إذا كانت العقيدة الإسلامية هي الموجهة لسلوك المسلم، باعتبارها الإطار العام الذي يؤطر تفكير الفرد المسلم من حيث تصوره للوجود، فإنه لا يخفى ما لعلم الكلام من توجيه للعلوم الإسلامية على مستوى الاستناد والاستمداد؛ باعتبار هذا العلم، منهجا للفهم والمناظرة، أكثر مما هو مضامين وقضايا عقدية جاهزة؛ فهو الموجه لهذه العلوم: سواء كانت فقها أو أصول فقه، أو مقاصد، أو حديثا أو تفسيرا، أو لغة.
ولا يخفى تداخل علم أصول الدين مع علم أصول الفقه في قضايا عديدة مثل مبحث الحكم، ومبحث الأدلة، والترجيح وغيرها من المباحث، ولا يخفى كذلك تأثيره الواضح في علم التفسير من خلال تفسير آيات العقيدة، وفي علم الحديث في باب التحليل الحديثي وفقهه، وعلى مستوى علوم اللغة في عدة قضايا أبرزها: أصل اللغات، والعلاقة بين اللفظ والمعنى ونظرية العامل عند النحاة وغيرها.
ومن المعلوم أن كل علم من العلوم لابد له من مبادئ، يقيم عليها قوانينه، وهذه المبادئ قد تكون مسلمات وقد تكون مصادرات. ولذلك فأصول جميع العلوم الإسلامية موجودة في أصول الدين، ومنه تستمد مشروعيتها؛ فكل تلك العلوم تشتغل مطمئنة إلى المبادئ التي تسلمتها من أصول الدين؛ ولذلك يقول علاء الدين السمرقندي(ت 540ه) في بداية كتابه ميزان الأصول: "إن علم أصول الفقه والأحكام، فرع لأصول علم الكلام، والفرع ما تفرع من أصله، وما لم يتفرع فليس من أصله. وكان من الضروري أن يقع التصنيف في هذا الباب على اعتقاد مصنف الكتاب" .
ورغم أن علم المقاصد من العلوم الأخيرة ظهورا على الساحة العلمية الإسلامية، فلا يمكن إنكار تقاطعه وتداخله مع علم الكلام، ويظهر ذلك جليا في مجموعة من المسائل؛ أبرزها: مسألة التعليل، والحكمة ومسألة الحسن والقبح، وهل يجوز تكليف الإنسان بما لا يطاق؛ وفي مسائل كثيرة تَحدّث عنها علماء المقاصد إن أصالة أو تبعا، بين ثنايا كتبهم ابتداء من الجويني إلى المقاصديين المعاصرين.
ولعل أبرز القضايا التي أثارت إشكالات واسعة على مستوى علم الكلام ولها علاقة بعلم المقاصد هي مسألة التعليل لذلك فالقول بالمقاصد يقتضي بالضرورة القول بأن أحكام الله تعالى معللة، التي تتأسس بدروها على أصل التحسين والتقبيح، ثم القول بعدم التكليف بما لا يطاق، ورفع الحرج والمشقة، فهذه مسائل من بين المسائل التي يتأسس عليها القول بنظرية المقاصد، فيكون علم الكلام من هذه الجهة خادم لعلم المقاصد، وذلك بمصادرة هذه المسائل، ومن جهة أخرى نجد أن علم المقاصد كان خادما لعلم الكلام أو علم العقيدة، من خلال مقاصد العقائد، كمقاصد الأسماء والصفات، ومقاصد التوحيد والنبوة، ومقاصد إرسال الرسل وغيرها من المقاصد، التي تحدث عنها العلماء في القديم والحديث.
سأحاول في هذا البحث إبراز معالم العلاقة الجدلية بين علم الكلام وعلم المقاصد، من خلال هذا العنوان الذي اخترته لهذا البحث: "العلاقة الجدلية بين علم الكلام وعلم المقاصد: ــ دراسة وصفية تحليلية ــ"؛ يكون الهدف منه تقديم بعض القضايا العقدية المنثورة في كتب علم الكلام والأصول، يعتبر التسليم بها من الأسس البنائية للقول بالمقاصد الشرعية، ثم جردها في بحث خاص يجمعها إسهاما في درس التكامل المعرفي بين العلوم الإسلامية.
موضوع أطروحة الدكتوراه
العلاقة التكاملية بين علم الكلام ومقاصد الشريعة، ــ دراسة وصفية تحليلية ــ
ملخص أطروحة الدكتوراه
نفس موضوع الماستر، بإضافة فصلين آخرين، أحدهما حول مقاصد العقائد، والثاني، المنهج الكلام في الفكر المقاصدي، حتى يكون الموضع محيطا بجميع أطراف هذه العلاقة، إذ اقتصرت في موضوع الماستر على العلاقة من جهة القضايا والمضامين والمسائل الكلامية التي تأسس عليها القول بالمقاصد كالتعليل والتحسين والتقبيح، وعدم التكليف بما لا يطاق ثم فصل نظري، تناولت فيه العلاقة بين علم الكلام وأصول الفقه، باعتبار هذا الأخير هو الذي احتضن علم المقاصد، وعلى يده نما هذا العلم حتى صار علما قائما بذاته، وذلك من خلال الحديث عن ظهور المنهج الكلامي في الثرات الأصولي.
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.