د. يوسف بن عبد الله حميتو
:: متخصص ::
- إنضم
- 21 فبراير 2010
- المشاركات
- 456
- الإقامة
- الإمارات العربية المتحدة
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو حاتم
- التخصص
- أصول الفقه ومقاصد الشريعة
- الدولة
- الإمارات العربية المتحدة
- المدينة
- أبوظبي
- المذهب الفقهي
- المذهب المالكي
سئل قاضي الجماعة الإمام ابن سراج الأندلسي رحمه الله عن سلف الدقيق بالميزان من الجيران، فقال:
" سلف الدقيق بالميزان جائز، لا أعرف أحدا ممن يقتدى به منعه، وذلك أنه يطلب في السلف معرفة المقدار المسلف ليعلم قدر ما يؤخذ، وقد حصل بالوزن، وبه أيضا يعرف التساوي، وقد أجاز ابن القصار رحمه الله مبادلة الحنطة بدقيقها وزنا، وفسر به قول مالك، وكذلك أجاز مبادلة القمح بالقمح وزنا لأن المقصود المساواة، وقد حصلت، وعلى هذا يكون قول ابن القصار نصا في مسألتنا، لأنه إذا جاز ذلك في المبادلة كانت إجازته في السلف أولى وأحرى، ولا أعلم لهذا المانع وجها، فإن كان استند إلى القول بالمنع من مبادلة القمح بالقمح وزنا فلا دليل له، لأن باب المبادلة أشد، لأنه يمنع فيه التفاضل في الصنف الواحد الربوي، وإن كان التفاضل يسيرا جدا، ولذلك منعت الزيادة اليسيرة في المراطلة، وإن كانت حبة بإجماع لحصول الربا بذلك، وباب السلف أخف لما فيه من الرفق والمعروف بين الناس، لا سيما الدقيق بين الجيران، ولأن قضاء أقل إذا رضيه المسلف جائز باتفاق، وقضاء أكثر من غير شرط إذا رضي المتسلف جائز مطلقا على قول ابن حبيب وعيسى بن دينار، ويجوز عند أشهب إن كانت الزيادة يسيرة، ووجه الجواز مطلقا قوله صلى الله عليه وسلم:"خياركم أحسنكم قضاء"، فحمله على إطلاقه في زيادة الصفة، وروى البزار عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( استسلف من رجل من الأنصار أربعين صاعا فرد إليه ثمانين: أربعين عن سلفه، وأربعين فضلا)، فقد تبين أن باب المبادلة لا يسمح فيه بشيء من التفاضل اختيارا بخلاف القرض، ولا يقاس فرع على أصل إلا بشرط اتفاقهما في العلة، ومهما حصل فرق لم يصح القياس، ووجه آخر وهو أن العلة في منع الزيادة في المبادلة بالتفاضل، وفي السلف عند منع رد الأكثر الوقوع في سلف جر منفعة، وهو ممنوع لا للتفاضل بدليل أنه منع ذلك في سلف العروض وهي لا يدخلها الربا، وقد أجاز اقتضاء أقل في الطعام وغيره، والطعام يدخله الربا، وإذا اختلفت العلة لم تقس إحدى المسألتين على الأخرى، ووجه آخر وهو أنه باع طعاما بثمن لم يجز أن يُقتضى بعد المفارقة من ذلك الثمن طعاما من جنس الطعام المبيع أجود واكثر باتفاق، وقد نص في المدونة أنه من أسلف آخر مائة درهم تنقص نصفا أنه يجوز أن يقتضي منها مائة وازنة، ووجه آخر أن المبادلة الربوية لا يجوز فيها التأخير، والقرض مبادلة بالتأخير، لكن جاز لما فيه من الرفق، فهذه الأمور تدل على افتراق حكم البابين، وأنه يسمح في باب القرض فيما لا يسمح فيه في باب المبادلة، فلا يلزم على هذا القائل باعتبار المعيار الشرعي في المبادلة أن يقوله في القرض، فينبغي الجواز في مسألتنا، لأن معرفة المساواة تحصل بالميزان، وهو المعروف عندنا في الدقيق، على أنه لا يجوز عندنا بيعه إلا به، لأن المبايعة إنما تكون بالمعيار المعروف، وإن خالفت العادة عادة الشرع، كالتمر مثلا لا يجوز بيعه عندنا بالكيل، وإن كان ذلك هو المعروف في عادة الشرع لما يقع في الغرر المنهي عنه، ويعتضد في مسألتنا بما تقدم عن ابن القصار.
إذا تقرر هذا فيقال: قد جرى العرف عند الناس والجيران في سلف الدقيق بالميزان، وهو يحصل به التساوي المطلوب في السلف، ولا يعرفون فيه الكيل، وله وجه صحيح، فلا يمنعون منه، لأن الناس إذا جرى عملهم على قول إمام ويلزمون ذلك إن كانوا مستندين في عملهم لقول إمام معتمد، أما إن كان المانع لا مستند له إلا مجرد نظره من غير نص ولا مشاورة فمنعه خطا، فقد نص العلماء على أن من شرط تغيير المنكر أن يحقق كونه منكرا، وإلا فلا يجوز، ومن شرطه أيضا أن يكون متفقا عليه عند العلماء. ***** فتاوى ابن سراج، ص: 178، المعيار، 20/5
" سلف الدقيق بالميزان جائز، لا أعرف أحدا ممن يقتدى به منعه، وذلك أنه يطلب في السلف معرفة المقدار المسلف ليعلم قدر ما يؤخذ، وقد حصل بالوزن، وبه أيضا يعرف التساوي، وقد أجاز ابن القصار رحمه الله مبادلة الحنطة بدقيقها وزنا، وفسر به قول مالك، وكذلك أجاز مبادلة القمح بالقمح وزنا لأن المقصود المساواة، وقد حصلت، وعلى هذا يكون قول ابن القصار نصا في مسألتنا، لأنه إذا جاز ذلك في المبادلة كانت إجازته في السلف أولى وأحرى، ولا أعلم لهذا المانع وجها، فإن كان استند إلى القول بالمنع من مبادلة القمح بالقمح وزنا فلا دليل له، لأن باب المبادلة أشد، لأنه يمنع فيه التفاضل في الصنف الواحد الربوي، وإن كان التفاضل يسيرا جدا، ولذلك منعت الزيادة اليسيرة في المراطلة، وإن كانت حبة بإجماع لحصول الربا بذلك، وباب السلف أخف لما فيه من الرفق والمعروف بين الناس، لا سيما الدقيق بين الجيران، ولأن قضاء أقل إذا رضيه المسلف جائز باتفاق، وقضاء أكثر من غير شرط إذا رضي المتسلف جائز مطلقا على قول ابن حبيب وعيسى بن دينار، ويجوز عند أشهب إن كانت الزيادة يسيرة، ووجه الجواز مطلقا قوله صلى الله عليه وسلم:"خياركم أحسنكم قضاء"، فحمله على إطلاقه في زيادة الصفة، وروى البزار عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( استسلف من رجل من الأنصار أربعين صاعا فرد إليه ثمانين: أربعين عن سلفه، وأربعين فضلا)، فقد تبين أن باب المبادلة لا يسمح فيه بشيء من التفاضل اختيارا بخلاف القرض، ولا يقاس فرع على أصل إلا بشرط اتفاقهما في العلة، ومهما حصل فرق لم يصح القياس، ووجه آخر وهو أن العلة في منع الزيادة في المبادلة بالتفاضل، وفي السلف عند منع رد الأكثر الوقوع في سلف جر منفعة، وهو ممنوع لا للتفاضل بدليل أنه منع ذلك في سلف العروض وهي لا يدخلها الربا، وقد أجاز اقتضاء أقل في الطعام وغيره، والطعام يدخله الربا، وإذا اختلفت العلة لم تقس إحدى المسألتين على الأخرى، ووجه آخر وهو أنه باع طعاما بثمن لم يجز أن يُقتضى بعد المفارقة من ذلك الثمن طعاما من جنس الطعام المبيع أجود واكثر باتفاق، وقد نص في المدونة أنه من أسلف آخر مائة درهم تنقص نصفا أنه يجوز أن يقتضي منها مائة وازنة، ووجه آخر أن المبادلة الربوية لا يجوز فيها التأخير، والقرض مبادلة بالتأخير، لكن جاز لما فيه من الرفق، فهذه الأمور تدل على افتراق حكم البابين، وأنه يسمح في باب القرض فيما لا يسمح فيه في باب المبادلة، فلا يلزم على هذا القائل باعتبار المعيار الشرعي في المبادلة أن يقوله في القرض، فينبغي الجواز في مسألتنا، لأن معرفة المساواة تحصل بالميزان، وهو المعروف عندنا في الدقيق، على أنه لا يجوز عندنا بيعه إلا به، لأن المبايعة إنما تكون بالمعيار المعروف، وإن خالفت العادة عادة الشرع، كالتمر مثلا لا يجوز بيعه عندنا بالكيل، وإن كان ذلك هو المعروف في عادة الشرع لما يقع في الغرر المنهي عنه، ويعتضد في مسألتنا بما تقدم عن ابن القصار.
إذا تقرر هذا فيقال: قد جرى العرف عند الناس والجيران في سلف الدقيق بالميزان، وهو يحصل به التساوي المطلوب في السلف، ولا يعرفون فيه الكيل، وله وجه صحيح، فلا يمنعون منه، لأن الناس إذا جرى عملهم على قول إمام ويلزمون ذلك إن كانوا مستندين في عملهم لقول إمام معتمد، أما إن كان المانع لا مستند له إلا مجرد نظره من غير نص ولا مشاورة فمنعه خطا، فقد نص العلماء على أن من شرط تغيير المنكر أن يحقق كونه منكرا، وإلا فلا يجوز، ومن شرطه أيضا أن يكون متفقا عليه عند العلماء. ***** فتاوى ابن سراج، ص: 178، المعيار، 20/5