العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

محنـــة المـــــــــدونة الكـــبرى

إنضم
10 يونيو 2009
المشاركات
395
التخصص
فقه واصوله
المدينة
قرطبة الغراء
المذهب الفقهي
المالكي -اهل المدينة-
المدونة في المذهب المالكي
منقول

- نشر بنشرة المجلس العلمي بتازة -

الحمد لله الذي أنقدنا بنور العلم من ظلمات الجهالة ، وهدانا بالاستبصار به عن الوقوع في عماية الضلالة ، ونصيب لنا من شريعة سيدنا محمد أعلى علم واوضح دلالة ، والصلاة والسلام عليه وعلى آله أصحاب الهداية ، وبعد ،

إن التعريف والتقديم لمدونة الإمام مالك ، أو المدونة برواية سحنون هي فكرة قديمة جديدة ، فهي قراءة قمت بها سابقا حول مكانة ومنزلة المدونة في الفقه المالكي ، وهي أيضا هذه المحاضرة التكميلية للندوة التي قدمتها مع المجلس العلمي بتازة حول أصل " الموطأ في المذهب المالكي " ، وهذا المعطى الأخير يرتب علي أمرا وهو الشكر والتقدير للمجلس العلمي الذي يحرص على توسيع أفق المعرفة الفكرية لتشمل قراءة التراث في إطار الواقع ، وكذا الاهتمام بالمستجدات بصيغ ملائمة لتطورات وظروف المجتمع .

والتساؤل الذي أطرحه في البداية هو ، لماذا المدونة في المذهب المالكي ، على اعتبار أنه يمكن التقديم والتعريف لأحد أمهات المذهب كالواضحة مثلا أو الموازية أو العتبية .... الخ .

الجواب ستكشفه محاور هذه المحاضرة التي سأتناولها في ثلاثة محاور :

الأول لقصة تدوين المدونة

الثاني لبيان منزلة المدونة في المذهب المالكي

الثالث للحديث عن محنة المدونة عبر تاريخها الطويل .

فأقول وبالله التوفيق ومنه نستمد الرشد والهداية

1- قصة تدوين المدونة :

ليس في المذهب المالكي كتاب نال من الاهتمام والتقدير ما نالته مدونة الإمام مالك ـ أو المدونة برواية سحنون ـ سواء على ألسنة المتقدمين أو المتأخرين فهي أصل علم المالكية ـ بعد الموطأ ـ فقد ضمت بين دفتيها أفكار أربعة مجتهدين أسٌسوا عليها قواعد المذهب ولم يبخلوا عليها بما أتاهم الله من علم وفهم للنصوص وهم مالك (ت 179 هـ) وسحنون (ت 240 هـ) وابن القاسم (191 هـ ) وأسد ابن الفراث ( ت 213 هـ)(1)

وهذه هي الخاصية الأقوى في هذا الكتاب المعروف بالمدونة و بالمختلطة أو مدونة سحنون .

قصت تأليف هذا الكتاب تبدأ حين سئل الإمام مالك عن أسئلة كثيرة ، فأجاب عنها ودونها تلاميذه ، وأول من كتب ذلك أسد بن الفراث القاضي القيرواني عن عبد الرحمان بن القاسم ، وقد كان أسد حين التقى بالإمام مالك حاول الدخول عليه بالأسئلة الافتراضية فأوصاه الإمام بالرحيل إلى العراق ، وهناك التقى محمد بن الحسن الشيباني وبعض أصحاب أبي حنيفة وأخذ يتدارس معهم بعض المسائل ويضيفها في مصنفه ، فاصّل فقه العراق ، بعد ذلك بلغه نبأ وفاة الإمام مالك سنة 179 هـ ، فتأثر لذلك شديد التأثر وقويت عزيمته للقاء أصحاب مالك للتدارس معهم وذلك بمصر سنة 188 هـ ، فوجدهم مختلفين في مناهجهم الفقهية فسأل عبد الله بن وهب (191هـ) فأجابه بالرواية ، فلما أراد أن يدخل عليه ( الافتر اضات ) قال له : " حسبك إذا أدينا لك الرواية " ، ثم اتجه إلى أشهب (204هـ) وكان يجتهد ويخالف مالك ، فقد قال له في مسألة من يقول هذا قال أشهب : " هذا قولي " ، فاهتدى بعد ذلك إلى ابن القاسم ، لكنه لم يسايره في البداية فيما يريد ، غير أن الله شرح صدره فقال له : " زد يا مغربي " فقام أسد في المسجد يهتف ، " يا معاشر الناس إن كان مات مالك فهذا مالك " لأنه حقق مراده في تأصيل فقه العراقيين ، والتقريب بين مذهب مالك وأبي حنيفة ، قال أسد : " فكنت أكتب الأسئلة بالليل في فنداق ( صحيفة) من أسئلة العرقيين على قياس قول مالك ، وأغدو عليه فأسأله عنها فربما اختلفنا فتناظرنا على قياس قول مالك فيها ، فأرجع إلى قوله أو يرجع إلى قولي " ، وما يؤكد كثرة المناظرات الدائرة بينهما ما رواه أسد أيضا قال : " قال لي ابن القاسم ، كنت أختم في اليوم والليلة ختمتين فقد نزلت لك عن واحدة رغبة في إحياء العلم " .

وكان ابن القاسم يجيب أسد بما حفظه عن مالك ، وما شك فيه يجيب بأخال وأحسب وأظن ، فاجتمع من تلك الأجوبة كتاب يسمى " الأسدية " ، رجع به أسد إلى بلده إفريقية يدرسه وينشره بين الناس ، ولكنه كان يميل في تدريسه إلى فقه أهل العراق ويقدمه في ذكر المسائل الفقهية ، لهذا كان الطلبة ينبهونه إذا أغفل فقه مالك قائلين " أوقد القنديل الثاني " .

بعد ذلك ، تلطف سحنون في نسخها منه وحاول ذلك ابتداء هو ومحمد بن رشيد ، فلما سمع بذلك أسد شح ولم يعطها لهم ، ولكن سحنون تحيل حتى أتم نسخها ، ويحكى في نور البصر لأحمد بن عبد العزيز الهلالي ، أن سحنون بات عند أسد في ليلة هو وأصحابه ، فلم يبزغ صباح ذلك اليوم حتى كان قد أتم نسخها ، ثم قصد ابن القاسم سنة 191 هـ ، وقد تفقه في علم مالك ومعه الأسدية ، فلما كاشف بها ابن القاسم ، أسقط هذا الأخير منها أشياء كثيرة ، ومنها ما انتقده أهل القيروان من أخال وأحسب وأظن ، ونحو ذلك ، كما أن سحنون هذبها وبوبها بعد أن كانت مختلطة الأبواب ، وألحق فيها من خلاف أصحاب مالك ما اختاره وذيل أبوابها بالآي والأحاديث والآثار إما من روايته أو من موطأ ابن وهب أو غيره ، بينما بقية لم يتم سحنون عمله فبقيت على أصل اختلاطها في السماع ، ثم إن ابن القاسم كتب لأسد بأن يعرض كتابه على ما عند سحنون ليراجع ما روي عنه ويعدل ما تغير ، لكن أسد رفض ذلك ، قال الحطاب (954هـ) : " فيقال أن ابن القاسم دعى أن لايبارك له فيها فهي مرفوضة إلى اليوم " ،

وهكذا اشتهرت المدونة وخفى أثر المختلطة أو الأسدية ولم يبق لها ذكر إلا في روايات تدوين كتاب المدونة .

2- منزلة المدونة في المذهب المالكي :

إذا كانت المدونة هي أصل المذهب المالكي وعمدة الفقهاء في القضاء والإفتاء المرجح روايتها على سائر الأمهات ، فلا غرابة أن يتقبلها الناس بقبول حسن ، بل وأنزلوها منزلة أم القرآن في الصلاة ، بمعنى لا يغني عنها أي كتاب ، وقد. روي في هذا المعنى " ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك ، ولا بعد الموطأ في الفقه أفيد من المدونة " ، واعتقد أن السبب في هذه المنزلة التي حظي بهت هذا المؤلف المالكي هو الأشواط التي قطعها والظروف التي مر بها حتى صار على ما هو عليه ، مرتب الأبواب مطعم بالآي والأحاديث والآثار يختزن في أحشائه أربعة آلاف حديث وستة وثلاثين ألفا من الآثار وأربعين ألف مسألة .

وهكذا تلقى السلف والخلف المدونة بحماس باهر وشغف بالغ ، فتناقلتها أيدي أهل الاختصاص بالشرح والاختصار والإيضاح مشيرين إلى علو قدرها وإلى مزية سبقها ، قال ابو محمد الحطاب ( 954هـ) وهو يتحدث عن منزلة المدونة في المذهب : " ثم إن الناس اختصروها فاختصرها ابن أبي زيد وابن أبي زمنين .. وغيرهم ، ثم سعيد البرادعي ويسمى اختصاره بالتهذيب " ، واستمر التأليف حول مُشكًلات المدونة وخفايا أسرارها وأعلام رجالها فألف أبو الوليد بن رشد الجد (520هـ) كتابه الشهير " المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات " ، كما ألف القاضي عياض (540هـ) كتابه المسمى " التنبيهات المستنبطة من الكتب المدونة والمختلطة " ، ثم توالى التأليف حولها شرحا واختصارا وتهذيبا وتنكيتا إلى ما شاء الله .

وهذا وإن دلنا على شئ فإنما يدلنا على أن المدونة هي الأساس والمعول عليه في الفقه المالكي ـ بعد الموطأ طبعا ـ لذلك شاع ذكرها وبقي إسمها ورسمها خالدا حتى اليوم رغم ما تعرضت له من حرق وخرق وغرق من طرف جهال متعصبين للأصول ، ولولا قيمتها العلمية لكان مآلها الترك والإهمال مثل سائرالكتب الرديئة ، قال الحطاب : " المدونة أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين ، وهي أصل المذهب وعمدته " وذكر عياض في ترجمته لأسد أنه روى عن سحنون قوله : " عليكم بالمدونة فإنها كلام رجل صالح وروايته أفرغ الرجال فيها عقولهم وشرحوها وبينوها " ، وكان يقول : " ما اعتكف رجل على المدونة ودراستها إلا عرف ذلك في ورعه وزهده " ، وما عداه احد إلى غيرها إلا عرف ذلك فيه " .

وممن نظم فيها شعرا أبو عمران العبدوسي :

ما ألف الناس في كل الدواوين مثل المدون الغراء في الدين

سحنون الفها للطالبين لهـــــــا يارب سحنون اجعلني كسحنون

وقال أحد الشيوخ : " ما من حكم نزل من السماء إلا وهو في المدونة " ، ولا شك انه بالغ في هذا ،

ومكانة ومنزلة المدونة تزداد سموا في النفوس إذا ما استحضرنا كونها تجمع تأملات عدة رجال ، بمعنى أنها تستمد قيمتها من قيمة رجالها ، أضف إلى ذلك أن أهميتها في إصدار الأحكام الفقهية نتج عنه أن أصبحت مقدمة على غيرها من الدواوين والأمهات فهي مقدمة على العتبية مثلا كما في مسالة فرقعة الأصابع في المسجد ، فظاهر المدونة جواز ذلك مادام في غير الصلاة ، أما في الصلاة فذلك مكروه ، أما في العتبية فيحكى اتفاق مالك وابن القاسم على كراهية ذلك في المسجد مطلقا ولو كان ذلك في غير الصلاة .

والمستفاد أن الشراح قدموا ما في المدونة رغم أن اتفاق مالك وابن القاسم من المرجحات في المذهب ، وهذا المثال يجعلنا ندرك تمام الإدراك عظيم منزلة المدونة في المذهب المالكي ، وأنها تشكل حلقة أساسية وتاريخية مهمة في بناء هذا الصرح الفقهي العظيم ، ولا شك أن مجرد افتراض ضياع هذه الحلقة كان سيترتب عنه رجة عنيفة في الفقه المالكي تفقده السلامة لا محال .

3- محنة المدونة :

لكي نكون منصفين؛ لا بد من أن نعرج على المحنة التي تعرض لها هذا الكتاب النفيس و لازال وهو أمر يوضح بجلاء المكانة التي يحتلها في تاريخ التراث الإسلامي عموما.

فالمطلع على تاريخ المدونة والأطوار التي مرت بها؛ يدرك تمام الإدراك ما تعرض له هذا الكتاب النفيس من عبث ومضايقة من قبل بعض المتعصبين. أو بعض المتيفقهين سواء في عصر تأليفها أو في عصور الازدهار الفقهي أو عصرنا الحالي ، فبعض معاصري مؤلفي المدونة قد كان يقلل من شأنها كما هو الحال بالنسبة لسعيد بن حداد. بل إن عباس الفارسي1

تجاوز ذلك إلى درجة الإقدام على حرقها مع غيرها من كتب المدنيين.

وهذا الأمر لا يعد الوحيد في تاريخ المدونة بل إن بعض خلفاء الموحدين بدءا من الخليفة عبد المومن بن علي (558 هـ ) حاول القضاء على الكتاب داعيا الفقهاء إلى نبذه والرجوع إلى الكتاب والسنة بدعوى كثرة الاختلافات الفقهية الواردة فيه ، فعبد المومن بن علي أراد أن يجمع آراء داعيتهم في التوحيد والمهدوية والفقه لتكون في كتاب واحد عرف باسم " أعز مايطلب " ، فعقد اجتماعا مع الفقهاء المالكية وحاول إقناعهم بنبذ كتاب المدونة والرجوع إلى الكتاب والسنة ، لكن هذا الموقف جعل بعض الفقهاء يقفون مدافعين عن هذا الكتاب في وجه الخليفة من هؤلاء الفقيه " ابن زرقون (580هـ) الذي واجه الخليفة قائلا : " ياسيدي جميع ما في هذا الكتاب ( المدونة ) مبني على الكتاب والسنة وأقوال السلف والإجماع ، وإنما اختصره الفقهاء تقريبا لمن ينظر فيه من المتعلمين والطالبين " .

ثم جاء الخليفة أبو يعقوب يوسف (580هـ ) الذي حاول أن ينفذ قرار والده بصفة عملية في إحراق كتب الفروع ومنها المدونة. لكن هذا القرار لم ينفذ إلا في عهد يعقوب المنصور (594 هـ ) الذي قام بالخطوة الحاسمة فاصدر أمره سنة 594 هـ على وجه التقريب بإحراق هذه الكتب في جميع البلاد المغربية يقول عبد الواحد المراكشي وكان شاهد عيان " وفي أيامه انقطع علم الفروع وخافه الفقهاء وأمر بإحراق كتب المذهب بعد أن يجرد ما فيها من أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم والقرآن ، ففعل ذلك فاحرق منها جملة في سائر البلاد كمدونة سحنون وكتاب ابن يونس ونوادر ابن أبي زيد وماجانس هذه الكتب ونحا نحوها، لقد شهدت منها وأنا يومئذ بمدينة فاس يؤتى منها بالأحمال وتوضع و يطلق فيها النار وتقدم إلى الناس في ترك الأشغال بعلم الرأي و الخوض في شيء منه. وتوعد يعقوب على ذلك بالعقوبة الشديدة " .

ثم تولى الخلافة ولده محمد الناصر (610 هـ) فأمر بإحراق نسخ المدونة ردّا على الفقهاء الذين أنكروا عليه وعلى والده مواقفهم هذه.


ثم إن هناك مرحلة أخرى عانت فيها المدونة مضمونا ، حيث هجرها العلماء و الفقهاء واستعاضوا عنها بالمختصرات بعد أن كانت الكتاب الأول و المعوّل عليه في حلقات تدريس علوم الفقه المالكي صارت لا تذكر إلا اسما حين الحديث عن أمهات كتب المذهب ، وهذه المرحلة بدأت مع بداية مرحلة الجمود الذي تكرس بعد انتشار مختصر الشيخ خليل (770 هـ) حيث التجأ العلماء إلى مهمة أخرى وهي الشرح و التعليق وبناء الحاشية على هذا المختصر؛ فوجدنا بعد هذا كتابا كالمدونة يوضع على الرفوف؛ بعد أن كان يحفظ في الصدور عن ظهر قلب قبل أن يتصدر أي عالم للفتيا أو التدريس .

والدليل على أن هذه المختصرات شكلت انزلاقة فقهية خطيرة في واقع الأمة. تلك الصرخة التي أطلقها ابن خلدون ؛ واصفا هذه الظاهرة بأنها مخلة بالبلاغة وعسيرة في الفهم ؛ معتبرا ذلك من عيوب التربية وأنه يؤدي إلى الإخلال بتحصيل العلوم بسبب التخليط على المبتدئين حيث تلقى إليهم المسائل الصعبة في الوقت الذي لم يهيئوا فكريا لذلك.

لكن هذه الصرخة لم تجد آذانا صاغية بل يروى أن هذه المختصرات كان يبذل في سبيل الحصول عليها أضعاف ما كان يبذل في سبيل اقتناء الأمهات.

ولم يجد بعضهم حرجا في الإعلان بأن الصواب في الاختصار :

قصدت إلى الإجازة في كلامي لعلمي بالصواب في الاختصار.

فشأن فحولة العلماء شأنـــــي وشان البسط تعليم الصغــــــــار.

واستمر هذا التهميش الذي طال المدونة بالمغرب. إلى حين تدخل السلطان محمد بن عبد الله سنة(1203 هـ) بمرسوم نظم من خلاله التعليم بجامعة القرويين ؛ وداعيا إلى اعتماد كتاب المدونة والبيان والتحصيل والمقدمات المهداة( كتب مكملة للمدونة) فقط في تدريس الفقه المالكي ؛ فكان بذلك الرجوع ، العودة إلى الأصول و إلى الينابيع الأولى التي أسست للمذهب المالكي.

وفي هذا العصر نجد من سخّر أقلامه لمهاجمة أصول المذهب؛ والمدونة بالتحديد؛ موجها إلى. مؤلفيها النقد اللاذع؛ ومستدلا بأوهام يسقط بعضها البعض ، من هؤلاء ؛ قطب الريسوني في مقال له بمجلة البيان بعنوان" الوصل بين الفقه و الحديث "؛ و الباحث نذير حمدان في " الموطآت " ؛ حيث يقول عن أصول المذهب :" فلا يجد القارئ لكتبهم والناظر فيها إلا آراء مجردة وأقوالا متناقضة يشعر المالكية أنفسهم بتناقضها" ، ثم يقول عن المدونة ( إن المتتبع للبحوث والموضوعات المتنوعة في المدونة يفاجئ بقلة الرصيد القرآني استدلالا على أبواب المؤلف الكبير وفصوله وأحكامه ؛ حتى إن الصق الموضوعات بالقرآن تحريما وتحليلا واستشهادا لا تجد فيها نصا قرآنيا بالدلالة أو بالإشارة أو بالمفهوم المخالف).

وحسبنا هنا أن نوضح فقط المحنة التي تعرضت لها المدونة خلال تاريخها الطويل ولا زالت لنصل إلى قضية أساسية ومهمة وهي أن الدراسة والبحث أكدت حقيقة مهمة ، أن الخلاف المبتوث في المدونة له أسباب تنسجم مع النسق العام الذي تقوم عليه قواعد المذهب المالكي أولا؛ وأن الاستدلال الشرعي داخل المدونة أيضا يقوم على أصول نقلية نصية وأخرى نظرية اجتهادية وهذا هو السر في أن ظل هذا الكتاب محتفظا بمكانته رغم ما تعرض له على مر تاريخه من مضايقات ،أغلبها كانت تنبي عن قصور فهم؛ واستجداء لأسباب واهية.

أسأل الله في الأخير أن أكون قد أمطت اللثام عن بعض الجوانب المتعلقة بهذا الكتاب؛ والله الموفق وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.
 
إنضم
10 يونيو 2009
المشاركات
395
التخصص
فقه واصوله
المدينة
قرطبة الغراء
المذهب الفقهي
المالكي -اهل المدينة-
يرفع للاخوة الكرام
 
إنضم
10 يونيو 2009
المشاركات
395
التخصص
فقه واصوله
المدينة
قرطبة الغراء
المذهب الفقهي
المالكي -اهل المدينة-
في عصرنا هذا تعرضت كثير من أصول المالكية وكتبهم وأئمتهم الى نقد غير علمي ولا منصف من حثالات حفظت بعض الاحاديثة لا علم لهم بالمذهب ولا بأصول المذاهب عامة
وليت الاخوة يشاركوني حملة الدعوة الى الرجوع الى المصنفات المتقدمة كشروح المدونة وشروح التلقين والجلاب وغيرها من الكتب التي اوصى بها الامام القباب ووافقه عليه كثير من الشيوخ كالشاطبي و ابن راشد والونشريسي رحم الله الجميع.. والخروج من هيمنة المختصرات كابن عاشر وغيره التي حلها وفهمها يأخذ نصيبا من ذهن الطالب ووقته بغير كبير فائدة
نرجوالتفاعل من الاخوة الكرام
 
إنضم
31 مارس 2010
المشاركات
10
التخصص
حقوق
المدينة
طنجة
المذهب الفقهي
مالكي
جزاكم الله كل خير

أرى أن العلم يبدأ فيه بالأصاغر كابن عاشر لمن كان مبتدئا ثم بعد ذلك ينتقل الطالب لغيره.

و جملة القول علينا أن نتفقه و أن نعطي جل أوقاتنا لطلب العلم و إلا اتخذ الناس رؤوسا جهالا
 
أعلى