- إنضم
- 9 فبراير 2010
- المشاركات
- 166
- التخصص
- الهندسة المدنية-منهج الظاهرية في كافة العلوم
- المدينة
- طنطا
- المذهب الفقهي
- أهل الحديث (ظاهري)
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما ننظر في مسائل الإجتهاد بين أهل العلم محاولين أن نفهم طبيعة الخلاف , غير مستعجلين أن نرمي فريقا دون فريق بالخطأ , كان بعض مشائخنا عفا الله عنهم يصوّرون لنا الأخذ بالظاهر تصويرا هو للتندُّر أقرب منه للعرض العلميفلم نكن نعرف عن الظاهر إلا(الـتأفيف , والبول في الماء الراكد , والنظر إلى جميع بدن المخطوبة , وإباحة الغناء, والحرفية اللازمة للجمود على الظاهر, ونفي القياس .... الخ) وأعرف أحد الأخوة كان من أهم أسباب معرفته بالظاهرية هو القراءة لما يكتبه فضيلة العلامة أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري ــ حفظه الله ــ فكان يتساءل : أيُعقل أن يختار هذا الرجل وهو من هو في توسع مداركه وإحاطته بعلوم جمه من المعارف البشرية , أيُعقل أن يختار هذا المنهج وهو بهذه الصورة من السطحية التي صُوّر لنا بها ؟ فواصلتُ الجهد فوقفت ولله الفضل إلى ما أسأل الله أن يكون صوابا , وبعدها أدركتُ أن الشيء لايمكن أن يؤخذ بالنقل السريع المرتجل والذي قد تدخله دوافع التلقين والعصبية أحيانا .
ومن هنا بدا لي أن سبب وقوف كثير من أهل العلم وطلبته موقف المعادي أو الحذر من هذا المنهج هو لأسباب معينة اجتهدتُ في تقصيها وقد يفوتني منها شيء فأرجو أن يزودّنا من لديه العلم بها , وأسميت هذه المقالة " أسباب إساءة فهم المنهج الظاهري " أسأل الله أن ينفع بها وأن يثيب كاتبها وقارئها ومتعقّبها , فإلى هذه الأسباب :
1- التشويه من قبل بعض أهل العلم عن قصد كان أو غفلة , فطالب العلم لايعرف عن الظاهرية إلا مسألة ( الـتأفيف , والبول في الماء الراكد , والنظر إلى جميع بدن المخطوبة , وإباحة الغناء, والحرفية اللازمة للجمود على الظاهرونفي القياس .... الخ ) وليت أنه فهم ماصحت نسبته إليهم من هذه المسائل على وجهه فضلا عن ماكذب عليهم فيه, فالظاهرية لايعرف بها بصفتها منهجا له أصوله وقواعده وإنما يختار لها بعض الأمثلة التي يراد بها التنفير , ولن يعجز أحدعن أن يختار من كل مذهب بعض المفردات وأن ينشرها بصورة تدعو للتنفير .
2- الاعتقاد المترسخ في النفوس من أن القياس لابد منه , وعلى هذا فإن منهجا من أصوله هدم القياس يزعزع ماترسخ في نفوسهم من أن القياس لابد منه لقيام الحياة وللمسائل المستجدة والمبالغة في هذا الخيال , مع أن عظيم المدافعين عن القياس ابن القيم رحمه الله يقرر أن النصوص شاملة للحوادث وأن الله لم يحوجنا إلى قياس أحد ولكن المجتهد قد تخفى عليه دلالة النص فيستدل بالقياس ثم إن ظهر له وجه الدليل عرض القياس عليه فإن وافق الدليل كان قياسا صحيحا وإن خالفه كان قياسا فاسدا! , وفي هذا عبرة لمن يتصورون أن النوازل لابد لها من القياس.
3- أن الكثرة لها في النفوس أمان , فعندما يرى طالب العلم علماء بلده وشيوخه ورؤوس المذاهب الأربعة المتبوعة في الأقطار الإسلامية على خلاف أهل الظاهر في القياس والعلل يستوحش من المخالفة وينقدح في ذهنه أن هذه الكثرة لايمكن أن تكون على خلاف الصواب مع أنه لو أخذ الامور من أصولها ونظر في مذاهب الصحابة والتابعين في القياس نظرة هادئة متجردة لسكّن من روعه , لكن أنى له ذلك والنذر تصيح به من كل جانب.!
4- اعتقاد البعض أن الظاهرية تنحصر في ابن حزم ـ ولايُنكر أن لابن حزم اليد الطولى في تهذيب هذا المنهج وترسيته والذب عنه ـ ولذلك تراه يُحاكم كل ظاهري إلى أقوال ابن حزم والصحيح أن يُحاكم ابن حزم إلى أصول الأخذ بالظاهر لإن الظاهر منهج ينهجه ابن حزم وداود وغيرهما من العلماء عليهم رحمة الله , وابن حزم قد يخطأ في التطبيق وهذا لايضر التأصيل . وبسبب هذا اللبس في التصور قال أحد الفضلاء : " لو استبعدنا ابن حزم لاندثر المذهب الظاهري ".
5- غفلة الكثير عن أن جميع علماء أهل السنة يأخذون بالظاهر وليس من تسموا بالظاهرية فقط , فأنتَ ترى العلماء وإن لم يتسموا بالظاهرية , يقولون دائما : " وهذا صرف للنص عن ظاهره " وماذاك إلا لإن الأخذ بالظاهر هو الأصل والعدول عنه لايكون إلا لدليل , ومن هنا يتبين أن الفارق الدقيق بين أهل الظاهر وغيرهم هو القياس والعلل , وهذا الفارق ليس له كبير ثمرة في التطبيق , فكثيرا ماتجد أن أهل القياس وأهل الظاهر يتفقون في النتيجة ويختلفون في المأخذ , فأهل الظاهر يأخذون الحكم من عموم نص , وأهل القياس يأخذونه من القياس , وعلى هذا فإن الإغراق في النزاع في حجية القياس بين الطرفين لا أراه مجديا خاصة في هذا الزمن الذي نحن فيه أحوج مانكون إلى وحدة الصف لإن نتائجه في الغالب تؤدي إلى الشعور بالتباعد بين الفريقين , والنزاع فيها منذ آماد طويلة , ومادام أن المسألة تقبل الإجتهاد وليس لها كبير أثر في التطبيق فإن استثمار الجهد فيما هو أهم منها أولى , خصوصا ونحن نرى ولله الحمد في هذا الزمن عناية كبيرة بالنصوص وحرصا على حفظ السنة وتفعيلها , ولم نعد نرى تلك الأقيسة الباردة التي توجد في الكتب المذهبية على واقع التطبيق كثيرا , وصار الإجتهاد في طلب الدليل من أي قائل هو السمة العامة , فلله الحمد كثيرا .
6- أنه يخفى على البعض وجود دولة خلفاؤها ظاهريون وقضاؤها ظاهريا فقد كان لهذا المذهب دولة في الأندلس زمن الموحدين استمرت مائة واثنتان وخمسون سنة من عام 515 إلى عام 668وكان الخليفة ظاهريا , والقضاة يقضون على هذا المنهج ثم كان لها ظهور في تونس على أيدي الحفصيين من عام 625 إلى عام 941 ثم عاود المذهب المالكي ظهوره على أنقاض المنهج الظاهري (1) وكذلك يخفى أن أهل الظاهر موجودون قبل ابن حزم فهذا داود بن علي المتوفى سنة 270 هـ رحمه الله قيل عنه : " كان في مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر " (2) فكان المنهج الظاهري معروف في المشرق قبل أن يعرف في الأندلس وكان له علماء غير داود وغير ابنه رحمهم الله .
7- ظن البعض أن الأخذ بالظاهر يلزم منه الجمود على الحرفية وهذا نظر قاصر , ومن أفضل تعريف للظاهر ماقاله فضيلة العلامة ابوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري وهو يعرف بنفسه ونسبته إلى الظاهر : " والظاهري ليست موضة , ولامن باب خالف تعرف , ولامن باب التمذهب لفرد وإنما هي منهج وأصول التزمت لها بعد حرية فكرية , وقضى بها ثوابت وإيجابيات فكرية وشرعية وحسية .
ويزول العجب إذا علمت أن الظاهرية لاتعني فهم العامة بأنها بمعنى السطحية أو الحرفية أو الواضح , وإنما تعني جميع مضمون القضية , فما لايدل عليه اللفظ بوضوح أو خفاء ليس ظاهرا , وإنما هو تقوُّل . ومالايدل عليه الفكر بيقين أورجحان ليس ظاهرا وإنما هواحتمال أو وهم أوتحكم "(3)
8- اعتقاد البعض أن المنهج الظاهري لوكان حقا لانتشرت كتب أصحابه كما انتشرت كتب غيرهم ولبقي كما بقي غيره , قال أبو عبدالله : والجواب من وجوه
الوجه الأول : أن الحق لايُعرف بأهله بل اعرف الحق تعرف أهله .
الثاني : أن للدول أثر كبير في صناعة الأفكار والمبادئ والله يزع بالسلطان مالايزع بالقرآن , ولهذا فإن المذهب الحنفي من أوسع المذاهب انتشارا , ومن أهم أسباب انتشاره حكم الدولة العثمانية به .
الثالث : العداوة التي كانت بين المالكية والظاهرية ممانتج عنها إحراق كتب ابن حزم وهو حي , وكذلك من الأسباب فقدان كثير من كتب ابن حزم , وإلا فإن الذهبي في تاريخ الإسلام ذكر أن ابنه الفضل أخبر أنه اجتمع لديه بخط أبيه أربع مائة مجلد تعدل ثمانين ألف ورقة , فقارِنها بماوصل إلينا .
الرابع : أن أهل الظاهر ليسوا كبقية المذاهب في التصنيف على أقوال إمامهم فتتراكم الكتب التي تجعل الجهد منصرفا إلى الترجيح بين الروايات المنقولة عن الإمام وتخريج المسائل عليها , فجهد أهل الظاهر ينصرف إلى الدليل مباشرة فهذا ابن حزم يقول : " ولايجهل علينا جاهل فيظن أننا متبعون مذهب الإمام أبي سليمان داود ابن علي 00 إنما أبوسليمان شيخ من شيوخنا ومعلم من معلمينا 00 إن اصاب الحق فنحن معه اتباعا للحق , وإن أخطأ اعتذرنا له , واتبعنا الحق حيث فهمناه , وبالله تعالى التوفيق " قال ابن خليل الظاهري رحمه الله بعد نقل كلام ابن حزم : " قال محمد بن خليل : وكذلك أقول : لايجهل عليّ جاهل فيظن أني متبع للإمام أبي محمد .. أبومحمد شيخ من شيوخي , ومعلم من معلّمي : إن أصاب الحق فأنا معه اتباعا للحق , وإن لا فأنا مع الحق حيث فهمته بحسب مايوفقني الله تعالى له وينعم به علي " قال أبو عبدالرحمن بعد نقل قول ابن حزم وابن خليل : " قال أبوعبدالرحمن : وهكذا يقول أبوعبدالرحمن , لإن الظاهر ابتغاء مدلول شرعي وليس اقتراحا بشرياًّ , فالتمذهب للأصول التي يعرف بها مراد الله يقينا أورجحاناً , فيكون الظاهر ما أظهره البرهان , فالتمذهب لمسؤولية العلم والفكر لاللأشخاص "(4)
وهذا ليس حكرا على أهل الظاهر بل المنقول عن الأئمة الأربعة في هذا الباب كثير فهم يقولون إذا خالف قولي الدليل فاضربوا به عرض الحائط , وإذا صح الدليل فهو مذهبي , بل تجد هذه الفضيلة عند بعض أتباع الأئمة الأربعة من التجرد للدليل وإن خالف قول إمامهم , ولكن الكثير من الأتباع هم إلى التقليد أميل .
الخامس : أن أهل الظاهر لم يغيبوا عن واقع الفقه فكتب الفقه مليئة بنقل أقوالهم وهذا يدل على أنهم حاضرون على أرض الفقه , بل لو لم يكن لأهل الظاهر ثروة إلا ما ألفه ابن حزم – رحمه الله – لكفاهم .
* من الأسباب أيضاً الحرج الذي يجده بعض المخالفين من مخالفة القرآن والحديث لاجتهادات بعض الأئمة فيحاولون دفع الحرج عن نفوسهم بمحاولة إظهار من يتبع الحديث وينفى القياس بمظهر المبطل لعل نفوسهم تهدأ وتسكن بذلك .... وهذا عرض نفسي معروف .
وفي الختام أرجو ألايُفهم أنني أدعو الجميع أن يوافق أهل الظاهر في جميع اجتهاداتهم لكن الذي أدعو إليه هو أن تُخفف الحدة في التعامل مع أقوالهم ,وأن يُنظر إليها أنها أجتهاد كسائر الإجتهادات , وأول من ينبغي له الإلتزام بهذا هم أهل الظاهر اتباعا لأمر ربهم أولا وحتى يكون لهم قبول ثانيا . وإذا وجدنا من يُشدّد اللهجة على خصومه فإن هذا لايلزمنا .
هذا والله أسأل أن يعلمنا ماينفعنا وينفعنا بما علمنا وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ,
الهوامش :
(1)المدرسة الظاهرية بالمغرب والأندلس للدكتور توفيق بن أحمد الغلبزوري الادريسي دار ابن حزم , الرياض , الطبعة الاولى 1427هـ ص617 ومابعدها
(2) المرجع السابق ص78
(3) ـ تباريح التباريح لابي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري , دار الصحوة , الرياض , الطبعة الاولى 1412هـ
(4) مقدمة أبو عبدالرحمن بن عقيل لرسالة التلخيص لو جوه التخليص ص34
وللاستزادة ينظر الأتي : 1ـ ما تطرق له ابو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في هذه المؤلفات : ابن حزم خلال ألف عام 4/73 –153 طباعة دار الغرب الاسلامي , بيروت 1402 هـ , تحرير بعض المسائل على مذهب الأصحاب ص13 ومابعدها توزيع مكتبة دار العلوم 1401هـ , الفنون الصغرى ص276-277طباعة نادي الطائف الأدبي 1405هـ , من أحكام الديانةص136-144 إصدار دار ابن حزم الطبعة الاولى عام 1418هـ, مقدمته لرسالة التلخيص لو جوه التخليص ص14-20 , الصادرة عن دار ابن حزم 1426 ,