العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فقه المطالب العالية

إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل

فقه المطالب العالية

تحرير المعاني التي تضمنتها النصوص الإسلامية ، من أهم المعالم التي تُعين على تحقيق الفهم الصحيح في الدلالات اللفظية . ولا يستقيم ذلك إلا بالتأمل العميق في وجوه الدلائل وعرضها على قواعد العقل الراسخة بمنظور الشّرع . وهناك أخبار وآثار ترد عن السلف والخلف ، الغرض منها قصد المطالب العالية في النواحي التعبدية أو العلمية ،وفي ثناياها معاني دقيقة يغفل عنها بعض من يتأمل فيها . وتفسيرها على غير وجهها الصحيح ، يعدُّ من الوصف الطردي الممنوع شرعا .
ومن الأمثلة التي يمكن النظر فيها على ضوء ما ما تقرّر، ما يُروى عن الإمام أحمد (ت: 204هـ ) رحمه الله تعالى أنه كان يصلّي في الليلة الواحدة ثلاثمئة ركعة ، وكان يحفظ مليون حديث . ورُوي عن ابن الجوزي ( ت : 597 هـ ) رحمه الله تعالى أنه قال وهو على المنبر :" كتبتُ بأصبعي هاتين ألفي مجلدة ، وتاب على يدي مئة ألف ، وأسلم على يدي عشرون ألف يهودي ونصراني " . وروي أن الإمام الطبري (ت: 310 هـ ) رحمه الله تعالى ، مكث أربعين سنة ، يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة . ونحوها من الأمثلة التي يمكن تجريدها على جادة المطالب العالية .
فقه المطالب العالية يمكن تحريره في النقاط الآتية :
1- تميز طائفة من الناس بالعلم والعبادة وسداد القول والحنكة في تدبير الأمور، محض فضل من الله لمن يشاء من خلقه ، والمخلوق ضعيف بتدبير نفسه ، قوي بتدبير الله له . " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا " ( النور: 21) .

2- حفظ الوقت وتنظيمه وضبط الأعمال، ليس السبب الأوحد والأهم في ادراك المطالب العالية . فليس كل من بلغ المطالب يعزى سبب تفوقه لذلك . ومناط ذلك على ما يأتي من مفاتيح المطالب .

3- الفهم والتفكر من مفاتيح ادراك المطالب العالية. وقد منّ الله على نبيه سليمان عليه السلام بذلك حينما اشكلت عليه قضية الحرث فقال :" ففهمناها سليمان" (الانبياء: 79 ) . وقد أثنى الله على الذاكرين المتفكّرين في مواضع كثيرة من كتابه .

4- أغلب الذين منّ الله عليهم بالعلم والعبادة ، كانوا ممن اختصهم الله بحفظه في صغرهم وشبابهم ، فلم يرتعوا في شهوات النفس البهيمية ولم يركنوا الى الدنيا . ومن حفظ الله في صباه حفظه الله عند كبره وضعفه .


5- لا يجوز الاندهاش من تفوق من أدرك بعض المطالب العالية قبل وزنها بميزان الشّرع ، فليست العبرة بالكثرة أو السّبق ، إنما العبرة بما وافق الدليل.

6- أعظم عون على نيل المطالب العالية بعد توفيق الله ،هو الدعاء مع الخشية ، ولم يصل الكبار إلا بهذا المفتاح العزيز مع المفاتيح المساندة . قال الله تعالى : "قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم" ( الفرقان: 7 7 ) وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال : " الدعاء هو العبادة " أخرجه الترمذي باسناد صحيح . وقال سبحانه : " انما يخشى الله من عباده العلماء "( فاطر: 28 )، وقد رُوي عن الامام ابن تيمية (ت: 728هـ ) رحمه الله تعالى، أنه كان يخرج إلى الصحراء والأماكن المهجورة ويحثو التراب على وجهه، متضرعا خاشعا الى الله ، ويقول :" يا معلم إبراهيم علّمني ويا مفهم سليمان فهمني " .


7- حفظ العقل والنظر في العواقب ،يورث الرشاد والاستقامة ويحثّ على العزيمة في نيل المطالب العالية ، وقد قيل : بالعقول تنال ذروة العلوم . وأكثر الأئمة كانوا يتصفون بهذه الصفة النورانية ، ويمكن ملاحظة ذلك في مراسلات الإمام الشافعي( ت: 204هـ ) مع الإمام أحمد رحمهما الله تعالى . وقد شهد للشافعي بسعة العقل: يونس الصدفي(ت:264هـ ) رحمه الله تعالى بقوله : "ما رأيت أعقل من الشافعي " .

8- الشهوة آفة المطالب العالية ، ومحرّك الشهوة : الهوى ، وقد قال بعض الأدباء : "الهوى مركب يلذُّ للقاصر الغريق" ، فكل من ضبط شهوته نال أمنيته ، والعكس بالعكس ، قال الله تعالى :"ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه" ( الاعراف: 176 ) .

9- العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة " أخرجه مسلم في صحيحه . وفي الحديث ايضا: " اتق المحارم تكن أعبد الناس " أخرجه الترمذي وصححه الألباني . فمن عرف شرف العلم والعبادة سهُل عليه نيل أسباب الوصول إليهما مهما كانت العوائق ، ومن فاته شي من ذلك فليشمّر وليستدرك ما فاته ، ومن الشوارد الأصولية : أن ما تعين وقته : يوصف بالأداء والقضاء ، وما لا يتعين وقته لا يوصف بهما . ولن ينال المرء مراده الا على جسر من التعب .

10- ليست بركة الوقت هي المحفّز لإدراك المطالب العالية كما يشاع عن الأعلام ، بل الكدّ والجلد مع الإخلاص في الحركات والسكنات ، ولما ذكر للإمام أحمد الصدق والإخلاص ، قال : "بهذا ارتفع القوم" .

11- تدرك المطالب العالية بترويض النفس على مراحل ، فإن المسافر لا يقطع الأرض إلا على مراحل ، يتجشّم خلالها العناء شيئاً فشيئاً ،حتى يبلغ هدفه .قال محمد بن المنكدر (ت:130هـ ) رحمه الله تعالى : "جاهدتُ نفسي أربعين سنة حتى استقامت " .

12 - محاسبة المقاصد والنيات تورث الأريحية والكمال بنوعيه : كمال المقتصدين وكمال المقرّبين . وقد قال بكر بن عبد الله المزني ( ت : 106 هـ) رحمه الله تعالى : " ما سبقهم ابو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بشي وقر في قلبه " .

13- من فُتح له باب في العلم أو العباده ،فليسأل الله دوام العفو والعافية، فان المحرومين منهما كثير . والمغبون فيهما كثير .ومن أنعم الله عليه بالعلم والعبادة معا فقد التحق بالمقربين ،فليشكر الله قولا وعملا، كما قال الله تعالى :" واذكر عبادنا ابراهيم و اسحاق ويعقوب اُولي الأيدي والأبصار "( ص: 38 ) .

14– الازدياد من العلم والعبادة لا حدّ له ، ما لم يخالف نصّا ،ومن لم تزده العبادة والعلم صلاحا ، فاته الجمال والكمال ، كما قال ابن الوردي(ت: 749هـ ) رحمه الله تعالى :
في ازدياد العلم ارغام العدا وجمال العلم اصلاح العمل .

اللهم اصلح نياتنا وأعمالنا ،على الوجه الذي يرضيك عنا . والحمد لله رب العالمين .
 
إنضم
11 يوليو 2012
المشاركات
350
التخصص
أصول فقه
المدينة
قرن المنازل
المذهب الفقهي
الدليل
رد: فقه المطالب العالية

واياكم يا شيخ مونعيم ، ورفع الله قدركم في الدارين .
 

فايز هادي سالم

:: متابع ::
إنضم
5 سبتمبر 2011
المشاركات
45
الإقامة
أبوظبي
الجنس
ذكر
التخصص
إدارة الاعمال التنفذية -ادارة الاستراتيجية
الدولة
الامارات العربية المتحدة
المدينة
ابوظبي
المذهب الفقهي
سني
رد: فقه المطالب العالية

بارك الله فيك يا أخي أحمد على الطرح الطيب
 
أعلى