل، فإن مجموع ما حصله من العلم يدله عليه. فإذا تعرض لتحقيق معرفته، ووقف على باب معاملته، فَقَلَّ أن يقف صادق إلا ويجذب إلى مقام الولاية، ومن أُريد وُفِّق، وإن لله عزَّ وجل أقوامًا يتولى تربيتَهم، ويبعث إليهم في زمن الطفولية مؤدبًا؟ ويُسمَّى العَقْل، ومُقَوِّمًا، ويُقال له: الفَهْم، وَيتولى تأديبهم وتثقيفهم، ويُهيء لهم أسباب القرب منه؛ فإن لاح قاطع قطعهم عنه، حماهم منه، وإن تعرَّضت بهم فتنة؛ دفعها عنهم. فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم، ونعوذ به من خذلان لا ينفع معه اجتهاد".
قلت: وهو هنا أخيرا يشير إلى الثمرة النهائية للعلم وهي العمل والمعاملة ويؤخرها عن كل ما تقدم ويجعل مجموع ما حصله من علوم وفقه دالا عليها، لأنه من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق كما قالوا، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. ثم أشار إلى مقام الولاية الناشئ عن العلم والعمل والصدق والإخلاص مع الله ولله فيهما، وأشار إلى التوفيق الإلهي لذلك.
رحمه الله تعالى ما أحسن ما قال على وجازته، وما أنفع ما نصح به على اقتصاده.




 
إنضم
28 نوفمبر 2011
المشاركات
2
الكنية
أبو فيصل
التخصص
الفقه و أصوله
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

بارك الله فيك ، و جزاك الله خيراً، و اللهم علمنا ما ينفعنا ، و إنفعنا بما علمتنا ، إنّك أنت العليم الخبير.
 

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

جزاك الله خيرا
 
إنضم
19 ديسمبر 2008
المشاركات
45
التخصص
هندسة مدنية
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

جزاك الله كل خير الموضوع رائع جدا والامة بحاجة لمثل هذا التبحر في الاصول وقيام اهل النظر والفهم باسقاط افكار المتقدمين على واقعنا المعاصر واستنباط الجديد المفيد ، جميل جدا ان يدرك طالب العلم خطوات الطريق الصحيح حتى لاتضيع الجهود والايام سدى ،الفقه مرتبة اعلى من العلم جميل هذا المعنى المستفاد وترتيب الاولويات والسير بتخطيط مسبق افكار ثمينة تفيد المسلم المعاصر بالسير الى الامام في الطريق الصحيح ، بوركت جهودك الطيبة
 
إنضم
1 أكتوبر 2011
المشاركات
12
الكنية
ابومالك
التخصص
التفسير والحديث
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

ماشاء الله تبارك الله ... ولابن عبدالبر كلمة في ذلك أيضاً
[FONT=&quot]قال ابن عبد البر النمري -رحمه الله تعالى-[/FONT][FONT=&quot]:[/FONT]
[FONT=&quot]"[/FONT][FONT=&quot]طلب العلم درجات ومناقل ورتب، لا ينبغي تعديها، ومن تعدها جملة؛ فقد تعدى سبيل السلف -رحمهم الله- ومن تعدى سبيلهم عامدًا؛ ضل، ومن تعداه مُجتهدًا؛ زل. [/FONT]
[FONT=&quot]فأول العلم[/FONT][FONT=&quot]: حفظ كتاب الله [/FONT][FONT=&quot]T[/FONT][FONT=&quot]وتفهمه, وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه معه, ولا أقول: إن حفظه كله فرض، ولكن أقول: إن ذلك واجب لازم على من أحب أن يكون عالِمًا ليس من باب الفرض. [/FONT]
[FONT=&quot]فمن حفظه قبل بلوغه ثُمَّ فرغ إلَى ما يستعين به على فهمه من لسان العرب؛ كان له عونًا كبيرًا على مراده منه، ومن سنن رسول الله [/FONT][FONT=&quot]ج[/FONT][FONT=&quot]. [/FONT]
[FONT=&quot]ثُمَّ ينظر فِي ناسخ القرآن ومنسوخه وأحكامه، ويقف على اختلاف العلماء واتفاقهم فِي ذلك، وهو أمر قريب على من قربه الله عليه. [/FONT]
[FONT=&quot]ثُمَّ ينظر فِي السنن المأثورة الثابتة عن رسول الله [/FONT][FONT=&quot]ج[/FONT][FONT=&quot]؛ فبها يصل الطالب إلَى مراد الله –جل وعز- فِي كتابه، وهي تفتح له أحكام القرآن فتحًا, وفِي سير رسول الله [/FONT][FONT=&quot]ج[/FONT][FONT=&quot] تنبيه على كثير من الناسخ والمنسوخ فِي السنن, ومن طلب السنن فليكن معوله على حديث الأئمة الثقات الحفاظ الذين جعلهم الله خزائن لعلم دينه، وأمناء على سنن رسول الله [/FONT][FONT=&quot]ج[/FONT][FONT=&quot]. [/FONT]
[FONT=&quot]ومِمَّا يستعان به على فهم الحديث:[/FONT][FONT=&quot] ما ذكرناه من العون على كتاب الله، وهو العلم بلسان العرب، ومواقع كلامها، وسعة لغتها، واستعارتِها، ومَجازها، وعموم لفظ مُخاطبتها وخصوصه، وسائر مذاهبها؛ لِمن قدر فهو شيء لا يُستغنِي عنه. [/FONT]
[FONT=&quot]ويلزم صاحب الحديث أن يعرف الصحابة المؤدين للدين عن نبيهم [/FONT][FONT=&quot]ج[/FONT][FONT=&quot]، ويعنَى بسيرهم وفضائلهم، ويعرف أحوال الناقلين عنهم، وأيامهم وأخبارهم، حتَّى يقف على العدول، وهو أمر قريب كله على من اجتهد, فمن اقتصر على علم إمام واحد وحفظ ما كان عنده من السنن ووقف على غرضه ومقصده فِي الفتوى؛ حصل على نصيب من العلم وافر، وحظ منه حسن صالح، فمن قنع بِهذا اكتفى, والكفاية غير الغنَى. [/FONT]
[FONT=&quot]ومن طلب الإمامة فِي الدين، وأحب أن يسلك سبيل الذين جاز لَهم الفتيا؛ نظر فِي أقاويل الصحابة والتابعين، والأئمة فِي الفقه, إن قدر على ذلك نأمره بذلك كما أمرناه بالنظر فِي أقاويلهم فِي تفسير القرآن، فمن أحب الاقتصار على أقاويل علماء الحجاز، اكتفى واهتدى -إن شاء الله- وإن أحب الإشراف على مذاهب الفقهاء متقدميهم ومتأخريهم بالحجاز والعراق، وأحب الوقوف على ما أخذوا وتركوا من السنن، وما اختلفوا فِي تثبيته وتأويله، ومن الكتاب والسنة؛ كان ذلك مباحًا، ووجهًا مَحمودًا إن فهم وضبط ما علم أو سلم من التخليط نال درجة رفيعة ووصل إلَى جسيم من العلم واتسع ونبل؛ إذا فهم ما اطلع، وبِهذا يَحصل الرسوخ لِمن فقهه الله، وصبر على هذا الشأن، واستحلى مرارته، واحتمل ضيق المعيشة فيه. [/FONT]
[FONT=&quot]واعلم يا أخي:[/FONT][FONT=&quot] إن المفرط فِي حفظ المولدات لا يؤمَن عليه الجهل بكثير من السنن، إذا لَم يكن تقدم علمه بِها, وإن المفرط فِي حفظ طرق الآثار دون الوقوف على معانيها، وما قال الفقهاء فيها؛ لصفر من العلم، وكلاهما قانع بالشم من المطعم، ومن الله التوفيق والحرمان، وهو حسبِي وبه أعتصم. [/FONT]
[FONT=&quot]واعلم يا أخي:[/FONT][FONT=&quot] أن الفروع لا حد لَهَا تنتهي إليه أبدًا، ولذلك تشعبت، فمن رام أن يُحيط بآراء الرجال فقد رام ما لا سبيل له ولا لغيره إليه؛ لأنه لا يزال يرد عليه ما لا يسمع ولعله أن ينسى أول ذلك بآخره لكثرته، فيحتاج أن يرجع إلَى الاستنباط الذي كان يفزع منه، ويَجبن عنه تورعًا –بزعمه- أن غيره كان أدرى بطريق الاستنباط منه، فلذلك عول على حفظ قوله، ثُمَّ إن الأيام تضطره إلَى الاستنباط مع جهله بالأصول، فجعل الرأي أصلاً واستنبط عليه. [/FONT]
[FONT=&quot]واعلم أنه لَم تكن مناظرة بين اثنين أو جَماعة من السلف إلا لتفهم وجه الصواب، فيصار إليه، ويعرف أصل القول وعلته، فيجري عليه أمثلته ونظائره. [/FONT]
[FONT=&quot]فعليك يا أخي بِحفظ الأصول والعناية بِها. [/FONT]
[FONT=&quot]واعلم أن من عنَى بِحفظ السنن والأحكام المنصوصة فِي القرآن ونظر فِي أقاويل الفقهاء، فجعله عونًا له على اجتهاده، ومفتاحًا لطرائق النظر، وتفسيرًا لِجمل السنن الْمُحتملة للمعاني، ولَم يقلد أحدًا منهم تقليد السنن الَّتِي يَجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولَم يرح نفسه مِمَّا أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن وتدبرها، واقتدى بِهم فِي البحث والتفهم والنظر، وشكر لَهم سعيهم فيما أفادوه ونبهوا عليه، وحمدهم على صوابِهم الذي هو أكثر أقوالهم، ولَم يبرئهم من الزلل كما لَم يبرئوا أنفسهم منه، فهذا هو الطالب المتمسك بِما عليه السلف الصالح، وهو المصيب لِحظه، والمعاين لرشده، والمتابع لسنة نبيه [/FONT][FONT=&quot]ج[/FONT][FONT=&quot] وهدي صحابته [/FONT][FONT=&quot]ي[/FONT][FONT=&quot]. [/FONT]
[FONT=&quot]ومن أعف نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردها إلَى مبلغ نظره؛ فهو ضال مضل، ومن جهل ذلك كله أيضًا، وتقحم فِي الفتوى بلا علم؛ فهو أشد عمًى وأضل سبيلاً. [/FONT]
[FONT=&quot] لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لِمن تنادي [/FONT]
[FONT=&quot]وقد علمت أننِي لا أسلم من جاهل معاند لا يعلم: [/FONT]
[FONT=&quot]ولست بناجٍ من مقالة طاعنِ
ومن ذا الذين ينجو من الناس سالِمًا

[/FONT]
[FONT=&quot]ولو كنت فِي غار على جبل وعرِ
ولو غاب عنهم بين خافيتَي نسرِ

[/FONT]
[FONT=&quot]واعلم يا أخي:[/FONT][FONT=&quot] أن السنة والقرآن هما أصل الرأي والعيار عليه، وليس الرأي بالعيار على السنة، بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لَم يصل الفرع أبدًا. [/FONT]
[FONT=&quot]وقال ابن وهب[/FONT][FONT=&quot]: حدثنِي مالك أن إياس بن معاوية قال لربيعة: إن الشيء إذا بنِي على عوج لَم يكد يعتدل, قال مالك: يريد بذلك: المفتِي الذي يتكلم على أصل يبنِي عليه كلامه" ا[/FONT][FONT=&quot]’[/FONT][SUP][FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT])[/FONT][/SUP][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]قال الشافعي -رحمه الله-: [/FONT][FONT=&quot]"من تعلم القرآن؛ عظمت قيمته, ومن تكلم فِي الفقه؛ نَما قدره, ومن كتب الحديث؛ قويت حجته, ومن نظر فِي الحساب؛ جزل رأيه, ومن لَم يصن نفسه؛ لَم ينفعه علمه" ا[/FONT][FONT=&quot]’[/FONT][SUP][FONT=&quot]([FONT=&quot][2][/FONT])[/FONT][/SUP][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]وقال ابن حبان -رحمه الله-:[/FONT][FONT=&quot] "إن فِي لزوم سنته [/FONT][FONT=&quot]ج[/FONT][FONT=&quot]: تَمام السلامة، وجماع الكرامة؛ لا تطفأ سرجها، ولا تدحض حججها، من لزمها عصم، ومن خالفها يذم؛ إذ هي الحصن الحصين، والركن الركين، الذي بان فضله، ومتن حبله، من تَمسك به ساد، ومن رام [/FONT][FONT=&quot]خلافه باد، فالمتعلقون به أهل السعادة فِي الآجل، والمغبوطون بين الأنام فِي العاجل" ا[/FONT][FONT=&quot]’[/FONT][SUP][FONT=&quot]([FONT=&quot][3][/FONT])[/FONT][/SUP][FONT=&quot].[/FONT]


http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref1[FONT=&quot]([FONT=&quot][1][/FONT]) جامع بيان العلم وفضله (2/ 166- 172) باختصار وتصرف يسير جدًّا[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref2[FONT=&quot]([FONT=&quot][2][/FONT]) سير أعلام النبلاء (10/ 24). [/FONT]
http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref3[FONT=&quot]([FONT=&quot][3][/FONT]) صحيح ابن حبان (الإحسان) (1/ 86).[/FONT]
 

سهيلة حشمت

:: مطـًـلع ::
إنضم
3 ديسمبر 2011
المشاركات
179
التخصص
فقه
المدينة
000000000
المذهب الفقهي
شافعى
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

جزاكم الله خيرا
 
إنضم
12 أبريل 2010
المشاركات
10
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

ومن أُريد وُفِّق وفقنا الله تعالى لما يحبه ويرضاه .. بوركتم دكتور أيمن على هذه الروائع .
 
إنضم
5 أكتوبر 2011
المشاركات
11
الكنية
أم غفران
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
بشار
المذهب الفقهي
مالكي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته:سيدي الكريم، في دقائق قراءة هذا الموضوع المبارك وجدت نفسي أغوص في روح الإسلام، وأشهد لحظة تبصر يجيب فيها الموضوع على تساؤلات أعرفها وأعرف بعض أجوبتها لكنه يجيب بفن راق وعلم دقيق.... هذا هو ديينا معجزة الحبيب المصطفى......ولمثل هذه المواضيع يحتاج شبابنا الضائع في قرية العولمة الصغيرة......فلك كل الشكر والاحترام
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

بالنظر في هذا المنهج المتكامل، وهو السائد لدى علمائنا الأبرار، نقف على سبب عجز الجامعات هذه الأيام عن تخريج علماء بله أنصاف علماء أو أرباعهم أو حتى أعشارهم إلا من تدارك نفسه واعتمد على غير منهاج الجامعة.
محورية القرآن الكريم في نظري شيء أساس في تكوين الشخصية العلمية، ولا ينبغي لمن لم يحفظ القرآن أو أكثره ثم لم يطلع اطلاعا جيدا على تفسير أثري معتدل كتفسير ابن كثير، أن يخوض في أي علم من العلوم من حديث وفقه أو غيرهما إلا ما كان ضروريا لعبادة ونحوها، والضرورة تقدر بقدرها.
القرآن ثم القرآن ثم القرآن ثم مزيدا من القرآن ثم باقي العلوم. والله أعلم.
 
إنضم
7 أبريل 2011
المشاركات
7
الكنية
أبو خالد الفليتي
التخصص
فكر إسلامي
المدينة
مستغانم
المذهب الفقهي
مالكي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

رفع الله قدرك و جزاك خيرا كثير على هذا الموضوع ..
 
إنضم
1 يناير 2012
المشاركات
11
الكنية
أبو صالح
التخصص
فقه
المدينة
تبوك
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

قال العليم الحكيم:{ واتقوا الله ويعلمكم الله }
قال بعض العارفين: العلم نور يقذفه الله في قلب من أحب.
 
إنضم
18 يوليو 2011
المشاركات
3
الكنية
أبو سليمان
التخصص
فيزياء
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

موضوع رائع ومفيد
 
إنضم
26 مارس 2015
المشاركات
4
الكنية
أبو عبادة
التخصص
محاسبة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: منهج التعلم والتفقه كما يراه ابن الجوزي

جزاك الله خيرا وأعلى درجتك في الصالحين.. شيخنا الفاضل
 
أعلى