العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

إنضم
10 يونيو 2009
المشاركات
395
التخصص
فقه واصوله
المدينة
قرطبة الغراء
المذهب الفقهي
المالكي -اهل المدينة-
السلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الاخوة المالكية هذا موضوع لي كنت قد طرحته في منتديات الاشاعرة ولكنهم لم يجيبوا بشيء الا بعض الايرادات التي لا يؤبه لها

و قبل ان اطرح هذا الموضوع للمناقشة والتحرير فيه
اقول اني لا انكر التصوف السني المعتدل ولااستطيع ولكن ليكن علمنا على اسس صحيحة وعن يقين وان لانجعله محلا لايراد الشبهات من الخصوم وكذا يجب تنقيح المذهب من الروايات الباطلة التي ظهرت مؤخرا
قال ابونصر
نسب الى الإمام مالك رضي الله تعالى عنه هذا القول : (من تفقه و لم يتصوف فقد تفسق و من تصوف و لم يتفقه فقد تزندق و من جمع بينهما فقد تحقق )

ومن نسبه اليه قال

المصدر: حاشية العلامة علي العدوي على شرح الامام الزرقاني على متن العزيه في الفقه المالكي. وشرح عين العلم وزين الحلم للامام ملا علي قاري


اقول الذي يظهر لي انه لايصح نسبتها الي الامام رحمه الله مادامت لم تثبت بسند صحيح ولم تثبت في كتب ائمتنا المتقدمين كالامام ابن ابي زيد والعتبي والاندلسيين على شدة اقتفائهم لاقوال الامام
واقول
اعيتني هذه الرواية اذا كان عندكم اخواني سندها فلينقلها احد الاخوة المطلعين
فاني لااظن الا انها موضوعة والمعروف عن الامام بخلاف ذلك

ثم متى ظهر مصطلح التصوف
هل ظهر في حياة الامام ام بعده فقد نقل احد الاخوة ان هذا المصطلح فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى
وكان أبو هاشم الصوفى (ت262) هو أول من أطلق عليه هذا اللقب وهو من المعاصرين للإمام أحمد والمتصلين به كما يحكى السراج فى اللمع

فهذه واحدة تضعف الرواية

قال الإمام مالك - بزعمهم - أن من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومع ذلك فإن الامام مالكاً تفقهو لم يتصوف، وهكذا فقد حكم على نفسه بالفسق.
وكذلك تفقه اصحابه وتلاميذه ولم يتصوفوا ولا نقل الينا ان احدهم تصوف على كثرتهم وشهرتهم وجلهم ائمة ثقات
وكذلك لم يتصوف الامام مالك الصغير جامع شتات المذهب اقصد ابن ابي زيد القيرواني صاحب الرسالة
ولم يتصوف كل الائمة المعروفين بجمع الروايات فهل غابت عنهم وهم جبال المذهب وكبار رجاله بل فاقوا العلماء في الاقتداء بسمت الامام رضي الله عنه
وهذه ثانية ترد عليهم
والعجيب ان هذه الرواية غابت عن هؤلاء الرواة والمتمسكين بسمت الامام وظهرت في عصر الشيخ العدوي الصعيدي صاحب الحاشية

وهذه ثالثة ترد عليهم

ما المانع من عدم تصوف الامام واصحابه وتلاميذه والاعجب ان ابن رشد جامع الروايات وشارحها لم يتصوف إن كان هذا كلام الامام رحمه الله
وعليه فللصوفية الحكم على أفضل طبقة وأشرفها في الصوفية أنهم زنادقة!وهي طبقة الامام من علمائنا

قال الحافظ ابن بطال في شرح البخاري
وقال مالك أيضا: لا أكره لباس الصوف لمن لم يجد غيره، وأكرهه لمن يجد غيره، ولأن يخفى عمله أحب إلى، وكذلك كان شأن من مضى
وقد سئل مالك عن لباس الصوف الغليظ، فقال: لا خير فيه فى الشهرة ولو كان يلبسه تارة وينزعه أخرى لرجوت، فأما المواظبة حتى يعرف به ويشتهر فلا أحبه

قال الامام ابوالعباس القرطبي في المفهم
فأما ما أبتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة ؛ فمن قبيل ما لا يُختلف في تحريمه ، لكن النفوس الشهوانية والأغراض الشيطانية قد غلبت على كثير ممن نُسِب إلى الخير وشُهر بذكره ، حتى عموا عن تحريم ذلك وعن فحشه ؛ حتى قد ظهرت من كثير منهم عوارات الْمُجَّان والمجانين ، والصبيان ، فيرقصون ويزقنون بحركات متطابقة ، وتقطيعات متلاحقة ؛ كما يفعل أهل السَّفَه والمجون ، وقد انتهى التواقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا : إن تلك الأمور من من أبواب القرب وصالحات الأعمال ، وأن ذلك يُثمر صفاء القلوب وسنِيَّات الأحوال ، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة ، وقول أهل البطالة والْمَخْرَقَة ، نعوذ بالله من البدع والفتن ، ونسأله التوبة والمشي على السنن.

قال الامام ابو العباس القرطبي
وقد يستدل بإنشاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه هذه الأسجاع وأشباهها أهل المجون والبدع من المتصوّفة على إباحة ما أحدثوه من السَّماع المشتمل على مناكر لا يرضى بها أهل المروءات ، فكيف بأهل الديانات ؟! كالطارات ، والشبابات ، واجتماع المغاني وأهل الفساد والشبَّان ، والغناء بالألحان ، والرقص بالأكمام ، وهز الأقدام ، كما يفعله الفسقة الْمُجَّان . ومجموع ذلك يعلم فساده وكونه معصية من ضرورة الأديان ، فلا يحتاج في إبطاله إلى إقامة دليل ولا برهان . وقد كتبنا في ذلك جزءًا حسنًا سميناه : "كشف القناع عن حكم مسائل الوجد والسَّماع".

وقال رحمه الله
هذا الحديث يَرُدُّ حكايةً حُكيت عن بعض مشايخ الصوفية ، وذلك أن مريدًا له قال له يومًا : قد حمي التنورُ فما أصنع ؟ فتغافل عنه ، فأعاد عليه القول ، فقال له : ادخل فيه . فدخل المريد في التنور ، ثم إن الشيخ تذكّر فقال : الحقوه ، فإنه كان عقد على نفسه ألا يخالفني ، فلحقوه ، فوجدوه في التنور لم تضره النار . وهذه الحكاية أظنها من الكذب الذى كُذِبَ به على هذه الطائفة الفاضلة ، فكم قد كَذَبَ عليها الزنادقةُ ، وأعداءُ الدين

روى أبو بكر أحمد بن مروان بن محمد الدينوري القاضي المالكي في المجالسة
حدثنا أحمد نا ابن أبي الدنيا نا محمد بن سلاّم قال قال ابن السّماك لأصحاب الصوف واللهِ لئن كان لباسكم وفقاً لِسرائركم لقد أَحبَبْتُم أن يطّلع الناس عليها وإن كان مخالفاً لقد كذبتم
حدثنا ابن أبي الدنيا نا أحمد بن سعيد قال سمعت النضر بن شميل يقول قلت لبعض الصوفيين تبيع جبتك الصوف فقال إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصطاد

قال الشيخ عليش في الفتاوي

زَعْمُهُمْ أَنَّهُمْ مَالِكِيَّةٌ مَعَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمُخَالِفَةِ لِنُصُوصِ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَمْرٌ يُكَذِّبُهُ الْعِيَانُ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ وَعُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ لَمْ يَكْتُمُوا شَيْئًا مِنْ النُّصُوصِ وَلَا جَهِلُوهُ وَمَنْ ظَنَّ بِهِمْ هَذَا الظَّنَّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ لِأَنَّهُ ظَنُّ سُوءٍ بِعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ

ثُمَّ قَالَ فِي الْمَدْخَلِ سُئِلَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ رحمه الله تعالى مَا يَقُولُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ فِي مَذْهَبِ الصُّوفِيَّةِ وَاعْلَمْ حَرَسَ اللَّهُ مُدَّتَك أَنَّهُ مِنْ رِجَالٍ فَيُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَذِكْرِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَنَّهُمْ يُوقِعُونَ بِالْقَضِيبِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَدِيمِ وَيَقُومُ بَعْضُهُمْ يَرْقُصُ وَيَتَوَاجَدُ حَتَّى يَقَعَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ وَيُحْضِرُونَ شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ هَلْ الْحُضُورُ مَعَهُمْ جَائِزٌ أَمْ لَا أَفْتَوْنَا يَرْحَمْكُمْ اللَّهُ . الْجَوَابُ يَرْحَمُك اللَّهُ مَذْهَبُ الصُّوفِيَّةِ بَطَالَةٌ وَجَهَالَةٌ وَضَلَالَةٌ وَمَا الْإِسْلَامُ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَأَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّوَاجُدُ فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ لَمَّا اتَّخَذَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ قَامُوا يَرْقُصُونَ حَوَالَيْهِ وَيَتَوَاجَدُونَ فَهُوَ دِينُ الْكُفَّارِ وَعُبَّادِ الْعِجْلِ . وَأَمَّا الْقَضِيبُ فَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهُ الزَّنَادِقَةُ لِيَشْغَلُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَصْحَابِهِ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ مِنْ الْوَقَارِ فَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ الْحُضُورِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُمْ وَيُعِينَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

قال الشيخ زروق شيخ الصوفية
وسئل مالك عن جماعة، يأكلون كثيرا، وذكرت له أحولهم، فضحك، ثم قال: مجانين هم

قال ابونصر وانظر الى الشيخ زروق شيخ الطائفة كيف روي هذه الحادثة على المعني او انه غيرها عن عمد
ومما يدل على مانقول قوله عن جماعة فاي جماعة يقصد امن الشيعة او السنة اومن الزنادقة او من ....
وكذلك يدلك ما قلناه قوله وذكرت له احوالهم هروبا من ذكر الرقص لانه عند الصوفيه جائز وعند فقهاء المالكية المحققين غير جائز ومنهي عنه ومن اراد التفصيل والتأكد من حرمة الرقص فلينظر ما قدمنا عن القرطبي ولينظر المعيار
وشيء اخر انه مما يوكد الرواية ان الشيخ زروق رواها بالمعنى عن الامام وهو من هو شيخ الطائفة الصوفية فدل ذلك ان هذه الرواية موضوعة ولله الحمد على توفيقه
ويوكد ذلك رواية الامام التنيسي عن الامام مالك رضي الله عنه
وقولهم مرسلة اوغيره من التفاهات مردود يان اغلبكتب المذهب لم تصلنا ولو وصلتنا لعلمنا سند القاضي عياض الى التنيسي
فان قيل لما اخذتم برواية التنيسي ورددتم الاخري
قلنا ان رواية التنيسي تلقاها علماؤنا بالقبول وبنوا عليها فتاويهم كما رأيت آنفا للقرطبي والطرطوشي وكثير من علمائنا انظر المعيار وفتاوى ابن رشد الجد


 
إنضم
10 يونيو 2009
المشاركات
395
التخصص
فقه واصوله
المدينة
قرطبة الغراء
المذهب الفقهي
المالكي -اهل المدينة-
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

لا ادري لم اخرج الموضوع عن اصله ؟؟؟

وكان موضوع الصوفية خطير الى درجة تحويل الموضوع ؟

لذا اطلب من المشرف نقل كلام الاخت بشرى ومن تبعها الى موضوع مستقل فقد افسدوا علي موضوعي ، والمنتدى يسع هذا والحمد لله
 
إنضم
10 أبريل 2010
المشاركات
172
الكنية
أبو أنس
التخصص
الشريعة
المدينة
الدار البيضاء - أكادير
المذهب الفقهي
مالكي
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

جاء في كتاب الحلال والحرام لأبي الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي، مما سمعه من أبي محمد عبد الله بن موسى الفشتالي: "لا يجوز اليوم اتخاذ شيخ لسلوك طريق المتصوفة أصلا، فإنهم يخوضون في فروعها، ويتركون شرط صحتها وهو باب التوبة، ولو وجدت تواليف القشيري والغزالي لألقيتها في الحبر، ولا أتمنى على الله أن أكون معهما في المحشر، بل مع ابن أبي زيد، بل مع أبي محمد يسكر..."اهـ كلامه نقلا من الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ج 2 ص 566 تحت ترجمة أبي الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي
 
إنضم
10 يونيو 2009
المشاركات
395
التخصص
فقه واصوله
المدينة
قرطبة الغراء
المذهب الفقهي
المالكي -اهل المدينة-
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

بارك الله فيك أخي البيضاوي قد وقفت على نقلكم الطيب في المعيار وفيه اقوال حسنة لفقهائنا

لكن نريد نفي هذه المقولة التي المنحولة للامام رضي الله عنه

فهل عندكم من افادة

وفقك الله
 
إنضم
10 يونيو 2009
المشاركات
395
التخصص
فقه واصوله
المدينة
قرطبة الغراء
المذهب الفقهي
المالكي -اهل المدينة-
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

قول القائل "التصوف السني المعتدل" مشكل وليس مما يقال فيه :لا مشاحة في الاصطلاح
لتضمنه لبسا

لا اري اي لبس ولا اشكال فالتصوف السني هو زهد في الدنيا مبالغ فيه ببعض المجاهدات والتزام بعض العبادات تهذيبا للنفس و تطهيرا للقلب والمتصوفة وان كانت لهم طرق فانها كلها داخل تحت اصول عامة مثل الاذكار وكثرة العبادات والصلوات والجوع والتقشف ، ولا اجد لاحد من الطلبة سعة في التكلم بما لم يحط به علما الا بعض الاوهام التي تلقاها من كتب متشددة المحدثين او الظاهريين

وقد أغنانا الله تعالى بالألفاظ الشرعية المحكمة ,وقال "يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا"

كلام ساقط لانه على قولك اغنانا بالفاظ اخرى يتدارسها الفقهاء والمحدثون اذن فاسقط هذه وتلك معا ولا تتحكم

,كما أن اشتراط التصوف للمتفقه لا يصح ,لأن الفقه بمعناه الشرعي أعم من مجرد العلم بالأحكام العملية
نعم الشرط لايصح ولكن يندب اليه ، وهذا مما لاخلاف فيه ومخالفنا معاند

بل هذه الأحكام من جملتها الأخلاق كوجوب الصدق والبر وغير ذلك من معاني الرقاق
نعم يقال من يدرس الفقه عليه أن يعتني بقلبه فيتعاهده بالسقاية الإيمانية لتطهيره مما يشوبه
ومن هذه العناية أن يعمل بمقتضى الفقه الذي يدرسه

ليس هذا البتة لان هذا يتقنه عوام الناس بل ان التصوف السني المعتدل هو المقصود والذي قد بينته سابقا كالمجاهدات في العبادة و سرد الصوم و تهذيب النفس من خواطر السوء وغيرها مما لا يحسنه الا عالم او متعلم
وفقك الله
 
إنضم
7 أكتوبر 2009
المشاركات
32
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
المغرب
المدينة
الدار البيضاء
المذهب الفقهي
المالكي
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
ليس ما ذكرته عن ابن القيم حجة في صحة استعمال هذا الوصف
مع مراعاة أن ابن القيم قد كتب كتابه في عصر يموج بالبدع
فأراد توصيل الفكرة السلفية بمصطلحات صوفية ولهذا وقع
في مؤاخذات وتكلفات في هذا الكتاب
خاصة مع أنه كتاب جليل في الجملة
وقد سبق بيان أن هذا المصطلح الحادث يتضمن لبسا فينتسب له الغالي الملحد
كما ينتسب له من يوصف بالزهد فحسب وأصل استعماله جاء من طريق دخيل
بدعي والله تعالى أغنانا عن ذلك بالألفاظ الشرعية المحكمة المنضبطة
-ولك بمثل أختي الفاضلة بشرى
والله الموفق

لقد تأولت وتقولت على الإمام ابن القيم أيها الفاضل منيب.
ابن القيم إمام في السلوك - ولنقل التصوف السني - وكتابه المدارج خاصة ينطق بذلك. أما شيخه ابن تيمية رضي الله عنه فهو قطب وإمام في هذا الشأن.
أما مسألة الألفاظ الشرعية فأين نجد يا أخي لفظة (التراويح) في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وبمَ تحتج على من ينكرها اليوم؟
التصوف علم قائم الذات، اختلط فيه الغث بالسمين، قياسا على علم العقائد - أصول الدين -.
وهذان اللفظان الأخيران لا أراك تنكرهما، والحال أنهما لم يردا على لسان السلف الأولين.

وهذا نقل للإمام العارف شيخ الإسلام اين تيمية تدبره مأمورا.
من (اقتضاء الصراط المستقيم):

فصل فيما ذكره الشيخ أبو القاسم القشيرى في رسالته المشهورة من اعتقاد
مشايخ الصوفية فإنه ذكر من متفرقات كلامهم ما يستدل به على انهم كانوا يوافقون اعتقاد كثير من المتكلمين الأشعرية وذلك هو اعتقاد ابي القاسم الذي تلقاه عن أبي بكر بن فورك وأبي إسحاق الإسفراييني
وهذا الاعتقاد غالبه موافق لأصول السلف وأهل السنة والجماعة لكنه مقصر عن ذلك ومتضمن ترك بعض ما كانوا عليه وزيادة تخالف ما كانوا عليه
والثابت الصحيح عن أكابر المشايخ يوافق ما كان عليه السلف وهذا هو الذي كان يجب أن يذكر
فإن في الصحيح الصريح المحفوظ عن اكابر المشايخ مثل الفضيل ابن عياض وأبي سليمان الداراني ويوسف بن أسباط وحذيفة المرعشى ومعروف الكرخي إلى الجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وأمثال هؤلاء ما يبين حقيقة مقالات المشايخ
وقد جمع كلام المشايخ إما بلفظه أو بما فهمه هو غير واحد فصنف أبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذى كتاب التعرف لمذاهب التصوف وهو أجود مما ذكره أبو القاسم وأصوب وأقرب إلى مذهب سلف الأمة وأممتها وأكابر مشايخها وكذلك معمر بن زياد الأصفهاني شيخ الصوفية وابو عبد الرحمن محمد بن الحسن السلمي جامع كلام الصوفية هما في ذلك أعلى درجة وأبعد عن البدعة والهوى من أبى القاسم
وأبو عبد الرحمن وإن كان أدنى الرجلين فقد كان ينكر مذهب الكلابية ويبدعهم وهو المذهب الذي ينصره أبو القاسم وله في ذم الكلام مصنف يخالف ما ينصره أبو القاسم وأبو عبد الرحمن أجل من أخذ عنه أبو القاسم كلام المشايخ وعليه يعتمد في أكثر ما يحكيه فإن له مصنفات متعددة
وكذلك عامة المشايخ الذين سماهم أبو القاسم في رسالته لا يعرف عن شيخ منهم أنه كان ينصر طريقة الكلابية والأشعرية التي نصرها أبو القاسم بل المحفوظ عنهم خلافهم ومن صرح منهم فإنما يصرح بخلافها حتى شيوخ عصره الذين سماهم حيث قال
فأما المشايخ الذين عاصرناهم والذين أدركناهم وإن لم يتفق لنا لقياهم مثل الأستاذ الشهيد لسان وقته وواحد عصره أبى على الدقاق والشيخ شيخ وقته أبى عبد الرحمن السلمى وأبى الحسن على بن جهضم مجاور الحرم والشيخ أبى العباس القصاب بطبرستان وأحمد الاسود الدينوري وأبى القاسم الصيرفى بنيسابور وأبى سهل الخشاب الكبير بها ومنصور بن خلف المغربى وأبى سعيد الماليني وأبى طاهر الجحدرى قدس الله ارواحهم وغيرهم
فإن هؤلاء المشايخ مثل أبى العباس القصاب له من التصانيف المشهورة في السنة ومخالفة طريقة الكلابية الأشعرية ما ليس هذا موضعه
وكذلك سائر شيوخ المسلمين من المتقدمين والمتأخرين الذين لهم لسان صدق في الأمة كما ذكر الشيخ يحيى بن يوسف الصرصري ونظمه في قصائده عن الشيخ على بن إدريس شيخه أنه سأل قطب العارفين أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الجيلى فقال يا سيدي هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل فقال ما كان ولا يكون
وكذلك نقل الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد السهروردى وحدثنيه عنه الشيخ عز الدين عبد الله بن أحمد بن عمر الفاروثي أنه سمع هذه الحكاية منه ووجدتها معلقة بخط الشيخ موفق الدين أبي محمد بن قدامة المقدسى قال السهروردى كنت عزمت على أن أقرأ شيئا من علم الكلام وأنا متردد هل أقرأ الإرشاد لإمام الحرمين أو نهاية الإقدام للشهرستاني أو كتاب شيخه فذهبت مع خالي أبي النجيب وكان يصلى بجنب الشيخ عبد القادر قال فالتفت الشيخ عبد القادر وقال لي يا عمر ما هو من زاد القبر ما هو من زاد القبر فرجعت عن ذلك فأخبر أن الشيخ كاشفه بما كان في قلبه ونهاه عن الكلام الذي كان ينسب إليه القشيرى ونحوه
وكذلك حدثني الشيخ أبو الحسن بن غانم أنه سمع خاله الشيخ إبراهيم بن عبد الله الأرومي أنه كان له معلم يقرئه وأنه أقرأه اعتقاد الأشعرية المتأخرين قال فكنت أكرر عليه فسمع والذي والشيخ عبد الله الارميني قال فقال ما هذا يا إبراهيم فقلت هذا علمنيه الأستاذ فقال يا إبراهيم اترك هذا فقد طفت الأرض واجتمعت بكذا وكذا ولى لله فلم أجد أحدا منهم على هذا الاعتقاد وإنما وجدته على اعتقاد هؤلاء وأشار إلى جيرانه أهل الحديث والسنة من المقادسة الصالحين إذ ذاك
وحدثني أيضا الشيخ محمد بن أبي بكر بن قوام أنه سمع جده الشيخ أبا بكر بن قوام يقول إذا بلغك عن اهل المكان الفلانى سماه لى الشيخ محمد إذا بلغك أن فيهم رجلا مؤمنا أو رجلا صالحا فصدق وإذا بلغك أن فيهم وليا لله فلا تصدق فقلت ولم يا سيدي قال لأنهم أشعرية وهذا باب واسع
ومن نظر في عقائد المشايخ المشهورين مثل الشيخ عبد القادر والشيخ عدى بن مسافر والشيخ أبي البيان الدمشقي وغيرهم وجد من ذلك كثيرا ووجد أنه من ذهب إلى مذهب شئ من أهل الكلام وإن كان متأولا ففيه بعض نقص وانحطاط عن درجة أولياء الله الكاملين ووجد أنه من كان ناقصا في معرفة اعتقاد أهل السنة واتباعه ومحبته وبعض ما يخالف ذلك وذمه بحيث يكون خاليا عن اعتقاد كمال السنة واعتقاد البدعة تجده ناقصا عن درجة أولياء الله الراسخين في معرفة اعتقاد أهل السنة واتباع ذلك وقد جعل الله لكل شئ قدرا
وما ذكره أبو القاسم في رسالته من اعتقادهم وأخلاقهم وطريقتهم فيه من الخير والحق والدين أشياء كثيرة ولكن فيه نقص عن طريقة أكثر أولياء الله الكاملين وهم نقاوة القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم ولم يذكر في كتابه أئمة المشايخ من القرون الثلاثة ومع ما في كتابه من الفوائد في المقولات والمنقولات ففيه أحاديث وأحاديث ضعيفة بل باطلة وفيه كلمات مجملة تحتمل الحق والباطل رواية ورأيا وفيه كلمات باطلة في الرأي والرواية وقد جعل الله لكل شئ قدرا
وقال تعالى كونوا قوامين بالقسط شهداء لله على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا سورة النساء 135
فكتبت من تمييز ذلك ما يسره الله واجتهدت في اتباع سبيل الأمة الوسط الذين هم شهداء على الناس دون سبيل من قد يرفعه فوق قدره في اعتقاده وتصوفه على الطريقة التي هي أكمل وأصح مما ذكره علما وحالا وقولا وعملا واعتقادا واقتصادا أو يحطه دون قدره فيهما ممن يسرف في ذم أهل الكلام أو يذم طريقة التصوف مطلقا والله أعلم
والذي ذكره أبو القاسم فيه الحسن الجميل الذي يجب اعتقاده واعتماده وفيه المجمل الذي يأخذ المحق والمبطل وهذان قريبان وفيه منقولات ضعيفة ونقول عمن لا يقتدي بهم في ذلك فهذان مردودان وفيه كلام حمله على معنى وصاحبه لم يقصد نفس ما أراده هو ثم إنه لم يذكر عنهم إلا كلمات قليلة لا تشفى في هذا الباب وعنهم في هذا الباب من الصحيح الصريح الكبير ما هو شفاء للمقتدى بهم الطالب لمعرفة أصولهم وقد كتبت هنا نكتا يعرف بها الحال
قال القشيرى رحمه الله اعلموا أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة في التوحيد صانوا بها عقائدهم عن البدع ودانوا بما وجدوا عليه من السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل
قلت هذا كلام صحيح
فإن كلام أئمة المشايخ الذين لهم في الأمة لسان صدق كانوا على ما كان عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل وهذه الجملة يتفق على إطلاقها عامة الطوائف المنتسبين إلى السنة وإن تنازعوا في مواضع هل هي تمثيل أو تعطيل
قال أبو القاسم عرفوا ما هو حق القدم وتحققوا بما هو نعت الموجود عن العدم وكذلك قال سيد هذه الطائفة
الجنيد رضي الله عنه
التوحيد إفراد القدم من الحدث
قلت هذا الكلام فيه إجمال والمحق يحمله محملا حسنا وغير المحق يدخل فيه أشياء
والقشيري مقصوده ما يذكره أهل الكلام من تنزيه القديم عن خصائص المحدثات وهذا متفق عليه بين المسلمين لكن التنازع بينهم في كثير من الصفات هل هي من خصائص المحدثات التي يجب تنزيه القديم عنها أو هي من لوازم الوجود التي يكون نفيها تعطيلا
وأما الجنيد فمقصوده التوحيد الذي يشير إليه المشايخ وهو التوحيد في القصد والإرادة وما يدخل في ذلك من الإخلاص والتوكل والمحبة وهو ان يفرد الحق سبحانه وهو القديم بهذا كله فلا يشركه في ذلك محدث وتمييز الرب من المربوب في اعتقادك وعبادتك وهذا حق صحيح وهو داخل في التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ومما يدخل في كلام الجنيد تمييز القديم عن المحدث وإثبات مباينته له بحيث يعلمه ويشهد أن الخالق مباين للخلق خلافا لما دخل فيه الاتحادية من المتصوفة وغيرهم من الذين يقولون بالاتحاد معينا او مطلقا
ولهذا أنكر هؤلاء على الجنيد قوله هذا كما أنكره عليه ابن العربى الطائي كبير الاتحادية
 
إنضم
7 أكتوبر 2009
المشاركات
32
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
المغرب
المدينة
الدار البيضاء
المذهب الفقهي
المالكي
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 5- 24):

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده . والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه عن " الصوفية " وأنهم أقسام " والفقراء " أقسام فما صفة كل قسم ؟ وما يجب عليه ؟ ويستحب له أن يسلكه .

الجواب:

فأجاب : الحمد لله . أما لفظ " الصوفية " فإنه لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ : كالإمام أحمد بن حنبل وأبي سليمان الداراني وغيرهما . وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري وتنازعوا في " المعنى " الذي أضيف إليه الصوفي - فإنه من أسماء النسب : كالقرشي والمدني وأمثال ذلك . فقيل : إنه نسبة إلى " أهل الصفة " وهو غلط ؛ لأنه لو كان كذلك لقيل : صفي . وقيل نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله وهو أيضا غلط ؛ فإنه لو كان كذلك لقيل : صفي . وقيل نسبة إلى الصفوة من خلق الله وهو غلط ؛ لأنه لو كان كذلك لقيل : صفوي وقيل : نسبة إلى صوفة بن بشر بن أد بن طانجة قبيلة من العرب كانوا يجاورون بمكة من الزمن القديم ينسب إليهم النساك وهذا وإن كان موافقا للنسب من جهة اللفظ فإنه ضعيف أيضا ؛ لأن هؤلاء غير مشهورين ولا معروفين عند أكثر النساك ولأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أولى ولأن غالب من تكلم باسم " الصوفي " لا يعرف هذه القبيلة ولا يرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها في الإسلام . وقيل : - وهو المعروف - إنه نسبة إلى لبس الصوف ؛ فإنه أول ما ظهرت الصوفية من البصرة وأول من بنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد وعبد الواحد من أصحاب الحسن وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار ولهذا كان يقال : فقه كوفي وعبادة بصرية . وقد روى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف فقال : إن قوما يتخيرون الصوف يقولون : إنهم متشبهون بالمسيح ابن مريم وهدي نبينا أحب إلينا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس القطن وغيره أو كلاما نحوا من هذا . ولهذا غالب ما يحكى من المبالغة في هذا الباب إنما هو عن عباد أهل البصرة مثل حكاية من مات أو غشي عليه في سماع القرآن ونحوه . كقصة زرارة بن أوفى قاضي البصرة فإنه قرأ في صلاة الفجر : { فإذا نقر في الناقور } فخر ميتا وكقصة أبي جهير الأعمى الذي قرأ عليه صالح المري فمات وكذلك غيره ممن روي أنهم ماتوا باستماع قراءته وكان فيهم طوائف يصعقون عند سماع القرآن ولم يكن في الصحابة من هذا حاله ؛ فلما ظهر ذلك أنكر ذلك طائفة من الصحابة والتابعين : كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين ونحوهم . والمنكرون لهم مأخذان : منهم من ظن ذلك تكلفا وتصنعا . يذكر عن محمد بن سيرين أنه قال : ما بيننا وبين هؤلاء الذين يصعقون عند سماع القرآن إلا أن يقرأ على أحدهم وهو على حائط فإن خر فهو صادق . ومنهم من أنكر ذلك لأنه رآه بدعة مخالفا لما عرف من هدي الصحابة كما نقل عن أسماء وابنها عبد الله . والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبا عليه لم ينكر عليه وإن كان حال الثابت أكمل منه ؛ ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن هذا . فقال : قرئ القرآن على يحيى بن سعيد القطان فغشي عليه ولو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه لدفعه يحيى بن سعيد فما رأيت أعقل منه ونحو هذا . وقد نقل عن الشافعي أنه أصابه ذلك وعلي بن الفضيل بن عياض قصته مشهورة وبالجملة فهذا كثير ممن لا يستراب في صدقه . لكن الأحوال التي كانت في الصحابة هي المذكورة في القرآن وهي وجل القلوب ودموع العين واقشعرار الجلود كما قال تعالى : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } وقال تعالى : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } وقال تعالى : { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا } وقال : { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق } وقال : { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } . وقد يذم حال هؤلاء من فيه من قسوة القلوب والرين عليها والجفاء عن الدين ما هو مذموم وقد فعلوا ومنهم من يظن أن حالهم هذا أكمل الأحوال وأتمها وأعلاها وكلا طرفي هذه الأمور ذميم . بل المراتب ثلاث : ( أحدها حال الظالم لنفسه الذي هو قاسي القلب لا يلين للسماع والذكر وهؤلاء فيهم شبه من اليهود . قال الله تعالى : { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون } وقال تعالى : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } . و ( الثانية ) حال المؤمن التقي الذي فيه ضعف عن حمل ما يرد على قلبه فهذا الذي يصعق صعق موت أو صعق غشي فإن ذلك إنما يكون لقوة الوارد وضعف القلب عن حمله وقد يوجد مثل هذا في من يفرح أو يخاف أو يحزن أو يحب أمورا دنيوية يقتله ذلك أو يمرضه أو يذهب بعقله . ومن عباد الصور من أمرضه العشق أو قتله أو جننه وكذلك في غيره ولا يكون هذا إلا لمن ورد عليه أمر ضعفت نفسه عن دفعه بمنزلة ما يرد على البدن من الأسباب التي تمرضه أو تقتله أو كان أحدهم مغلوبا على ذلك . فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان لم يكن فيه ذنب فيما أصابه فلا وجه للريبة . كمن سمع القرآن السماع الشرعي ولم يفرط بترك ما يوجب له ذلك وكذلك ما يرد على القلوب مما يسمونه السكر والفناء ونحو ذلك من الأمور التي تغيب العقل بغير اختيار صاحبها ؛ فإنه إذا لم يكن السبب محظورا لم يكن السكران مذموما بل معذورا فإن السكران بلا تمييز وكذلك قد يحصل ذلك بتناول السكر من الخمر والحشيشة فإنه يحرم بلا نزاع بين المسلمين ومن استحل السكر من هذه الأمور فهو كافر وقد يحصل بسبب محبة الصور وعشقها كما قيل : سكران : سكر هوى وسكر مدامة ومتى إفاقة من به سكران وهذا مذموم لأن سببه محظور وقد يحصل بسبب سماع الأصوات المطربة التي تورث مثل هذا السكر وهذا أيضا مذموم فإنه ليس للرجل أن يسمع من الأصوات التي لم يؤمر بسماعها ما يزيل عقله إذ إزالة العقل محرم ومتى أفضى إليه سبب غير شرعي كان محرما وما يحصل في ضمن ذلك من لذة قلبية أو روحية ولو بأمور فيها نوع من الإيمان فهي مغمورة بما يحصل معها من زوال العقل ولم يأذن لنا الله أن نمتع قلوبنا ولا أرواحنا من لذات الإيمان ولا غيرها بما يوجب زوال عقولنا ؛ بخلاف من زال عقله بسبب مشروع . أو بأمر صادفه لا حيلة له في دفعه . وقد يحصل السكر بسبب لا فعل للعبد فيه كسماع لم يقصده يهيج قاطنه ويحرك ساكنه ونحو ذلك . وهذا لا ملام عليه فيه وما صدر عنه في حال زوال عقله فهو فيه معذور ؛ لأن القلم مرفوع عن كل من زال عقله بسبب غير محرم كالمغمى عليه والمجنون ونحوهما . ومن زال عقله بالخمر . فهل هو مكلف حال زوال عقله ؟ فيه قولان مشهوران وفي طلاق من هذه حاله نزاع مشهور ومن زال عقله بالبنج يلحق به كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد وقيل يفرق بينه وبين الخمر ؛ لأن هذا يشتهى وهذا لا يشتهى ؛ ولهذا أوجب الحد في هذا دون هذا وهذا هو المنصوص عن أحمد ومذهب أبي حنيفة . ومن هؤلاء من يقوى عليه الوارد حتى يصير مجنونا إما بسبب خلط يغلب عليه وإما بغير ذلك ومن هؤلاء عقلاء المجانين الذين يعدون في النساك وقد يسمون المولهين . قال فيهم بعض العلماء : هؤلاء قوم أعطاهم الله عقولا وأحوالا ؛ فسلب عقولهم وأسقط ما فرض بما سلب . فهذه الأحوال التي يقترن بها الغشي أو الموت أو الجنون أو السكر أو الفناء حتى لا يشعر بنفسه ونحو ذلك إذا كانت أسبابها مشروعة وصاحبها صادقا عاجزا عن دفعها كان محمودا على ما فعله من الخير وما ناله من الإيمان معذورا فيما عجز عنه وأصابه بغير اختياره وهم أكمل ممن لم يبلغ منزلتهم لنقص إيمانهم وقسوة قلوبهم ونحو ذلك من الأسباب التي تتضمن ترك ما يحبه الله أو فعل ما يكرهه الله . ولكن من لم يزل عقله مع أنه قد حصل له من الإيمان ما حصل لهم أو مثله أو أكمل منه فهو أفضل منهم . وهذه حال الصحابة رضي الله عنهم وهو حال نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه أسري به إلى السماء وأراه الله ما أراه وأصبح كبائت لم يتغير عليه حاله فحاله أفضل من حال موسى صلى الله عليه وسلم الذي خر صعقا لما تجلى ربه للجبل وحال موسى حال جليلة علية فاضلة : لكن حال محمد صلى الله عليه وسلم أكمل وأعلى وأفضل . والمقصود : أن هذه الأمور التي فيها زيادة في العبادة والأحوال خرجت من البصرة وذلك لشدة الخوف فإن الذي يذكرونه من خوف عتبة الغلام وعطاء السليمي وأمثالهما أمر عظيم . ولا ريب أن حالهم أكمل وأفضل ممن لم يكن عنده من خشية الله ما قابلهم أو تفضل عليهم . ومن خاف الله خوفا مقتصدا يدعوه إلى فعل ما يحبه الله وترك ما يكرهه الله من غير هذه الزيادة فحاله أكمل وأفضل من حال هؤلاء وهو حال الصحابة رضي الله عنهم وقد روي : أن عطاء السليمي - رضي الله عنه - رئي بعد موته فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : قال لي : يا عطاء أما استحيت مني أن تخافني كل هذا أما بلغك أني غفور رحيم . وكذلك ما يذكر عن أمثال هؤلاء من الأحوال من الزهد والورع والعبادة وأمثال ذلك قد ينقل فيها من الزيادة على حال الصحابة رضي الله عنهم وعلى ما سنه الرسول أمور توجب أن يصير الناس طرفين . قوم يذمون هؤلاء وينتقصونهم وربما أسرفوا في ذلك . وقوم يغلون فيهم ويجعلون هذا الطريق من أكمل الطرق وأعلاها . والتحقيق أنهم في هذه العبادات والأحوال مجتهدون كما كان جيرانهم من أهل الكوفة مجتهدين في مسائل القضاء والإمارة ونحو ذلك . وخرج فيهم الرأي الذي فيه من مخالفة السنة ما أنكره جمهور الناس . وخيار الناس من " أهل الفقه والرأي " في أولئك الكوفيين على طرفين . قوم يذمونهم ويسرفون في ذمهم . وقوم يغلون في تعظيمهم ويجعلونهم أعلم بالفقه من غيرهم وربما فضلوهم على الصحابة . كما أن الغلاة في أولئك العباد قد يفضلونهم على الصحابة وهذا باب يفترق فيه الناس . والصواب : للمسلم أن يعلم أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وخير القرون القرن الذي بعث فيهم وأن أفضل الطرق والسبل إلى الله ما كان عليه هو وأصحابه ويعلم من ذلك أن على المؤمنين أن يتقوا الله بحسب اجتهادهم ووسعهم كما قال الله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } وقال صلى الله عليه وسلم { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وقال : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وإن كثيرا من المؤمنين - المتقين أولياء الله - قد لا يحصل لهم من كمال العلم والإيمان ما حصل للصحابة فيتقي الله ما استطاع ويطيعه بحسب اجتهاده فلا بد أن يصدر منه خطأ إما في علومه وأقواله وإما في أعماله وأحواله ويثابون على طاعتهم ويغفر لهم خطاياهم ؛ فإن الله تعالى قال : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } - إلى قوله - { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال الله تعالى : قد فعلت . فمن جعل طريق أحد من العلماء والفقهاء أو طريق أحد من العباد والنساك أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ ضال مبتدع ومن جعل كل مجتهد في طاعة أخطأ في بعض الأمور مذموما معيبا ممقوتا فهو مخطئ ضال مبتدع . ثم الناس في الحب والبغض والموالاة والمعاداة هم أيضا مجتهدون يصيبون تارة ويخطئون تارة وكثير من الناس إذا علم من الرجل ما يحبه أحب الرجل مطلقا وأعرض عن سيئاته وإذا علم منه ما يبغضه أبغضه مطلقا وأعرض عن حسناته محاط ( ؟ وحال من يقول بالتحافظ ( ؟ وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج والمعتزلة والمرجئة . وأهل السنة والجماعة يقولون ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع وهو أن المؤمن يستحق وعد الله وفضله الثواب على حسناته ويستحق العقاب على سيئاته وإن الشخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه وما يعاقب عليه وما يحمد عليه وما يذم عليه وما يحب منه وما يبغض منه فهذا هذا . وإذا عرف أن منشأ " التصوف " كان من البصرة وأنه كان فيها من يسلك طريق العبادة والزهد مما له فيه اجتهاد كما كان في الكوفة من يسلك من طريق الفقه والعلم ما له فيه اجتهاد وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف . فقيل في أحدهم : " صوفي " وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال . ثم " التصوف " عندهم له حقائق وأحوال معروفة قد تكلموا في حدوده وسيرته وأخلاقه كقول بعضهم : " الصوفي " من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر واستوى عنده الذهب والحجر . التصوف كتمان المعاني وترك الدعاوى . وأشباه ذلك : وهم يسيرون بالصوفي إلى معنى الصديق وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون . كما قال الله تعالى : { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } ولهذا ليس عندهم بعد الأنبياء أفضل من الصوفي ؛ لكن هو في الحقيقة نوع من الصديقين فهو الصديق الذي اختص بالزهد والعبادة على الوجه الذي اجتهدوا فيه فكان الصديق من أهل هذه الطريق كما يقال : صديقو العلماء وصديقو الأمراء فهو أخص من الصديق المطلق ودون الصديق الكامل الصديقية من الصحابة والتابعين وتابعيهم . فإذا قيل عن أولئك الزهاد والعباد من البصريين : إنهم صديقون فهو كما يقال عن أئمة الفقهاء من أهل الكوفة إنهم صديقون أيضا كل بحسب الطريق الذي سلكه من طاعة الله ورسوله بحسب اجتهاده وقد يكونون من أجل الصديقين بحسب زمانهم فهم من أكمل صديقي زمانهم والصديق في العصر الأول أكمل منهم والصديقون درجات وأنواع ؛ ولهذا يوجد لكل منهم صنف من الأحوال والعبادات حققه وأحكمه وغلب عليه وإن كان غيره في غير ذلك الصنف أكمل منه وأفضل منه . ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه تنازع الناس في طريقهم ؛ فطائفة ذمت " الصوفية والتصوف " . وقالوا : إنهم مبتدعون خارجون عن السنة ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام . وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم . و " الصواب " أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب . ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه . وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم : كالحلاج مثلا ؛ فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق . مثل : الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره . كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي ؛ في " طبقات الصوفية " وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد . فهذا أصل التصوف . ثم إنه بعد ذلك تشعب وتنوع وصارت الصوفية " ثلاثة أصناف " صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق وصوفية الرسم . فأما " صوفية الحقائق " : فهم الذين وصفناهم . وأما " صوفية الأرزاق " فهم الذين وقفت عليهم الوقوف . كالخوانك فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق . فإن هذا عزيز وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك ؛ ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط : ( أحدها العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم . و ( الثاني التأدب بآداب أهل الطريق وهي الآداب الشرعية في غالب الأوقات وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها . و ( الثالث أن لا يكون أحدهم متمسكا بفضول الدنيا فأما من كان جماعا للمال أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة ولا يتأدب بالآداب الشرعية أو كان فاسقا فإنه لا يستحق ذلك . وأما " صوفية الرسم " فهم المقتصرون على النسبة فهمهم في اللباس والآداب الوضعية ونحو ذلك فهؤلاء في الصوفية بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم وأهل الجهاد ونوع ما من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم وليس منهم .
وأما اسم " الفقير " فإنه موجود في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لكن المراد به في الكتاب والسنة الفقير المضاد للغنى . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ؟ " والفقراء والفقر " أنواع : فمنه المسوغ لأخذ الزكاة . وضده الغنى المانع لأخذ الزكاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب } والغنى الموجب للزكاة غير هذا عند جمهور العلماء . كمالك والشافعي وأحمد . وهو ملك النصاب وعندهم قد تجب على الرجل الزكاة ويباح له أخذ الزكاة خلافا لأبي حنيفة . والله سبحانه قد ذكر الفقراء في مواضع ؛ لكن ذكر الله الفقراء المستحقين للزكاة في آية والفقراء المستحقين للفيء في آية . فقال في الأولى : { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } - إلى قوله - { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا } . وقال في الثانية : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } - الآية إلى قوله - { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } . وهؤلاء " الفقراء " قد يكون فيهم من هو أفضل من كثير من الأغنياء وقد يكون من الأغنياء من هو أفضل من كثير منهم . وقد تنازع الناس أيما أفضل : الفقير الصابر أو الغني الشاكر ؟ والصحيح : أن أفضلهما أتقاهما ؛ فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة كما قد بيناه في غير هذا الموضع فإن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة [ لأنه ] لا حساب عليهم . ثم الأغنياء يحاسبون فمن كانت حسناته أرجح من حسنات فقير كانت درجته في الجنة أعلى وإن تأخر عنه في الدخول . ومن كانت حسناته دون حسناته كانت درجته دونه ؛ لكن لما كان جنس الزهد في الفقراء أغلب صار الفقر في اصطلاح كثير من الناس عبارة عن طريق الزهد وهو من جنس التصوف . فإذا قيل : هذا فيه فقر أو ما فيه فقر لم يرد به عدم المال ولكن يراد به ما يراد باسم الصوفي من المعارف والأحوال والأخلاق والآداب ونحو ذلك . وعلى هذا الاصطلاح قد تنازعوا أيما أفضل : الفقير أو الصوفي ؟ فذهب طائفة إلى ترجيح الصوفي كأبي جعفر السهروردي ونحوه وذهب طائفة إلى ترجيح الفقير - كطوائف كثيرين - وربما يختص هؤلاء بالزوايا وهؤلاء بالخوانك ونحو ذلك وأكثر الناس قد رجحوا الفقير . والتحقيق أن أفضلهما أتقاهما فإن كان الصوفي أتقى لله كان أفضل منه وهو أن يكون أعمل بما يحبه الله وأترك لما لا يحبه فهو أفضل من الفقير وإن كان الفقير أعمل بما يحبه الله وأترك لما لا يحبه كان أفضل منه فإن استويا في فعل المحبوب وترك غير المحبوب استويا في الدرجة . و " أولياء الله " هم المؤمنون المتقون سواء سمي أحدهم فقيرا أو صوفيا أو فقيها أو عالما أو تاجرا أو جنديا أو صانعا أو أميرا أو حاكما أو غير ذلك . قال الله تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون } وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه } وهذا الحديث قد بين فيه أولياء الله المقتصدين أصحاب اليمين والمقربين السابقين . فالصنف الأول : الذين تقربوا إلى الله بالفرائض . والصنف الثاني الذي تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض وهم الذين لم يزالوا يتقربون إليه بالنوافل حتى أحبهم كما قال تعالى . وهذان الصنفان قد ذكرهم الله في غير موضع من كتابه كما قال : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } وكما قال الله تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم } { على الأرائك ينظرون } { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } { يسقون من رحيق مختوم } { ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } { ومزاجه من تسنيم } { عينا يشرب بها المقربون } قال ابن عباس : يشرب بها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين مزجا . وقال تعالى : { ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا } . { عينا فيها تسمى سلسبيلا } وقال تعالى : { فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة } { وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة } { والسابقون السابقون } { أولئك المقربون } وقال تعالى : { فأما إن كان من المقربين } { فروح وريحان وجنة نعيم } { وأما إن كان من أصحاب اليمين } { فسلام لك من أصحاب اليمين } وهذا الجواب فيه جمل تحتاج إلى تفصيل طويل لم يتسع له هذا الموضع . والله أعلم .
 
إنضم
7 أكتوبر 2009
المشاركات
32
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
المغرب
المدينة
الدار البيضاء
المذهب الفقهي
المالكي
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

وإذا تتبعنا كلام شيخ الإسلام في كتبه نجده يقرن بين التصوف والزهد والسلوك، فهي عنده بمعنى واحد.
 
إنضم
7 أكتوبر 2009
المشاركات
32
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
المغرب
المدينة
الدار البيضاء
المذهب الفقهي
المالكي
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

بدائع الفوائد:

معنى رابع وهو أنه قدمه على الأثيم ليقترن بما قبله وهو وصف المنع للخير فوصفه بأنه لا خير فيه للناس وأنه مع ذلك معتد عليهم فهو متأخر عن المناع لأنه يمنع خيره أولا ثم يعتدي عليهم ثانيا ولهذا يحمد الناس من يوجد لهم الراحة ويكف عنهم الأذى وهذا هو حقيقة التصوف وهذا لا راحة يوجدها ولا أذى يكفه تقديم هماز على مشاء بنميم


حادي الأرواح:


لباب الأول في بيان وجود الجنة الآن

لم يزل أصحاب رسول الله والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة وفقهاء الإسلام وأهل التصوف والزهد على اعتقاد ذلك وإثباته مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم.

(انظر كيف يقرن بين التصوف والزهد، ويعتد بالقوم)

المدارج:


فصل: الدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق : زاد عليك في الدين

وكذلك التصوف قال الكتاني : التصوف هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق : فقد زاد عليك في التصوف وقد قيل : إن حسن الخلق بذل الندى وكف الأذى واحتمال الأذى وقيل : حسن الخلق : بذل الجميل وكف القبيح وقيل : التخلي من الرذائل والتحلي بالفضائل وحسن الخلق يقوم على أربعة أركان لا يتصور قيام ساقه إلا عليها : الصبر والعفة والشجاعة والعدل فالصبر : يحمله على الاحتمال وكظم الغيظ وكف الأذى والحلم والأناة والرفق وعدم الطيش والعجلة والعفة : تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل وتحمله على الحياء وهو رأس كل خير وتمنعه من الفحشاء والبخل والكذب والغيبة والنميمة ...

ومنه:


فهذه الثلاثة أشياء : بها يدرك التصوف. والتصوف : زاوية من زوايا السلوك الحقيقي وتزكية النفس وتهذيبها لتستعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى ومعية من تحبه فإن المرء مع من أحب كما قال سمنون : ذهب المحبون بشرف الدنيا والآخرة فإن المرء مع من أحب والله أعلم.


ومن كان على نهج السلف ولم يقرأ مدارج السالكين فإنه سيجني على هذا العلم وأهله.
 
إنضم
30 يونيو 2009
المشاركات
112
التخصص
فقه مالكي
المدينة
اوترخت
المذهب الفقهي
مالكي
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

أبي محمد عبد الله بن موسى الفشتالي: "لا يجوز اليوم اتخاذ شيخ لسلوك طريق المتصوفة أصلا، فإنهم يخوضون في فروعها، ويتركون شرط صحتها وهو باب التوبة، ولو وجدت تواليف القشيري والغزالي لألقيتها في الحبر، ولا أتمنى على الله أن أكون معهما في المحشر، بل مع ابن أبي زيد، بل مع أبي محمد يسكر..."اهـ


والله كلام يكتب بالذهب... هؤلاء آبائي فجئني بمثلهم
 
إنضم
7 أكتوبر 2009
المشاركات
32
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
المغرب
المدينة
الدار البيضاء
المذهب الفقهي
المالكي
رد: الكشف عن مقولة ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق)

متقدمو الصوفية كالجنيد ومعروف الكرخي وإبراهيم بن أدهم وغيرهم ليسوا كالمتأخرين. وكما أسلفتُ في النقل عن شيخ الإسلام فكلام القشيري في رسالته فيه المقبول والمردود، أما الغزالي فقد ضمن الإحياء أمورا ليست من الإسلام في شيء.
 
أعلى