العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الإجازات العلمية.(بحث جامع).

إنضم
14 يناير 2010
المشاركات
545
الجنس
أنثى
التخصص
دراسات
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
بين يديكم سادتي الكرام بحث جامع فريد في بابه عن الإجازات العلمية، لفضيلة الشيخ الدكتور عمر موسى باشا.
الإجَازات العلميَّة ـــ د. عمر موسى باشا

الإجازات العلمية الأصيلة:
الإجازة لغة مصدر فعل (أجاز)، ويتضمن عدة معان لغوية نصت عليها المعاجم العربية المعتمدة. يقال: (أجاز الشيء) أي: جعله جائزاً. و (الإجازة): الإباحة والتسويغ، و (أجاز الرأي والأمر) أنفذهما. وفي الحديث النبوي: "إني لا أجيز على نفسي شاهداً إلا مني"، وتأتي أيضاً (أجازه) بمعنى أعطاه الجائزة، ومنه الحديث النبوي "أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم".
وذكر أيضاً أنه مشتق من (جواز الماء)، والجواز هو السقي، يقال: (أجيزونا) أي اسقونا، و (المستجيز) هو المستسقي، و (استجزته فأجاز لي) أي استسقيته فسقاني. قال الراجز(87) :

يا صاحب الماء فدتك نفسي
عجل جوازي وأقل حبسي

كما يقال: (أجاز الشاعر في قصيدته) أي خالف في أبياتها حركة الحرف الذي يلي حروف الروي. ويقال: (أجاز في الشعر) أي أتم عجز البيت الذي استهله مطارحه بذكر صدره، وطلب منه إجازته، أي إكماله.
تطورت معاني هذا الأصل اللغوي لكثرة استخدامه في مختلف اشتقاقاته الأصلية والفرعية في مصطلح علم الحديث، فأصبح مختلف المعاني ومتعدد الأغراض.
ولا بد لنا هنا من تبيان العلاقة بين السماع والإجازة، وتفضيل أحدهما على الآخر. قال القاسمي: "واختار بعض المحققين تفضيل الإجازة على السماع مطلقاً، وقيل: إنهما سواء. حكى ابن عان في (ريحانة النفس) عن عبد الرحمن أحمد بن بقيّ بن مخلد أنه كان يقول: الإجازة عندي وعند أبي وجدي كالسماع"(88).
وقال الطوفي: "الحق التفضيل، ففي عصر السلف السماع، أولى، وأما بعد أن دونت الدواوين وجمعت السنن، واشتهرت فلا فرق بينهما"(89).
إن الإجازة العلمية، في الاصطلاح، الإذن والترخيص، وعند المحدثين، بالضبط، الإذن في السماع والرواية لفظاً أو كتابة.
وهذا يعني أن مفهوم هذا اللفظ قد طرأ عليه تطور جذري في معناه اللغوي الأصلي. ولا شك أن أهم تطور لحقه هو اقترانه بالحديث النبوي كما رأينا، ذلك لأن سماع الحديث يقتضي عند المحدثين إعطاء الإذن لسامعه وحافظه وراويه حق روايته وفق الشروط المنصوص عليها والمقررة في المصطلح، والمعروف أنّ الإجازة "أحد أقسام المأخذ والتحمل"(90).
أذكر هنا، على سبيل المثال، نص إجازة في الحديث النبوي، نالها الشيخ جمال الدين بن نباتة المصري، كما وردت في الوافي للصفدي:
"أخبرنا الشيخ عز الدين، أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي الحرّاني رحمه الله، إجازة، (أنا)(91) الشيخ أبو الفتوح يوسف بن المبارك، قراءة عليه، وأنا حاضر ببغداد، (أنا) الشيخ أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز، قراءة عليه، وأنا أسمع، (أنا) الشيخ أبو الغنائم، عبد الصمد بن علي بن محمد، قراءة عليه، وأنا حاضر، قيل له:
أخبركم أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدار قطني، (نا) محمد بن علي بن إسماعيل الإيلي، (نا) أحمد بن عبد المعلى بن يزيد، (نا) حماد بن المبارك، (نا) محمد بن شعيب، (نا) مروان بن جناح عن هشام بن عروة، أنه أخبره عن عروة بن الزبير عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله قال: (إن من الشعر لحكمة)(92).
أركان الإجازة:
أورد التهانوي ذكر أركان الإجازة الثلاثة وهي: (93) الشيخ (المجيز)، والطالب (المجاز له)، و (لفظ الإجازة)، ولا يشترط القبول فيها.
واستطرد بعد ذلك، فتحدث عن أقسامها وعدد لنا محسناتها اعتماداً على ما اقتبسه من كتاب (خلاصة الخلاصة)، ومما قاله: "ومن محسنات الإجازة أن يكون (المجيز) عالماً بما يجيزه، و (المجاز له) من أهل العلم، وينبغي للمجيز بالكتابة أن يتلفظ بها، فإن اقتصر على الكتابة مع قصد الإجازة صمت".
كما ذكر الزبيدي والقاسمي وغيرهما "أن بعض العلماء كان لا يجيز أحداً إلا إذا استخبره واستمهره، وسأله: ما لفظ الإجازة؟ وما تصريفها، وحقيقتها، ومعناها؟"(94).
ويعلق الزبيدي على هذا الخبر الذي نقله بقوله: "وكنت سئلت فيه، وأنا بثغر رشيد في سنة 1168هـ، فألفت رسالة تتضمن تصريفها، وحقيقتها، ومعناها، لم يعلق منها شيء الآن بالبال، والله أعلم"(95).
أما القاسمي، فقد أورد ذات الخبر الذي سبق ذكره، وعلَّق عليه بقوله: "وممن نقل هذه القصة السيد مرتضى الزبيدي في (شرح القاموس)، أقول: لا بأس بالإشارة إلى جواب هذه الأسئلة الأربعة"(96).
وكانت إجابته عن هذه الأسئلة الأربعة –المذكورة شافية كافية، ونظراً لأهميتها وطلاقتها بهذا البحث، فإننا سوف نوردها كاملة كما يلي:
"فأما (لفظ الإجازة): فهو مصدر من باب (الإفعال)..
وأما (تصريفها): فـ (أجاز، يجيز، إجازة) كـ (أقام، يقيم، إقامة). وأصلها (إجواز)، نقلت حركة الواو إلى الجيم، لأن الواو حرف علة متحرك، وما قبله حرف صحيح ساكن، وهو أولى بتحمل الحركة، ثم يقال: تحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها بعد النقل، فقلبت ألفاً، فالتقى ساكنان: الألف المنقلبة عن الواو، والألف الزائدة للمصدر، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين، وعوضت عنها تاء في الآخر، فصار (إجازة) واختلف في أن المحذوف ألف (إفعال) أو عين الفعل، ذهب إلى الأول الخليل وسيبويه، فوزنها (إفعلة) قالوا: لأنها زائدة، والزائد بالحذف أولى، وذهب إلى الثاني أبو الحسن الأخفش، فوزنها عنده (إفالة). قال: لأن العين كثيراً ما يعرض له الحذف في غير هذا الموضع فحذفه أولى، والمذهب الأول أولى، لأن التقاء الساكنين إنما يحصل عند الثاني، فحذفه أولى.
وأما (معناها): ففي القاموس شرحه ما نصه: ومن المجاز (استجاز رجل رجلاً): طلب الإجازة، أي الإذن في مروياته ومسموعاته. و (أجازه) فهو (مجاز).
و(المجازات): المرويات. ولله درب أبي جفعر الفاروقي حيث يقول:

أجاز لهم عمر الشافعي
جميع الذي سأل المستجيز
ولم يشترط غير ما في اسمه
عليهم وذلك شرط وجيز

يعني العدل والمعرفة.
وعبارة (التقريب) مع شرحه (التدريب) قال أبو الحسن أحمد بن فارس اللغوي: (الإجازة) في كلام العرب مأخوذة من (جواز الماء) الذي تسقاه الماشية والحرث. يقال منه: (استجزته فأجازني)، إذ سقاك ماء لماشيتك وأرضك. قال: كذلك طالب العلم يستجيز العالم، أي يسأله أن يجيزه علمه، فيجيزه إياه

قال ابن الصلاح:
فعلى هذا يجوز أن يقال: (أجزت فلاناً مسموعاتي أو مروياتي) متعدياً بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية. ومن جعل (الإجازة) إذناً وإباحة، وهو المعروف يقول: (أجزت له مسموعاتي) فعلى الحذف كما في نظائره.
وعبارة القسطلاني في (المنهج): (الإجازة) مشتقة من (التجوز) وهو التعدي، فكأنه عدى روايته حتى أوصلها للراوي عنه. وقول ابن فارس المتقدم من (جواز الماء) الإضافة للبيان. ففي (القاموس): (الجواز): كـ (سحاب): الماء الذي يسقاه المال من الحاشية والحرث.
وقال الإمام الشمني: (الإجازة) في الاصطلاح: إذن في الرواية، لفظاً أو خطاً، يفيد الإخباري عرفاً.
وأما (حقيقتها) فهي أحد أقسام تحمل الحديث الثمانية المقررة في المصطلح"(97).

أقسام إجازات الحديث:​
أجمل العلماء ضروب إجازات الحديث في ثمانية أقسام، اقتصر التهانوي منها على الأقسام الخمسة المشهورة منها، ونرى من الفائدة أن نوردها كاملة هنا.
الإجازة الأولى: إجازة معيَّن لمعين:
أعلى أنواع الإجازات وأرفعها إجازة معين لمعين، ولم يختلف في جوازها أحد، سواء أكان واحداً مثل: (أجزتك كتاب البخاري) أم أكثر، مثل (أجزتك فلاناً جميع ما اشتمل عليه فهرستي).
ووضح الزبيدي ذلك في وصف المجيز "كأن يقول: (أجزت لفلان الفلاني)، ويصفه بما يميزه (بالكتاب الفلاني)، أو (ما اشتملت عليه فهرستي) ونحو ذلك. فهو أرفع أنواع الإجازة المجردة عن المناولة"(98).
قال القاسمي نقلاً عن صاحب (التقريب) وشرحه: "والصحيح الذي قاله الجمهور من الطوائف واستقر عليه العمل، جواز الرواية والعمل بها"(99).
الإجازة الثانية: إجازة معين في غير معين:
هي إجازة معين في غير معين، أو لغير معين، مثل (أجزتك جميع مسموعاتي أو مروياتي). والمعروف أن هذا الضرب من الإجازة أدنى من الإجازة الأولى.
ذكر القاسمي أن جمهور العلماء جوّزوا الرواية بها، فأوجبوا العمل بما روي بها، وأن الخلاف فيها أقوى وأكثر من القسم الأول(100).
كما علق التهانوي على هذين النوعين من الإجازة بقوله: "والصحيح جواز الرواية بهذين النوعين، ووجوب العمل بهما"(101).
أما بقية الإجازات الست فقد اختلف فيها، كما يتوضح ذلك في قول الزبيدي: "وأما في غير هذا الوجه فقد اختلف فيه، فمنعه أهل الظاهر وشعبة، ومن الشافعية القاضي حسين والماوردي، ومن الحنفية أبو طاهر الدباس، ومن الحنابلة إبراهيم الحربي"(102).

الإجازة الثالثة: إجازة المجاز:
يطلق على إجازة المجاز أيضاً إجازة الإجازة، وهي صحيحة، مثل: (أجزت لك جميع مجازاتي)(103)، أو (أجزتك مجازاتي)، أو (أجزتك جميع ما أجيز لي روايته)(104).
ذكر القاسمي أن ابن طاهر يدّعي الاتفاق عليه، وأشار إلى أن بعضهم قد منعه، وخلص إلى القول بعد ذلك: "والصحيح الذي عليه العمل جوازه"(105).
أما الزبيدي فقد وقف عند هذا النوع من الإجازة، وأورد لنا ما اطَّلع عليه في هذا الصدد، ثم قال: "والذي استقر عليه العمل القول بتجويز الإجازة، وإجازة الرواية بها، والعمل بالمروي بها، كما حققه شيخنا المحقق أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سالم الحنبلي في كراريس إجازة أرسلها لنا من نابلس الشام، واطلعت على جزء من تخريج الحافظ أبي الفضل بن طاهر المقدسي في بيان العمل بـ (إجازة الإجازة) يقول فيه:
أما بعد، فإن الشيخ الفقيه الحافظ أبا علي البرداني البغدادي بعث إلي، على يد بعض أهل العلم، رقعة بخطه، يسأل عن الرواية بـ (إجازة الإجازة)، فأجبته: إذا شرط المستجيز ذلك صحت الرواية، وبيانه أن أقول عند السؤال: (إن رأى فلان أن يجيز لفلان جميع مسموعاته من مشايخه، وإجازاته عن مشايخه)، وأجابه إلى ذلك، جاز للمستجيز أن يروي عنه، ثم ساق بأسانيده أحاديث احتج بها على العمل بـ (إجازة الإجازة)"(106).
الإجازة الرابعة: إجازة العموم:
وهي أن يجاز غير معين بوصف العموم ممن هو حي يرزق، مثل قول المجيز (أجزت المسلمين)، أو (أجزت للمسلمين)، أو (أجزت كل واحد)، أو (أجزت أهل زماني).
اختلف المتأخرون في هذا الضرب من الإجازة وقد جوزها الخطيب مطلقاً، وخصصها القاضي أبو الطيب بالموجودين عند الإجازة(107).
كما بحث القاسمي خلاف المتأخرين فيها، ثم استطرد قائلاً: "فإن قيد الإجازة بوصف حاصر، كأهل بلد معين، أو إقليم، فأقرب إلى الجواز من غير المقيدة بذلك. بل قال القاضي عياض: ما أظنهم اختلفوا في جواز ذلك، ولا رأيت منعه لأحد، لأنه محصور موصوف كقوله: (لأولاد فلان أو أخوة فلان).
وقد روى بالعامة(108) من المتقدمين الحافظ أبو بكر بن خير، ومن المتأخرين الشرف الدمياطي وغيره"(109).
الإجازة الخامسة: إجازة المعدوم:
هذه الإجازة جائزة على الأصح، وأولى بالجواز من المطلقة، ذلك لأن المجيز في هذه الحالة يعطف المعدوم على الموجود، فتمت إجازته بشفاعته، مثل: (أجزت لفلان، ولمن يولد) أو (أجزت لك، ولولدك، ولعقبك ما تناسلوا).
ذكر القاسمي هذه الحالة المشترطة، وعلق عليها بقوله: "وفصل الثاني من المحدثين الإمام أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني، فقال، وقد سئل الإجازة: (قد أجزت لك، ولأولادك، ولحبل الحبلة)(110) يعني الذين لم يولدوا بعد.
قال البلقيني: يحتمل أن يكون ذلك على سبيل المبالغة وتأكيد الإجازة"(111).
واستطرد بعد ذلك قائلاً: وصرح بتصحيح الإجازة للمعدوم القسطلاني في (المنهج)، وأبطلها القاضي أبو الطيب وابن الصباغ الشافعيان. قال النووي، وهو الصحيح الذي لا ينبغي غيره، لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز، فكما لا يصح الأخبار للمعدوم لا يصح الإجازة له"(112).
الإجازة السادسة: الإجازة المطلقة:
هذه الإجازة باطلة بالإجماع عند العلماء، وهي غير إجازة المعدوم المحقق بالموجود، وغير إجازة العموم الخاصة بمن هو حي من الناس وإنما هي خاصة بمن سيكون منهم مطلقاً، أو بمن يحتمل وجودهم المتوقع، مثل: (أجزت لمن يولد)(113).
قال القاسمي: "أما إجازة من يوجد مطلقاً فلا يجوز"(114).
صحيح أن هذه الإجازة المطلقة باطلة، ولكنني أحب أن أقف قليلاً عندها لأوضح أن الهدف منها أعمق بكثير مما نظن، فليس أمر هذه الإجازة تسمية شكلية، وإنما يقصد بها الشمولية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، والإنسانية المطلقة لأن الإسلام جاء للناس جميعاً فكان رحمة للعالمين.

الإجازة السابعة: إجازة الحمل:
هذه الإجازة في نظر الفقهاء أولى بالصحة من إجازة المعدوم. قال الجاحظ، ولي الدين، أبو زرعة: "إن الجواز فيما بعد نفخ الروح أولى، وأنها قبل نفخ الروح مرتبطة متوسطة بينها وبين الإجازة للمعدوم، فهي أولى بالمنع من الأولى، وبالجواز من الثانية"(115).
الإجازة الثامنة: إجازة الطفل:
قال القاسمي: "وأما الإجازة للطفل الذي لا يميز فصحيحه على الصحيح الذي قطع به القاضي أبو الطيب والخطيب، ولا يعتبر فيه سن ولا غيره، خلافاً لبعضهم حيث قال: لا يصح كما لا يصح سماعه. قال الخطيب: وعلى الجواز كافة شيوخنا، واحتج له بأنها إباحة المجيز للمجاز له أن يروي عنه. والإباحة تصح للعاقل ولغيره.
قال ابن الصلاح: كأنهم رأوا الطفل أهلاً لتحمل هذا النوع ليؤدى به بعد حصول الأهلية لبقاء الإسناد. وأما المميز فلا خلاف في صحة الإجازة له"(116).
إن تبيان هذه الضروب الثمانية من الإجازات في الرواية والسماع توضح المدى الذي بلغه البحث العلمي من الدقة والعمق.
والغريب أن الباحثين لم يتطرفوا إلى ذلك، ولم يفطنوا إلى النتائج المعروفة من خلال الآثار التي خلَّفتها الحضارة العربية في الحضارة الغربية.
***
يتضح لنا بعد هذا البحث العميق في ظاهرة الإجازة وحقيقتها، وأركانها، وضروبها، أن الحديث النبوي كان الدعامة الأساسية والمنطلق الواسع في قيام هذا النظام العلمي الدقيق الذي طبع الثقافة الإسلامية بطابعها المميز.
كما أن هذه الدقة المنهجية التي طبقت في بادئ الأمر على أحد علوم الدين شملت، بالتالي، سائر العلوم الدينية، وتجاوزتها بشكل سريع إلى العلوم الإنسانية والمادية، فأصبحت الإجازات العامة شاملة لكل مقومات الثقافة الإسلامية بعد أن تطورت الإجازات الأصلية الخاصة.
(2)
الإجازات العلمية العامة
هكذا تطورت الإجازات العلمية الأصلية من الاقتصار والتخصص في رواية الأحاديث وسماعها إلى الإجازات العلمية العامة، فشملت مختلف العلوم، وعمت المعارف الإنسانية التي عرفها العرب والمسلمون.
ومما لا شك فيه أن هذه الإجازات العلمية الجديدة كانت تتويجاً لجهود الباحثين الذين أنهوا أبحاثهم ودراساتهم على وجه مرضي، بعد أن اختص كل منهم بعلم أو أكثر من العلوم التي كان يؤثرها، وغالباً ما يتعدد الاختصاص لتعدد الإجازات التي حصل عليها المستجيز.
بحث القلقشندي هذا الضرب من الإجازات العامة، وتحدث عن أنواعها، وفيما يكتب عن العلماء وأهل الأدب مما جرت به العادة، وهي مراعاة النثر المسجوع في كتابتها.
استخدم العلماء في إنشائها أسلوباً خاصاً وفق الأساليب المتبعة في الكتابات الديوانية وغيرها. فالمفروض في مستهل كل إجازة أن تبدأ بالحمدلة والتشهد والصلاة بعد البسملة، كما هو معروف، ثم ينتقل العالم المجيز إلى ذكر ما يتعلق بالمجاز له، فيذكر الأمور المتعلقة بالسماح له بالفتيا أو التدريس أو الرواية أو غير ذلك، ولا بد من النص في الإجازة على الأمور العلمية التي اختبر بها، ويذكر فيها أنه قد أجاب عنها، ثم يختتم القول بالوصايا المناسبة التي يزود بها من الاستقامة والعدل وذكر الله الذي يجب ألا ينساه في السر والعلن.
صنف القلقشندي الإجازات العامة في ثلاثة أنواع: الإجازة بالفتيا والتدريس، والإجازة بعراضة الكتب، والإجازة بالمرويات على الاستدعاءات.
الإجازة بالفتيا والتدريس:
بحث القلقشندي هذا الضرب من الإجازات الدينية والتعليمية، وهي أهم الإجازات، وقد قال في توضيحها: "أما الإجازة بالفتيا فقد جرت العادة أنه إذا تأهل بعض أهل العلم للفتيا والتدريس، أن يأذن له شيخه في أن يفتي ويدرّس، ويكتب له بذلك، وجرت العادة أن يكون ما يكتب في الغالب في قطع عريض، أما في فرخة الشامي أو نحوها من البلدي، وتكون الكتابة بقلم الرقاع أسطراً متوالية، بين كل سطرين نحو إصبع عريض"(117).
أبرز ما يلاحظ أنه يشترط في هذه الإجازة كتابتها في نوع معين من الورق، وفق نظام وقياسات محددة، وتكتب بقلم الرقاع، ويترك بين كل سطرين من أسطرها بعض الفراغ قدر إصبع واحد.
ويختار لتسطيرها بعض العلماء من ذوي الخط الجميل، وتزداد قيمة الإجازة إذا كان العالم الذي كتبها من العلماء المشهورين، وهكذا يتضح أن العالم المجيز، يجب أن يترك لعالم آخر تسطير ما يملى عليه، وقد يفسر هذا الأسلوب بأن الغاية منه وجود آخر ليكون شاهداً على هذا الاختبار، وأنه كان بإشراف لجنة ثنائية، وهذا المنتهى في التقاليد الجامعية العريقة.
أورد القلقشندي نص إجازة حصل عليها وهو في الحادية والعشرين من عمره حين كان في الاسكندرية يتلقى العلم، وهي أول إجازة نالها، وقد كتبت بخط موقع الحكم العزيز بالاسكندرية القاضي تاج الدين بن غنوم.
أما شيخه المجيز الذي أملى على الكاتب نص الإجازة فهو العلامة الشيخ سراج الدين، أبو حفص بن أبي الحسن، الشهير بابن الملقن.
والنص الذي أملاه "بعد البسملة الشريفة"(118).
"الحمد لله الذي رفع للعلماء مقداراً، وأجزل نعمه عليهم، إذ أعلى لهم مناراً، ووفق لسواء الطريق من اقتدى بهم إيراداً وإصداراً، أشرعت هممهم العلية في حلبة السباق، فهي لا تجارى، وتحلَّوا بالمفاخر جهراً، وقد عجز غيرهم أن يتحلى بها أسراراً وأبرز بهم فيه هالات المفاخر أقماراً، وأزال بضياء علومهم ريب الشك حتى عاد ليل الجهالة نهاراً، وجعلهم لدينه أنصاراً وصيرهم نخبة أصفيائه إذ أودعهم من المعارف أسراراً، واختصهم بكونهم ورثة أنبيائهم، وناهيك بها فخاراً".
وأتم الحمد الثاني بعد الأول، وخلص إلى التشهد والصلاة، ثم ذكر أهمية العلم والعلماء، وأورد نص ما في القرآن بعد قوله: (أما بعد).
وانتقل في القسم الثالث من الإجازة إلى ذكر المجيز والمستجيز، فقال: "ولما كان فلان... ممن شب ونشأ في طلب العلم والفضيلة، وتخلق بالأخلاق المرضية الجميلة الجليلة، وصحب السادة من المشايخ والفقهاء والقادة من الأكابر والفضلاء، واشتغل عليهم بالعلم الشريف اشتغالاً يرضي، وإلى نيل السعادة –إن شاء الله- يفضي، استخار الله تعالى سيدنا وشيخنا، وبكرتنا، العبد الفقير إلى الله تعالى، الشيخ، الإمام، العلامة، الحبر، الفهامة، فريد دهره، ونسيج وحده، جمال العلماء، أوحد الفضلاء، عمدة الفقهاء والصلحاء، سراج الدين، مفتي الإسلام والمسلمين، أبو حفص عمر بن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى، الشيخ الصالح، الزاهد، العابد، الخاشع، الناسك، القدوة، المرحوم شهاب الدين، بركة الصالحين، أبي العباس أحمد بن سيدنا العبد الفقير إلى الله تعالى، الشيخ الصالح القدوة، العارف، المرحوم، شمس الدين، أبي عبد الله، محمد الأنصاري الشافعي، أدام الله تعالى النفع به، وببركته، وأشركنا والمسلمين في صالح أدعيته بمحمد وآله وصحبه وعزته"(119).
هذا النص كله في التحدث عن الأستاذ المجيز، وبيان فضائله ونسبه واستطرد في القسم نفسه إلى طلب الإذن له في الإجازة، فقال: "وأذن وأجاز لفلان، المسمى فيه، أدام الله تعالى معاليه، أن يدرس مذهب الإمام المجتهد المطلق، العالم الرباني، أبي عبد الله بن إدريس المطلبي الشافعي، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلبة ومثواه، وأن يقرأ ما شاء من الكتب المصنفة فيه، وأن يفيد ذلك لطالبيه، حيث حل وأقام، كيفما شاء، ومتى شاء، وأين شاء، وأن يفتي من قصد استفتاءه خطاً ولفظاً، على مقتضى مذهبه الشريف المشار إليه، لعلمه بديانته وأمانته، ومعرفته ودرايته وأهليته لذلك وكفايته".

ويخلص بعد ذلك إلى القسم الرابع حيث الوصايا بقوله:
"فليتلق –أيده الله تعالى- هذه الحلة الشريفة، وليترق بفضل الله ذروة هذه المرتبة المنيفة، وليعلم قدر ما أنعم الله تعالى عليه وأسدى من الإحسان الوافر إليه، وليراقبه مراقبة من يعلم إطلاعه على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وليعامله معاملة من يتحقق أنه يعلم ما يخفيه العبد وما يبديه في الورود والصدور، ولا يستنكف أن يقول فيما لا يعلم: (لا أعلم) فذاك قول سعد قائله، وقد جاء (جنة العالم لا أدري) فإن أخطأها أصيبت مقاتله"(120).
ويختتم نص الإجازة بقوله: "فالله يرزقنا وإياه التوفيق والتحقيق، ويسلك بنا وبه أقرب طريق، ويهدينا إلى سواء السبيل، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
يبرز هذا المختار المقتطف من نص الإجازة الدقة في كتابتها والتوثيق في ذكر المجيز والمجاز له، وهي –كما رأينا- مؤلفة من أربعة أقسام رئيسية يكتبها أحد العلماء الذين شهدوا منحها للمستجيز، ولا بد للشيخ المجيز من أن يعلق بخطه ما كتبه المكلف بكتابة نصها بخطه. يؤكد ذلك القلقشندي المستجيز: "وكتب شيخنا سراج الدين المشار إليه تحت ذلك بعد حمد الله تعالى ما صورته: (ما نسب إليّ في هذه الإجازة المباركة من الإذن لفلان... –أدام الله تعالى النفع به، وأجرى كل خير بسببه، بتدريس مذهب الإمام المطلبي، محمد بن إدريس الشافعي... والافتاء به لفظاً وخطاً- صحيح، فإنه ممن فاق أقران عصره بذكائه، وبرع عليهم بالاستحضار، وتحرير المنقول، ووفائه".
ثم عدد الأستاذ المجيز جملة من محفوظات المجاز له قائلاً: "... فاستحضر بحضرتي مواضيع منه جمة، وأزال ببديع فصاحته جملة مدلهمة، وأظهر من مشكلاته ما يعجز عنه اللبيب، ومن أغاريب ما يقف عنده البارع الأريب"‍!
وخلص بعد ذلك إلى الوصايا وتحري الصواب والحذر هو الزلل، لأنه "موقَّع عن الله تعالى"، ثم قال:
"وأجزت له مع ذلك أن يروي عني ما لي من التآليف... وأجزت له مع ذلك ما جاز لي وعني روايته بشرطه عند أهله، زاده الله وإياي من فضله، ومنها الكتب الستة: (البخاري)، و (مسلم)، و (أبو داود)، و (الترمذي)، و (النسائي)، و (ابن ماجه)، والمسانيد: (مسند أحمد)، و (مسند الشافعي)، وغير ذلك، وكان ذلك في تاريخ كذا"(122).
والأهم من هذه النعوت المذكورة المتعلقة بالمجيز والمجاز له، هو توثيق الإجازة بخط الأستاذ المجيز نفسه، فلم يكتف بنص الإجازة المستفيض، وإنما أضيف له هذا التوثيق الشخصي من الأستاذ نفسه.
كما ذكر القلقشندي أنه حذف من نص إجازته السابقة ما يكتب عادة للمجاز له "من حيث أنه لا يليق بأحد أن يذكر ألقاب نفسه في مصنف له، لأنه يصير كأنه أثنى على نفسه"(123).
أما هذه الألقاب المحذوفة المشار إليها فتكون على قدر رتبة المجاز مثل أن يكتب له: "الفقير إلى الله تعالى، الشيخ، الإمام، العالم، العامل، الأوحد، الفاضل، المفيد، البارع، علم المفيدين، رحلة القاصدين، فلان الدين، أبو فلان، فلان ابن فلان، (بحسب رتبة آبائه).
ولا شك أن هذه النعوت توضح لنا ما كان لنا وما كان عليه الطالب المفيد من الاحترام في مراحل تحصيله المختلفة، فقد تضمنت ذكر اسمه وكنيته ولقبه، وشفعت بالنعوت العلمية والخلقية والشخصية وغير ذلك.

وأرخت هذه الإجازة كما هي العادة بقوله:
"وكتب في تاريخ كذا"(121)
الإجازة بالرواية:
النوع الثاني من أنواع الإجازات العامة، الإجازة بالرواية أو الإجازة بالمرويات على الاستدعاءات.
والطريقة التي فيها أن يكتب بعض طلبة العلم المستجيزين إلى بعض الفقهاء والعلماء المختصين، والإعلام المشهورين في بعض فروع العلوم استدعاءات خاصة يطلبون فيها إجازتهم على ما يطلبونه من حق الرواية، أو السماح بالسماع عنهم وغير ذلك.
وقد جرت العادة في مثل هذه الأحوال أن تكتب الإجازة وترسل إلى طالبيها. وهذا النوع من الإجازات العامة يبرز المدى الذي بلغته الثقافة الإسلامية والحضارة العربية في هذا المضمار.
وخير ما نعرضه منها هنا نص الاستدعاء الذي طلب فيه الصفدي ومن شيخه جمال الدين بن نباتة المصري أن يمنحه إجازة خاصة وإجازة عامة، والسماح له بروايته لكتبه المختلفة، وطلب أن يزوده ببعض ما يسأله عنه.
استهل المستجيز الصفدي طلب الإجازة بقوله: "الحمد لله على نعمائه، المسؤول عن إحسان سيدنا، الإمام، العالم، العلامة، رحلة أهل الأدب، قبلة ذوي التحصيل والدأب.. جمال الدين، أبي عبد الله، محمد ابن الشيخ الحافظ شمس الدين محمد بن نباتة، جمع الله شتات أهل الأدب في درجة هذه الدولة... إجازة كاتب هذه الأحرف، فسح الله في مدته، برواية المصنفات في الأحاديث النبوية، والتآليف الأدبية، على اختلاف أوضاعهما، وتباين أجناسهما وأنواعهما، بحسب ما يؤدي ذلك إليه، واتصل به من سماع، أو إجازة، أو وصية، أو إجازة، من مشايخ العلم الذين أخذ عنهم، وإجازة ما له، أحسن الله إليه، من مقول: نظماً، أو نثراً، أو تأليفاً، أو وضعاً، (إجازة خاصة) وإثبات ما له من التصانيف إلى هذا التاريخ بخطه الكريم، وإجازة ما لعله يقع بعد ذلك (إجازة عامة)..."(124).
واختتم الصفدي المستجيز طلبه بقوله: "كتبه خليل بن أيبك بن عبد الله الأيبكيّ بالقاهرة المحروسة، في مستهل شعبان المبارك سنة تسع وعشرين وسبعمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل"(125).
يلاحظ في نص استدعاء الإجازة أن المستجيز بعث من القاهرة إلى دمشق بهذا الطلب، وقد لاحظنا أنه كان يلتزم آداب المخاطبة ويثني عليه كل الثناء، ويخصه بأفضل النعوت العلمية والآداب الخلقية.
كما يلاحظ أن الإجازة الخاصة كانت تقتصر على الماضي والحاضر، وأن الإجازة العامة تشمل كل ما يجد ويتعلق بالمستقبل، وقد لاحظنا أن بعض المستجيزين يطلبون في الإجازة أن تشمل أولادهم بشكل عام، سواء منهم الأحياء، أو الذين يتوقع أن يولدوا في المستقبل.
ذكر ابن حجة الحموي في خزانته أن الأستاذ المجيز جمال الدين بن نباتة أبطأ في رده الجواب، وقد استهل إجازته للصفدي بقوله بعد البسملة: "أما بعد: حمداً لله الذي إذا توجه إليه ذو السؤال فاز، وإذا استدعى كرمه ذو الطلب أجاب وأجاز، والصلاة والسلام على سيدنا محمد كعبة القصد التي ليس بينها وبين النجح حجاز..."
واستطرد الأستاذ المجيز، وأفاض القول في ذكر فضائل المستجيز، وهذه من آداب الإجازة المتبعة، فتحدث عن آدابه حديثاً شيقاً، يتسم بالمبالغة في ذكر النعوت والأوصاف، وخلص بعد هذا الاستطراد الطويل إلى قوله: "وأجزت لك أن تروي عني ما تجوز لي روايته من مسموع ومأثور، ومنظوم ومنثور، وإجازة ومناولة، ونقل وتصنيف، وتنضيد وتفويف، وماض ومتردد، (وآت على رأي بعض الرواة) ومتجدد، وجميع ما تضمنه استدعاؤك، فاجمع ما يكون من لفظه المتبدد، كاتباً لك بذلك خطي، مشترطاً عليك الشرط المعتبر، فليكن قبولك يا عربيّ البيان جواب شرطي..."(126).
وانتقل بعد ذلك إلى جوانب أخرى من هذه الإجازة، فذكر، بناء على طلب المستجيز روايته عن بعض مشايخ الحديث سماعاً وحضوراً، ولا سيما أن المجيز هو ابن الشيخ الحافظ المحدث المشهور شمس الدين بن نباتة وأنه تفرد برواية بعض الأحاديث، وهذا الذي كان يتوخاه في طلبه خاصة، وقد أجابه إلى مطلبه، فذكر نبذة عن حياته وآثاره وأساتذته وغير ذلك، ثم قال بعد عرضه المسهب: "أجزت لك (أعزك الله) روايتها عني، ورواية ما أدونه وأجمعه بعد ذلك حسبما اقترحه استدعاؤك ونمقه، ونسخه وحققه، وتضمنه سؤالك الذي تصدقت به، فمنك السؤال ومنك الصدقة.."(127).
كان نص الإجازة أطول من نص استدعاء المجيز، وقد لاحظنا أن الشيخ المجيز اختتمها بهذا القول الرقيق الذي يعبر عن هذا التواضع الذي كان بين العلماء، كما لاحظنا هذا الالتزام المتبادل بآداب التحدث والخطاب.
يضاف إلى ذلك كله أن الإجازات تمثل آفاق الثقافة التي يشترط في كل مثقف أن يتحلى بها، وهي صفحة مشرقة غرّاء في حضارتنا.
مثل آخر من الصفدي نفسه، وهو هنا فيه المجيز، لا المستجيز، كما رأينا في الإجازة السابقة، فقد كتب على استدعاء بعث به القاضي شهاب الدين أحمد الحنبلي، خطيب بيت الآلهة، وكاتب الدست بالشام، يستجيزه لنفسه.
وما جاء في الإجازة الجوابية التي بعث بها الصفدي إليه قوله بعد الحمدلة والتشهد والصلاة: "وبعد، فإن الرواية من محاسن الإسلام، وخصائص الفضلاء الذين تخفق لهم ذوائب الطروس، وتنتصب رماح الأقلام، ولم تزل رغبة السلف تتوفر عليه، وتشير أنامل إرشادهم للأنام بالحث إليه"(128).
واستطرد المجيز في التحدث عن أوصاف صاحب الاستدعاء المستجيز، وهو خطيب وقاض، فقال:
"فأراد أن يشرّف قدري، ويعرف نكري فطلب الإجازة مني، وأنا أحق بالأخذ عنه، واستدعى ذلك مني، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه مني.
فنعم قد استخرت من الله تعالى، وأجزت له ما يجوز لي تسميته، وذكرت هنا شيئاً من مرويَّاتي وأشياخي، رحمهم الله، وذكرت مصنفاتي(129) :
إجازة قاصر عن كل شيء
يسير من الرواية في مفازه
لمن ملك الفضائل واقتناها
وجاز مدى العلا سبقا وجازه"

الإجازة بالعراضة:
هذا الضرب من الإجازة على غاية من الأهمية العلمية، فلقد ذكر القلقشندي أنه "جرت العادة أن بعض الطلبة إذا حفظ كتاباً في الفقه، أو أصول الفقه، أو النحو، أو غير ذلك من الفنون، يعرضه على مشايخ العصر، فيقطع الشيخ المعروض عليه ذلك الكتاب، ويفتح منه أبواباً ومواضيع، يستقرئه إياها من أي مكان اتفق، فإن مضى فيها من غير توقف ولا تلعثم، استدل بحفظه تلك المواضع على حفظه جميع الكتاب، وكتب له بذلك كل من عرض عليه، في ورق مربع صغير، يأتي كل منهم بقدر ما عنده من الملكة في الإنشاء، وما يناسب ذلك المقام من براعة الاستهلال ونحوها، فمن عال، ومن هابط، وربما خفف بعضهم، فكتب: (وكذلك عرض عليّ فلان) أو (عرض عليَّ وكتبه فلان)، أما رياسة وتأبياً عن شغل فكره وكد نفسه فيما يكتبه وأما عجزاً عن مضاهاة من يكتب معه، وقد اخترت أن أضع في هذا المحل ما وافق الصيغة وجرى على أسلوب البلاغة"(130).
اختار القلقشندي في هذا الضرب من الإجازات نص الإجازة التي كتبها الشيخ بدر الدين محمد بن أبي بكر المخزومي المالكي للنجل النبيل شهاب الدين أبي العباس، أحمد بن محمد العمري حين عرض عليه كتابين: أولهما (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني، وثانيهما كتاب (شذور الذهب) للشيخ جمال الدين بن هشام في رمضان سنة سبع عشرة وثمانمئة. ومما جاء فيه بعد الحمدلة والتشهد والصلاة قوله:
"فقد عرض علي الجناب العالي... طائفة متفرقة من (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي، و (شذور الذهب) للعلامة جمال الدين بن هشام عرضاً قصرت دونه القرائح على طول جهدها.. فأحسن عند العرض في سردها، وزين (أبقاه الله) تلك الأماكن بطيب لحنه وإعراب لفظه، وآذن امتحانه فيها بأن جواهر الكتابين قد حصلت بمجموعها في خزانة حفظه. فحبذا هو من حافظ روى حديث فضله عالياً، وتلا على الأسماع ما اقتضى تقديمه على الاقتران فلله دره مقدماً وتالياً.
واختتم الأستاذ المجيز إجازته بقوله: "والله تعالى يبهج نفسه بما يصبح الحاسد وهو مكمد، وتقر عينه بهذا الولد النجيب حتى لا يبرح يقول: "أشكر الله وأحمد بمحمد وآله"(131).
واختار القلقشندي نص إجازة ثانية كتبها الشيخ المجيز محمد بن عبد الدائم لولد القلقشندي أبي الفتح نجم الدين محمد حين عرض على أستاذه كتاب (المنهاج) في الفقه للنووي في سنة ثلاث عشرة وثمانمئة للهجرة، ومما جاء فيها قوله بعد المقدمة الحمدلية التقليدية: "وبعد، فقد عرض عليَّ الفقيه الفاضل... مواضع متعددة من (المنهاج) في فقه الإمام الشافعي المطلبي... تأليف الحبر العلامة، ولي الله، أبي زكريا بن شرف الدين بن مري النووي... دل حفظه لها على حفظ الكتاب، كما فتح الله له مناهج دقة وجلَّة، وكان العرض في يوم كذا"(132).
وقد تتضمن الإجازة الواحدة أكثر من تفويض واحد فتجمع مثلاً بين الرواية والعراضة معاً، فمن ذلك ما كتبه عز الدين بن جماعة: "كذلك عرض علي المذكور باطنها عرضاً حسناً، محرراً، مهذباً، مجاداً، متقناً، عرض أيقن حفظه، وزين بحسن الأداء لفظه، وأجزل له من عين العناية حظه، مر فيه مرور الهملاج الوساع(133) في فسيح ذي السباع، وقد دلني ذلك منه (نفعه الله تعالى، ونفع به، ووصل أسباب الخير بسببه) على علو همته، واتقاد فطنته، وأصله في ذلك عريق:
سجيَّة تلك منهم غير محدثة
إن الخلائق – فاعلم – شرها البدع

وقد أذنت له أن يروي عني الكتاب المذكور وجميع ما يجوز لي، وعني، روايته من مصنفاتي وغيرها، من منظوم ومنثور، ومنقول ومعقول ومأثور بشرطه المعتبر، عند أهل الأثر، وكتب فلان في تاريخ كذا..."(134).
أبرز ما لاحظناه في مضمون هذه الإجازة الدقة المتناهية، والشروط المعتبرة في المأثور، ومما لا شك فيه أن قيمة الإجازة تختلف بحسب قيمة الأستاذ المجيز، وحتى الذي يقوم بكتابتها من العلماء الذين حضروا اختبار المجاز له.
ولا تكتب الإجازة في العراضة إلا بعد التأكد من حسن استعداد الطالب الممتحن في العلوم والكتب التي عرضت عليه، وسئل فيها عن بعض القضايا المختارة والأمور والمسائل المعقدة، من خلال قطع الكتاب المعروض على غير اتفاق.
ثمَّة بعض الأنواع الأخرى من الإجازات، نص فيها على الإطلاق والشمولية في مضمونها، تشمل على الإخوة والأبناء وغيرهم ممن يحددهم المستجيز في طلبه، وقد نستغرب في بعض الإجازات أنها تتضمن شمولها لمن سيلد في المستقبل من أبناء المستجيز.
يحسن في نهاية هذا البحث الوقوف عند إجازة كتبها القلقشندي لطفل نابغة، لم يتجاوز العاشرة من عمره، وقد قدم المجيزة لهذه الإجازة قبل إيرادها بقوله:
"ومن ذلك ما كتبته لمن اسمه (محمد)، ولقبه (شمس الدين) من أبناء بعض الإخوان، وقد عرض عليّ الأربعين حديثاً) للشيخ محي الدين النووي رحمه الله، و (الورقات) في الأصول لإمام الحرمين و (اللحمة البدرية) في النحو للشيخ أثير الدين بن حيان دفعة واحدة، وهو لدون عشر سنين وهو:
(الحمد لله الذي أطلع من دراري الأفاضل في أفق النجابة شمساً، وأظهر من أفاضل الذراري ما يغض به المخالف طرفاً، ويرفع به المخالف رأساً، وألحق بالأصل الكريم فرعه في النجابة فطاب جنى وأعرق أصلاً وزكا غرساً، وأبرز من ذوي الفطر السليمة من فاق بذكائه الأقران فأدرك العربية في لمحه، وسما بفهمه الثاقب على الأمثال فأمسى وفهم (الورقات) لديه كالصفحة، وخرق بكرم بدايته العادة، فجاز الأربعين لدون العشر، وأتى على ذلك بما يشهد له بالصحة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي عمَّت بركة اسمه الشريف سميه ففاز منها بأوفر نصيب، وخص بإلهام التسمية به أولو الفضل والنهى فما سمي به إلا كريم ولا سمي به إلا نجيب، وعلى آله وصحبه الذين أينعت بهم روضة العلم وأزهرت، وأورقت شجرة المعارف وأثمرت.
وبعد، فقد عرض عليَّ فلان مواضع من كتاب كذا، وكتاب كذا، فمر فيها مرور الصبا، وجرى في ميدانها جري الجواد، فما حاد عن سنن الطريق ولا كبا".
يبدو أن نص هذه الإجازة لم يكتمل، وقد لاحظ محقق (صبح الأعشى) ذلك، فذكر أن بقية هذه النسخة سقطت من قلم الناسخ كما ترى(135).
والملاحظة الهامة في نص هذه الإجازة أن المجيز تعجب كل التعجب من هذا الطفل المجاز الذي لم يتجاوز العاشرة، أي أن عمره التربوي أعلى بكثير من عمره الزمني، ولذلك أجاب إجابة من كان في الأربعين، وبرهن في أجوبته بما يشهد له بصحة التفكير والذكاء الثاقب.
والملاحظة الثانية الأهم أن النظام التربوي السائد كان - في الواقع- صورة عن الحياة الثقافية الشاملة، فنحن نجد أن الأطفال كانوا يدرسون بالإضافة إلى كتاب الله - بعض المصادر العلمية الجليلة. فهذا الطفل المجاز أتقن في الحديث كتاب(الأربعين حديثاً) النووية، وفي الأصول كتاب (الورقات) لإمام الحرمين، وفي النحو كتاب (اللمحة البدرية) لأبي حيان.
الإجازات الشعرية:
ليس المقصود هنا ما سبق لنا إيراده من الإجازة في الشعر، أو الإجازة عند الشاعر، فقد وضحنا المعنى الاصطلاحي في مكانه من هذا البحث، وإنما المقصود استخدام النظم كأسلوب نستعيض به عن النثر في الاستجازة.
لاحظنا فيما مر معنا استخدام النثر في إجازات الحديث الخاصة، وفي الإجازات العلمية العامة، على اختلاف ضروبها، وقد استخدم في تحريرها الأسلوب المسجع، كما فعل القلقشندي في صبحه، واختار لنا نماذج مختلفة من الإجازات "ما وافق الصنعة وجرى على أسلوب البلاغة".
أما المستجيزون والمجيزون من الشعراء أو العلماء البارعين في النظم فكانوا يفضلون استخدام النظم لا أكثر في كتابة هذه الإجازة العلمية، ولابد في قصيدتي الاستجازة والإجازة من أن تكونا وفق ذات الوزن والروي كما في القصيدة التي أجاب بها جمال الدين بن نباتة أحد طلابه المستجيزين شعراً فقال(136) :
سئلت إجازتنا لهم ولمثلهم
يروي الإجازة سيد عن سيد
ونعم أجزت لهم رواية ما اقتضوا
بالشرط من لفظ أجزت ومسند
ومصنفات لست عنها راضياً
فمسوَّد منها وغير مسود
أهملت منها ما أردت وبعضها
ناديت: لا تهلك أسى وتجلد
خذها إجازة طائع لك منشد
للمدح فاعجب للمجيز المنشد
واسبقه بالقدر البسيط فإن لي
هما مديداً إن أقل قال: اقصد

قلمي ولفظي معرضان كلاهما
لا من لساني إن نطقت ولا يدي

وأجاب المجيز الشاعر نفسه جمال الدين ابن نباتة في معرض إجازة شعرية ثانية المستجيز شمس الدين بن سمنديار بإجازة شعرية مطولة، نختار منها قوله(137) :
إن قيل: إن (سمنديار) لشخصه
نسب فللعرب الخلاص لسانه
مستبدع الألفاظ قد حصلت على
رجحانها وعلوّها أوزانه

قل: يا محمد فيه يسمع فنه
قولاً يطول إلى السها كيوانه
ها قد أجزتك طوع أمرك إن تجز
إن الرفيع تجيزه أدوانه
إن كنت سلطان القريض فإنه
لولاك لم ينفذ إذا سلطانه
أعلام طرسك حيث سار وقصره
من بيتك المعمور أو بستانه

أمَّرت في الأشعار شعرك حاكماً
متصرفاً في أمرها ديوانه

نكتفي بهاتين الإجازتين اللتين بعث بهما الشاعر جمال الدين بن نباتة لمن كان قد استجازه شعراً في استدعائه، ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن القصيدة الاجازية الثانية تضمنت شيئاً جديداً، وهو تطور جديد في الإجازة العامة ذلك أن المجيز إنما يتحدث عن أمارة الشعر والتصرف في الديوان، وهكذا نشهد مرحلة ختامية جديدة في الإجازة الشعرية، وقد رأيناها أسلوباً وإذا بها تغدو مضموناً إجازياً في الشعر وحده.
نتجاوز هذا التطور الاجازي الشعري لنعود ثانية إلى ما لنا فيه، ولا بد لنا لكي نستكمل الصورة المذكورة من أن نعرض صورة أخرى مقابلة تتمثل في الاستدعاء من المجيز في طلب الإجازة.
كتب الشاعر عبد الرحمن بن النقيب إلى الشيخ العلامة خير الدين الرملي يستجيزه، وقد استهل قصيدته الاستجازية بقوله (138) :
كم حللت الحبا بشرخ الشباب
لرياض طوع المنى ورواب
ومناخ في ظل جانب دوح
ومقيل بين الغصون الرطاب




وانتقل إلى التحدث أستاذه المجيز مادحاً:
مسند الشام مع فلسطين خير الد
ين من جاء بالعجيب العجاب
هو نعمان عصره فارس الحلـ
ـبة في المشكلات عند الجواب
خصَّه الله في الفروع بفهم
زاكن خابر مناط الصواب
وحباه منا لعلوم بحظ
وافر فارتقى على الأضراب
ما تصدى لمشكل قط إلا
وجلا عنه وصمة الارتياب

ويمهد الشاعر بهذا الثناء ليخاطب المجيز قائلاً(139) :
يا إماماً أبصرت منه بعين السمـ
ـع كهفاً لسائر الطلاب
منك في الشام رحلة عاقني عذ
ه من الخط مخلف الأسباب

فإليك الغداة مني ردوداً
بنت فكر فوق الرداح الكعاب
وتحلت من بعد أوصافك الغـ
ـر بعقد منضد الإقتضاب

ويصرح بعد توطئته المسهبة طالباً بر الإجازة في سند الفقه، ويختتم طلبه داعياً بطول البقاء لأستاذه المجيز، قائلاً له على لسان قصيدته:
ترتجي (الإجازة) منك في المر
ويّ مهراً فتلك أقصى الطلاب

فأنلني لا سيما سند الفقـ
ـه بعلياك يا رفيع الجناب
وتفضل بها على مستميح
راغب واغتنم جزيل الثواب
فلمن مثلك (الإجازة) تستا
م بنظم القريض للأحباب
وابق واسلم مرفَّه البال ما خط
يراع حرفاً بصدر كتاب

ليست هذه القصيدة الاستجازية الوحيدة في ديوان الشاعر نفسه، يطلب الإجازة في استدعائه الشعري، فقد عرف عنه أنه كتب للشيخ محمد بن سليمان نزيل مكة يستجيزه، ولكن طلبه لم يقتصر عليه وحده وإنما تجاوزه إلى ابنه الوحيد سعيد، وأخويه عبد الكريم وإبراهيم(140).
ومما لا شك فيه أن الإجازات الشعرية بنوعيها، ظهرت بعد الإجازات النثرية، فالمضمون فيها يختلف، فهناك إجازة الشعر نفسه، وهناك الإجازة في العلوم المختلفة يستخدم في طلبها النثر في معظم الأحيان، والشعر في أحيان نادرة جداً.
(4)
آداب الاستجازة والإجازة
يتضح مما تقدم معنا أن الإجازات العلمية ظاهرة فريدة في التراث العربي، تمثل قمة النضج في الثقافة الإسلامية، ونستطيع من خلالها التعرف على مناحي الحياة الدينية والفكرية والعلمية، وقد لاحظنا الشروط المعتبرة في منحها، كما أشرنا إلى تشدد العلماء في الفحص والاختبار، وأوردنا النص الكامل في التأكد من أهلية المجاز وكفاءته خلال سؤال بعض العلماء عن خمسة أمور هي التحدث عن لفظ الإجازة، وتصريفها، وحقيقتها، ومعناها، وأقسامها الثمانية.
ولا بد من الإشارة هنا أيضاً إلى أهمية أدب الاستجازة، وأدب الإجازة، فقد لاحظنا من خلال الإطلاع عليها التمسك بالمفاهيم الخلقية السامية والتقاليد الاجتماعية التي يتمسك بها الناس بعامة والعلماء بخاصة.
نبدأ بأدب الاستجازة، فنجد التقديس والإجلال والاحترام للعلم وللعلماء، لا رغبة في نيل الإجازة، ولا رهبة من غضب الأستاذ وإنما نجد أن جماعة الفقهاء من الطلاب المستجيزين يقدرون العلماء، ويقدسون العلم دون انتظار ثواب أو ابتغاء مصلحة.
ويشتمل عادة طلب الإجازة على ذكر نسب الأستاذ المجيز، وتعداد نعْوته الاجتماعية والدينية والعلمية، وبيان ما له من المصنفات على اختلافها، كما يشمل على بعض المطالب الخاصة، بالإضافة إلى المطالب العامة، أو كما اصطلح عليه الإجازة العامة، أو الإجازة الخاصة، وذلك بحسب وضع الطالب المستجيز.
أما أدب الإجازة فيتميز بالتواضع الذي يتصف به العلماء، ولا شك في أن ذلك يراجع إلى صفات المعلمين. ومن تكبر من العلماء وحجب معارفه عن مريديه فإنما يكون قد أذنب في حق الشرع.
وتبدأ الإجازة عادة بالبسملة، والحمدلة، والتشهد، والصلاة، ولا بد أن يتضمن الحمد بعض ما سوف يرد في نص الإجازة.
وفي القسم الثاني لا بد لنا من ذكر السماع والرواية والعراضة، وفي القسم الثالث ينص على لفظ الإجازة وما يستتبعها من حقوق، وينص في القسم الرابع على الواجبات المترتبة عليه بعد نيله حق الإجازة كما يشترط في أسلوبها أن تكتب بإتقان، يلتزم فيها الكاتب بالسجع والصور البديعية وغيرها، ويختار عادة لكتابتها بعض العلماء الذين حضروا الاختبار العلمي.
***
وليس من المبالغة في شيء إن قلنا: إن هذه المناهج العلمية والتقاليد العريقة في تراثنا العربي والمطبقة في الأكاديميات العلمية والمؤسسات الجامعية في العصر الحديث ليست في الأصل إلا جزءاً من هذا التراث الحضاري الإسلامي والفكر العربي الأصيل، وهما اللذان أسهما في تطور الحضارة الإنسانية الحديثة، وأوصلاها إلى قمة الإبداع الحضاري.
فما أحوجنا نحن الآن إلى تبيان الذخائر التراثية ودراسة هذه الجوانب الفكرية الأصيلة في تراثنا وحضارتنا كما كانت في أوج نهضتنا، وذلك حين أثرت الحضارة الإنسانية وأثرت فيها، وفتحت أمامها منهج التطور والتجديد.
ومن حقنا أن نجدد هذا التراث العربي ونبرز هذه المفاهيم والقيم، لا رجوعاً منا إلى الوراء لنعيش على أطلال الماضي وظلاله وإنما نفعل ذلك لكي نحفظ لحضارتنا استمرارها دون انقطاع، نصل الماضي بالحاضر وننطلق من خلالهما في آفاق المستقبل الرحب، على هدي هذا الماضي الثرّ، ووفق المعطيات العلمية المعاصرة.
والخطر كل الخطر حين نتمسك بالتراث تمسكاً أعمى نجمد عليه، ونعرض عن الآماد الفسيحة والمنجزات العظيمة التي بلغها العلم في العصر الحديث.
عمر. موسى باشا
الأستاذ في كلية الآداب بجامعة دمشق

------------------------------------------------
المصادر والمراجع المعتمدة في هذا البحث:
1-التهانوي: (محمد بن علي التهانوي المتوفى في القرن الثاني عشر الهجري)
*كشاف اصطلاحات الفنون. تحقيق لطفي عبد البديع. نشر المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر القاهرة 1382هـ-1963م.
2-ابن جبير: (أبو الحسين، محمد بن أحمد بن جبير المتوفى سنة 614هـ).
*رحلة ابن جبير
منشورات دار صادر بيروت 1379هـ- 1959م.
3-ابن حجة: (تقي الدين أبو بكر، المعروف بابن حجة الحموي المتوفى سنة 837هـ)
*خزانة الأدب. طبع دار الطباعة 1291هـ- القاهرة.
4-الخطيب البغدادي (أبو بكر، أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463هـ)
*تاريخ بغداد. طبع دار الكاتب العربي.
5-ابن دقماق (إبراهيم بن ايدمر بن دقماق المتوفى سنة 809هـ)
*الانتصار لواسطة عقد الأمصار.
مطبعة بولاق سنة 1893م
6-الزبيدي: (مرتضى محمد بن محمد المتوفى سنة 1205هـ)
*تاج العروس في شرح القاموس.
الطبعة الأولى. المطبعة الخيرية، سنة 1306هـ.
7-السبكي: (تاج الدين، أبو نصر، عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي المتوفى سنة 771هـ).
*معيد النعم ومبيد النقم. تحقيق الأساتذة محمد علي النجار، وأبي زيد شلبي، ومحمد أبو العيون.
طبع دار الكاتب العربي بمصر، سنة 1367هـ- 1948م
8-السيوطي: (جلال الدين، عبد الرحمن ابن أبي بكر، المتوفى سنة 911هـ)
*حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة المطبعة الشرقية بالقاهرة سنة 1327هـ
9-الصفدي (صلاح الدين، خليل بن ايبك، المتوفى سنة 764هـ)
*الوافي بالوفيات. تحقيق هـ. ريتر. طبع مطبعة الدولة باستانبول سنة 1931م
10-القاسمي (جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق المتوفى سنة 1332هـ).
*الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين.
وهو شرح الأربعين العجلونية، مخطوطة أطلعني عليها الأستاذ عاصم ابن أستاذي الكبير العلامة المرحوم الشيخ محمد بهجة البيطار، فجزاه الله عني خيراً.
11-القلقشندي (أبو العباس أحمد القلقشندي المتوفى سنة 821هـ).
*صبح الأعشى في صناعة الانشا
طبع المطبعة الأميرية بالقاهرة سنة 1332 هـ -1915م.
12-كرد علي: (محمد بن عبد الرزاق بن محمد، المتوفى سنة 1974هـ- 1953م)
*خطط الشام. طبع المطبعة الحديثة بدمشق سنة 1343هـ- 1925م.
13-المحبي (محمد أمين بن فضل الله، المعروف بالمحبي، المتوفى سنة 1111هـ).
*خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر المطبعة الوهبية بالقاهرة 1384هـ
14-ابن منظور (أبو الفضل، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المتوفى سنة 711هـ).
*لسان العرب
طبع دار صادر ودار بيروت 1374هـ- 1955م
15-موسى باشا (د. عمر بن محمد علي موسى باشا).
*الأدب في بلاد الشام. طبع المكتبة العباسية بدمشق سنة 1972م.
*ابن نباتة المصري- أمير شعراء المشرق طبع دار المعارف بالقاهرة 1963م-1383هـ.
*محاضرات في الأدب المملوكي والعثماني منشورات جامعة دمشق. مطبعة الإحسان 1400هـ- 1980م.
16-النعيمي (عبد القادر بن محمد النعيمي المتوفى سنة 927هـ)
*الدارس في تاريخ المدارس. تحقيق الأستاذ جعفر الحسيني.
منشورات المجمع العلمي العربي. طبع مطبعة الترقي بدمشق 1367هـ- 1948م
17-ابن النقيب: (عبد الرحمن بن محمد، الملقب بابن النقيب المتوفى سنة 1081هـ)
*ديوان ابن النقيب، تحقيق الأستاذ عبد الله الجبوري.
مطبوعات المجمع العلمي العربي 1368هـ - 1963م
18-ابن واصل (جمال الدين محمد بن سالم ابن واصل الحموي المتوفى سنة 697هـ)
*مفرج الكروب في أخبار بني أيوب. تحقيق الدكتور جمال الدين الشيال.
المطبعة الأميرية بالقاهرة سنة 1359هـ – 1957م
الحواشي:
(87)ابن منظور: لسان العرب، ج 5 ص 329.
(88)القاسمي: الفصل المبين (مخطوط) ورقة 18.
(89)المصدر السابق، ورقة 18، 19.
(90)الزبيدي: تاج العروس، ج4 ص 31، 32.
(91) المقصود من (نا) في نص الحديث، أي (حدثنا)، و (أنا) أي (أخبرنا)، وهذان المختصران من أساليب الحديث النبوي، ويكتب في بعض الأحيان (ثنا)، وقد أفادنا محققو كتاب (معيد النعم ومبيد النقم) للسبكي أن استخدام هاتين الصيغتين: (أخبرنا) و (أنبأنا) سواء عند المتقدمين. أما عند المتأخرين فإن الإنباء يكون مقصوراً على الإجازة فقط.
(92)الصفدي: الوافي بالوفيات، ص 117.
(93)التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون ج1 ص 208.
(94)القاسمي: الفضل المبين (مخطوط) ورقة 102/ 17، والزبيدي، تاج العروس، ج4 ص 31، 32.
(95)الزبيدي: تاج العروس، ج4 ص 31، 32.
(96)القاسمي: الفضل المبين (مخطوط) ورقة 17.
(97)المصدر السابق، ص 17، 18.
(98)الزبيدي: تاج العروس، ج4 ص 31، 32.
(99)القاسمي: الفضل المبين (مخطوط) ورقة 18.
(100)المصدر السابق، ورقة 18.
(101)المصدر السابق، ورقة 18.
(102)التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون ج1 ص 208.
(103)المصدر السابق، ج1 ص 208.
(104) القاسمي: الفضل المبين (مخطوط) ورقة 19.
(105) المصدر السابق (مخطوط) ورقة 19.
(106) الزبيدي: تاج العروس، ج4 ص 31، 32.
(107) القاسمي: الفضل المبين (مخطوط) ورقة 19.
(108)أي بالإجازة العامة.
(109) القاسمي: الفضل المبين (مخطوط) ورقة 19.
(110) في معجم لسان العرب: "وقيل: حبلَ الحَبَلة، ولد الولد الذي في البطن، ومنه حديث عمر لما فتحت مصر أرادوا قسمها، فكتبوا إليه، فقال: لا، حتى يغزو منها حَبَلَ الحَبَلة، يريد حتى يغزو من أولاد الأولاد، ويكون عاماً في الناس والدواب، أي يكثر المسلمون بالتوالد" ج11 ص 139.
(111)القاسمي: الفضل المبين (مخطوط)، ورقة 19.
(112) المصدر السابق (مخطوط) ورقة 19.
(113)المصدر السابق (مخطوط) ورقة 19.
(114)المصدر السابق (مخطوط) ورقة 19.
(115)المصدر السابق (مخطوط) ورقة 19.
(116)المصدر السابق، ص 19.
(117) القلقشندي: صبح الأعشى، ج 14، ص 322.
(118)المصدر السابق، ج14 ص 323.
(119)المصدر السابق، ج 14 ص 325.
(120)المصدر السابق، ج 14 ص 325.
(121) المصدر السابق، ج 14 ص 325.
(122)المصدر السابق، ج 14 ص 326، 327.
(123)المصدر السابق، ج 14 ص 327.
(124) ابن حجة: خزانة الأدب (تقديم أبي بكر) ص 351، 352.
(125)المصدر السابق، ص 352.
(126)المصدر السابق، ص 353.
(127)المصدر السابق، ص 351، 355.
(128)القلقشندي: صبح الأعشى، ج 14 ص 332.
(129)المصدر السابق، ج14 ص 333، 334.
(130) المصدر السابق، ج 14 ص 327.
(131)المصدر السابق، ج 14 ص 329.
(132) المصدر السابق، ج 14 ص 330.
(133)الهملاج: هملج، أحسن في السير، وسار في سرعة وبخترة. والوساع من الخيل هو الجواد الواسع الخطو.
(134)المصدر السابق، ج 14 ص 331.
(135)المصدر السابق، ج 14 ص 331.
(136)ديوان ابن نباتة المصري، ص 155، وكتابنا (ابن نباتة المصري) ص 490-491.
(137)المصدران السابقان ص 515، 516، وص 491.
(138)ديوان ابن النقيب، ص 20-24، وكتابنا (محاضرات في الأدب المملوكي والعثماني) ص 224.
(139) ديوان ابن النقيب، ص 200.
(140) المصدر السابق، ص 200
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
26 فبراير 2010
المشاركات
596
الكنية
أبو الفضل
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
الخليل
المذهب الفقهي
فقه مقارن
رد: الإجازات العلمية.(بحث جامع).

بحث جيد مفيد جزى الله خيرا كاتبه وناقله، وقد قمت ببعض التنسيق في الموضوع
 
التعديل الأخير:
إنضم
14 يناير 2010
المشاركات
545
الجنس
أنثى
التخصص
دراسات
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
أعلى