العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فقه الواقع والحياة

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
فقه الواقع والحياة
يقول الأستاذ محمد بولوز في كتابه "تربية ملكة الاجتهاد من خلال بداية المجتهد لابن رشد" في معرض ذكره لشروط المجتهد:
د-معرفة الناس والحياة:
وهذا الشرط يشبه الذي قبله،فلم يذكره ابن رشد كغيره في الأغلب الأعم،وإنما يفهم من بعض تلميحاته وإشاراته ،مثل رفضه للآراء التي لا تستحضر المعطيات الواقعية وتبقى مفروضة في القول لا تقع بعد أو لاتكاد، مثل الحديث في حرمة لبن الرجل ولبن الميتة
وهذا الشرط مطلوب أيضا، ليكون الاجتهاد صحيحا واقعا في محله ،فلا يكفي في الاجتهاد الوصول الى معرفة الحكم الشرعي انطلاقا من التعامل مع النصوص وبالضوابط الأصولية السابقة. لأن (لعملية الفهم علاقة بكسب العقل البشري من العلوم والمعارف التي يكتسبها من خارج دائرة النص، وعلاقة بذات الواقع الزمني في أحداثه وتفاعلاته )
فالمجتهد لا يجتهد في فراغ، بل في وقائع تنزل بالأفراد والمجتمعات من حوله ،وهؤلاء تؤثر في أفكارهم وسلوكهم تيارات وعوامل مختلفة: نفسية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية ،فمن لوازم الاجتهاد الاستيعاب المعرفي الشامل للواقع المجتهد فيه.
ولا يكون ذلك إلا بامتلاك آليات فهمه التي تتمثل من جهة في العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تساعد في فهم الواقع في جانبه الاجتماعي فيقف المجتهد على بنية الترابط الاجتماعي وطبيعة التنظيمات الاجتماعية ،ونوعية مشاكل البنية الأسرية .وفي الجانب الاقتصادي يطلع على نظام الإنتاج والتوزيع والاستهلاك ...وفي الجانب السياسي يعرف طبيعة الحكم (القائم ونظامه ومؤسساته ..وفي الجانب الثقافي يطلع على أنماط التعبير الفني وغيرها التي ينتهجها الناس في تصوير آمالهم وآلامهم وأفراحهم وأتراحهم ومعرفة الوضع الفكري والنفسي العام وطبيعة التيارات والأفكار التي لها نفوذ في المجتمع.
فيتحتم عليه معرفة قدر من علوم النفس والتربية والتاريخ والقوانين .. وقدرا من العلوم الكونية والمعارف "العلمية" التي تشكل أرضية ثقافية لازمة في زمانه إذ كيف يفتي في أمور يجهلها، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره ولا يخفى أن الحد الأدنى في ذلك هو ضبط المجال الذي له صلة باجتهاده إن كانت في الطب سأل عنها أهل الاختصاص حتى يطمئن إلى إحكام جوانبها وكذلك الشأن في الاقتصاد وغيره.
ثم لابد في جانب آخر من معايشة الناس والتعامل معهم والوقوف على مشاكلهم والمساهمة الواقعية في مناشطهم ،واستخدام أدوات الرصد والتحليل الممكنة والمتاحة في زمانه مثل الاستعانة بعلم الإحصاء، إذ من لا يعرفه لا يستطيع مثلا: ( ترجيح رأي في الطلاق على رأي آخر باستقراء مدى النتائج التي تؤدي اليها فتواه وخطورتها وأثرها على سلامة الأمة واستقرارها وعلى سائر مصالح المجتمع) ،كما أنه بغير علم الاقتصاد (لا يتمكن الناظر من تقرير رأيه في الحاجة للنفقات في قوانين الأحوال الشخصية أو في مداها فضلا عن الافتاء في الأوضاع والأحكام المالية في الدولةالاسلامية)
وبسبب من تبحر في الاختصاصات وتوسع في العلوم وتعقد في تركيب المجتمعات وتشابك في العلاقات لابد من التقدم باتجاه إقامة مؤسسات ومراكز للبحوث والدراسات تشمل أهل الاختصاص الأمناء من كل فن، إلى جانب المجتهدين ،لبناء العقل الجماعي المؤسسي الذي يمتلك نوافذ الرؤية من الجهات كلها وفي العلوم كلها، ووجود فقهاء المجتمعات وفقهاء التربية وفقهاء التخطيط وفقهاء استشراف أفاق المستقبل وفقهاء الحضارة عامة ،من أجل تيسير سبل اجتهاد راشد فعال .
فوجود حفاظ للكتاب والسنة ومواضع الاجماع والعربية وأصول الفقه ومقاصد الشريعة، بغير علم بواقع الحياة ومعرفة بأحوال الناس مثل وجود صيادلة بغير أطباء .إذ قد لا يفيد (كثيرا كثرة الصيادلة ومعامل الدواء ،إذا انعدم وجود الأطباء، لأن ذلك قد يؤدي إلى وضع الدواء في غير محله فيهلك المريض من حيث يراد له الشفاء والنجاة)
ومن هنا يستغرب سكوت الأصوليين عن هذا الشرط إلا من إشارات عابرة في غير موضع الحديث عن شروط الاجتهاد، في حين أن الشافعي رحمه الله الذي يعتبر رائد هذا الميدان، لم يفته التأكيد على هذا الأمر ، غير أن إشاراته لم تلق نفس العناية التي حظيت بها باقي الشروط التي درست وأنضجت حتى كادت تحترق وأدخلت أحيانا في طور استحالة التحقق .
فهو يقول في "الرسالة"بالإضافة إلى ما صدرنا به حديثنا عن الشروط: (لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه) فإذا كان هذا في قيمة درهم فكيف في مصير ثروات الأمة وأعراضها ومصالحها الكبرى ،بل إن الشافعي رحمه الله يشترط المتابعة الدائمة للتغيرات وتطورات الأمور إذ لا يقبل من الفقيه الذي غاب عن معرفة أحوال السوق سنة واحدة ،أن يفتي، فكيف بمن يغيب عن هموم الأمة دهرا ثم يطلع عليها بفتوى من بطون الكتب بغير أن يكون له أدنى إلمام بالواقعة التي يريد الحكم فيها .
يقول الامام الشافعي: (لا يجوز لعالم بسوق سلعة منذ زمان ثم خفيت عنه سنة،أن يقال له:قوم عبدا من صفته كذا وكذا لأن السوق تختلف،ولا لرجل أبصر بعض صنف من التجارات ،وجهل غير صنفه،والغير الذي جهل لا دلالة له عليه ببعض علم الذي علم :قوم كذا ،كما لا يقال لبناء :انظر قيمة الخياطة ! ولا لخياط انظر قيمة البناء ).
فهو لم يورد هذا في معرض حديثه عن فروع فقهية، وإنما في معرض الحديث عن شروط الاجتهاد لكي تراعى في تنزيل الأحكام.
وكذلك الشأن كان يوم ازدهار سوق الاجتهاد، حيث كانت اجتهادات الصحابة رضوان الله عليهم في خضم بنائهم لواقعهم الذي بلورته الفتوح، والاستفادة مما عند غيرهم من الأمم من فنون الادارة وغيرها من المستجدات. وكان أبو حتيفة يعيش حياة السوق في العراق، ويجادل الفرق في البصرة ،وجعل مالك من واقع الناس في المدينة أصلا تشريعيا ،وكان للشافعي مذهبان لم يكن دواعي اختلافهما في الأغلب الأعم سوى اختلاف الواقع بين العراق ومصر .وكان الامام أحمد مشاركا في الصراع الفكري الدائر حول "مسألة خلق القرآن"حيث سجل موقفا بطوليا في وقوفه في وجه تلك البدعة ..
وفي هذا السياق أفهم إدراج بعض الأصوليين لعلمي المنطق والكلام، ضمن شروط الإجتهاد باعتبارهما من بعض الوجوه من المكونات الفكرية والثقافية في الحضارة الاسلامية لمدة طويلة من الزمن ..وكانوا يرون في المنطق آلة قانونية تعصم الذهن من الخطأ في الفكر.ولا أحد يرى الآن ضرورة ذلك بل هناك من يدعو إلى تعويضه ب(مناهج البحث العلمي)
كما نفهم أيضا من بعض الوجوه اشتراط الإمام الشاطبي معرفة "علم المقاصد" استجابة لواقع اشتغل فيه الأصوليون بالمباحث اللفظية واشتغل الفقهاء بالأحكام الجزئية وغفلوا عن المقاصد وظهرت الحيل الفقهية ..
فالذي يظهر أن بعض شروط الاجتهاد قد تكون متحركة تجب في زمان دون غيره وأخرى ثابتة منها مقاصد الشريعة التي بقيت على الدوام من لوازم الاجتهاد ولو بشكل ضمني بديهي.
 
إنضم
18 أبريل 2017
المشاركات
36
الكنية
مصعب
التخصص
فقه مالكي واصوله
المدينة
وادي ارهيو غليزان
المذهب الفقهي
مالكي
رد: فقه الواقع والحياة

اخي الكريم معايير الثبات وعدمه لمؤهلات المجتهد ذلك امر قد يفرضه الواقع، كظهور بعض العقود المركبة والتي تستدعي دعوة اهل الاختصاص بغية تصرها تصورا صحيحا يوفي غرض التكييف، كما ان هناك بعض المؤهلات لا تخضع للزمان و لا للمكان وانما تفرضها طبيعة الاجتهاد بكون ذلك المؤهل ألة تفسيرية، لا يستغن عنها،اما الواقع كسياق للنازلة فهذا يفتقر اليه ولا تنزيل للحكم بمعزل عنه والا كانت مفسدة تنزيل الحكم اشد من ترك الواقع على حاله السالف.
 
أعلى