العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

كشفُ المُقيَّدات في طُرَّة "خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول" لأبي شامة المقدسي

إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
الحمد لله رب العالمين..والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم أجمعين.. أما بعد:

فقد يسّر الله لي قراءة الكتاب الموسوم بـ:"خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول" لأبي شامة المقدسي(599-665هـ)
وكنت في أثناء تقليبي صفحاتِه أصطفي من الفوائد أوفاها ومن الفرائد أسماها..

فتحصَّل لي من ذلك قدرٌ لابأس به،تجمَّلت به طُرَّة الكتاب زمنًا،وأحببت الكشفَ عن تلك المُقيَّداتِ في ذي النافذة ..


واللهَ أسأل أن يبارك لي ولكم في العلم والعمل..

وعنوان الكتاب مفصحٌ عن مااستكن في تضاعيفه..
فقد أبان أبو شامة رحمه الله في هذه الخطبة عن فضل العلم والعلماء، وسطّر صفحات عديدة فيها الثناء على الشافعي وبيان إمامته ، وتكلم عن حال فقهاء زمانه والشافعية منهم على سبيل الخصوص ..
وندب ماعليه طائفة منهم من نبذٍ لأمر الشافعي إياهم بتقديم قول المصطفى
sallah.gif
على قوله..

فأغلظ في النكير وشدد في النذير .. وسلك مسلكا لاكالمسلك الذي سلكوا.. ولكلٍّ وجهة

وأجلب بخيله ورجله لرد الفقهاء إلى نصوص الوحيين ، ونادى بعالي الصوت قائلًا:
"الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها.وعليه بالإنصاف وترك التقليد واتباع الدليل،فكل أحد يخطئ ويصيب إلا من شهدت له الشريعة بالعصمة وهو النبي
sallah.gif
وإجماع الأمة"





والله المستعان وعليه التكلان..

والكتاب من مطبوعات دار أضواء السلف وعلق عليه جمال عزّون..
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
[توطئة]

قال أبو شامة بعد أن ألقى نُبَذًا عن جملةٍ من علوم الشريعة:
(وبعون الله وتوفيقه قد سبق مني عدة مصنفات صغار مفرقة في عدة من هذه العلوم،مختصةٍ ببعض الأبواب منها وغير مختصة،كل مصنف منها متقن لذلك الباب إن شاء الله عز وجل،جامعٌ أشتاتَه،مستوعبٌ مسائله،ضامٌّ أطرافَه،استدلالا واعتراض،جمعا وبيانا،ضبطا وتقريرا،شرحا وتفسيرا.
وأردت أن أجمع تلك المصنفات،أو معظمها في مجلدات،كل مجلدة مشتملة على عدة مصنفات،كل مصنف منها في فن من الفنون...وسميت مايجمع تلك المصنفات بـ: (الكتاب المرقوم في جملة من العلوم)،وكل مصنف منها منفرد باسم دال على مايتضمنه ذلك التصنيف،وابتدأت بالخطبة الكبرى التي جعلتها مقدمةَ كتابٍ لو تهيأ لم يكن له نظير) 36
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- التفقه في الدين هو استنباط المعاني الصحيحة من الكتاب والسنة على مايقتضيه علم العربية،وماتشهد له قواعد الدين المعلومة والمظنونة،وآثار الصحابة والتابعين،ومذاهبُ أئمة المسلمين الذين اختلافهم رحمة لهذه الأمة. 33 (من مقدمة "الكتاب المرقوم في جملة من العلوم" وهي المقدمة التي تسبق الخطبة الكبرى للكتاب المؤمل،وتنحصر في ثلاثة أوراق)

- علم الأصول منقسم إلى مايُسمى أصولَ الدين وإلى مايسمى أصول الفقه،وقد أُلحق بكل واحد من العلمين أشياء كثيرة،وأبحاث عسيرة،من علم الكلام وشبه أهل الجدال والخصام. والأولى بمن صح إيمانه،ووضح برهانه،أن لايضيع زمانه فيه،وقد دس فيها فيهما بعض من انتهض،أو كان في قلبه مرض،من علوم الأوائل المنكرة،أمورا ضارة مستنكرة،حتى صار المشتغل بتلك الأمور يتستر باسم الأصول وهو ملوم. 34-35(من مقدمة "الكتاب المرقوم في جملة من العلوم")

- قال ابن عبدالحكم: كنت عند مالك أقرأ عليه العلم،فدخل وقت الظهر،فجمعت الكتب لأصلي،فقال:ياهذا ما الذي قمتَ إليه بأفضل مما كنت فيه إذا صحت النية.
يعني قيامَه لإحراز فضيلة أول الوقت،والله أعلم 55
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
-... فإنا مأمورون بالعلم وبالعمل،فلا ينبغي أن يحملنا تقصيرنا في العمل على أن نقصر في تحصيل العلم،فنكون قد خالفنا الأمر فيهما،مع أنه يُرجى من بركة العلم النافع أنه يفضي بصاحبه إلى العمل،فقد جاء عن جماعة من أكابر التابعين وأتباعهم في العلم والدين أنهم قالوا:تعلمنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.
وقال بعضهم:تعلمنا العلم ومالنا فيه كبير نية ثم رزقنا الله النية بعد.
فهذا تفسير قول من قال: (تعلمنا لغير الله فأبى أن يكون إلا لله) أي: فحصلت النية.
وذكر الغزالي في "كتاب الإحياء" أن بعضهم قال: معناه أن العلم أبى وامتنع علينا فلم تنكشف لنا حقيقته،وإنما حصل لنا حديثه وألفاظه.
والتفسير الأول أولى إذ بعضُ الروايات فسر بعضا،ووقع هذا القول من جماعةِ أكابرَ لايُظنّ بهم سوى المعنى الأول.
قال سماك بن حرب: طلبنا هذا الأمر ونحن لانريد الله به،فلما بلغتُ حاجتي دلني على ماينفعني،وحجزني عما يضرني.
فهذا معنى ماذهبوا إليه رحمهم الله. 58-59


- اعلم أن استخراج مسائل الفقه وتحقيقها متوقف على إحكام علم أصول الفقه،وإتقان كل هذه العلوم متوقف على التبحر في معرفة اللسان العربي،من وجوهه وطرقه ومجازه ومجاري استعماله،ولهذا ضل كثير ممن جهله فزلوا في علوم الأصول والفروع أنواعا من الزلل،وأخطؤوا فيها ضروبا من الخطأ والخلل.
قال أبو عبيد:سمعت الأصمعي يقول:سمعت الخليل بن أحمد يقول:سمعت أيوب السختياني يقول:
عامة من تزندق بالعراق لجهلهم بالعربية.
وقال الزهري:إنما أخطأ الناس في كثير من تأويل القرآن لجهلهم بلغت العرب.
قلتُ: وسبب الخطأ حمل الألفاظ مطلقا على ظواهرها،وانصراف الأذهان عن مجاري كلام العرب،والغفلة عن كثرة تصرفاته وتفننه ومذاهبه التي لايعقلها إلا العالمون به. 62-63
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- قيل لبعض الحكماء: من يعرف كل العلم؟ فقال: كل الناس.
يعني:كل العلم الذي آتاه الله خلقه لايعرفه إلا جميعهم،ولايعرف العلم بأسره مطلقا إلا خالقهم عز وجل. 63

- قال القاسم بن محمد: كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 67

- قال أحمد بن حنبل: كان الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة،فجاء الشافعي طبيبا صيدلانيا،مامَقَلَتِ العيون مثله...
وقال: إذا سُئلتُ عن مسألة لاأعرف فيها خبرًا قلت فيها بقول الشافعي. 73-74

- قال أبو العباس بن المبرد: رحم الله الشافعي كان من أشعر الناس،وآدَبِ الناس،وأعرفهم بالقراءات.
كذا وقع وأظنه[المتكلم أبو شامة]تصحيفًا،إنما هو: "وأعرفهم بالقرآن" أي:بمعانيه وأحكامه،أي:رُزِق فهما فائقًا فيه على ماسبق من كلام إسحاق بن راهويه ويونس بن عبدالأعلى وغيرهما. 75

- قال الربيع: كان الشافعي لايصلي مع الناس في قيام رمضان ويصلي في بيته،ويختم ستين ختمة ليس شيء منها إلا في صلاة،ختمة بالنهار وختمة بالليل. 77
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- قال الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي: (للشافعي رحمة الله عليه ثلاث كلمات ماتكلم بها أحد في الإسلام قبله،ولايفوه بها أحد بعده إلا والمأخذ فيها عنه.
إحداها: أني سمعت ابن خزيمة يقول:سمعت المزني يقول:سمعت الشافعي يقول:إذا صح لكم الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فخذوا به ودعوا قولي.
الثانية: أخبرني محمد بن المنذر بن سعيد عن الحسن بن محمد بن الصبّاح الزّعفرانيّ قال:سمعت الشافعي يقول: مانظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ. زاد في رواية أخرى: إلا صاحب بدعة فإني أحب أن ينكشف أمره للناس.
قال: والثالثة: سمعت موسى بن محمد الديلمي بأنطاكية يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:سمعت الشافعي يقول: وددت أن الناس تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي)
وفي رواية:وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس أُؤجر عليه ولايحمدوني،وماناظرت أحدا قط إلا على النصيحة. 78-79
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- ماأعظم حظ من بذل نفسه وجهدها في تحصيل العلم حفظا على الناس مابقي بأيديهم منه،فإن هذه الأزمنة قد غلب على أهلها الكسل والملل وحب الدنيا،فالمشتغل منهم عليها يحوم،ولها يقعد ويقوم،فإذا حصلت فترت همته واشتغل بها،وطلب الزيادة منها.
ومنهم من تفتر همته لعدم حصولها له ولاسيما إذا حصلت لغيره ممن يراه دون درجته،هذا مع أن اشتغال المشتغلِ منهم ضعيف،قد قنع الحريصُ منهم من علوم القرآن بحفظ سواده،ونقل بعض قراءاته،وأغفل علم تفسيره ومعانيه،واستنباط أحكام الشريعة من مبانيه.
واقتصر من علم الحديث على سماع بعض الكتب على شيوخ أكثرهم أجهل منه بعلم الرواية،فضلا عن الدراية،وأغفل إتقانَ معرفة الأسانيد والمتون من التقييد اللفظي،والبحث الصحيح المعنوي.
واجتزأ من علم الفقه بحفظ مختصر،ولولا الجاري عليه بسببه لما صبر.
ومنهم من صعب عليه أيظا حفظ المختصر ورفع نفسه عنه،فنظر في بعض نكت الخلافيين المتأخرين،العارية عن مآخذ الأئمة وفقه المتقدمين وعدّ نفسه لغرابة ماأتى به من رؤوس العلماء،وهو عند الله تعالى وعند علما الشريعة من أجهل الجهلاء،قد حُرِم أنفاسَ أهل الدين والعلم الفاخر،ورضي مما هم عليه بإطلاق اسم المستدل المناظر.
واكتفى من علم العربية بالنظر في مقدمة يزعم أنه يُصلح بها لسانه،ويقوي بها عند الجدال جنانَه،وصدف عن الكتب النفيسة الكافلة بنفائس هذا الشأن،وعن الاشتغال بعلمَي اللغة والبيان،اللذينِ بهما يُفهم الحديث والقرآن.
وأما أصول الفقه فقد هُجر هجرا،فلا تكاد تسمع له ذكرا،إلا بأبحاث خارجة عنه،وإن كانت قد سُطِّرت فيه حتى حُسبت أنها منه.
فليتدبر ماقلناه طالبُ العلم،وليتهم نفسه بالتحصيل،فكل علم من هذه العلوم بحر زاخر،ولايحصل على دُرره إلا كل سابح غوّاص ماهر،قد مرت عليه أزمنة في ملازمة الطلب،وطول النصب والتعب،من التكرار والبحث والشرح والمراجعات،ومذاكرة العلماء وكثرة المطالعات،مع الأهليّة التامّة من صحة الذهن وحدته،وطول الفكر منه وحسن نيته،فيراجع ماأشكل عليه ويحققه،وإذا عَدَّ تنبيهَ من نبهه على خطئة فائدة منه وشكره عليه فالله يوفقه.
وليعتمد من مذاكرة الشيوخ ومطالعة الكتب كل معتمد عليه،ولايتجاوز تحقيق ماأشكل عليه،فهذه صفة المشتغل المحقق،وهو الذي ينتفع وينفع الله كل مُوفَّق . 93-95
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- قال أحمد بن حنبل:سألت الشافعي عن القياس؟فقال:عند الضرورات . 105

- ...ثم إن الشافعي رحمه الله احتاط لنفسه وعلم أن البشر لايخلو من السهو والغفلة وعدم الإحاطة،فصح عنه من غير وجه أنه أمر إذا وُجد قوله على مخالفة الحديث الذي يصح الاحتجاج به أن يُردَّ قولُه ويؤخذَ الحديث...
ونقل أيضا إمام الحرمين في باب التعزير من كتاب "النهاية" عن صاحب "التقريب" كلامًا حسنًا في هذا المعنى وإن كان فيما استنبطه نظرٌ،فقال:ولما ذكر صاحب "التقريب" مقالات الأصحاب في التعزيرات ومبالغَها روى عن أبي بردة بن نيار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لايجلد فوق العشرة إلا في حد). قال صاحب "التقريب": هذا خبر صحيح لو بلغ الشافعيَّ لقال به...
قلتُ:وهذا الحديث متفق عليه في الصحيحين ولكن له عندي تأويل،وهو أن المراد به ضرب التأديب الصادر من غير الولاة،كضرب السيدِ عبدَه،والزوجِ امرأتَه،والأبِ ولدَه،والمعلم والمؤدب من تحت يده من الصبيان المتعلمين.
وقوله: (إلا في حد) يعني:مايضربه الولاة على الجرائم فإنها حدود شرعية،أي:موانع وزواجر.
وهي منقسمة إلى حد مقدر كحد الزنا والقذف،وإلى حد غير مقدر وهي التعزيرات على الجرائم التي لامقدَّر في حدها من جهة الشرع،وإنما هو موكول إلى اجتهاد ولاة الأمر يفعلون من ذلك ماهو الرادع الزاجر لصاحب تلك الجريمة مما هو لائق به،وذلك يختلف باختلاف الجرائم،فمنها الكبائر كأكل الربا،ومال اليتيم،والغصب،والفرار من الزحف،وعقوق الوالدين،فكيف يُسوَّى بين هذه وبين الصغائر في أن لايبلغ بالجميع عشرة أسواط؟فأي انزجار يحصل بذلك؟لاسيّما من الأراذل والسفل...
فليس لهذا الحديث الصحيح محمل إلا ماذكرته،وهو معنى حسن جيد.والحمد لله على فهمه،وسيأتي تقرير ذلك إن شاء الله تعالى في موضعه ، وإنما قدمته هنا خوفا من اخترام المنية قبل الوصول إليه لأنه في أواخر الكتاب ،واستطرد الكلام بنا فذكرته. 109-116


وقد جرى عليه من قضاء الله تعالى مامنه خاف..
والله يخلق مايشاء ويختار..
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- ...وأجود تصانيف أصحابنا من الكتب الكبار فيما يتعلق بصحة نقل نصوص الشافعي رحمه الله هو كتاب "التقريب" ، أثنى عليه بذلك أخبرُ المتأخرين بنصوص الشافعي وهو الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله ، ذكر ذلك في رسالة له كتبها إلى الشيخ أبي محمد عبدالله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين ناصحًا له فيها،ومنكرا عليه ماوقف عليه من تصنيف له في الفقه شرع فيه وسماه "المحيط" فقال فيها:
(وكنت أنظر في بعض كتب أصحابنا وحكايات من حكى منهم عن الشافعي رضي الله عنه نصا، وأبصر اختلافهم في بعضها ، فيضيق قلبي بالاختلاف ، مع كراهية الحكاية من غير ثَبْتٍ،فحملني ذلك على نقل مبسوط مااختصره المزني رحمه الله على ترتيب "المختصر" . ثم نظرت في كتاب "التقريب" وكتاب "جمع الجوامع"* و"عيون المسائل" وغيرها،فلم أرَ أحدا منهم أوثق من صاحب "التقريب" رحمنا الله وإياه،وهو في النصف الأول من كتابه أكثر حكاية لألفاظ الشافعي رحمه الله منه في النصف الآخر،وقد غفل في النصفين جميعا -مع اجتماع الكتب له أو أكثرها وذهاب بعضها في عصرنا- عن حكاية ألفاظ لابد لنا من معرفتها لئلا نجترئ على تخطئة المزني في بعض مانُخطِّئه فيه،وهو عندي بريء،ولنتخلص بها عن كثير من تخريجات أصحابنا)... 116-118



* جمع الجوامع لأحمد بن محمد بن محمد أبي سهل بن العفريس الزوزني.كما ذكر المعلِّق
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
-[ذكر أبو شامة رحمه الله وجهين من أوجه الخلل الواقعة في مصنفات بعض الشافعية. الأول منهما عن اختلافهم فيما ينقلون من نصوص الشافعي مع عدم رجوعهم إلى كتبه وتثبتهم منها.وقال في هذا السياق:]
وإذا كان هذا الخلل قد وقع منهم في نقل نصوص إمامهم فماالظن بما ينقلونه من نصوص باقي المذاهب؟ فترى في كتبهم من ذلك أشياء ينكرها أصحاب تلك المذاهب،وكأن الخلل إنما جاءهم من تقليد بعضهم بعضا فيما ينقله من مذهب غيره أو من نص إمامه،ويكون الأول قد غلط فيتبعه من بعده،والغلط جائز على كل أحد إلا من عصمه الله تعالى،ولكن لو أن كل من ينقل عن أحد مذهبا أو قولا راجع في ذلك كتابه إن كان له مصنف أو كتب أهل مذهبه...لقل ذلك الخلل،وزال أكثر الوهم وبطل،والله الموفق.
[ثم ذكر الوجه الثاني فقال:]
مايفعلونه في الأحاديث النبوية والآثار المروية من كثرة استدلالهم بالأحاديث الضعيفة على مايذهبون إليه نصرة لقولهم،ومن تغيير لفظ ماصح منها والزيادة فيه والنقص منه لقلة خبرتهم بذلك،وماأكثره في كتب أبي المعالي وصاحبه أبي حامد،نحو:"إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا" 119
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي

- ومن العجيب ماذكره صاحب "المهذب" في أول باب إزالة النجاسة قال: (وأما الغائط فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار: (إنما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني والدم والقيء) ثم ذكر بعد ذلك طهارة مني الآدمي ولم يتعرض للجواب عن هذا الحديث الذي هو حجة خصمه،ولم يكن له حاجة إلى ذكره أصلا فإن الغائط لاضرورة إلى الاستدلال على نجاسته بهذا الحديث الضعيف المنتهضِ حجةً عليه في أمر آخر والله الموفق.
ومن قبيح مايأتي به بعضهم تضعيفُهم لخبر يحتج به بعض مخالفيهم،ثم يحتاجون هم إلى الاحتجاج بذلك الخبر بعينه في مسألة أخرى،فيوردونه معرضين عما كانوا ضعفوه به ،ففي كتاب "الحاوي" و "الشامل" وغيرهما من ذلك شيء كثير. 120

- ولانبطل الخبر بالرأي بل نضعفه إن كان على اختلاف وجوه الضعف من علل الحديث المعروفة عند أهله،او بإجماع الكافة على خلافه،وقد يظهر ضعف الحديث وقد يخفى.
وأقرب مايؤمر به في ذلك أنك متى رأيت حديثا خارجا عن دواوين الإسلام كـ:"الموطأ" و"مسند أحمد" و"الصحيحين" و"سنن أبي داود والترمذي والنسائي"ونحوها مما تقدم ذكره ومما لم نذكره،فانظر فيه،فإن كان له نظير في الصحاح أو الحسان قَرُب أمره،وإن رأيته يباين الأصول وارتبت به فتأمل رجال إسناده،واعتبر احوالهم من الكتب المصنفة في ذلك،وأصعب الأحوال أن يكون رجال الإسناد كلهم ثقات ويكون متن الحديث موضوعا عليهم أو مقلوبا أو قد جرى فيه تدليس،ولايَعرف هذا إلا النقاد من علماء الحديث،فإن كنتَ من أهله وإلا سل عنه أهله. 125-126

- ... فإذا ظهر هذا وتقرر تبين أن التعصب لمذهب الإمام المقلَّد ليس هو باتباع أقواله كلها كيفما كانت،بل بالجمع بينها وبين ماثبت من الأخبار والآثار،ويكون الخبر هو المُتَّبع،ويُؤوَّل كلام ذلك الإمام تنزيلا له على الخبر.
والأمر عند المقلدين أو أكثرهم بخلاف هذا،إنما هم يؤولون الخبر تنزيلا له على نص إمامهم . 127
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- كان العلماء من قدماء أصحابنا يعتنون بـ"مختصر المزني" رحمه الله حفظا وشرحا،وبسببه سهل تحصيل مذهب الشافعي رحمه الله على طلابه في ذلك الزمان،وسمعه من المزني خلق عظيم من الغرباء،ورُحل إليه بسببه،وامتلأت بنسخه البلدان حتى إنه بلغني أن المرأة كانت إذا جُهِّزت للدخول على زوجها حُمل في جَهازها مصحف ونسخة من "مختصر المزني"،فاشتهر اشتهارا عظيما،وانتفع به أئمة أكابر،وتخرج به المشايخ،وتفقه به معظم الأصحاب.
ويُروى عن المزني رحمه الله أنه قال:بقيت في تصنيف هذا "المختصر" ستَّ عشرة سنة،وماصليت لله تعالى في طول هذه المدة فريضة ولانافلة إلا سألت الله عز وجل البركةَ لمن تعلمه ونظر فيه.
وجاء عن أبي العباس بن سريج رحمه الله تعالى أنه كان يقول في"المختصر":
لصيقُ فؤدي مذ ثلاثين حجة *** وصَيقَلُ ذهني والمفرج عن همي
عزيز على مثلي إضاعة مثله *** لما فيه من نسج بديع ومن نظم
جموعٌ لأنواع العلوم بأسرها *** وآيته أن لايفارقه كمي 137


- اعلم أنه لايفقه كل الفقه من لايعرف اختلاف الناس ومذاهبَهم،ويقفُ على أدلتهم وماتمسكوا به. 138
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- ثم اشتهر في آخر الزمان على مذهب الشافعي تصانيف الشيخين أبي إسحاق الشيرازي-وهو إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزاباذي-وأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزّالي الطوسي رحمهما الله،فأكب الناس على الاشتغال بكتبهما،وكثرت النسخ بها،واشتهرت اشتهارا عظيما،وانتُفع بها نفعا كثيرا،وكثر المتعصبون لهما حتى صار المتبحر المرتفع عند نفسه يرى أن نصوصهما كنصوص الكتاب والسنة لايرى الخروج عنها...
وقد يقع في بعض مصنفاتهما أو مصنفات أحدهما شيء قد خالف المصنِّفُ فيه صريح حديث صحيح،أو ساق حديثا على خلاف لفظه،أو نقل إجماعا أو حكما عن مذهب بعض الأئمة وليس كذلك،فإذا ذُكر لذلك المتعصب الصوابُ في مثل ذلك تأذى وتنمَّر،وصاح وزمجر،وأخفى العداوة وأظهر،وكان سبيله أن يفرح بوصوله إلى علم مالم يكن يعرفه،ولكن عمى التقليد أصمه عن سماع العلم المفيد... 140


- ومن العجب أن كثيرا منهم إذا أُورِد على مذهبهم أثرٌ عن بعض أكابر الصحابة يقول مبادرا بلاحياء ولاحشمة: (مذهب الشافعي الجديد أن قول الصحابي ليس بحجة) وإنما طريقه في هذا تأويله وتخريجه والاعتذار عنه بدون هذه العبارة الرَّدِيَّة التي يروم أن يرد بها قول مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لتصحيح مذهبه...وسيأتي الكلام في تحقيق هذه المسألة،ونقل مذهب الشافعي وغيره فيها،وبيان أن الأمر ليس على مافهموه،أو ظنوه وتوهموه. 143
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- وقد بحثت-والحمد لله- عن معرفة أحكام الله تعالى وماخاطبنا به في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم،واستخرجت ذلك من معادنه وهي كتب الحديث المعتمد عليها عند أربابها،ورددت ما اختَلف فيه العلماء إلى ذلك بمبلغ جهدي وطاقتي وعملا بقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) فظهر لي ماستراه في هذا الكتاب مختارا،وجميع ذلك إن شاء الله هو مذهب الشافعي.
من ذلك:
* ماهو منصوص له وقد صحح الأصحاب خلافه لأجل نص له آخر كصوم الولي عن الميت.
* أو يكون النص لاخلاف عنه فيه لكنه على مخالفة حديث ثابت كاختياره قول المأموم:"سمع الله لمن حمده" في الرفع من الركوع كالإمام.
* أو يكون قد علق قوله على ثبوت حديث فوجد ثابتا كإخراج الأقط في زكاة الفطر.
* أو دل عليه حديث آخر ثابت.
* أو يكون الشافعي قد تمسك بحديث وفي الباب حديث أثبت منه قد دل على خلاف ذلك،كحديث عمار في التيمم ضربة واحدة مسح بها وجهه وكفيه.
* أو يكون الحديث قد دل على حكم في مسألة لم يُعلم فيها نص للشافعي بنفي ولاإثبات،كرفع اليدين عند القيام من التشهد الأول.
* أو يكون الشافعي قد تمسك بظاهر آية أو حديث وقد دل الدليل على أن ذلك ليس على ظاهره،كإلزام كل من يخرج زكاة ماله بنفسه أن يصرفها إلى الأصناف الثمانية أو من قدر عليه منهم حتى في زكاة الفطر.
وكنقض الطهارة بمس الفرج وإن كان الاحتياط فعل ماقاله الشافعي رحمه الله في هذا،لكن هذا الاحتياط يكون مندوبا لاواجبا.
فمذهب الشافعي في هذا كله أو أكثره الرجوع إلى ماثبت في السنة.
فأما ماطريقه البحث والنظر فللاجتهاد في مجال،فقد يظهر له مالم يظهر لغيره،فلا نُقوِّلُه مالم يقل كما في مسألة الأصناف ومس الفرج،لكن ننبه على الدليل المقتضي خلافَ ذلك ويُرجَّح به مذهب غيره إن لم يمكن إدراج ذلك فيما أمر به من مخالفة قوله لدلالة السنة الصحيحة لأن هذا في معناه والله أعلم.
فنقول:ماصح من حديثه صلى الله عليه وسلم ودل على حكم لانص للشافعي على خلافه فهو مذهبه لاشك فيه،أخذا من قوله ومما أمر به،وأما ماله نص على خلافه فهو قسمين:
أحدهما:أن يكون الحديث لم يبلغه فهذا كالقسم الأول يُترك نصه ويُصار إلى الحديث وهو مذهبه كما أمر،وذلك إذا وضحت دلالة الحديث على ذلك الحكم،أما إذا خفيت وأمكن الجمع بين الحديث والنص وأمكن تنزيل الحديث عليه فلا.
القسم الثاني:أن يكون الحديث قد بلغ الشافعي ووقف عليه وعرف ثبوته وأوّله وتكلم عليه،فيُنظر في كلامه فإن كان ظاهرا متوجها لادفع له لم يُخالف،وحُمل الحديث على ماحمله هو عليه،وذلك كاختياره الجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية،وتأويله لحديث أنس الثابت الظاهر الدلالة في بعض الروايات على نفي الجهر بما ذكرناه في كتاب مفرد...
وإن كان لكلامه مدفع صِير إلى الحديث لأن ذلك يتناوله قوله: (ودعوا ماقلت)...
ولاينبغي أن يُفعل هذا إلا في حديث لم يُعلم أن الشافعي تكلم عليه بكلام شافٍ بعد البحث التام عن ذلك،ثم ليُبحث عن ذلك الحديث هل له معارض أو ناسخ أو مانع من العمل به، ولايتأتّى ذلك إلا من عالم بعلوم الاجتهاد،فذلك الذي خاطبه الشافعي رحمه الله بقوله: (إذا وجدتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلاف قولي فخذوا به ودعوا ماقلت)
وليس هذا لكل أحد،فكم في السنة من أحاديث كثيرة صحيحة والعمل والفتوى على خلاف ظاهرها إما إجماعا وإما اختيارا لمانع منع من ذلك مما ذكرناه من المعارض والناسخ أو غير ذلك،نحو:"كان الثلاث واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر"،"صليت مع سول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سبعا جميعا وثمانيا جميعا في غير خوف ولامطر"،"غسل الجمعة واجب على كل محتلم"...
فالأمر ذلك ليس بالسهل،ولهذا قال سفيان رحمه الله: (الحديث مضلة إلا للفقهاء) ويروى: (إلا للعلماء) يريد من قذف الله تعالى في قلبه نور العلم،فقُه في دينه،وعرف مخارج الأحاديث،وليس العلم بكثرة الرواية كما قال مالك بن أنس رحمه الله. 147-151

[قال المحقق:نقل كثيرا من تقريرات أبي شامة هذه ابن السبكي في"معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي"3/106-107،مجموعة الرسائل المنيرية،ولم يوافقه في بعضها!] "التعجب من المحقق!"
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
- "لما مات عمر رضي الله عنه قال ابن مسعود:مات تسعة أعشار العلم. فقيل له:أتقول ذلك وفينا جِلَّة الصحابة؟ فقال: لست أريد علم الفتوى والأحكام،إنما أريد العلم بالله سبحانه.
أفتُرى أنه أراد صنعة الكلام والجدل،فمالك لاتحرص على معرفة ذلك العلم الذي مات بموت عمر رضي الله عنه" 154 نقلا عن الغزالي في الإحياء


- "لقد كان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء وأقربَهم هديا من الصحابة،اتفقت الكلمات في حقه على ذلك،وكان أكثر كلامه في خواطر القلوب،وفساد الأعمال،ووساوس النفوس،والصفات الخفية الغامضة من شهوات النفس. وقيل له:ياأبا سعيد إنك تتكلم بكلام ليس يُسمع من غيرك فمن أين أخذته؟ فقال: من حذيفة بن اليمان"
[ذكره نقلا عن الإحياء.قال أبو شامة:]
قلتُ: كذا هو في كتاب "الإحياء"،والحسن يصغر عن لقاء حذيفة رضي الله عنهما،ولعله أراد:أخذته من كلامه ومن طريقته،أي:سلكت مسلكه الذي رُوي لنا عنه،والله أعلم.
وقال حذيفة:معروفكم اليوم منكر زمان قد مضى،وإن منكركم معروف زمان قد أتى،وإنكم لاتزالون بخير ماعرفتم الحق،وكان القائم فيكم غير مُستَخْفٍ به. 162

- قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: ذهب أبي ويحيى بن معين إلى معروف،فقال يحيى بن معين:أيْشٍ المعنى في سجدتي السهو ولم جُعلتا في الصلاة؟
فقال معروف مسرعا:عقوبة للقلب -عافاك الله- إذا سها،ولِمَ سها عن الله عز وجل وهو بين يدي الله عز وجل؟
قال:فقال له أبي:ياأبا زكريا،هذا من علمك،هذا من كتبك أو من كتب أصحابك. 176
 
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
166
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
تمَّ الكشفُ عن المقيَّدات..

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
 

صلاح الدين

:: متخصص ::
إنضم
6 ديسمبر 2008
المشاركات
713
الإقامة
القاهرة
الجنس
ذكر
الكنية
الدكتور. سيد عنتر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
المذهب الحنفي
بارك الله فيكم...
وأفدت اخي رعاك الله...
وأجمل شيء إتصال الكلام ببعضه دون مشاركات تشتت الذهن...
 
أعلى