الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهدُ أنّ محمَّدًا عبدُهُ ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله الطيّبين وصحابته الطاهرين ، ومن اقتفى أثرهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين . وبعد : السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته :
وبعد ؛ فهذا ملخّصٌ يُعرِّفُ فيه الباحثُ السّامعينَ الأفاضِل بموضوع مذكّرَته التي اختار لها عنوان " رعايةُ رابطةِ الزّوجيَّةِ من خلال القرآن الكريم " :
القرآنُ الكريمُ - أساتذتي الأفاضل - كتابُ الهداية التَّامة والسعادة الشاملة ، يُخرجُ النّاسَ من الظلمات إلى النور ، ومن الجَور إلى العَدل ، ومن الضّيق إلى السَّعة . .
ولم يزل هذا الكتابُ المبينُ غضًّا طريًّا ، فيه الهدايةُ الكاملة ، والشفاءُ التام ، والعلاجُ للهموم والمُشكلات في جميع شؤون الحياة .
وما تعثّرت حياة الإنسان ، وما تراكمت همومُهُ وأحزانُهُ إلاَّ عندما ابتعدَ عن هديِ القرآن ، ولعلَّ من أوضحِ المجالات تعثُّرًا في حياةِ الإنسانِ اليومَ مجالُ " العلاقة الزوجية "؛ تلكَ الرابطةُ المُقدَّسةُ السَّامية التي لم يَعُد لها في واقع كثير من الناس بُعدُها السامي ، ولا هدفُها النبيل ، ولا مُقوِّماتُها الرَّاسخةُ المتينة ، وأضحت - بسبب بُعد الإنسانِ عن هداية القرآن - أوهَى من بيتِ العنكبوت ، يتزوَّجُ الواحد في الصباح ويُطلِّقُ في المساء ، لأتفه الأسباب ! ، أو يتزوَّجُ كيفما اتَّفق ، ليعيشَ كيفما اتّفق ،و يُطلِّقَ كيفما اتَّفق ! .
وفي المقابل أضحت البيوت بالنسبة إلى الكثيرين - ممن فقدوا رُوح الحياة الزوجية - سجنًا فرضه
عليهم المجتمع ، أو قفصًا أسلمَ إليه سوء الانتقاء والاختيار ، فتراهم يحسبون الساعاتِ والأيامَ متى
تنقضي ، ليتزوَّج الأولاد والبنات ، وتنتهي بينهم مهمَّةُ الحياة ! .
وفي مجال آخر ؛ يعيشُ كثيرٌ من الأزواج رابطةً زَوجِيَّةً صُوريَّة ، اختفت فيها جُلُّ الضوابط والقيم، لاشيء يدلُّ فيها على هذه الرابطةِ سِوَى وجودُ الدفتر العائلي ، وعدمُ النطق بكلمة الطلاق .
حصل جميعُ هذا - أساتذتي - بشكل يلفتُ الأنظار ، و يُنذر بانهيار منظومَةِ القيمِ في الحياة الزوجية، وهو أمرٌ يُلقي بالتبعة والمسؤولية على العلماءِ والمفكرين والباحثين حتَّى يبحثُوا في علاج هذه الظاهرة ، وإيجاد الحلولِ الشرعيّةِ التي تُنْقِذُ رابطة الزوجية من الانهيار .
من هذا المنطلق ؛ ومحاولةً من الباحِثِ في تلمُّسِ معالم العلاج ؛ ولكونِهِ ممَّن عاينَ واقعَ المتزوّجين عن قُرب ، وساهمَ في إرشادهم ، وحلِّ مشاكِلِهم في إطار الإمامة المسجدية ؛ اختارَ البحثَ في هذا الموضوع الحساس : " رعاية رابطة الزوجية من خلال القرآن الكريم " .
أساتذتِي الأفاضل :
أمَّا عن الإشكاليةِ الأساسية التي تستدعي البحث في هذا الموضوع فهي :
باعتبار الوحيِ مصدرَ هدايةٍ وسعادةٍ للبشرية ؛ هل يمكن بالرجوع إلى القرآن الكريم أن نَسْتَلْهِمَ منهجًا شاملاً متكاملاً يرعى رابطةَ الزَّوجية في حياة الإنسان ، ويرتقي بها في جميع مراحلها ، ويقدّمُ حلولاً شافيةً لمشاكلها وأزماتها ؟! . هذا ما تسعى المذكّرةُ للإجابة عنه إن شاءَ الله .
وتحتَ هذه الإشكاليةِ الأساسيّة ، توجدُ تساؤُلاتٌ فرعيَّةٌ تحتاج إلى إجابة في هذا البحث :
- كيف اعتنى القرآن الكريم برابطة الزوجية في طور الإعداد والتكوين ؟ .
- وما هي الأسس والدعائم التي قدَّمها القرآن لتحقيق الاستقرار والسُّمُوِّ في العِشرَة الزوجية ؟ .
- وما هي الأسس والدعائم التي قدَّمها القرآن لتحقيق الاستقرار عند إرادة الزّوج التعدّد ؟ .
- وكيف ساس القرآنُ الكريم رابطةَ الزوجية عند بوادر الشقاق والنزاع ؟ .
- وكيف ساس القرآنُ الكريم رابطةَ الزوجية عند حصول الطلاق ؟
- وإلى أي مدًى كانت سياسةُ القرآن لرابطة الزوجية واقعيَّةً تتوافق مع طبيعة الإنسان ، والفطرة السليمة ، ومُتكامِلةً في جميع المراحل ؟ .
هذا أهم ما تسعى الدراسةُ لتوضيحه والإجابة عنه إن شاءَ الله .
أساتذتِي الأفاضل :
للإجابةِ على إشكاليّة و تساؤُلاتِ هذه الدّراسة ، ونظرًا لكونِها تهدف إلى الكشف عن التصور الشامل لموضوع رعاية رابطة الزوجية في القرآن الكريم ؛ فهي تقتضي توظيف منهج التفسير الموضوعي التجميعي ، إذ هو يُعطي حولَ الموضوعِ سَعَةً في التصوُّرِ لا يجدها القارئ في كُتُب التفسير الموضِعي ، ولذلك اعتمَدَ الباحثُ على قواعد هذا المنهج ، مع الاعتمادِ على أسلوب التحليل لما جُمِعَ من النصوص بغيةَ تحقيقِ نتائج علمية في الموضوع .
ولتحقيق ذلكَ كانت طريقَةُ الباحثِ في البحث كالآتي باختصار :
- جَمَعَ الآياتِ التي تتحدَّثُ عن رعايةِ رابطة الزوجيَّة ، ووزّعهَا - بما يُعطي خُطّةً متكاملة - إلى فصولٍ و مباحثَ ومطالب .
- لم يعتمِد تصنيفَ الآياتِ و ترتيبَها حسب النزول ، وإنَّما وزّعَها على الفصولِ والمباحثِ والمطالب ، بما يُشكّلُ خُطّةً متناسقة .
- حاولَ الباحثُ إيرادَ العناوينِ من الألفاظِ القرآنيّةِ ما أمكن .
- رجعَ في فهمِ الآياتِ إلى كتب التفسير بأنواعها ، مع الاعتمادِ على المصادر والمراجِع الأخرى من كُتُب المتقدّمين والمتأخّرين ، كما رجعَ إلى أمَّهات المصادر اللغويَّة في فهم الألفاظ و شرحها .
- سجّلَ الباحثُ النتائجَ في نهاية كل فَصل ،وجعل النتيجةَ في إطارٍ ،وكتبها بخطٍّ مغايِر .
- جعلَ في النهاية فهارسَ لتسهيلِ الاستفادَةِ من مضمون المذكّرة .
- كما ألحقَ الباحثُ اليومَ مُلحقًا يحوي تصويبَ الأخطاءِ المطبعيّة واللغويّة ، والتي وقعت على وجه السهوِ والعجَلَة ، وسوفَ يتمُّ استدراكُها في النُّسَخِ المقدّمةِ لاحقًا بإذن الله .
أساتذتِي الأفاضل : أعرّفُكم أيضًا بالخطّة التي سلكَها الباحثُ في دراسته :
مقدمة : عرّف فيها بالموضوعِ ، وأسبابِ اختياره ، وأهميتِه ، وذكرَ الإشكاليةَ الأساسيّةَ في البحث ، والتساؤلاتِ الفرعية ، مع ذكر الدّراساتِ السابقةِ ، والخطّة .
الفصل التمهيدي : ويشمل مبحثين هما :
المبحث الأول : عرّفَ بالمصطلحات الواردة في العنوان لغةً واصطلاحًا ، بقصد ضبطِ وتحديدِ مجالِ الدّراسةِ ومفاهيمِهَا للقارئ .
المبحث الثاني : قدّمَ فيه نبذةً عن أوضاع رابطة الزوجية في الجاهلية ، حتى يأخذَ
القارئ صورةً عن أحوال تلك الرابطة قبل ظهور الإسلام ، ويدركَ بالتالي التغيير الذي جاء به القرآنُ في إطار رعايتها .
وقد توصل الباحث من خلال هذا الفصل إلى تسجيل النتيجةِ التالية :
ثمَّ قسّمَ الرسالة إلى خمسةِ فصول :
الفصل الأول : رعاية رابطة الزوجية في مرحلة الإعداد والتكوين ، ويشمل ثلاثة مباحث هي :
المبحث الأول : تعرّضَ فيه للمفاهيم التي أوردها القرآن حول الزوجية ، من كون الزوجيّة سُنّةً كونية ، ونعمةً إلهية ، وحاجة فطرية ، ومن كون الزوجين من نفس واحدة ، ومن كون الزواجِ ميثاقًا غليظا .
المبحث الثاني : ذكرَ فيه مقاصدَ رابطة الزوجية في القرآن .
المبحث الثالث : بيّنَ فيه الأحكامَ الأساسيّةَ التي تتأسس بها رابطة الزوجية في القرآن ، وتخرُجُ بها إلى الوجود ، من تشريع الموانع التي لا تنعقد معها رابطة الزوجية ، و من مراعاة حُريّة الطرفين في انعقادِ الزواج ، ومن اعتبار الولايةِ على المرأة صيانةً وتشريفًا ، ومن تشريعِ الصّداقِ واعتبارِهِ نِحْلةً للمرأة ، ومن الإرشادِ إلى حسن الانتقاءِ والتخيّر .
هذا ، وقد توصل الباحث من خلال هذا الفصل إلى تسجيلِ النتيجةِ التالية :
أما وقد تكوّنت رابطةُ الزوجية وخرجت إلى الوجود ؛ فقد جاء الفصل الثاني بعنوان :
الفصل الثاني : دعائم الاستقرار في العِشرة الزوجية ، حيثُ شمل خمسَةَ مباحث هي :
المبحث الأول : الدعائمُ الرُّوحيّةُ التي تستقرُّ بوجودها العِشرةُ الزوجيّةُ في القرآن ، من الإيمان، والتقوى ، وما ينتج عنهما .
المبحث الثاني : الدعائم الحيوية التي تستقرّ بها العِشرةُ الزوجيّة في القرآن ، من النفقة ، والسّكنى ، والتوافق الجنسي .
المبحث الثالث : الدعائم النّفسيّة التي تستقرّ بها العِشرةُ الزوجيّة في القرآن ، من وجود السكينة ، والمودة ، والرّحمة .
المبحث الرابع : الدعائم الفِكريّة التي تستقرّ بها العِشرةُ الزوجيّة ، من فهم النفسيات ، والواقعيّة ، والتوازُن .
المبحث الخامس : الدعائم التشريعيّة لاستقرار العِشرةِ الزوجيّة ، من كونِ الذي للزّوجات مثلَ الذي عليهِنّ بالمعروف ، ومن قوامة الرّجال على النّساء ، ومن كونِ المعاشرة الزّوجيّةِ بالمعروف .
هذا ، وقد توصل الباحث من خلال هذا الفصل إلى تسجيل النتيجة التالية :
ومادامَ يمكنُ للمرأةِ أن تتزوَّجَ رجُلاً متزوّجًا ، فلا بُدَّ من أسسٍ ترعى الدَّعائمَ السابقة ، وتحفظُ رابطة الزوجيّةَ القديمة والجديدة . لهذا جاءَ الفصل الثالث بعنوان :
الفصل الثالث : رعاية رابطة الزوجية عند إرادة التعدد ، ويشمل ثلاثة مباحث هي :
المبحث الأول : عرّفَ فيه تعدّدَ الزوجات ، وبيّنَ مشروعيته من القرآن والسنّة والإجماع .
المبحث الثاني : أوضحَ فيه الحكمةَ من نظام التعدد ، وما ينتج عنه من تحقيق مصالح جميع الأطراف .
المبحث الثالث : كشفَ فيه عن الأسس التي جاءَ بها القرآن في رعاية رابطة الزوجية عند إرادة التعدد ، من وجود الدافع الذي يقرُّهُ الشرع ، ومن ضرورة الموازنة بين الدافع ومراعاة المآل ، ومن وجود القدرة على مؤن التعدد ، ومن وجوب تحقيق العدل ومجانبة الجَور ، بما يحقق مصلحة جميع الأطراف . وقد توصل الباحث من خلال هذا الفصل إلى تسجيل النتيجة التالية :
ومادامت الحياة الزوجيّة قد تخرُجُ عن الأصل المنشود في الاستقرار والتفاهم ؛ فلا بُدّ من أسسٍ تعيدُ الحياة الزوجيّة إلى طبيعتها و خطّها الصّحيح ، فمن هنا فقد جاءَ الفصل الرابعُ يعالجُ أمَّهاتِ النماذجِ التي تهدّد الحياة الزوجية بالانهيار ، بعنوان :
الفصل الرابع : رعاية رابطة الزوجية عند بوادر الشقاق والنزاع ، ويشمل خمسة مباحث هي :
المبحث الأول : تعرّضَ فيه إلى الإيلاء ، وبيّن أسبابه ، ثمّ كشف عن منهج القرآن في علاجه .
المبحث الثاني : تعرّض فيه إلى الظّهار ، وبيّن أسبابه ، ثمّ كشف عن منهج القرآن في علاجه .
المبحث الثالث : تعرّض فيه إلى حقيقة الكُرْهِ بين الزوجين ، وأسبابه ، و بيّن كيف عالجه القرآن .
المبحث الرابع : تعرّض فيه إلى حقيقة النشوز بين الزوجين ، وأسبابه ، وبيّن كيف عالجه القرآن .
المبحث الخامس : تكلّم فيه عن الخيانةِ الزوجية ، و أسبابها ، ثمّ كشف عن علاجها في القرآن .
وقد توصل الباحث من خلال هذا الفصل إلى تسجيل النتيجة التالية :
ثم مادامَ قد يستَحكِمُ الشّقاقُ بين الزوجين ، و يتوفر من الأسباب والمبرّرات الموضوعية ما ينغِّصُ الحياةَ بينهما ، فقد يتّجهانِ إلى الطلاقِ وفكِّ رباطِ الزوجيّة ، من هنا لا بُدّ من أسُسٍ ترعى رباطَ الزوجيّةِ وتحفَظُهُ ما أمكن ، فجاء الفصلُ الخامسُ بعنوان :
الفصل الخامس : رعاية رابطة الزوجية عند حصول الطلاق ، ويشمل خمسة مباحث هي :
المبحث الأول : عرّف فيه الطلاق ، وبيّن مشروعيته ، وأوضح الحكمة من تشريعه .
المبحث الثاني : بيّن فيه كيفَ أنَّ في الكيفية المشروعةِ للطلاقِ ما يُضيّقُ دائرةَ وقوعه في المجتمع ، من جعلِ الطلاق بيدِ الرّجل ، وتحريم الطلاق في الحيض ، و تشريع الإشهاد ، وجعل الطلاق مرّتين فيه الرّجعة .
المبحث الثالث : أوضح فيه التشريعاتِ المرتبطةَ بالطلاق ، والتي فتح الله تعالى بها باب العودة والاستئناف بين الزوجين من جديد ، من تشريع العدّة ، وإثبات حقّ الرّجعة ، وتحريم الإخراج من البيوت عند التطليق .
المبحث الرابع : كشف فيه عن صيانة القرآن لجميع الحقوق بين الطليقين ، بأن طمأنَ كلَّ واحدٍ منهما على المستقبل ، وحفظَ الحقوق المادّيّة ، والحقوق المعنويّة ، وحقوق الأولاد ، وأوصَى مع ذلك بعدم نسيان الفضل .
وقد توصل الباحث من خلال هذا الفصل إلى تسجيل النتيجة التالية :
خاتمة : سجّل فيها الباحثُ نتائج البحث ، وأوردَ فيها بعض التوصيّات .
وفي نهاية البحث ، ومن خلال مجموع هذه النتائج ؛ يعتقدُ الباحثُ أنَّهُ ثبتَ الجوابُ على الإشكاليّةِ الأساسيّةِ في الدراسة : القرآنُ الكريمُ أعطَى بالفِعل منهجًا شاملاً متكاملاً يرعى رابطةَ الزَّوجية في حياة الإنسان ، ويرتقي بها في جميع مراحلها ، ويقدّمُ حلولاً شافيةً لجميع مشاكلها وأزماتها .
هذا ؛ وما كان في هذه المذكّرَةِ من صواب ؛ فهو من فتحِ اللهِ وتوفيقه ، ثمَّ مِن ثمارِ من غرسَ و سقَى وتعهّد ، فهو اليومَ بفضل الله يحصِد ، وما كانَ فيها من زللٍ وتقصير ؛ فهو من الباحث ، وكتابُ اللهِ منه برئ ، و على العلماءِ الكرامِ التهذيبُ والتأديبُ والتصويب ، فقد جعلهم اللهُ أُمناءَ على دينِه ، ينفُونَ عنه تحريفَ الغَالين ، وانتحالَ المبطلين ، وتأويلَ الجاهلين ، نسأل اللهَ السلامةَ والعافية .
و السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.