العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تحقيق بحث" الشؤم في ثلاثة"

إنضم
26 فبراير 2010
المشاركات
596
الكنية
أبو الفضل
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
الخليل
المذهب الفقهي
فقه مقارن

[FONT=&quot] بسم الله الرحمن الرحيم.[/FONT]
[FONT=&quot] هذا تحقيق مسألة مهمة رفعها -لأنظر فيها- الأخ محمود الجهالين المقدسي-وفقه الله- فوجدت تحقيقه [/FONT]لها جدير أن يطلع عليه رواد الملتقى، فبارك الله في الشيخ محمود ووفقه.
يقول السائل: هل ورد عن النبي صلى الله عليه أنه قال:"الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار"، وكيف نوفق بين هذا الحديث وأحاديث النهي عن التطير؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وبعد:
فالحديث المشار إليه هو حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهم عنعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( الشؤم في المرأة والدار والفرس )[1]، وقد جاء في رواية البخاري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :( إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار)[2]، وفي رواية عند مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بدلا من المرأة الخادم[3]، وفي رواية عند ابن ماجة وعند عبد الرزاق في المصنف من حديث أم سلمة أنها كانت تعد هذه الثلاثة . وتزيد معهن السيف[4]، فالحديث إذن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإذا تقرر أن الحديث ثابت صحيح فلا بد أن نعرف أن الشرع نهى عن التطير والتشاؤم ، وهما بمعنى واحد، فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل"[5]، وفي رواية عند ابن ماجة:"لا شؤم"[6]، وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الطيرة من الشرك"[7]، فيؤخذ من هذه الأحاديث النهي عن التشاؤم والتطير، ولهما صورتان:
1ـ أن يرده التشاؤم عن المضي فيما عزم عليه، فهذا هو الشرك بعينه، روى أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من ردته الطيرة من حاجة ، فقد أشرك ، قالوا: يا رسول الله ما كفارة ذلك ، قال:أن يقول أحدهم اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك"[8].
2ـ أن يكون في نفسه شي من التشاؤم، وعلاجه أن يدفع بالتوكل على الله ، والمضي فيما عزم عليه، فقد روى مسلم عن معاوية بن الحكم ، قُلْتُ: كُنَّا نَتَطَيَّرُ، فقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:" ذَاكَ شَىْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِى نَفْسِهِ فَلاَ يَصُدَّنَّكُمْ " [9] وعند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الطيرة من الشرك وما منا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل"[10]، فيؤخذ من ذلك أن التشاؤم منهي عنه بجميع صوره.
فإذا تقرر أن الشؤم منفي في الشرع فما معنى حديث الشؤم في ثلاثة..؟
نقول : إن العلماء أجابوا عن هذا الحديث بأجوبة يضيق المقام عن ذكرها[11]، والذي يظهر لي أن ليس في الحديث إثبات للشؤم في الثلاثة المذكورة ، وإنما المعنى أن الشؤم لو كان في شئ لكان في هذه الثلاثة؛ وذلك أن المرأة والفرس أو السيارة حاليا ، والدار هي أكثر الأشياء ملازمة للإنسان، و لكن الشؤم لا يثبت في شئ أصلا ، فلا يثبت في هذه الثلاثة، وغاية ما في حديث الشؤم أمران:
1ـ أن هذه الأشياء المذكورة مما يكثر التشاؤم منه؛ لكونها ملازمة للشخص، فالمرأة هي الزوجة التي تشاركه في حياته، والفرس أو السيارة حاليا هي مركوبه، والدار هي بيته الذي يأوي إليه، والخادم هو المعين في قضاء حوائجه، والسيف هو السلاح الذي يقيه عدوه، فهذه الأشياء مظنة للتشاؤم.
2ـ كان العرب في الجاهلية يتشاءمون من هذه الأشياء، وهذا ثابت في أحاديث صحيحة يأتي ذكرها، وغاية ما في حديث الشؤم حكاية اعتقاد عند أهل الجاهلية أبطله الإسلام.
ودليل هذا الترجيح ما يأتي:
الحديث ورد بصيغتين، فقد ثبت بصيغة الجزم كما في رواية ابن عمر:" الشؤم في المرأة والدار والفرس "، وقد ثبت بصيغة الشرط، فقد جاء في رواية الصحيحين عن ابن عمر وسهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِى شَىْءٍ فَفِى الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ"[12] وجاء في رواية أخرى:" إِنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَىْءٌ حَقٌّ فَفِى الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ"[13]، ولا يمكن القول بأن الشؤم حق، فيكون مفهوم الحديث أن لا شؤم في شيء؛لأن معناه : لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما لكان في هذه الثلاثة ، لكنه ليس ثابتا في شيء أصلا، ويؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم علق ثبوت الشؤم في هذه الثلاثة على ثبوت الشؤم في شئ، أو كون الشؤم حقا في شئ، فيثبت المعلق إذا ثبت المعلق عليه، وقد ثبت أن المعلق عليه وهو عموم التشاؤم منفي، فيثبت أن المعلق وهو التشاؤم من الأشياء المذكورة منفي.
قال الطبري:"وأما قوله صلى الله عليه وسلم « إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس » فإنه لم يثبت بذلك صحة الطيرة ، بل إنما أخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك إن كان في شيء ففي هذه الثلاث ، وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب ، لأن قول القائل : إن كان في هذه الدار أحد فزيد ، غير إثبات منه أن فيها زيدا ، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد ، أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدا"[14].
تحمل صيغة الجزم على صيغة الشرط؛ لأن الأحاديث يكمل بعضها بعضا، وبقرينة أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الشؤم في قوله:"ولا شؤم"، و عليه فما وقع في بعض الروايات بلفظ " الشؤم في ثلاثة " ، أو " إنما الشؤم في ثلاثة " فهو اختصار، و تصرف من بعض الرواة[15].
جاء عند ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " لا شؤم ، وقد يكون اليمن في ثلاثة : في المرأة والفرس والدار" [16]، وروى مسلم عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ »[17].
ووجه الدلالة: نفى النبي صلى الله عليه وسلم التشاؤم، "وشؤم" نكرة في سياق نفي فتعم نفي التشاؤم في كل شئ؛ بما فيها التشاؤم من المرأة والدار والفرس، وقد زاد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إيضاحا بأن اليمن قد يكون مع هذه الأشياء الثلاثة ؛ حتى لا يتوهم أحد أن التشاؤم من المرأة والفرس والدار مخصوص من عموم التشاؤم.
4ـ بين النبي صلى الله عليه وسلم أن التشاؤم والطيرة ضرب من ضروب الشرك، ولا يستقيم أن يكون التشاؤم من يوم أو ساعة ...شرك، في حين أن التشاؤم من المرأة والدار والفرس ليس بشرك، وذلك أن علة تحريم التشاؤم متحققة في المرأة والفرس والدار، وأما القول بأن هذه الخمسة مخصوصة من عموم النهي، فالجواب عليه أن الشرك لا يدخله التخصص.
5ـ الناظر في هذه الأشياء الخمسة: الفرس والدار والمرأة والخادم والسيف يجد أنها تشترك في ملازمتها للشخص، فهي مظنة لتشاؤم المرء بها، ولو كان التشاؤم في شئ لكان فيها.
5ـ تحمل أحاديث الجزم على أن ذلك هو عمل أهل الجاهلية، وهذا ما صرحت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه، روى أحمد عن أبي حسان أن رجلا قال لعائشة :أن أبا هريرة يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الطيرة في المرأة والدار والدابة ، فغضبت غضبا شديدا فطارت شقة منها في السماء ، وشقة في الأرض ، فقالت: إنما كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك"[18]، وقد روى مسلم عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ ، كُنَّا نَأْتِى الْكُهَّانَ. قَالَ « فَلاَ تَأْتُوا الْكُهَّانَ ». قَالَ قُلْتُ كُنَّا نَتَطَيَّرُ. قَالَ « ذَاكَ شَىْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِى نَفْسِهِ فَلاَ يَصُدَّنَّكُمْ »[19]، وقد روي عن عائشة أنه اليهود كانوا يتطيرون بذلك[20].
هذه الأشياء قد تكون سبب للشقاوة أو السعادة، فقد روى ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أربع من السعادة : المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء وأربع من الشقاوة : الجار السوء والمرأة السوء والمسكن الضيق والمركب السوء )[21]،
فيحمل حديث الشؤم على أنها قد تكون سببا لشقاء الإنسان، وليس هي دعوة للتشاؤم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[FONT=&quot] كتبه الشيخ: محمود فريج الجهالين.[/FONT]

[FONT=&quot][1][/FONT] [FONT=&quot] البخاري،الجامع الصحيح،4805. مسلم،الجامع الصحيح،5937.[/FONT]​

[FONT=&quot][2][/FONT] [FONT=&quot] البخاري،الجامع الصحيح،2703.[/FONT]​

[FONT=&quot][3][/FONT] [FONT=&quot] مسلم،الجامع الصحيح،5948.[/FONT]​

[FONT=&quot][4][/FONT] [FONT=&quot] سنن ابن ماجة،ح1995.مصنف عبد الرزاق،19527. وإسناده صحيح: انظر مصباح الزجاجة،ج2ص120.[/FONT]​

[FONT=&quot][5][/FONT] [FONT=&quot] البخاري،الجامع الصحيح،5424 . مسلم،الجامع الصحيح،5933.[/FONT]​

[FONT=&quot][6][/FONT] [FONT=&quot] سنن ابن ماجة،ح1993. وإسناده صحيح:انظر السلسلة الصحيحة،ج3ص67. [/FONT]​

[FONT=&quot][7][/FONT] [FONT=&quot] سنن الترمذي،ح1614. وسنده صحيح: صحيح الترمذي،ح1614. [/FONT]​

[FONT=&quot][8][/FONT] [FONT=&quot] مسند أحمد،ح7045، قال الهيثمي:[/FONT][FONT=&quot]رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن.وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند.[/FONT]

[FONT=&quot][9][/FONT] [FONT=&quot] صحيح مسلم،5949.[/FONT]​

[FONT=&quot][10][/FONT] [FONT=&quot] تقدم تخريجه.[/FONT]​

[FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot] ينظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم،ج2ص253.فتح الباري[/FONT] [FONT=&quot]ج6ص61 ـ 62.[/FONT]​

[FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot] البخاري،الجامع الصحيح. ح4806 ـ 4807. مسلم، الجامع الصحيح،ح5945.[/FONT]​

[FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot] مسلم،الجامع الصحيح،ح5943.[/FONT]​

[FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot] تهذيب الآثار،ج4ص14.[/FONT]​

[FONT=&quot][15][/FONT] [FONT=&quot] السلسلة الصحيحة،ج1ص804.[/FONT]​

[FONT=&quot][16][/FONT] [FONT=&quot] سنن ابن ماجة،2070. وإسناده صحيح: مصباح الزجاجة،ج2ص120. السلسلة الصحيحة،ج3ص67.[/FONT]​

[FONT=&quot][17][/FONT] [FONT=&quot] مسلم،الجامع الصحيح،ح3716.[/FONT]​

[FONT=&quot][18][/FONT] [FONT=&quot] مسند أحمد، 25209. قال الشيخ الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.[/FONT]​

[FONT=&quot][19][/FONT] [FONT=&quot] تقدم تخريجه.[/FONT]​

[FONT=&quot][20][/FONT] [FONT=&quot] رواه أبو داود الطيالسي من حديث مكحول عن عائشة، ولكن مكحول لم يسمع من عائشة فهو حديث منقطع. انظر:فتح الباري،ج6ص61.[/FONT]​

[FONT=&quot][21][/FONT] [FONT=&quot] صحيح ابن حبان،ح4032. وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري.[/FONT]​
 
إنضم
2 يوليو 2010
المشاركات
78
التخصص
فقه مقارن
المدينة
القصيم -البصر
المذهب الفقهي
الدليل
رد: بحث" الشؤم في ثلاثة"

شكر الله لك جهدك, وبارك فيك وأحسن إليك.
جهد ونقل طيب.
 
إنضم
26 فبراير 2010
المشاركات
596
الكنية
أبو الفضل
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
الخليل
المذهب الفقهي
فقه مقارن
أعلى