العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد. فقد اطلعت لجنة الفتوى بموقع الفقه الإسلامي على السؤال الوارد إليها برقم (1) وتاريخ1/6/1430هـ ونصه :
نحن فتيات نعمل مدرسات في منطقة بعيدة عن مواقعنا، الأمر الذي يتطلب خروجنا مبكرين قبل دخول وقت الفجر، ثم يدخل علينا الوقت، ونحن في السيارة، ولا نصل إلا بعد شروق الشمس، ولا نستطيع النزول للصلاة في المسجد بسبب الخوف، فهل يجوز لنا الصلاة في السيارة، أم نؤخرها حتى نصل ونصليها؟.

وبعد الاطلاع والدراسة أجابت اللجنة بما يأتي :
مما علم ضرورة أن الله تعالى قد أوجب على عباده الصلاة، وجعل لها شروطا وأركانا وواجبات ومستحبات، وبيَّن سبحانه ما يدل على أن الوقت من آكد فروض الصلاة وواجباتها، فقال تعالى: ({فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }النساء-103. وفي الصحيحين من حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). البخاري 6980، مسلم 123 . وعند مسلم من حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ فَصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ صَلَّيْتَ لِوَقْتِهَا كَانَتْ لَكَ نَافِلَةً وَإِلَّا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ). مسلم 1028. وغير ذلك من الأدلة الدالة على عظم حق الوقت، وخطر تأخير الصلاة عن وقتها. وفيما يتعلق بالسؤال فإنه لما كانت تعظم الحاجة إلى بيان بعض المسائل المشابهة له، نرى التفصيل فيه على النحو الآتي.فمتى كان الشخص في السيارة وخشي خروج الوقت، فلا يخلو من حالين
:
الحال الأولى: أن تكون الصلاة مما لا يجمع لما بعدها كالفجر والعصر والعشاء، فإنه يصلي على حسب حاله، ولا يجوز له تأخير الصلاة إلى أن يخرج وقتها، فإن تمكن من استقبال القبلة والإتيان بأركان الصلاة وواجباتها على هيئتها وجب عليه ذلك، وإن شق عليه فلا حرج أن يصلي حيث كان وجه السيارة، ويومئ بالركوع والسجود، لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }التغابن-16 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أخرجه البخاري(6744) ومسلم(238).
الحال الثانية: أن تكون الصلاة مما يجمع لما بعدها كصلاة الظهر والمغرب، فإن كان مسافراً وغلب على ظنه التمكن من أدائها بأركانها كاملة في وقت الأخرى، فيجب عليه تأخيرها ويصليها مع التي تليها جمع تأخير، أما إذا لم يكن مسافراً، وخشي خروج الوقت كما يقع هذا كثيرا في المدن الكبيرة، عند شدة الزحام، فإن هذه المسألة فيها قولان لأهل العلم: القول الأول: أن الصلاة في الوقت واجبة، وأنه لا يجوز تأخيرها حتى يخرج وقتها، فيصليها على حسب حاله، وأصحاب هذا القول لحظوا وجوب المحافظة على الصلاة في وقتها، غير أن هذا القول يترتب عليه التجاوز في استقبال القبلة وفي القيام والركوع والسجود، مع وجود المخرج الشرعي. القول الآخر: أن الشخص له أن يؤخر الصلاة بنية جمعها مع الصلاة التي تليها؛ ووجه هذا القول أن جمع الصلاة في وقت الثانية، مع الإتيان بالأركان والواجبات والشروط على وجهها، أولى من الصلاة في وقت الأولى مع الإخلال بالأركان والواجبات والشروط، لاسيما مع مشروعية الجمع في الحضر لما هو أقل حرجا من هذه الحال . فعند مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا سفر) (1151). وفي رواية: (ولا مطر) . قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك؟قال:أراد أن لا يحرج أمته. قال ابن حجر رحمه الله: " وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقاً، لكن بشرط ألا يتخذ ذلك عادة ". فتح الباري 2/24.وهذا القول هو الراجح لما تقدم، ولما فيه من التخفيف ورفع الحرج والتيسير على المكلف، مع الإتيان بالصلاة بأركانها وواجباتها تامة، وتحقيق مقاصد الشريعة في الصلاة من الخشوع والطمأنينة.و نوصي الاخوة السائقين ، والادارات الخاصة بالموضوع أن يتقوا الله تعالى في الحفاظ على الصلوات ، وترتيب أوقات الباصات بما يحفظ أوقات الصلوات على الأخوات ، وان هذه مسؤولية كبرى ، فأول ما يسأل الإنسان يوم القيامة عنه في الصلاة في وقتهاوالله تعالى أعلم
الأعضاء الموافقون على الفتوىرقم 1 بشأن الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت ، هم :أ.د علي محي الدين القره داغي الشيخ سليمان بن عبد الله الماجد د. يوسف بن عبد الله الشبيلي د. عبد الله بن ناصر السلمي د. عطية السيد فياض.د. عقيل بن محمد المقطري
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

هذه الفتوى مثال على "اللت والعجن" في الفتوى، وتضييع المستفتي بين النظر في الأدلة وأقوال الفقهاء، مع عدم تركيز النظر في عين السؤال، والناظر في فتاوى أئمة الفقه ومسائلهم بدءا من الصحابة وانتهاء بالأئمة الفقهاء لا يجدها على هذا النحو بل يجدها مركزة مختصرة وفي قلب السؤال لا في أطرافه.
كان المفروض على من ذكر هذه الفتوى أن يترك كل ما فيها ويركز جوابه في حالة الخوف التي تدعيها هذه النساء هل هي مما يجوز معه إسقاط أركان الصلاة المفروضة وشروطها من قيام واستقبال وركوع وسجود. والمفتي لم يزد في هذا على القول: "فإن تمكن من استقبال القبلة والإتيان بأركان الصلاة وواجباتها على هيئتها وجب عليه ذلك، وإن شق عليه فلا حرج أن يصلي حيث كان وجه السيارة، ويومئ بالركوع والسجود" وهذا رمي للمستفتي في عماية تقدير المشقة بنفسه، وهذا فضفاض غير منضبط.
ثم إن المسألة هنا ليست مسألة مشقة كالمرض، بل هي "الخوف" وهذه علة أخرى للترخيص مختلفة عن المشقة. وعليه كان السؤال في جهة والجواب في جهة أخرى.
في مثل هذه الواقعات ينبغي أن يستفسر من المستفتي. ما هو سبب الخوف؟ هل المنطقة آمنة أو لا؟ هل معكن محرم أم لا؟ إذا لم يكن الطريق آمنا فلا يحل للمرأة السفر بدون محرم بإجماع الفقهاء، وعليه لا يرخص لهؤلاء النساء بالصلاة في السيارة، لأنهن تركن ما يستلزم وجوده لتحقيق الأمن.
ثم إذا كانت الطريق غير آمنة للنزول فكذلك هي غير آمنة للمرور. فلو فرضنا أن فيها قطاعا للطرق فهم قادرون على إيقاف السيارة بوسائل شتى. وأعني بهذا أن ترك أركان الصلاة لعذر الخوف لا يحقق الغرض من تركها، وهو حصول الأمن.
النظر في جواب هذه الفتوى يتوقف على فهم طبيعة الخوف المدعى وهل هو مبني على أسس واقعية أو متوهمة، وهل ثمة سبيل لرفعه أو لا؟ وهل هو واقع أو متوقع؟ وهل يبلغ أدنى درجة من درجات الخوف في الحرب المرخص في ترك بعض أركان الصلاة أو لا.
 

علي محمد زينو

:: متابع ::
إنضم
9 نوفمبر 2009
المشاركات
56
التخصص
الحديث الشريف وعلومه
المدينة
دمشق
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

برجاء تفصيل هذه النقطة
الحال الثانية: أن تكون الصلاة مما يجمع لما بعدها كصلاة الظهر والمغرب، فإن كان مسافراً وغلب على ظنه التمكن من أدائها بأركانها كاملة في وقت الأخرى، فيجب عليه تأخيرها ويصليها مع التي تليها جمع تأخير،
حتى ولو كان يصل وقت الثانية إلى بلده ويصبح مقيماً ؟
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

صدقت يا شيخ أيمن , وعند الحقيقة أنني وضعت هذه الفتوى مستشكلًا بعض ما ورد فيها
وكنت بانتظار تعليقات المشايخ الفضلاء ..
 

مساعد أحمد الصبحي

:: مطـًـلع ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
143
الكنية
أبو سعود
التخصص
عقيدة
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

والمفتي لم يزد في هذا على القول: "فإن تمكن من استقبال القبلة والإتيان بأركان الصلاة وواجباتها على هيئتها وجب عليه ذلك، وإن شق عليه فلا حرج أن يصلي حيث كان وجه السيارة، ويومئ بالركوع والسجود" وهذا رمي للمستفتي في عماية تقدير المشقة بنفسه، وهذا فضفاض غير منضبط.
فما الحل إذن ؟
في رأيي أن الحل في الامتناع عن الافتاء إلا لمن خبر واقع المستفتي وعرف صدقه من تلاعبه ...
فأكثر العوام لا يوثق به في تصوير حقيقة الواقع الذي يعيشه ... فكيف تُبنى عليه فتوى ؟!
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

سبحان الله ،، ثلاثة أرباع المفتين يكلون أمر التقدير إلى السائل، ولا أدري ما وظيفتهم كمفتين ؟ ألم يلجأ السائل إليكم لتقدروا له التقدير الصحيح ؟
المستفتي في السؤال أعلاه يعلم -ولا يجهل- أن الخوف من أسباب ترك التوجه للقبلة، ويعلم أن خشية خروج الوقت من أسباب التخفف في بعض الشروط عند الفقهاء، هذا كله واضح وضوح الشمس من نص السؤال ،،
أفيعقل أن يكون الجواب بذكرها ؟!!
 

انبثاق

:: مخضرم ::
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,228
التخصص
الدراسات الإسلامية..
المدينة
بريدة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

قبل سنوات كنت في حافلة ، ودخل وقت العصر ولا زال السائق يدور بنا يمنة ويسرة ، حتى خرج الناس من الصلاة ، ونجن داخل المدينة بل في حينا الذي آمنُه وأسكن فيه ، وطلبت منه عدة مرات أن يتوقف لنصلي ، لكنه رفض ، ورفض ورفض ، لرغبته بإنهاء عمله المطلوب منه وإحضارنا ، وقاربت الشمس المغيب ، -ولم يكن لدي نقال آنذاك لأسأل-
والحقيقة أني آخر الأمر صليت على حالي في مقعد الحافلة ، خوفا من أذان المغرب إذ زال الكثير من نور الشمس .. وخوفا من سبب آخر إذ خشيت أن يحصل علينا حادث مفاجيء بسبب السرعة المريعة التي يقود بها هذا السائق في منعطفات الحارات ..
وصلنا بحمد الله قبل الأذان بدقائق ، فسألت ، وقيل لي : أعيدي ، فأعدت الصلاة تامة .
ولم أعد الركوب معه في يوم آخر.
تذكرت هذه الصلاة حالما قرأت العنوان.
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

وصلنا بحمد الله قبل الأذان بدقائق ، فسألت ، وقيل لي : أعيدي ، فأعدت الصلاة تامة .
لماذا أفتاك بالإعادة ؟
 
إنضم
4 يوليو 2011
المشاركات
46
الكنية
أبو يحيى
التخصص
الحديث، والمشاركة في الفقه
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ...
فلي بعض الملحوظات على ما ورد من ردٍّ وتعقيبٍ للدكتور أيمن صالح حفظه الله ونفع به، والتي أرجو منه أن يتسع صدره لها، وأن يتقبلها من أخٍ له طويلبِ علم، عسى الله أن ينفعنا بها، أُجملها في ما يلي:

أولًا: لتصور مسألة السائلة: فالسائلة تسأل عنها وبعض زميلاتها اللاتي يعملن كَمُدَرِّسات في بعض المناطق التي تَبْعُدُ عن سَكَنِهِنَّ (أو: مواقعهن) بمسافة، مما يَضطرهم للخروج قُبيل وقت دخول الفجر؛ كي يَصِلُوا إلى مكان عملهم بعد شروق الشمس، يعني: بعد خروج وقت صلاة الفجر، أضافت السائلة أنهن لا يستطعن النزول من السيارة للصلاة في المسجد لأجل الخوف، فهل يُباح لهنَّ الصلاةُ في السيارة في وقت الصلاة، أم ينتظرن الوصول إلى مدرستهن - يعني: بعد خروج الوقت - فيأتين بالصلاة هناك؟. ذكرتُ هذا للتوضيح والتذكير، ولأننا سنبني عليه الكلام، والله المستعان.
18210568751407691093.jpg


ثانيًا: جُلُّ كلامك دكتورنا الفاضل على مسألة الخوف المذكور في السؤال:
ما هو سبب الخوف؟ هل المنطقة آمنة أو لا؟
ثم نصحتَ هؤلاء المفتين بقولك:
كان المفروض على من ذكر هذه الفتوى أن يترك كل ما فيها ويركز جوابه في حالة الخوف التي تدعيها هذه النساء هل هي مما يجوز معه إسقاط أركان الصلاة المفروضة وشروطها من قيام واستقبال وركوع وسجود
، ولخصتَ لنا المسألة في قولك:
النظر في جواب هذه الفتوى يتوقف على فهم طبيعة الخوف المدعى وهل هو مبني على أسس واقعية أو متوهمة ...، وهل هو واقع أو متوقع؟
فأقول، وبالله تعالى التوفيق: أما سبب الخوف فمعلوم وظاهر لمن تدبر حال السائلة: فهن جماعة من النسوة، ذاهبين إلى عملهم في وقت عصيب جدًّا، يندر أن تجد أحدًا يمشي فيه في الشوارع الداخلية - أعني: التي بين العمران -، بله الشوارع والطرق الرئيسية، فوقت الفجر كما نعلم جميعًا وقتٌ يعم فيه السكون والهدوء؛ إذ جُلُّ الناس نائمٌ فيه غيرُ منتبه، ومِن هنا جاء خوفهن من النزول من السيارة في مثل هذا الوقت.
على أن الأمر لا يتوقف على فهم طبيعة الخوف كما ذكرتَ، فهذا الخوف إما أن يكون ناتجًا عن علم ويقين، فهذا لا كلام في اعتباره عذرًا والله أعلم. وإما أن يكون متوَّهمًا، ولكن هناك قرائن ودلائل قد تساعد هذا التوهم وتعضده، مثل: هذا الوقت المتأخر من الليل، المتسم بقلة الأمان بطبيعته، ثم كونهن نسوة ضعاف.

18210568751407691093.jpg



ثالثًا: الأمر في السؤال محصور بين ثلاث حالات: إما أن يُصَلِّين أثناء الطريق في أي مكان: مسجدٍ كان أو فلاةٍ أو غيرِ ذلك، أو أن يُصَلِّينَ داخلَ السيارة، أو أن ينتظرن وصولهن إلى مدارسهن فيصلين فيها بعد خروج الوقت. فالأولى - وهي الحالة الواقعة في السؤال - يَحُفُّها ذلك الخوف على أنفسهن من النزول من السيارة في هذا الوقت المتأخر، أن يتعرض لهن أحدٌ بسرقة أو ما شابه ذلك، عافنا الله وإياكم. والثانية - وهي الحالة المسئول عنها - يَحُفُّها عدم الإتيان ببعض شروط وأركان وواجبات الصلاة. والثالثة - وهي مسئول عنها أيضًا - يَحُفُّها خروج وقت الصلاة.
فإذا ناقشنا الحالة الأولى، فنقول: لماذا لم يُعتبر الخوف على النفس عذرًا يباح به ترك بعض الشروط والأركان؟ وقد قال النووي في "المجموع" (3/ 242): "ولو حضرت الصلاة المكتوبة وهم سائرون، وخاف لو نزل ليصليها على الأرض إلى القبلة: انقطاعًا عن رفقته،
أو خاف على نفسه أو ماله؛ لم يجز ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها، بل يصليها على الدابة؛ لحرمة الوقت". وعليه، فلا أرى والحالة هذه إلا اعتبار خوفهن على أنفسهن عذرًا لهن عن أداء الصلاة على الأرض مستكملين أركانها وشروطها، سيما وقد قدمتُ أنهن نسوة، وفي الغالب: إنهن لن يستطعن الذب والذود عن أنفسهن، والله أعلم.
وعليه، فإما أن يتركن أداء الصلاة حتى يَصِلن إلى مكان عملهن، فيكون أداؤهن لها بعد خروج وقتها، وهذا يعارضه قوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}، وقد وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت، بما يدل على حرمة تأخيرها عن وقتها، وإما أن يأتين بها في السيارة مع الإخلال ببعض الشروط والأركان كاستقبال القبلة والركوع والسجود ونحو ذلك.
وهذا الأخير هو ما اختاره المفتون هنا، ورَأَوا أنه الأرفق بهم، والأقرب من حيث مجموع العمومات المتعلقة بهذا الباب، فأفتَوا بأنهن يصلين في السيارة ولا ينزلن، فإن استطاعوا أن يأتوا في السيارة بالأركان والواجبات والشروط، وذلك مثلًا: بأن يوقفوا السيارة ويوجهوها تُجاه القبلة، وأن تكون السيارة كبيرة يستطيع المرء الوقوف فيها والركوع والسجود، وجب عليهن الإتيان بالهيئة الكاملة للصلاة، وإن لم يتيسر لهن ذلك وواجهتهن مشقة لأداء الصلاة على وجهها، فعليهن بما استطاعوا منه، مستدلين بقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطتعم".

18210568751407691093.jpg



رابعًا: قلتَ في كلامك ما لفظه:
ثم إن المسألة هنا ليست مسألة مشقة كالمرض، بل هي "الخوف" وهذه علة أخرى للترخيص مختلفة عن المشقة. وعليه كان السؤال في جهة والجواب في جهة أخرى
أقول: بل الجواب في نفس جهة السؤال، فالمشقة المذكورة في كلام المفتين هنا يَعنُون بها مشقة الإتيان بهذه الأركان والشرائط في حالة الصلاة داخل السيارة، وهذا نص كلامهم:
فإن تمكن من استقبال القبلة ... وجب عليه ذلك،
وإن شق عليه فلا حرج أن يصلي حيث كان وجه السيارة، ويومئ بالركوع والسجود
.
18210568751407691093.jpg



خامسًا: قلتَ في كلامك:
هذه الفتوى مثال على "اللت والعجن" في الفتوى، وتضييع المستفتي بين النظر في الأدلة وأقوال الفقهاء، مع عدم تركيز النظر في عين السؤال، والناظر في فتاوى أئمة الفقه ومسائلهم بدءا من الصحابة وانتهاء بالأئمة الفقهاء لا يجدها على هذا النحو بل يجدها مركزة مختصرة وفي قلب السؤال لا في أطرافه
في نظري: لا يليق ذكر مثل هذا التشبيه على ما نحن فيه، والمفتون المذكورةُ أسماؤهم أَجَلُّ من أن يكون كلامُهم من هذا الدرب. ولعلك لم تنتبه إلى تعليلهم لهذا التطويل في الإجابة الذي استنكرته عليهم، فقد عللوا هذا التطويل بقولهم في أول الفتوى قائلين:
وفيما يتعلق بالسؤال فإنه لما كانت تعظم الحاجة إلى بيان بعض المسائل المشابهة له، نرى التفصيل فيه على النحو الآتي
، ففصَّلوا هذا التفصيل الوارد في الفتوى الذي قد يلائم حالات أخرى قد تشابه هذه الفتوى في المجمل وتختلف في بعض التفصيلات، فهنا مثلًا الصلاة كانت الصبح، ووقع لبعضهم مثلًا ذلك في صلاة العصر أو العشاء، فقد عَلِمَ أن الحكم واحد، ولو كانت الصلاة: الظهر أو المغرب، علم ما عليه، وهل يجمع أم لا، فهم قد أجابوا السائلة على سؤالها أولًا، ثم أتبعوه بوجه آخر قد يقع لبعض الناس في حالة أخرى، ولا جرم عليهم في ذلك؛ إذ قد بينوا علة تفصيلهم الأمر بهذه الصورة المطولة.
وقلتَ في كلامك:
والمفتي لم يزد في هذا على القول: "فإن تمكن من ..." وهذا رمي للمستفتي في عماية تقدير المشقة بنفسه، وهذا فضفاض غير منضبط
أقول لك: ليس الأمر هكذا، وإنما الكلام - كما سبق ذكره - على مفهوم المشقة في كلامهم، وأنها عائدة على القدرة على الإتيان بالأركان والواجبات، فإن شق الأمر عليهن فليس عليهن جناح أن لا يأتين ببعضها.
18210568751407691093.jpg



سادسًا: قلتَ في كلامك:
في مثل هذه الواقعات ينبغي أن يستفسر من المستفتي
لا يخفى عليك أن هذه الفتوى تُسأل ويُجاب عنها عبر المواقع الإلكترونية، ونحن بين أمرين: إما أن يُغلق هذا الباب أصلًا وتغلق هذه المواقع والمنابر الدعوية، أو أن تُؤَصَّل الفتاوى ويتم وضع الاحترازات والقيود اللازمة، والتفصيلات المهمة المتعلقة بموضوع الفتوى بما يفيد السائل، ولا شك أن الثاني هو الأظهر للمنفعة، والله أعلم.
18210568751407691093.jpg



سابعًا: قلتَ في كلامك
وهل ثمة سبيل لرفعه أو لا؟
قد ذكر المفتون ذلك في قولهم:
ونوصي الاخوة السائقين، والادارات الخاصة بالموضوع أن يتقوا الله تعالى في الحفاظ على الصلوات ، وترتيب أوقات الباصات بما يحفظ أوقات الصلوات على الأخوات ، وان هذه مسؤولية كبرى ، فأول ما يسأل الإنسان يوم القيامة عنه في الصلاة في وقتها والله تعالى أعلم
.

18210568751407691093.jpg



ثامنًا وأخيرًا: قد أطلت عليكم جدًّا، فاعذروني، ويعلم الله أني ما كتبت إلا ما جال بخاطري حين قرأت الموضوعَ وردَّ الدكتور أيمن عليه، ورجوت من هذا التطويل فتح باب المناقشة بين إخواننا الأفاضل المتفقهين، ولا أعدم من الدكتور أيمن خيرًا من نصح وتوجيه، وتصحيح وتنبيه، على ما ذكرتُ، وأقدم له اعتذاري إن كنت ذكرت كلمة لا تليق أو شيئًا من ذلك، وأسأل الله أن يجعلنا دائمًا إخوانًا متحابين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما يعملنا، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.


 
إنضم
19 ديسمبر 2008
المشاركات
45
التخصص
هندسة مدنية
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

جزاك الله كل خير اخي الكريم محمود الاسواني وزادك الله فقها وعلما ،اجابتك فيها الخير الكثير وتنم عن ادب جم وسعة افق بارك الله فيك
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

أخي الفاضل الأسواني بارك الله فيكم على هذا التعقيب النافع.
اعتراضي الأساس على الفتوى لم يكن على نتيجتها بل على طريقة تناولها للمسألة محل النظر، حيث بحثتها في سطرين من ضمن واحد وعشرين سطرا من الاستطراد، من غير تفصيل ولا تأصيل في موضوع السؤال نفسه وهو إسقاط الأركان والشرائط لعذر الخوف. ولذا فنحن لم نطلب أكثر من
أن تُؤَصَّل الفتاوى ويتم وضع الاحترازات والقيود اللازمة، والتفصيلات المهمة المتعلقة بموضوع الفتوى بما يفيد السائل
كما تفضلتم.
قولكم بارك الله فيكم:
أما سبب الخوف فمعلوم وظاهر لمن تدبر حال السائلة: فهن جماعة من النسوة، ذاهبين إلى عملهم في وقت عصيب جدًّا، يندر أن تجد أحدًا يمشي فيه في الشوارع الداخلية - أعني: التي بين العمران -، بله الشوارع والطرق الرئيسية، فوقت الفجر كما نعلم جميعًا وقتٌ يعم فيه السكون والهدوء؛ إذ جُلُّ الناس نائمٌ فيه غيرُ منتبه، ومِن هنا جاء خوفهن من النزول من السيارة في مثل هذا الوقت.
فهذا الذي استظهرته لا أراه ظاهرا أخي الكريم بل ربما الظاهر عكسه، لأربعة أسباب.
أحدها: أن بلاد المسلمين لا تخلو من مساجد ومصليات آمنة في أماكن العمران التي تفضلت بالإشارة إليها، والفتوى لم تفصل في هذا الباب.
والثاني: أن طرقات المسلمين غير المعمورة في الغالب آمنة. والأصل العام في الدول المستقرة أنها آمنة والخوف استثناء.
والثالث: لم تتطرق الفتوى إلى موضوع المحرم وكون الأمن يتحقق به أم لا، ولا كون المسافة التي يقطعنها هي مسافة القصر أم لا. وسفر المرأة من غير محرم ومن غير أمن حرام أصلا، والجمهور على أن العاصي بسفره لا يترخص. كل هذا غير مفصل في الفتوى، وإنما التفصيل في غير محل السؤال.
والرابع: أن دعوى الخوف مدخولة من حيث إنه إذا لم يكن خارج السيارة آمنا فداخلها لن يكون أكثر أمنا بكثير، لأن وسائل إيقاف السيارات على الطرق صار ميسورا جدا، إذا كان الخوف هو من قطاع الطرق والمجرمين.
قولكم بارك الله فيكم:
، ففصَّلوا هذا التفصيل الوارد في الفتوى الذي قد يلائم حالات أخرى قد تشابه هذه الفتوى في المجمل وتختلف في بعض التفصيلات
لسنا ضد التفصيل ولا الزيادة في الفتوى عن السؤال فيما كان ذا علاقة. ولكنَّ هذا نافلة، والفرض هو جواب السؤال والانتباه إلى كافة حيثياته. والإتيان بالنافلة وإن كان في ذاته محمودا لكنه إذا كان على حساب تضييع الفرض فيكون مذموما من تلك الجهة.
قولكم بارك الله فيكم:
على أن الأمر لا يتوقف على فهم طبيعة الخوف كما ذكرتَ، فهذا الخوف إما أن يكون ناتجًا عن علم ويقين، فهذا لا كلام في اعتباره عذرًا والله أعلم. وإما أن يكون متوَّهمًا، ولكن هناك قرائن ودلائل قد تساعد هذا التوهم وتعضده، مثل: هذا الوقت المتأخر من الليل، المتسم بقلة الأمان بطبيعته، ثم كونهن نسوة ضعاف.
ثالثًا: الأمر في السؤال محصور بين ثلاث حالات: إما أن يُصَلِّين أثناء الطريق في أي مكان: مسجدٍ كان أو فلاةٍ أو غيرِ ذلك، أو أن يُصَلِّينَ داخلَ السيارة، أو أن ينتظرن وصولهن إلى مدارسهن فيصلين فيها بعد خروج الوقت. فالأولى - وهي الحالة الواقعة في السؤال - يَحُفُّها ذلك الخوف على أنفسهن من النزول من السيارة في هذا الوقت المتأخر، أن يتعرض لهن أحدٌ بسرقة أو ما شابه ذلك، عافنا الله وإياكم. والثانية - وهي الحالة المسئول عنها - يَحُفُّها عدم الإتيان ببعض شروط وأركان وواجبات الصلاة. والثالثة - وهي مسئول عنها أيضًا - يَحُفُّها خروج وقت الصلاة.
فإذا ناقشنا الحالة الأولى، فنقول: لماذا لم يُعتبر الخوف على النفس عذرًا يباح به ترك بعض الشروط والأركان؟ وقد قال النووي في "المجموع" (3/ 242): "ولو حضرت الصلاة المكتوبة وهم سائرون، وخاف لو نزل ليصليها على الأرض إلى القبلة: انقطاعًا عن رفقته، أو خاف على نفسه أو ماله؛ لم يجز ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها، بل يصليها على الدابة؛ لحرمة الوقت". وعليه، فلا أرى والحالة هذه إلا اعتبار خوفهن على أنفسهن عذرًا لهن عن أداء الصلاة على الأرض مستكملين أركانها وشروطها، سيما وقد قدمتُ أنهن نسوة، وفي الغالب: إنهن لن يستطعن الذب والذود عن أنفسهن، والله أعلم.
وعليه، فإما أن يتركن أداء الصلاة حتى يَصِلن إلى مكان عملهن، فيكون أداؤهن لها بعد خروج وقتها، وهذا يعارضه قوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}، وقد وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت، بما يدل على حرمة تأخيرها عن وقتها، وإما أن يأتين بها في السيارة مع الإخلال ببعض الشروط والأركان كاستقبال القبلة والركوع والسجود ونحو ذلك.
وهذا الأخير هو ما اختاره المفتون هنا، ورَأَوا أنه الأرفق بهم، والأقرب من حيث مجموع العمومات المتعلقة بهذا الباب، فأفتَوا بأنهن يصلين في السيارة ولا ينزلن، فإن استطاعوا أن يأتوا في السيارة بالأركان والواجبات والشروط، وذلك مثلًا: بأن يوقفوا السيارة ويوجهوها تُجاه القبلة، وأن تكون السيارة كبيرة يستطيع المرء الوقوف فيها والركوع والسجود، وجب عليهن الإتيان بالهيئة الكاملة للصلاة، وإن لم يتيسر لهن ذلك وواجهتهن مشقة لأداء الصلاة على وجهها، فعليهن بما استطاعوا منه، مستدلين بقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطتعم".
انظر كم احتجتَ أن تشرح لنا وتفصل ما أجمله المفتون في سطرين. وانظر إلى اقتباسك قول النووي واقتباساتهم هم فيما ليس له علاقة بأصل السؤال. هذا هو موضع نقدي الأساس للفتوى المذكورة.
وأود أن ألفت نظرك، أخي الكريم، هنا إلى ضرورة تنبه المفتي إلى سؤال المستفتي الباحث عن رخصة، فإنه إن كان ذلك لعارض مرة أو مرتين ويزول، فهذا يتساهل فيه ما لا يتساهل فيمن يسأل عن رخصة دائمة تتكرر كل يوم، كما يشير إليه ظاهر السؤال المذكور. ففي الحالة الثانية ينبغي التحقق جيِّدا من حصول مناط الرخصة، وهو ما لم تشتمل عليه الفتوى لاقتضابها جدا في محل السؤال.
قولكم بارك الله فيكم:
أقول: بل الجواب في نفس جهة السؤال، فالمشقة المذكورة في كلام المفتين هنا يَعنُون بها مشقة الإتيان بهذه الأركان والشرائط في حالة الصلاة داخل السيارة، وهذا نص كلامهم:
أخي الكريم فيصل المسألة هو الخوف المبيح لترك الشرائط لا كيفية الصلاة داخل السيارة وأن ما شق الإتيان به كالوقوف والتوجه إلى القبلة وغير ذلك فإنه يسقط. فهذا يعرفه كل أحد، وسياق السؤال لا يدل على أنه المراد ولا أن السائلات يجهلنه. السؤال عن أصل الإسقاط بسبب الخوف لا عن طريقة الإسقاط وكيفيتها. وتكاد تتفق كلمة الفقهاء على عدم نوط الأحكام بالمشقات االمجردة بل لا بد من مظنات منضبطة تتحقق فيها هذه المشقات. والخوف والمرض والسفر هي مظنات للمشقة جرى التعليل بها، ولأنها أيضا غير منضبطة بالقدر الكافي فقد لجأ الفقهاء إلى ضبطها بضوابط وتعريفات واشتراطات تجدها في كتبهم حيثما ذُكِرت وذلك توقيا للتقديرات الذاتية للمشقات ومظناتها من قبل المكلفين. قال القرافي: في الفروق (1/ 119):
"(سؤال) ما ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها، فإنا إذا سألنا الفقهاء يقولون ذلك يرجع إلى العرف فيحيلون على غيرهم ويقولون: لا نجد ذلك، ولم يبق بعد الفقهاء إلا العوام وهم لا يصح تقليدهم في الدين ثم إن الفقهاء من جملة أهل العرف فلو كان في العرف شيء لوجدوه معلوما لهم أو معروفا.
(جوابه) هذا السؤال له وقع عند التحقيق وإن كان سهلا في بادي الرأي وينبغي أن يكون الجواب عنه إن لم يرد فيه الشرع بتحديد يتعيَّن تقريبه بقواعد الشرع لأن التقريب خير من التعطيل فيما اعتبره الشرع فنقول: يجب على الفقيه أن يفحص عن أدنى مشاق تلك العبادة المعينة فيحققه بنص أو إجماع أو استدلال ثم ما ورد عليه بعد ذلك من المشاق مثل تلك المشقة أو أعلى منها جعله مسقطا وإن كان أدنى منها لم يجعله مسقطا مثاله التأذي بالقمل في الحج مبيح للحلق بالحديث الوارد عن كعب بن عجرة فأي مرض آذى مثله أو أعلى منه أباح وإلا فلا والسفر مبيح للفطر بالنص فيعتبر به غيره من المشاق"أهـ.
قولكم بارك الله فيكم
ثامنًا وأخيرًا: قد أطلت عليكم جدًّا، فاعذروني، ويعلم الله أني ما كتبت إلا ما جال بخاطري حين قرأت الموضوعَ وردَّ الدكتور أيمن عليه، ورجوت من هذا التطويل فتح باب المناقشة بين إخواننا الأفاضل المتفقهين، ولا أعدم من الدكتور أيمن خيرًا من نصح وتوجيه، وتصحيح وتنبيه، على ما ذكرتُ، وأقدم له اعتذاري إن كنت ذكرت كلمة لا تليق أو شيئًا من ذلك، وأسأل الله أن يجعلنا دائمًا إخوانًا متحابين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما يعملنا، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبي ونعم الوكيل.
لا تثريب عليك أخي الكريم، أنا أرحب بالنقد حتى لو كان قاسيا. وكلامك مجبول بالأدب فلا حاجة إلى أي اعتذار. وكلنا هنا متعلمون وطلاب نصح وإرشاد.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

فهذا الذي استظهرته لا أراه ظاهرا أخي الكريم بل ربما الظاهر عكسه، لأربعة أسباب.
أحدها: أن بلاد المسلمين لا تخلو من مساجد ومصليات آمنة في أماكن العمران التي تفضلت بالإشارة إليها، والفتوى لم تفصل في هذا الباب.
والثاني: أن طرقات المسلمين غير المعمورة في الغالب آمنة. والأصل العام في الدول المستقرة أنها آمنة والخوف استثناء.
والثالث: لم تتطرق الفتوى إلى موضوع المحرم وكون الأمن يتحقق به أم لا، ولا كون المسافة التي يقطعنها هي مسافة القصر أم لا. وسفر المرأة من غير محرم ومن غير أمن حرام أصلا، والجمهور على أن العاصي بسفره لا يترخص. كل هذا غير مفصل في الفتوى، وإنما التفصيل في غير محل السؤال.
والرابع: أن دعوى الخوف مدخولة من حيث إنه إذا لم يكن خارج السيارة آمنا فداخلها لن يكون أكثر أمنا بكثير، لأن وسائل إيقاف السيارات على الطرق صار ميسورا جدا، إذا كان الخوف هو من قطاع الطرق والمجرمين.

دكتور أيمن حفظك الله
دعني أخيل لك قصة هؤلاء الأخوات لأنها تحدث في بلادنا وأحسب أن المفتين تخيلوا الحادثة بمعرفتهم بحال السيدات دون احتياجهم للتفصيل
فالقصة أن الأخوات يسكنّ في مدينة ويكون عملهن في قرية تبعد عن مدينتهن مسافة (في الأغلب هي دون مسافة القصر) ولكن السائق يحتاج أن يمر على الأخوات الواحدة تلو الأخرى فيكون لا يزال في المدينة مدة نصف الوقت تقريبا أو يزيد قبل الخروج من العمران وبالتالي تطول فترة الرحلة عليهن.
الأمر الآخر الذي أود توضيحه أنه حتى لو كان في العمران والمساجد موجودة فمن القليل بل والنادر أن تجد في مسجد مكانا للنساء مفتوحا لصلاة الفجر، وبالتالي عليهن الصلاة في الشارع
وهذا أمر لا نألفه ولا نكاد نراه في بلدنا أن تقف مرأة في الليل في شارع تؤدي الصلاة داخل المدينة فضلا عن قيامها بذلك في الطرقات السريعة الفارغة من المارة أو السيارات في ذلك الوقت
أضف إلى ذلك أنهن نساء ولا محرم معهن والسائق هو المتحكم وكما ذكرت الأخت انبثاق بانه لا يمكن أن يقف ويتركهن يصلين لأنه يريد إنهاء مهمته في أسرع وقت
هذا هو حال السائلة وهذه هي ظروف المسألة أرجو أن تكون واضحة
نسأل الله أن ينتبه المسؤولون إلى خطورة هذه الوظائف التي أخرجت بنات المسلمين من مدنهن وعرضتهن لكل هذه المخاطر والمخالفات الدينية واللاتي اضطررن إليها بسبب الحاجة
والله المستعان
هذا ما جعل المفتين يفتون بجواز صلاتهن في السيارة
والله تعالى أعلم
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

أختي أم طارق بارك الله فيك على التوضيح
لا يشترط تخصيص مكان خاص للمرأة في المسجد كما هو معلوم بل يصلين خلف الرجال في أي زاوية من زوايا المسجد. كما كان عليه الحال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والفصل بين النساء والرجال في المسجد، وإن كان بدعة حسنة (لاندراجه في أصل سد ذرائع الفساد) إلا أنه ليس بواجب.
إذا لم يتحقق الأمن للمرأة حتى لو كان السفر دون مسافة القصر فيجب المحرم عند عدم الأمن بلا بد. وخلوة امرأة واحدة أو اثنتين أو ثلاثة مع سائق في الليل وعلى الطرق الخارجية لا أراها مما يرخص به.
لا نقول أن تصلي المرأة في الشارع أو قربه، وإنما يحاولن اختيار مكان مناسب ويستترن، بجسم السيارة، أو يبعدن على جنبات الطريق ويصلين فقد جعلت الأرض لهذه الأمة مسجدا وطهورا لهذا الغرض.
لا أحسب أن السائق في السعودية ولا الشركة المسؤولة عنه تجرؤ على منع الركاب من الصلاة أينما أرادوا ووقتما أرادوا..... لو كان هذا في طوكيو لكان محتملا.
 

أحمد محمد صابر

:: متابع ::
إنضم
27 يناير 2010
المشاركات
20
التخصص
الفقه
المدينة
..........
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

يا أخ محمود الأسواني قد قلت فأوفيت ورددت فأحسنت ووالله قد قلتَ ما أريد قوله وأكثر فجزاك الله خيرا
 
إنضم
21 ديسمبر 2009
المشاركات
52
الجنس
ذكر
التخصص
شريعة وقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
البويرة
المذهب الفقهي
المالكي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المسألة من القضايا المطروحة كثيرا وخاصة في فصل الشتاء الذي يكون فيه وقت الفجر متأخر -إذ يصل عندنا في الجزائر إلى غاية 06:30- وهو ما يكون الناس فيه في حرج كبير ، هل يصلي قبل أم بعد الوقت؟
والأمر يتعلق ب:
1- وسيلة النقل ليست بيد السائل،
- لو صل بعد دخول الوقت ، لتأخر عن العمل
- ليس له مكان يصليه في الطريق
- إضافة لما تقدمتم من خوف وغيره
فأظن والله أعلم أن هذه الفتى موفقة تأصيلا وتأسيسا لفقه التيسير على الناس، وليس في الخروج عن القواعد، وخاصة فقه المقاصد في الافتاء بالتيسير.

والله أعلم
 
إنضم
3 يناير 2009
المشاركات
94
الجنس
ذكر
الكنية
أبو الحسن
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الهند
المدينة
لكناو
المذهب الفقهي
لم يتحدد بعد
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

الأخ الأسواني جزاك الله خيرا على تنبيهك لبعض ما لا ينبغي بل حصل من الدكتور أيمن استعجالا.
وجزى الله الدكتور أيمن على تعقيبه الذي فيه بعض التنبيهات ، ودائما الأنظار تختلف بل قد يكون المتباحثون متفقين على أمر لكن تصوير المسألة يختلف لديهم فتختلف الفتاوى. والحكم على الشيء فرع عن تصوره.
على كل حال جزاكم الله خيرا
والذي أرى أن الذي يريد الحفاظ على دينه وصلاته يهتم له كما يهتم لعمله الوظيفي، فيؤديه كما يحب ربنا أكثر مما يؤدي عمله كما يحب المسؤولون .
ويجتهد حتى لا ينقص من أجره وثوابه عند الله كما يجتهد في الوصول في الوقت حتى لا ينقص من أجره المالي الدنيوي.
فكما يستطيع إجبار الراكب ليخرج قبل الفجر - على خلاف العادة- يستطيع إجباره على الوقوف للصلاة.
وكما يخشى من غضب السائق يخشى أكثر من الله.
ثم بعد تلك المحاولات كلها لم تظهر نتيجة فلتبحث هؤلاء عن سائق آخر وإن كان يأخذ أجرة أكثر .
ثم ... بعد ذلك فاتقوا الله ما استطعتم. لكن عندنا وعند عامة الناس ، أول شيء فاتقوا الله ما استطعتم" هي الرخصة الأولية بمجرد ملاحظة نوع من المشقة اليسيرة اليسيرة جدا. وحسبنا الله ونعم الوكيل ، بين التعامل مع الآخرة وما فيها وبين التعامل مع العاجلة وجحيمها.
 
إنضم
19 يوليو 2009
المشاركات
53
الإقامة
مصر
الجنس
ذكر
التخصص
شريعة
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الصلاة في السيارة خشية خروج الوقت

هذه المسألة إحدى صور المسألة الفقهية القديمة وهي: الجمع بين الصلاتين من غير عذر، والحقيقة أن الشيخ أحمد بن الصديق الغماري ألَّف فيها فأجاد وأفاد، وقد كتبت في هذا الموضوع كلامًا أرجو أن يفيد، وأنتظر التعليق:
بداية اختلف الفقهاء في الجمع بين الصلاتين من غير عذر: فيرى جمهور المذاهب الأربعة عدم جواز الجمع بين الصلاتين من غير عذر، يقول الكاساني رحمه الله: «قال أصحابنا: إنه لا يجوز الجمع بين فرضين إلا بعرفة والمزدلفة ... ولا يجوز الجمع بعذر السفر والمطر؛ لأن هذه الصلوات عرفت مؤقتة بأوقاتها بالدلائل المقطوع بها من الكتاب والسنة والإجماع فلا يجوز تغييرها بضرب من الاستدلال أو خبر الواحد» [بدائع الصنائع (1/126، 127)]، والحنفية لم يجوزوا الجمع في غير عرفة ومزدلفة ولو بعذر، فمن باب أولى إن لم يكن بعذر.
ويقول النووي رحمه الله: «فرع: في مذاهبهم في الجمع في الحضر بلا خوف, ولا سفر, ولا مطر, ولا مرض: مذهبنا ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد والجمهور أنه لا يجوز، وحكى ابن المنذر عن طائفة جوازه بلا سبب. قال: وجوَّزه ابن سيرين لحاجة أو ما لم يتخذه عادة» [المجموع (4/264)، ط. مكتبة الإرشاد].
وفي "الإنصاف" للمرداوي رحمه الله: «فائدة: لا يجوز الجمع لعذر من الأعذار سوى ما تقدم على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب» [(2/339)، ط. دار إحياء التراث العربي].
ويقول ابن قدامة بعد أن ذكر الجمع بالسفر والمرض والمطر: «ولا يجوز الجمع لغير من ذكرنا» [المغني 2/60، ط. دار إحياء التراث العربي].
ويقول الحطاب نقلًا عن ابن رشد: «اتفق مالك وجميع أصحابه على إباحة الجمع بين المشتركتي الوقت لعذر السفر والمرض والمطر في الجملة على اختلاف بينهم في ذلك على التفصيل، واختلفوا في إباحة الجمع بينهما لغير عذر فالمشهور أن ذلك لا يجوز» [مواهب الجليل (1/390)، دار الفكر].
واستدلوا على ذلك بالنصوص الواردة بتعيين الأوقات، فمن القرآن: كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]، وقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تعيين الأوقات والمؤكِّدة على أداء الصلاة في وقتها.
ومن السنة: حديث مواقيت الصلاة الذي أعلم جبريل فيه النبي r بوقت كل صلاة [متفق عليه].
وعن عبدالله بن مسعود قال: ما رأيت النبي r صلى صلاة بغير ميقاتها إلا صلاتين، جمع بين المغرب والعشاء، وصلى الفجر قبل ميقاتها. [متفق عليه]، وكان ذلك بمزدلفة.
وروى الترمذي والنسائي بسندهما عن ابن عباس، قال: قال رسول الله r: «الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر».
ويرى بعض المالكية جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر مطلقًا من غير عذر لكن بشرط ألا يتخذ ذلك عادة، وممن قال بهذا الرأي ابن سيرين، وأشهب وابن حبيب من أصحاب مالك، والقفال الشاشي الكبير، واختاره ابن المنذر، و ابن شبرمة [المجموع (4/264)، وفتح الباري (2/24)، ط. دار المعرفة].
يقول ابن رشد: «اتفق مالك وجميع أصحابه على إباحة الجمع بين الصلاتين المشتركتي الوقت لعذر السفر والمرض والمطر في الجملة، على الاختلاف بينهم في ذلك على التفصيل. واختلفوا في إباحة الجمع بينهما لغير عذر، فالمشهور أن ذلك لا يجوز. وقال أشهب: ذلك جائز على ظاهر حديث ابن عباس وغيره» [المقدمات الممهدات (1/ 186)، ط. دار الغرب الإسلامي].
ويقول ابن مرزوق في شرحه على مختصر خليل عند كلامه على اغتنام الفرصة لمحادثة عالم فقيه أثناء استدلاله على جواز الجمع في السفر القصير: «ولأن القصر لم يثبت بالسنة في السفر وغيره كما في الموطأ وغيره من حديث ابن عباس أنه قال: صلى النبي r الظهر والعصر جميعًا والمغرب والعشاء جميعًا من غير خوف ولا سفر. قال مالك: أرى ذلك في مطر، ومثله في صحيح مسلم وفي بعض طرق مسلم ولا مطر وهومما يبعد تأويل مالك وأيضًا ما ثبت من الجمع بين المغرب والعشاء للمطر ونحوه، ومن هنا ذهب ابن سيرين إلى جواز الجمع ف يالحضر لغير عذ وأشهب في احد أقواله إلى جواز ذلك للحاجة والعذر ما لم يتخذه عادة ونحوه لعبد الملك في الظهر والعضر نقله في الإكمال. فإذا جاز عند هؤلاء في الحضر مطلقًا كيف لا يجوز في لسفر القصير. قال: وسمعت أو بلغني عن شيخنا ابن عرفة رحمه: وأكبر ظني أني سمعته منه قال: كان بعض أشياخي وسماه ونسيته أنه إذا أراد أن يدخل الحمام جمع بين الظهر والعصر عند الزوال على ما حكي عن أشهب لتطول مدة إقامته فيه» [بواسطة: إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر للشيخ أحمد الغماري ص(12، 13)].
وفي المغني لابن قدامة: «... وقال ابن شبرمة: يجوز إذا كانت حاجة أو شيء ما لم يتخذه عادة» [2/60].
واستدلوا على جواز الجمع بما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله r الظهر والعصر جميعًا بالمدينة، في غير خوف ولا سفر. قال أبوالزبير: فسألت سعيدًا، لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته. وفي رواية: في غير خوف ولا مطر. [رواه مسلم].
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله r صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. [متفق عليه].
وعن عبدالله بن شقيق ، قال: خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حتى غربت الشمس، وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، قال فجاءه رجل من بني تميم، لا يفتر، ولا ينثني: الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة؟ لا أمَّ لك، ثم قال: رأيت رسول الله r جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال عبدالله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة، فسألته فصدق مقالته [رواه مسلم].
فتدل هذه الأحاديث على جمع النبي r بين الصلاتين من غير عذر، لكن تأول المانعون هذه الأحاديث بعدة تأويلات:
فيرى الحنفية أن المقصود بالجمع في الحديث الجمع فعلًا لا وقتًا، وهو الجمع الصوري، يقول ابن نجيم الحنفي: «وأما ما روي من الجمع بينهما فمحمول على الجمع فعلًا بأن صلى الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها ، ويحمل تصريح الراوي بالوقت على المجاز لقربه منه والمنع عن الجمع المذكور عندنا مقتض للفساد إن كان جمع تقديم ، وللحرمة إن كان جمع تأخير مع الصحة كما لا يخفى» [البحر الرائق شرح كنز الدقائق جـ1/267 ، ط : دار الكتاب الإسلامي].
ويؤيد الحمل على الجمع الصوري ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صليت مع النبي r ثمانية جميعًا وسبعًا جميعًا. قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر، وعجَّل العصر، وأخَّر المغرب وعجَّل العشاء، قال: وأنا أظن ذلك.
ويقول العمراني في "البيان": «وأما قوله في الخبر الثاني: من غير خوف ولا مطر، يحتمل أن يكون أراد: أن المطر انقطع في الثانية، ويحتمل أن يكون أراد الجمع الذي يقوله أبو حنيفة، وهو أنه أخر الظهر إلى آخر وقتها، وقدم العصر في أول وقتها» [(2/494)، ط. دار المنهاج].
وقال ابن قدامة: «السبب الثالث – من أسباب الجمع – المرض يبيح الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء إذا لحقه بتركه مشقة وضعف؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جمع رسول الله بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر، ولم يبق إلا المرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين لأجل الاستحاضة، وهو نوع مرض» [الكافي (1/460)].
ويرد على تلك التأويلات أنه لو كان المراد أنه – صلى الله عليه وسلم - جمع في المرض لما صلى معه إلا من به مرض، ولكن لم يرد نص يفيد ذلك، فالظاهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم – جمع بأصحابه [فتح الباري (2/24)].
كما أن الحمل على الجمع الصوري بعيد وفيه من الضيق ما لا يخفى؛ فإن مراعاة تأخير الأولى وتعجيل الثانية فيه من الضيق والحرج أكثر من إتيان كل واحدة منهما في وقتها كما قال ابن عبدالبر: «لأن وقت كل صلاة أوسع، ومراعاته أمكن من مراعاة طرفي الوقتين» [التمهيد 12/203]، بالإضافة إلى أن تأخير الصلاة الأولى لآخر وقتها وتعجيل الثانية لا يسمى جمعًا حقيقة، وما لا يحتاج إلى تأويل أولى مما يحتاج.
يقول الحافظ بن حجر: «وما ذكره ابن عباس من التعليل بنفي الحرج ظاهر في مطلق الجمع، وقد جاء مثله عن ابن مسعود مرفوعًا أخرجه الطبراني ... وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري؛ لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج» [فتح الباري (2/24)].
ولابن القيم في ذلك قول لطيف يستأنس به، يقول: «فأحاديث الجمع مع أحاديث الإفراد بمنزلة أحاديث الأعذار والضرورات مع أحاديث الشروط والواجبات، فالسنة يبين بعضها بعضًا، لا يرد بعضها ببعض، ومن تأمل أحاديث الجمع وجدها كلها صريحة في جمع الوقت لا في جمع الفعل، وعلم أن جمع الفعل أشق وأصعب من الإفراد بكثير، فإنه ينتظر بالرخصة أن يبقى من وقت الأولى قدر فعلها فقط، بحيث إذا سلم منها دخل وقت الثانية فأوقع كل واحدة منهما في وقتها، وهذا أمر في غاية العسر والحرج والمشقة وهو مناف لمقصود الجمع، وألفاظ السنة الصحيحة الصريحة ترده» [أعلام الموقعين (3/10)، ط. دار الكتب العلمية].
وعليه فكل هذ التأويلات التي تأولها الجمهور ليس فيها دليل صريح ظاهر في عدم جواز الجمع بين الصلاتين ، بل الصريح أنه جمع مطلقا ، والروايات على اختلافها نصت على أنه جمع من غير خوف ولا سفر ولا مرض ، فتحمل الأحاديث على ظاهرها.
وما ذكر عن ابن عباس من أن الجمع بين الصلاتين من غير عذر كبيرة من الكبائر فلا يصلح دليلًا على عدم الجواز، لأن الرواية ضعيفة، يقول البيهقي: «تفرد به حسن بن قيس أبو علي الرَّحَبي المعروف بحَنَش وهو ضعيف عند أهل النقل لا يحتج بخبره» [السنن الكبرى للبيهقي (3/241)، ط. دار الكتب العلمية].
وأخيرًا فجواز الجمع بين الصلاتين المتحدتين قال به بعض الفقهاء شريطة أن لا يُتخذ ذلك عادة، إلا أنه يستحب الاجتهاد في أداء الصلاة في وقتها خروجًا من الخلاف وعملًا بالاحتياط.
والله تعالى أعلم.
 
أعلى