العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ان تخطئوا في العفـو خير من أن تخطئوا في العقوبة

طالبة فقه

موقوف
إنضم
7 ديسمبر 2010
المشاركات
260
التخصص
.فقه
المدينة
فــي نــجــد
المذهب الفقهي
الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
أدرك أن المسؤل مجتهد، كما أُدرك أن العقل يقتضي استحالة أن يسلم الإنسان من الخطأ في تقدير العقوبة على أبنائه في كل حين، وهم أفراد معدودون بين عينيه ليلاً ونهاراً، فيتمنى أن لو نقص أو عفى وصفح أو زاد، هذا في عدد معدود مشاهد، فكيف بآلاف لا يستطيع الإنسان أن يستوعب عُشر معشار أسمائهم، فضلاً عن أحوالهم ونفسياتهم وتحملهم، ومدى أثر العقوبة على أهليهم .والاعتماد إنما هو على مستشارين، ولن يستوعبوا مهما كثروا حال آلاف المعتقلين، وإذا كان الإنسان يُخطيء في تقدير ما يرى، فكيف إذا كان حكمه على تقدير ما لا يراه إلا بغيره، ولأن هذا الأمر معروف لم تُحمد العقوبة كما حُمد العفو ويُروى في الحديث: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة).وأنا في هذه الأسطر لا أرسم نهجاً للعقوبة، ولا لإسقاطها، وإنما أبين نهج النبي صلى الله عليه وسلم في العفو والصفح، وقدحملني على كتابة ما أكتب أنه لا يخلو يوم من الأيام إلا وزائر أو متصل أو باعث رسالة يُناشد العون وإيصال الشكوى من ذوي المعتقلين، والواجب في مثل هذا الشفقة والنصح لأئمة المسلمين وعامتهم، وهذا في نقاط :

أولاً: إن المتقرر عقلاً وشرعاً أن صحة النتائج لا تعني صحة الوسائل الموصلة إليها، فمعالجة الأخطاء بالاحتياط غير المقدر لا تصح، حتى لو أدى ذلك إلى نتيجة صحيحة، ولو كانت كل عقوبة تمنع الشر من الوقوع صحيحة، للزم أن يُحبس المغتاب وشارب الدخان، ويقتل السارق وشارب الخمر، وفي الأنظمة قاطع الإشارة، وأشباهه، فالنتيجة في ذلك هي انعدام تلك الشرور، وهي غاية صحيحة، والوسائل احتياط وتعزير خاطيء، وللأفراد ضروريات خمس جاء النص بحفظها، وجب أن توزن في كفة تقابل كفة العقوبة. والغفلة عن أحد الكفتين خطيرة جداً، وأكثر ما تكون الاستهانة هي في كفة المعاقَب، وهذا أمر قد حفظه النبي صلى الله عليه وسلم للحيوان البهيم فقال:( دخلت امرأة النار في هرة حبستها)، فكيف بإنسان مكرم.وأيضاً فالنظر للمعاقَب متجرداً عن النظر في تبعات ذلك على ذريته وأهله وقراباته ومصالحهم، وتأليف قلوبهم،يُخل في توازن العقوبة، ويغلق كثيراً من أبواب العفو والصفح، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالاعتبار عند إنزال العقوبة على مستحقيها = ذرياتهم التي لم تأت بعد، فجعلها موجبة لعفو وصفح، ففي الصحيح عن عائشة رضي اللّه عنها أنّها قالت: قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا رسول اللّه! هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ فقال: «لقد لقيت من قومك وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبن إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك. وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم» قال: «فناداني ملك الجبال وسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد إنّ اللّه قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربّك إليك لتأمرني بأمرك. فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين». فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج اللّه من أصلابهم من يعبد اللّه وحده لا يشرك به شيئا».فما أسقط العقوبة إلا ذرية في الأصلاب، وفي أصلاب قوم كافرين.

ثانياً: إن العفو والصفح هدي السماء، ودعوة الفطرة قال تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ).وفي البخاري عن جابر بن عبدالله قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجد، فلما أدركته القائلة، وهو في واد كثير العضاه، فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه ، فتفرق الناس في الشجر يستظلون، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا، فإذا أعرابي قاعد بين يديه،
فقال: ( إن هذا أتاني وأنا نائم ، فاخترط سيفي ، فاستيقظت وهو قائم على رأسي ، مخترط صلتا، قال : من يمنعك مني ؟ قلت: الله ، فشامه ثم قعد، فهو هذا ). قال: ولم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثالثاً: إن التوجس والخشية من تكرار خطأ المُخطيء بعد العقوبة أو العفو، ظن ينبغي أن لا يؤخذ به آلاف الناس إن وقع من أفراد، قال جعفر بن محمد رضي الله عنه:(لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً أحبُّ إليَّ من أندَم على العقوبة مرة واحدة).

رابعاً: أدرك أن المجتمع والدولة يُحيط بها تحديات، وما يُفهم من كلام بعض المسؤلين وأهل الرأي أن العفو في مثل هذه التحديات نوعٌ من الذلة والضعف، وهذا رأي في غير محله وما كان العفو يوماً علامة على الضعف قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مانقَصَت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلاَّ عِزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَه).وهذا كله لا ينبغي أن يُخل بإقامة حد وجب، وقصاص استحق الاستيفاء، وعقوبة لا ينتهي
مستحقها إلا بها.
والله الحافظ للبلاد والعباد بحكمه، وسدد الراعي والرعية لرضاه وهداه، وألف بين قلوبهم.

الشيخ:عبدالعزيز الطريفي
 
أعلى