احتججت على تجهيل ابن حزم للترمذى بقولك " نقل ابن القطان و الذهبي ثابت و لا داعي لرد هذه النقول بأقوال واهية ، الرجاء الجدية في المناقشة "
قلت : أقف مع هذا الكلام وقفات وهى :
أولا : نحن والحمد لله لم نرد نقولا باقوال واهية ، إنما نحكم بحكم من يعلم حقيقة الأمور ويمتطى زمامها ، وهذا من فضل الله علينا ، فإن جهلنا شيئا توقفنا واستفسرنا ممن هم أعلى كعبا منا .
ثانيا : أن كلام العلامة ابن القطان الفاسى المالكى صاحب النزعة الظاهرية تلميذ المنصور الموحدى فى كتابه الماتع " الوهم والإيهام" لم نشكك فيه لأنه نقل عن الإيصال وهذه عبارته " محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي، وترمذ بخراسان، جهله بعض من لم يبحث عنه، وهو أبو محمد ابن حزم، فقال في كتاب الفرائض من (الإيصال) إثر حديث أورده، إنه مجهول"
وعن ابن القطان نقل ابن حجر العسقلانى كما هو واضح من قرب العبارتين ، فضلا عما أسلفنا ذكره بشأن هذا الموضوع .
بقى عندنا ماذا أن هذا التجهيل سرعان ما تداركه العلامة ابن حزم بعد أن وقف على حال الترمذى فجعله من الحفاظ الثقات فى رسالته الباهرة ، وذكره فى المحلى دون أن يجهله فى حين جهل غيره .
وهذه الحالة حال التوثيق بعد التجهيل وقعت لابن حزم كثيرا بل وقعت لمن هم أعلى كعبا من ابن حزم كيحيى بن معين والبخارى وغيرهما .
ثالثا : وأما عن نقل الذهبى فهذا كلامه فى كتابه تاريخ الإسلام جاء فيه " والعجب من أبي محمد بن حزم حيث يقول في أبي عيسى: "مجهول" ، قاله من كتاب "الإيصال".
قلت : النقل هنا ليس فى قوة ولا توثيق ابن القطان ، ومن ثم فإن هذا النقل تم عن ابن القطان وليس عن الإيصال مباشرة ، ومن العبارة يتضح الأمر .
عموما ليس هذا هو الموضوع إنما ما يعنينا هو كلام الذهبى التالى والذى فيه يعتذر عن ابن حزم لتجهيله الترمذى - أى قوله فيه انه مجهول- بأن سنن الترمذى لم تعرف فى الأندلس إلا بعد وفاة ابن حزم وهذه عبارة الذهبى فى كتابه الماتع سير أعلام النبلاء " ما ذكر - أى ابن حزم- سنن ابن ماجة ولا جامع أبى عيسى فإنه ما رآهما ولا أدخلا إلى الأندلس إلا بعد موته" .
قلت : هذا الكلام الذى دافع به الذهبى عن ابن حزم ، ومن قبله ابن القطان تلقفه البعض ليشنعوا على ابن حزم ، وليؤكدوا أنه جهل الترمذى وأنه مات ولم يعرف كتابه الجامع وهذا وهم واضح وباطل بين البطلان للآتى :
أولا : أن ذكر الترمذى كان مشهورا بالأندلس حتى على ألسنة مشايخ ابن حزم وفى كتبهم ومنهم العلام ابن الفرضى المالكى شيخ ابن حزم والذى ذكر الترمذى ونبه على قدره فى كتابه " المؤتلف والمختلف"
ثانيا : أن الكتاب كان يدرس بالأندلس فى أواخر القرن الرابع الهجرى والذى شهد مولد ابن حزم ، وممن درسه يحيى بن محمد الجيانى ( توفى 390هـ) وعن الجيانى روى ابن عبدالبر جامع الترمذى من طريقه .
ثالثا : أن ابن عبدالبر ذكر الترمذى فى كتابه العظيم التمهيد ، وابن حزم قرظ هذا الكتاب ، فهل يا ترى رغم مدح ابن حزم لهذا الكتاب من الممكن أن يكون قد غفل عن ذكر الترمذى فيه ؟
ربما يكون ذلك ، وربما يكون وقف عليها ، ومن ثم غير رايه فيه بعد تجهيله له ، وهو ما سنوضحه لاحقا بتفصيل بعد طرحنا للتسلسل التاريخى لكتب الإمام إن أنسأ الله لنا فى العمر .
رابعا : إذا فرضنا جدلا أن ابن حزم لم يقف على كتاب شيخه ابن الفرضى الذى ذكر فيه الترمذى ، ولا على ذكر الترمذى فى كتاب صاحبه ابن عبدالبر فما الداعى لعدم تجهيل ابن حزم للترمذى فى كتابه المحلى .
ثم ما الداعى لجعله من الحفاظ الثقات فى رسالته الباهرة .
ولى عودة إن شاء الله للمتابعة .