رد: انفراد مالك في جواز قراءة القرآن للحائض:أليس خرقا لقواعد أصولية؟
[FONT="]الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي الأمين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى ذريته وآل بيته أجمعين، ورضي الله عن الصحابة والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أكرم الأكرمين، ثم أما بعد: إخوتي وأخواتي الكرام المشاركين في هذا الملتقى المبارك، فإنه ينبغي التنبه إلى أن هناك فرقًا بين قراءة القرآن من الحفظ، وقراءته من المصحف. [/FONT]
[FONT="]أما قراءته من المصحف، فقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجوز للحائض ولا الجنب حمل المصحف، فقال في الاستذكار: (وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر. وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد وهؤلاء أئمة الرأي والحديث في أعصارهم. وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وطاوس والحسن والشعبي والقاسم بن محمد وعطاء وهؤلاء من أئمة التابعين بالمدينة ومكة واليمن والكوفة والبصرة. [/FONT]
[FONT="] قال إسحاق بن راهويه: لا يقرأ أحد في المصحف إلا وهو متوضئ وليس ذلك لقول الله عز وجل: ( لا يمسه إلا المطهرون ) [ الواقعة 79 ] ولكن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر، وهذا كقول مالك ومعنى ما في الموطأ.[/FONT]
[FONT="] وقال الشافعي والأوزاعي وأبو ثور وأحمد لا يمس المصحف الجنب ولا الحائض ولا غير المتوضئ ، وقال مالك لا يحمله بعلاقته ولا على وسادة إلا وهو طاهر، قال ولا بأس أن يحمله في التابوت والخرج والغرارة من ليس على وضوء) ا. هـ[/FONT]
[FONT="]وهناك من خالف الإجماع، قال ابن عبد البر: (وقد روي عن عطاء أنه لا بأس أن تحمل الحائض المصحف بعلاقته. وأما الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان فلم يختلف عنهما في إجازة حمل المصحف بعلاقته لمن ليس على طهارة) ثم قال: (وقولهما عندي شذوذ عن الجمهور وما أعلم أحدا تابعهما عليه إلا داود بن علي ومن تابعه). اهـ.[/FONT]
[FONT="]وأزيد القول أن هناك بعض الروايات في المذهب بجواز حمله. [/FONT]
[FONT="]ــــــــــــــــ[/FONT]
[FONT="]أما قراءته من الحفظ، فقال ابن الجلاب: ولا تمس المرأة الحائض مصحفًا، وقد اختلف قوله في قراءتها القرآن ظاهرًا، فروى ابن القاسم، وابن عبد الحكم عنه جواز قراءتها. وروى أشهب منعها. اهـ. التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس [1 /39] [/FONT]
[FONT="]وقال أيضًا: ولا يجوز للجنب أن يقرأ الكثير من القرآن، ولا بأس بقراءة الىيات اليسيرة مثل الآية، والآيتين ونحو ذلك. التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس [1 /49][/FONT]
[FONT="]قال ابن عبد البر: ولا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن على اختلاف عن مالك وأصحابه في قراءة الحائض. الكافي في فقه أهل المدينة [1 /172].[/FONT]
[FONT="]قال القاضي عبد الوهاب: وفي قراءة الحائض روايتان : فوجه المنع قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقرأ جنب ولا حائض شيئا من القرآن ) ، ولأنه حدث موجب للغسل كالجنابة ، ووجه الجواز فلأنها غير قادرة على رفع حدثها وتطول مدتها فكانت معذورة بذلك للمشقة التي تلحقها كالمحدث . المعونة على مذهب عالم المدينة [1 /53].[/FONT]
[FONT="]وفصل ابن القصار القول، وزاد الأمر وضوحًا، فقال: قد اختلفت الرواية عن مالك -رحمه الله- في قراءة الحائض القرآن، فروى عنه أكثر أصحابه جواز قراءتها ما شاءت من القرآن، وروي عنه منعها كالجنب ، و هذا قول أبي حنيفة، والشافعي.[/FONT]
[FONT="]فوجه -قوله أنها تقرأ-: هو أنها غير ممنوعة قبل الحيض ، أي ما تسهل ، وهذه يسهل عليها الكثير من القرآن ، فهو عموم في الحائض وغيرها حتى يقوم دليل .[/FONT]
[FONT="]و أيضاً قوله -تعالى- : {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} ، ولم يخص .[/FONT]
[FONT="]و أيضاً قوله -تعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ، والعبادة عامة ، وأفضلها قراءة القرآن ، والتلاوة أيضاً من فعل الخير فهو عموم في الحائض والطاهر إلا أن تقوم دلالة .[/FONT]
[FONT="]و أيضًا قول النبي صلى الله عليه و سلم: «من قرأ قل هو الله أحد فكأنه قرأ ثلث القرآن». وهذا حث على قراءتها ، ولم يخص حائض ، من غيرها؛ لأن مَنْ لمن يعقل .[/FONT]
[FONT="]و أيضاً فإنَّها تقرأ إذا كانت طاهرة، فكذلك وهي حائض؛ بعلة أنها مسلمة محدثة بغير الجنابة، أو نقول: هي مسلمة ممنوعة من الصلاة بغير الجنابة.[/FONT]
[FONT="]فإن استدلوا بما روي أنه قال عليه السلام: «لا يقرأ جنب و لا حائض شيئاً من القرآن» ، وقيل: نخصه.[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]فنقول: لا تقرأ في مصحف تمسكه؛ بدليل ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كان يُمسك لها المصحف وهي حائض فتقرأ القرآن ، وتفتي النساء بذلك ، و لا يعرف لها مخالف ، والصحابي إذا أفتى وانتشر قوله بذلك ، ولم يظهر له مخالف ، جرى مجرى الإجماع ، والظاهر أن عائشة -رضي الله عنها- مع اختصاصها بالنبي صلى الله عليه و سلم وبمعرفة الحيض وأحكامه ، لم تفعل ذلك ، وتفت به إلا وعندها فيه توقيف من النبي صلى الله عليه و سلم .
ويخص خبرهم أيضاً بالقياس الذي ذكرناه أو نحمله على الكراهية دون التحريم. [/FONT]
[FONT="]فإن قاسوها على الجنب بعلة أنه ممنوع من الكون في المسجد، وأداء الصلاة بسبب يوجب الطهارة الكبرى.[/FONT]
[FONT="]قيل : المعنى في الجنب أنه لا يطول أمره مع قدرته على رفع الجنابة بالاغتسال ، والحائض لا تقدر على ذلك إلا بانقضاء حيضها.[/FONT]
[FONT="]و أيضًا فإن الحيض يطول أمره وقدره ومدته وهو طبع في النساء حتى ربما حاضت نصف دهرها كما قال عليه السلام : «إنَّها تصلي نصف دهرها» ، فلو منعت من القراءة لأدَّى ذلك على أن تنسى ما تحفظه من القرآن ، أو لا تتعلم القرآن أصلا . وعلى إنَّ بإزاء قياسهم قياسنا عليها لو كانت طاهرة أو محدثة بغير جنابة ، ويكون قياسنا أولى؛ لأن ردها إلى حالها فيما تعتاد من الغالب ، وكونها محدثة وحائض أولى من ردها إلى الجنابة .[/FONT]
[FONT="]فإن قيل : فإن حدث الجنابة أخف من حدث الحيض ، ألا ترى أن الجنابة لا تمنع من الجماع و لا من الصوم ، والحيض يمنع من ذلك ، فلنا منع اخف الحدثين من قراءة القرآن فلأن يمنعه الحيض أولى واحرى .[/FONT]
[FONT="]وإن كل معنى يمنع منه الجنابة يمنع منه الحيض كالصلاة .[/FONT]
[FONT="]قيل : الحيض الذي يأتي من قبل الله -تعالى- قد اثر في إسقاط الصلاة عنها ، فخفف عنها بأن جُوِّز لها القراءة ، ومع هذا فإنَّه ينافي الصوم ، فلمَّا لم تقدر على رفعه إلا بانقضاء وقته ، سُهل لها في القراءة ، كما سهل لها في ترك قضاء الصلاة ، و هذا تخفيف عنها لا محالة ، ولما كان الجنب مطالباً بقضاء الصلاة ، لأنه [لا] يقدر على الاغتسال وأداء الصلاة ، غلظ عليه في الامتناع من القراءة حتى يبادر إلى الغسل .[/FONT]
[FONT="]وقولكم: إن كل معنى يمنع الجنابة يمنع من الحيض كالصلاة، فقد ذكرنا أن الحيض لما اسقط الصلاة وقضاءها؛ لأنَّه يأتيها من قبل الله -تعالى- ، لا تقدر على دفعه خفف عنها، وسهل عليها في باب القراءة.[/FONT]
[FONT="]فإن قيل: قولكم: إنَّها تنسى القرآن ولا تتعلمه، فإننا نقول: أنَّتقرأ بقلبها، وان تنظر في المصحف من غير أن تتلفظ به، ويجوز أن يقرأ عليها.[/FONT]
[FONT="]قيل: هذا يشق من وجهين: أحدهما : أنه ربما تعذر عليها من تسمع منه ، ولعلها أن تتكلف له مؤونة ، وهي فلا تمسك المصحف ، ويتعذر عليها تصفحه ، وربما احتاجت أن تتعلم القرآن فلا ينفعها قراءة غيرها ، و كذلك لا تحفظه بالتذكر بقلبها كما تحفظه بالتلاوة .[/FONT]
[FONT="]فإن قيل : قياسنا أولى؛ لأنَّه يستند إلى نص السنة والاحتياط وإعزاز القرآن .[/FONT]
[FONT="]قيل : قياسنا ا ولى؛ لأنَّه يزيد حكماً وهو جواز قراءتها ، ونحمل السنة على الكراهية ، وأما لاحتياط فإنَّه معنا؛ لأنَّه احتياط لحفظ القرآن ؛ لئلا تنساه ، ولتتعلمه أيضاً ، وأما إعزازه فإنَّه في المحافظة حفظه وتعلمه ، وقد كان ينبغي أن تمنعوا المحدث بغير الجنابة أن يقرأ ، فإنَّه كان أعز للقرآن على حسابكم .[/FONT]
[FONT="]فإن قيل : لما كان موجب حدثهما متفقاً وجب أن يستويا في المنع من القراءة ؛ يريدون الحائض والجنب .[/FONT]
[FONT="]قيل : هو متنقض بالمحدث بغير الجنابة والمحدث بالجنابة؛ لأنَّه قد يتفق تيممها وحدثهما مختلف ، ومع هذا فالمحدث يقرأ القرآن، و لا يقرأ الجنب. ثم أرادوا أن الموجب فيهما واحد، ويعنون الغسل فإننا نقول : إنهما و إن اتفقا في الغسل فقد اختلفا في وقته فالجنب يقدر على الغسل عقيب الجنابة فيرفع حكمها ، والحائض لا تقدر على ذلك فكان الغسل عقيب الجنابة فيرفع حكمها، والحائض لا تقدر على ذلك فكان لهذا الفرق بينهما تأثير . ألا ترى أنَّه قد أثر في إسقاط قضاء الصلاة عنها ، ولم تسقط عن الجنب ، فكذلك خفف عنها ، وجُوزت لها القراءة ولم تجز للجنب. ووجه الرواية الأخرى ما ذكرته من الحجاج على الوجه الآخر ، وبالله التوفيق .[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]قال المواق: ابن عرفة تمنع الجنابة كالحدث وقراءة القرآن في أشهر الروايتين ( إلا كآية لتعوذ ونحوه) قال مالك: لا يقرأ الجنب القرآن إلا الآية والآيتين عند أخذه مضجعه أو يتعوذ لارتياع ونحوه لا على جهة التلاوة فأما الحائض فلها أن تقرأ لأنها لا تملك طهرها يريد فإن طهرت ولم تغتسل بالماء فلا تقرأ حينئذ لأنها قد ملكت طهرها. قال ابن رشد الصواب أن لها أن تقرأ القرآن وإن لم تغتسل للجنابة لأن حكم الجنابة مرتفع مع الحيض وانظر قراءة الجنب آية لغير تعوذ . قال ابن عرفة توقف بعضهم في قراءة آية الدين لطولها ولمفهوم نقل الباجي يقرأ الجنب اليسير ولا حد فيه تعوذا وتبركًا . التاج والإكليل [1 /317].[/FONT]
[FONT="]والخلاصة أن هناك خلاف كبير في المذهب وخارجه في هذه المسألة ، والله تعالى أعلم، وصلى اللهم على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأعتذر عن الإطالة.[/FONT][FONT="][/FONT]