بارك الله فيكم.
الحقيقة أن الصلاة في أوقات الكراهة موضوع مشكل لتقارب الادلة وتعارضها , وقد كنت أسير زمناً على اسثنتاء ذوات الاسباب من عموم النهي , ثم لما تعمقت في بحث المسألة ظهر لي أن قول الاخرين كذلك معتبر , والحق اني الى لحظتي هذا لم استقر على قرار , واتذكر نصيحة الشوكاني بعدم دخول المسجد في اوقات الكراهة , ولكن ماذا يفعل المرء إذا دخل في قبيل الغروب والشروق الى المسجد؟
الذي افعله حاليا هو انني الا اصلي واجلس مغلبا أحاديث الكراهة في تلك الاوقات "كان ينهانا".
يقول الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد " الوجه الثاني: إذا دخل المسجد في الأوقات المكروهة فهل يركع أم لا؟ اختلفوا فيه فمذهب مالك: أنه لا يركع والمعروف في مذهب الشافعي وأصحابه أنه يركع لأنها صلاة لها سبب ولا يكره في هذه الأوقات من النوافل إلا ما لا سبب له وحكى وجه آخر: أنه يكره.
وطريقة أخرى: أن محل الخلاف إذا قصد الدخول في هذه الأوقات لأجل أن يصلي فيها أما غير هذا الوجه: فلا وأما ما حكاه القاضي عياض عن الشافعي في جواز صلاتها بعد العصر ما لم تصفر الشمس وبعد الصبح ما لم يسفر إذا هي عنده من النوافل التي لها سبب وإنما يمنع في هذه الأوقات ما لا سبب له ويقصد ابتداء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحربصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها" انتهى كلامه هذا لا نعرفه من نقل أصحاب الشافعي على هذه الصورة واقرب الأشياء إليه: ما حكيناه من هذه الطريقة إلا أنه ليس هو إياه بعينه.
وهذا الخلف في هذه المسألة ينبني على مسألة أصولية مشكلة وهو ما إذا تعارض نصان كل واحد منهما بالنسبة إلى الآخر عام من وجه خاص من وجه ولست أعني بالنصين ههنا ما لا يحتمل التأويل وتحقيق ذلك أولا يتوقف على تصوير المسألة فنقول: مدلول أحد النصين: إن لم يتناول مدلول الآخر ولا شيئا منه فهما متباينان كلفظة المشركين والمؤمنين مثلا وإن كان مدلول أحدهما يتناول كل مدلول الآخر فهما متساويان كلفظة الإنسان والبشر مثلا وإن كان مدلول أحدهما يتناول كل مدلول الآخر ويتناول غيره فالمتناول له ولغيره عام من كل وجه بالنسبة إلى الآخر والآخر خاص من كل وجه وإن كان مدلولهما يجتمع في صورة وينفرد كل واحد منهما بصورة أو صور فكل واحد منهما عام من وجه خاص من وجه.
فإذا تقرر هذا فقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد" الخ مع قوله: "لا صلاح بعد الصبح" من هذا القبيل فإنهما يجتمعان في صورة وهو ما إذا دخل المسجد بعد الصبح أو العصر وينفردان أيضا بأن توجد الصلاة في هذا الوقت من غير دخول المسجد ودخول المسجد في غير ذلك الوقت فإذا وقع مثل هذا
فالإشكال قائم لأن أحد الخصمين لو قال: لا تكره الصلاة عند دخول المسجد في هذه الأوقات لأن هذا الحديث دل على جوازها عند دخول المسجد - وهو خاص بالنسبة إلى الحديث الأول المانع من الصلاة بعد الصبح - فأخص قوله: "لا صلاة بعد الصبح" بقوله: "إذا دخل أحدكم المسجد" فلخصمه أن يقول قوله: "إذا دخل أحدكم المسجد" عام بالنسبة إلى الأوقات فأخصه بقوله "لا صلاة بعد الصبح" فإن هذا الوقت أخص من العموم.
فالحاصل أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد" خاص بالنسبة إلى هذه الصلاة أعني الصلاة عند دخول المسجد عام بالنسبة إلى هذه الأوقات وقوله: "لا صلاة بعد الصبح" خاص بالنسبة إلى هذا الوقت عام بالنسبة إلى الصلوات فوقع الإشكال من ههنا.
وذهب بعض المحققين في هذا إلى الوقف حتى يأتي ترجيح خارج بقرينة أو غيرها فمن ادعى أحد هذين الحكمين - أعني الجواز أو المنع - فعليه إبداء أمر زائد على مجرد الحديث".
وانظر هنا:
تحية المسجد وقت النهي (للشيخ عبدالكريم الخضير) - ملتقى أهل الحديث