العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

وسط بين طرفين في (حكم تارك الصـلاة)

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن مسألة حكم تارك الصلاة من المسائل التي صُنِّف فيها المصنفات وجرت فيها المناظرات، فهي مسألة كبرى ولا شك.

وأريد أن أرسل ومضات عبر أثير هذا الملتقى المبارك لبيان أمور لا ينبغي أن تغيب عن الناظر في الخلاف القائم بين أهل العلم: أيكفر تاركها كفراً مخرجاً عن الملة؟ أم لا يكفر؟.. وليس الغرض الترجيح، بل المقصود فقه الخلاف في مسألتنا.

أولاً: الخلاف في المسألة خلاف سائغ؛ لأن النصوص تحتمله، وقد جرى الخُلف فيها بين أئمة الإسلام دون تبديع فريق للآخر، وقد ثبت عن الزهري واستفاض عن مالك والشافعي عدم القول بكفره، فهل يكون قول هؤلاء بدعة في الإسلام أو شذوذاً؟! وهل يكون قول أحمد وإسحاق تشدداً وخروجاً؟!.

ثانياً: إن رمي كل قائل بعدم كفر تارك الصلاة بالإرجاء، أو رمي كل من قال بكفر تاركها بأنه من الخوارج.. تعـدٍّ لا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر

أقول: نعم.
من قال بأنه لا يكفر على اعتقادِ أن تارك جنس العمل لا يكفر مطلقاً فهذا قد دخلت عليه شبهة المرجئة قطعاً..

وأما من لم يعتقد هذا ولكنه رأى أن الأدلة في عين هذه المسألة لا تنهض لتكفير تاركها تهاوناً أو كسلاً، كالشافعي الذي نص صراحة على ما يفيد أن الإيمان لا يجزئ فيه قول ولا اعتقاد عن عمل، فإن رأيه هذا لا يخرج عن أقوال أهل السنة قطعاً؛ فلا يجوز سحب الخلاف بين العلماء في مسألتنا إلى مسألة تارك جنس العمل؛ إذ إكفار الثاني محل اتفاق بين أهل السنة.

وكذلك القول فيمن كفَّر بترك الصلاة؛ فإن كان يقول بكفره على معنى أنه ارتكب كبيرة، وأن مرتكب الكبيرة مطلقاً كافر خارجٌ عن الملة، فقد قال بقول الخوارج..

وأما إن كان لا يقول بذلك كإسحاق بن راهويه، ولكن رأى أن الأدلة هنا تدل على كفره الكفر الأكبر، وأنه لا صارف عن هذا، فإن هذا لا يخرج قوله عن مذهب أهل السنة قِيد أنملـة.

ومما يدل على ذلك أن أبا بكر الإسماعيلي في "اعتقاد أئمة الحديث" عدَّ هذا مما اختلف فيه أهل السنة والحديث، وكذا الصابوني، وغيرهما، فثبت كون القولين لأهل السنة بغير ريب.


ثالثاً: دعوى إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة استئناساً بقول عبد الله بن شَقِيق محل نظر؛ لأن غاية ما قد يقال: إنه إجماع سكوتي ظني، وأنى لإجماعٍ مثل هذا أن يثبت ثم يخفى على أئمة التابعين وتابعيهم؟!

وكذا استناد القائل بعدم كفره إلى الإجماع العملي في عدم تطبيق أحكام الردة على تاركها لا يعدو كونه سكوتياً ظنياً؛ لورود الاحتمالات التي قد تمنع من تنفيذ ذلك الحكم.. والله أعلم.

رابعاً: أن الاتفاق قائم بين الفريقين على عظم جرم تارك الصلاة، وأنه قد أتى كبيرة من أكبر الكبائر.

وأخيراً، أرى أن المذهب الوسط في فقه الخلاف بهذه المسألة: مذهب من اعتبر الخلاف فيها، وحفظ لكل قول قدره، وأعمَلَ الإنصاف في الحكم على الفريقين، مع التزام مذهب أهل السنة، دون رمي بالبدعة إلا على مبتدع، وقد سبق البيان. والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
أعلى