أبوبكر بن سالم باجنيد
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 13 يوليو 2009
- المشاركات
- 2,540
- التخصص
- علوم
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
هذه المسألة يقول عنها ابن عبد البر: مسألة ليس فيها حديث مسند.
فاختلف العلماء -رحمهم الله- في المغمى عليه -بسبب غير محرَّم- تفوته الصلوات، هل يقضيها؟ على أقوال:
الأول: أنه يجب عليه قضاء جميع ما فاته حال إغمائه، قل أو كثر.
وهو مذهب الحنابلة، ومن مفرداتهم.
الثاني: أنه لا قضاء عليه، قل أو كثر.
وهو مذهب المالكية والشافعية والظاهرية.
الثالث: أنه يجب القضاء إن كان الإغماء قد فوَّت خمس صلوات فقط فما دون، فإن زاد عن ذلك فلا قضاء.
وهو قول الحنفية.
الرابع: أنه لا قضاء فيما زاد عن ثلاثة أيام، ويجب فيما كان دون ذلك.
أدلة الحنابلة:
1-روي أن عماراً غُشي عليه أياماً لا يصلي ثم استفاق بعد ثلاث فقال: هل صليت؟ فقيل: ما صليت منذ ثلاث، فقال: أعطوني وضوءًا، فتوضأ ثم صلى تلك الليلة. الأثرم في سننه، وانظر مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح.
وأنه جاء عند ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن يزيد مولى عمار بن ياسر: أغمي عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأفاق نصف الليل، فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
ويجاب عنه بأن في سنده: إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، ويزيد مولى عمار، متكلم فيهما.
ونقل البيهقي في المعرفة عن الإمام الشافعي أنه قال: هذا ليس بثابت عن عمار، ولو ثبت، فمحمول على الاستحباب. أهـ
2-جاء عند ابن أبي شيبة عن أبي مجلز أن عِمران بن حُصين قيل له أن سمرة بن جندب قال: المغمى عليه - يترك الصلاة أو فيترك الصلاة - يصلي مع كل صلاة، صلاة مثلها، قال: قال عمران: زعم، ولكن ليصلهن جميعاً.
قال الموفق ابن قدامة في "المُغْنِي": وهذا فعل الصحابة وقولهم، ولا نعرف لهم مخالفاً فكان إجماعاً. أهـ
ويجاب عن هذا: أنه قد جاء من فعل الصحابة ما يخالف ذلك، فقد ورد أن جماعة منهم أغمي عليهم ولم يقضوا، وقد جاء في مصنف عبد الرزاق عن ابن عمر، وفي الأوسط لابن المنذر عن أنس، فلا يصح هذا القول بالإجماع، بل لا حجة في قول بعضهم على بعض ما دامت أقاويلهم متعارضة.
3- القياس على النائم
ويجاب عنه: بأنه قياس مع الفارق؛ لأن النائم إذا أوقِظ استيقظ، بخلاف المغمى عليه.
قال الحافظ ابن عبد البر: ومعلوم أن النوم لذة والإغماء مرض؛ فهي بحال المجنون أشبه، والأخرى أن المغمى عليه لا ينتبه بالإنباه بخلاف النائم. أهـ
4- قياس وجوب قضائه الصلاة على وجوب قضائه الصوم. والأصل عدم سقوط العبادات بالإغماء، بدليل جوازه على الأنبياء. فكما أنه يقضي في الصوم بلا خلاف، فهنا يجب أن يكون كذلك.
وسيأتي الكلام على قضاء المغمى عليه الصوم هنا قريباً إن شاء الله .
أدلة القول الثاني:
1- روي أن أم المؤمنين عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يُغمى عليه، فيترك الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها ).
ويجاب عنه: بأن في سنده الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، متروك. وأبو الحسن المديني عبد الله بن حسين بن عطاء بن يسار، وهو ضعيف. وفي سنده عند البيهقي وأحد إسناديه عند الدارقطني: خارجة بن مصعب السرخسي، متروك يدلس عن الكذابين.
2- جاء في الموطأ، وعند البيهقي أن ابن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة.
وجاء بألفاظ مختلفة، فعند عبد الرزاق أنه أغمي عليه يوماً وليلة، وعند الدارقطني أنه أغمي عليه يومين، وعنده أيضاً بإسناد آخر أنه أغمي عليه ثلاثة أيام ولياليهن، وفي كلها أنه لم يقضِ.
3- قياس الإغماء على الجنون؛ لأنه زوال للعقل أشبه الجنون.
وأجاب ابن قدامة في "المغني" عن هذا، فقال: ولا يصح قياسه على المجنون، لأن المجنون تتطاول مدته غالباً، وقد رفع القلم عنه، ولا يلزمه صيام ولا شيء من أحكام التكليف، وتثبت الولاية عليه، ولا يجوز على الأنبياء عليهم السلام، والإغماء بخلافه, وما لا يؤثر في إسقاط الخمس لا يؤثر في إسقاط الزائد عليها، كالنوم. أهـ
4- القياس على حال الحائض، فكما أن الحائض لا تقضي الصلاة فكذلك المغمى عليه لا يقضي ما فاته من الصلوات، بجامع أن كلاً من الحيض والإغماء من العوارض السماوية التي لا إرادة للإنسان فيها.
أدلة القول الثالث:
استدلوا بفعل ابن عمر أنه لم يقض عندما أغمي عليه ثلاثة أيام
مع ما روي عن علي : " أنه أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن "
ويجاب عن الأخير بأنه لا أصل له في كتب الحديث.
قال الحافظ ابن عبد البر: وأما قول من قال يقضي المغمى عليه إذا أغمى عليه خمس صلوات فدون ولا يقضي أكثر، فقول ضعيف لا وجه له في النظر، لأنه تحكم لا يجب امتثاله، إلا لو كان قول من يجب التسليم له. أهـ
قال ابن حزم: أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد؛ ولأنه لا نص أتى به على ما قال، ولا قياس، لأنه أسقط عن المغمى عليه ست صلوات ولم يرد عليه قضاء شيء منهن، وأوجب عليه إن أغمي عليه خمس صلوات أن يقضيهن، فلم يقس المغمى عليه على المغمى عليه في إسقاط القضاء، ولا قاس المغمى عليه عل النائم في وجوب القضاء عليه في كل ما نام عنه . أهـ
قلت: عجباً لابن حزم ينظِّر للقياس الصحيح.
أدلة القول الرابع:
حديث عمار المتقدم، مع الآثار التي فيها أن من أغمي عليه دون ثلاث لم يقضِ.
يتبع إن شاء الله
فاختلف العلماء -رحمهم الله- في المغمى عليه -بسبب غير محرَّم- تفوته الصلوات، هل يقضيها؟ على أقوال:
الأول: أنه يجب عليه قضاء جميع ما فاته حال إغمائه، قل أو كثر.
وهو مذهب الحنابلة، ومن مفرداتهم.
الثاني: أنه لا قضاء عليه، قل أو كثر.
وهو مذهب المالكية والشافعية والظاهرية.
الثالث: أنه يجب القضاء إن كان الإغماء قد فوَّت خمس صلوات فقط فما دون، فإن زاد عن ذلك فلا قضاء.
وهو قول الحنفية.
الرابع: أنه لا قضاء فيما زاد عن ثلاثة أيام، ويجب فيما كان دون ذلك.
أدلة الحنابلة:
1-روي أن عماراً غُشي عليه أياماً لا يصلي ثم استفاق بعد ثلاث فقال: هل صليت؟ فقيل: ما صليت منذ ثلاث، فقال: أعطوني وضوءًا، فتوضأ ثم صلى تلك الليلة. الأثرم في سننه، وانظر مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح.
وأنه جاء عند ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن يزيد مولى عمار بن ياسر: أغمي عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأفاق نصف الليل، فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
ويجاب عنه بأن في سنده: إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، ويزيد مولى عمار، متكلم فيهما.
ونقل البيهقي في المعرفة عن الإمام الشافعي أنه قال: هذا ليس بثابت عن عمار، ولو ثبت، فمحمول على الاستحباب. أهـ
2-جاء عند ابن أبي شيبة عن أبي مجلز أن عِمران بن حُصين قيل له أن سمرة بن جندب قال: المغمى عليه - يترك الصلاة أو فيترك الصلاة - يصلي مع كل صلاة، صلاة مثلها، قال: قال عمران: زعم، ولكن ليصلهن جميعاً.
قال الموفق ابن قدامة في "المُغْنِي": وهذا فعل الصحابة وقولهم، ولا نعرف لهم مخالفاً فكان إجماعاً. أهـ
ويجاب عن هذا: أنه قد جاء من فعل الصحابة ما يخالف ذلك، فقد ورد أن جماعة منهم أغمي عليهم ولم يقضوا، وقد جاء في مصنف عبد الرزاق عن ابن عمر، وفي الأوسط لابن المنذر عن أنس، فلا يصح هذا القول بالإجماع، بل لا حجة في قول بعضهم على بعض ما دامت أقاويلهم متعارضة.
3- القياس على النائم
ويجاب عنه: بأنه قياس مع الفارق؛ لأن النائم إذا أوقِظ استيقظ، بخلاف المغمى عليه.
قال الحافظ ابن عبد البر: ومعلوم أن النوم لذة والإغماء مرض؛ فهي بحال المجنون أشبه، والأخرى أن المغمى عليه لا ينتبه بالإنباه بخلاف النائم. أهـ
4- قياس وجوب قضائه الصلاة على وجوب قضائه الصوم. والأصل عدم سقوط العبادات بالإغماء، بدليل جوازه على الأنبياء. فكما أنه يقضي في الصوم بلا خلاف، فهنا يجب أن يكون كذلك.
وسيأتي الكلام على قضاء المغمى عليه الصوم هنا قريباً إن شاء الله .
أدلة القول الثاني:
1- روي أن أم المؤمنين عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يُغمى عليه، فيترك الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه فيفيق في وقتها فيصليها ).
ويجاب عنه: بأن في سنده الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، متروك. وأبو الحسن المديني عبد الله بن حسين بن عطاء بن يسار، وهو ضعيف. وفي سنده عند البيهقي وأحد إسناديه عند الدارقطني: خارجة بن مصعب السرخسي، متروك يدلس عن الكذابين.
2- جاء في الموطأ، وعند البيهقي أن ابن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة.
وجاء بألفاظ مختلفة، فعند عبد الرزاق أنه أغمي عليه يوماً وليلة، وعند الدارقطني أنه أغمي عليه يومين، وعنده أيضاً بإسناد آخر أنه أغمي عليه ثلاثة أيام ولياليهن، وفي كلها أنه لم يقضِ.
3- قياس الإغماء على الجنون؛ لأنه زوال للعقل أشبه الجنون.
وأجاب ابن قدامة في "المغني" عن هذا، فقال: ولا يصح قياسه على المجنون، لأن المجنون تتطاول مدته غالباً، وقد رفع القلم عنه، ولا يلزمه صيام ولا شيء من أحكام التكليف، وتثبت الولاية عليه، ولا يجوز على الأنبياء عليهم السلام، والإغماء بخلافه, وما لا يؤثر في إسقاط الخمس لا يؤثر في إسقاط الزائد عليها، كالنوم. أهـ
4- القياس على حال الحائض، فكما أن الحائض لا تقضي الصلاة فكذلك المغمى عليه لا يقضي ما فاته من الصلوات، بجامع أن كلاً من الحيض والإغماء من العوارض السماوية التي لا إرادة للإنسان فيها.
أدلة القول الثالث:
استدلوا بفعل ابن عمر أنه لم يقض عندما أغمي عليه ثلاثة أيام
مع ما روي عن علي : " أنه أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن "
ويجاب عن الأخير بأنه لا أصل له في كتب الحديث.
قال الحافظ ابن عبد البر: وأما قول من قال يقضي المغمى عليه إذا أغمى عليه خمس صلوات فدون ولا يقضي أكثر، فقول ضعيف لا وجه له في النظر، لأنه تحكم لا يجب امتثاله، إلا لو كان قول من يجب التسليم له. أهـ
قال ابن حزم: أما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد؛ ولأنه لا نص أتى به على ما قال، ولا قياس، لأنه أسقط عن المغمى عليه ست صلوات ولم يرد عليه قضاء شيء منهن، وأوجب عليه إن أغمي عليه خمس صلوات أن يقضيهن، فلم يقس المغمى عليه على المغمى عليه في إسقاط القضاء، ولا قاس المغمى عليه عل النائم في وجوب القضاء عليه في كل ما نام عنه . أهـ
قلت: عجباً لابن حزم ينظِّر للقياس الصحيح.
أدلة القول الرابع:
حديث عمار المتقدم، مع الآثار التي فيها أن من أغمي عليه دون ثلاث لم يقضِ.
يتبع إن شاء الله
التعديل الأخير: