د. ملفي بن ساير العنزي
:: متخصص ::
- إنضم
- 25 مارس 2011
- المشاركات
- 1,035
- الكنية
- أبو محمد
- التخصص
- فقه
- المدينة
- مكة المكرمة والشمال
- المذهب الفقهي
- أصول المذهب الأحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على كل حال وإليه المرجع والمآل..
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
في يوم الجمعة 27/ 10/ 1433هـ. خاتمة حسنة إن شاء الله؛ فقد وافى القدَر المحتوم -والذي لا ينجو منه نبيّ ولا ملَك كريم ولا أحد من الثقلين- شيخنا؛ فترجَّل الداعية والمربّي والعالم والفقيه والمفسّر الكبير الشيخ محمد ياسين الخياط رحمه الله وأسكنه أعلى عليين, مع الذين أنعم الله عليهم..
بعد معاناة مع المرض الذي لم يقعده عن الصلاة وعن الذكر؛ رغم سنّه الذي قارب الهنيدة, وقد صُلي عليه يوم أمس السبت 28 / 10 / 1433هـ في مدينة الرياض.
رحل الدّرّ المكين المغطّى, والكنز الثمين الموطّا, رحل إمام الخُلق الحسَن, وحسَن الاقتداء والخَلق.
رحل شيخ الحفّاظ رحل شيخنا الذي أكرمنا الله به في مدينة عرعر؛ بعد أن هاجر من بلده الشام بسبب الظلم والطغيان قبل أكثر من ثلاثة عقود, فأتى منطقة الجوف, ثم استقرّ بعرعر هذه المدينة الحالمة لوجود عزيز ذا سعة أُفُق وقِدَم سنّ مثله, وفي طلبة علمنا خلف مبارك بإذن الله.
تتلمذت على يديه في المعهد العلمي بعرعر - مع الكثير من الطلاب - فلقد كان معلّماً موفّقاً, وكان سمته وخلُقه القرآن.
لم أنس, ولن أنسى؛ أُنسه بتعليمنا, وصبره على طلابه وحبّه لهم, وعفّته وحلمه وتواضعه للجميع وللعامة وللفقراء والمساكين.
وكلما قدمت لعرعر من رحلة علمية, أتيته بجامعه واستفدت من علمه, وسمته وخُلُقه.
كان رحمه الله يهتمّ بأمور المسلمين, ويتعاطف معهم ويدعو لهم, ولا يترك فرصة إلا وسجَّلها -بما يستطيعه من نفع ودعاء ورقية وذكر وتعليم ووفاء- بسجّله الناصع -يقيناً- عند الناس, وكرماً وجوداً وتفضّلاً عند الله تعالى, نسأل الله أن يُيمّن كتابه ويجعله من المقرّبين.
ولقد نذر نفسه للعلم والعمل, وساعده - بتوفيق الله - سمو أمير المنطقة عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد جزاه الله خيرا ومن أشار ويسّر من العاملين في الشئون الإسلامية والدعوة والأوقاف, في مكان مناسب له؛ قد ارتضاه بعد تقاعده عن التدريس في المعهد العلمي في عرعر التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ فتولّى إمامة وخطابة جامع سموّه بعرعر؛ لينتفع الناس به في:
- التدريس.
- ونشر العلم.
- والخطابة.
- والإمامة.
- والرقية الشرعية التي جعلها منهجا نبوياً كريماً.
- وصحبة الحج.
- وله من المؤلّفات (تفسير الحفاظ).
وقفنا في تلك السنة بعرفة في يوم جمعة. وكان هناك من نوى صيام ذلك اليوم مندفعاً نحو السنة والعمل.. فأبلغ الشيخ أحد الرُّفقة ليلة عرفة أو صبحها؛ فـبيّن شيخنا السنة الفعلية للنبي صلى الله عليه وسلم, ثم سكت... ثم رأى ذاك الشاب الذي نوى الصيام بعدها بساعات... فابتسم وقال: بعدك صايم؟ ولم ينس, أو يخالف خلقه الكريم وملاحظته لطلابه... قال له: وأنت يا شيخنا ؟ فسكت!.
وكان يلبّي الدعوة. و يحاول جاهداً أن لا يخلط في الأكل.
كان أبيض البشَرة ذا لحية بيضاء مشرقة بالسنّة.
وكان يزور بعض المساجد والإدارات الحكومية؛ ليستفيد الناس من علمه ومن عمله ومن سمته الرضيّ.
قال عنه أحد تلامذته الأوفياء وهو الشيخ عبد العزيز المجلاد :
" ... ابن حلب الشهباء... فمن منا من لا يعرف هذا الشيخ الجليل العابد الزاهد
[محمد] ياسين الخياط الشيخ التقي النقي العلم الذي تتلمذ على يديه الكثير والكثير... أشعر حينما أراك. أنّك في عصر غير عصرك, وفي زمن غير زمنك.
لقد سافرت بنا من خلال نور الأيمان الذي يملأ محياك إلى زمن خير القرون وزمن الذين يلونهم. سافرت بنا الى تلك الحقبة التي زلزل أصحابها أركان عروش القياصرة والأكاسرة...".اهـ
ومما يحسن ويندب إليه: الوفاء للشيخ بجميع صوره وأشكاله, فيما نقدّمه له, ومع ذويه وأهله.
ومن الوفاء إنشاء جمعية خيرية باسمه في مدينتا الجميلة الوفيّة؛ ليذكره الناس بحسب ما كان يعمله ويشغل وقته به -رحمه الله- فلقد كانت حياته لله وفي سبيل الله ومع عامّة خلق الله, في تواضع واستكانة وشرف علم وصلاح؛ وبعزّة ويقين.
وكما طالب البعض – أيضاً – إنشاء جامع باسمه...
وعلينا التفكّر فيما قدّمنا؛ فالحياة قصيرة وغريبة, ومظلمة؛ ((... إلا ذكر الله ومن والاه, وعالم ومتعلّم)) كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي.
وعلينا التنبّه لساعة الرحيل ؛ بإسلام لله! سالم من الآفات والبلايا, ولنقل جميعا لمن يتندّر ويستخفّ : بيننا وبينكم يوم الجنائز؛ فلقد ذهب منا صالح ! وقبله ذهب الصالحون([1]):
أهكذا البـــــــــدرُ تُـخفي نــــــوره الحُفَر.... ويُفقد العلم لا عـــــــــــين ولا أثر
خبَـــــــت مصابيح كنـــــا نستضئ بها.... وطــــــوَّحت للمغيب الأَنجم الزُّهر
واستحكمت غربة الإسلام وان كسفت.... شمس العلوم التي يهدي بها البشر
تَـخرّم الصــــــــــــــــالحون المقتدى بهـــــــــــم.... وقام منهم مقام المبتدأ الخبر
[فنَل من العلم نيل الفالحين] وقل.... والهف نفســــي على أَهـــــل له قُبِروا
لم يجعلوا ســــلّما للمـــال علــــمهم.... بل نزّهـــــــوه فلم يعلق بـــــــــه وضر
تلك المكــــــــــــــارم لا تزويق أبنيــــــة.... ولا الشفوف التي تكسي بها الجدر
لكنه العـــــــــلم يسمو مــــــــن يقوم به.... على الجهــــول ولو من جدّه مضر
والشيخ - باختصار - مربي وموجّه ومعلم وموفّق, يعرف قدر العلماء وهو كبير القَدْر, ولا يكفي ما كتبته عن الشيخ ولكنه بعض حقّ؛
تكفي اللبيب إشارة مرموزةٌ ... وسواه يُدعى بالنداء العالي.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
اللهم اغفر لشيخنا محمد ياسين الخياط وأسكنه أعلى الجنة وأوسطها {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)} [النساء]
اللهم ولا تحرمه أجر {... الذين اتقوا والذين هم محسنون}
اللهم واجعل قبره روضة من رياض الجنة, واجزِه اللهم عن المسلمين وطلاب العلم خيراً.
اللهم ارحمه ووالديه والمسلمين والمسلمات,
اللهم وبارك في ذرّيته وأهله وطلابه.
يارب في الفردوسِ؛تلك الغالية... أجزِل ثواب الشيخ؛عيناً رائية.
والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب
ملفي بن ساير بن مجاهد العنزي
خاتمة شوال 1433هـ.
([1]) الآتي من قصيدة للشيخ الشيخ محمد بن عبد الله بن عثيمين في رثاء الشيخ سعد بن عتيق (ت1349هـ) رحمه الله, مع تعديل لأحد شطري أبياتها وقد وضعته بين معقوفتين...؛ تفاؤلاً وتحفيزاً...