د. ملفي بن ساير العنزي
:: متخصص ::
- إنضم
- 25 مارس 2011
- المشاركات
- 1,035
- الكنية
- أبو محمد
- التخصص
- فقه
- المدينة
- مكة المكرمة والشمال
- المذهب الفقهي
- أصول المذهب الأحمد
الحمد لله
(المزمّل) سورة فيها تأريخ دعوة ورسالة...
والحرم له طابع خاص....
وشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته بأعمالهم! تحجز كل ذي لبّ. وتخاطب العالمين بعصاتهم, ومن دخل الحرم الآمن ليقال له: قف فلا تحسّس ولا تظلم, ولا تعص؛ أنت في حرمٍ تكتب فيه الإرادات كمّاً وعدداً... كما قاله مجاهد وأحمد رحمهما الله, أو تتضاعف كيفاً وعظماً كما قاله غيرهم... ومن تهاون في مندوب فيه فقد حرم نفسه عددا وعدّة من الحسنات ... لو فعلها لكانت مقابل سيئات تغتفر! ومن ذلك صلاة الجنائز واتّباعها , والتطوعات.
ومن لم يصل الفرض فقد خاب...وحُرِم مائة ألف حسنة, ومن يحصّلها...! ومن يفوز بها...
والأشهر الأربعة الحُرم... أولها رجب...
(يا أيها المزمل...)
(إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)...وقلبه صلى الله عليه وسلم قوي بالله مؤمن به لا يرتاب... فتحمل وصبر وقام وأمّ أصحابه رضي الله عنهم حتى تورّمت قدماه... فلم يُفرض عليهم القيام ... وهو قام!
ومما يدّخر: العمل - وخاصة ما خفي منه – لمن سيذكرك بنفسه سبحانه... ثمّ قوة القلب في كل ذلك؛ ليتحمل القلب القرآن ويحيا به, إذا وقع التدبّر ... فحامل القرآن لا يلهو كما يلهو الناس...ويترك فضول الكلام.
والصحابة ألقي عليهم القول, ومع عظمه... تحملته قلوبهم ؛ لقوة إيمانها ويقينها بموعود ووعيد ربها سبحانه... "فحدث منهم وَجل القلوب ودموع العين واقشعرار الجلود..." مجموع الفتاوى11/9.
ومع تقدّم الزمان وبعده عن نور النبوّة يتأثّر القلب أحياناٍ بالقرآن وكأنّ الآيات تخاطبه...فمن يقرأ في جوف ليلِه {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]. ماذا سيرد عليه من خواطر أو تقلبات! وهلع وحزن.
ومن ذكر الله خالياً... ففاضت عيناه. فهو في ظله سبحانه يوم لا ظل إلا ظله. ومثله من ذكر الله وخافه عند عفّته وعفافه...
"وأما الصعق والغشي ونحو ذلك فحدث في التابعين لقوة الوارد وضعف المورود عليه والصحابة لقوتهم وكمالهم لم يحدث فيهم ، فأقدم من علمت هذا عنه الإمام الرباني من أعيان التابعين الكبار الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا } فصعق وكان قبل الظهر فلم يفق إلى الليل" [م م - الآداب الشرعية لابن مفلح (2/ 305)
ولهذا لما سئل الإمام أحمد- رحمه الله - عن هذا... فقال: قرئ القرآن على يحيى بن سعيد القطان فغشي عليه.ولو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه لدفعه يحيى بن سعيد فما رأيت أعقل منه, ونحو هذا.[مجموع الفتاوى11/8].
فـ "حال المؤمن التقي الذي فيه ضعف عن حمل ما يرِد على قلبه فهذا الذي يصعق صعق موت أو صعق غشي فإن ذلك إنما يكون لقوة الوارد وضعف القلب عن حمله وقد يوجد مثل هذا في من يفرح أو يخاف أو يحزن أو يحب أمورا دنيوية يقتله ذلك أو يمرضه أو يذهب بعقله..." إلخ ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (11/9-10) فليراجع 11/
وقد يحدث أن يسقط القلب والجسد وتفرق الروح بله وتموت ؛ كما وقع للإمام القاضي التابعي زرارة بن أوفى - رحمه الله -[ تهذيب الكمال9/341, غذاء الألباب شرح منظومة الآداب 1/312].
وكما روي أنه وقع لقتيل القرآن عليّ عند قراءة والده الفضيل - رحمهما الله -: فيصلاة الفجر... لقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 27]
وفي شعب الإيمان 2/303:قيل للفضيل بن عياض ما سبب موت ابنك علي قال: " بات يتلو القرآن فأصبح في محرابه ميتا ".
ومن الكفار من أرهبته فصّلت عندما قرأها صلى الله عليه وسلم... {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [13]. فأمسك عتبة بن ربيعة على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم, أن يكف عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم.ثم قال لقومه: كيف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب.اهـ.[دلائل النبوة 2/203, صحيح السيرة 160].
صلى الله وسلم على نبينا محمد.
ثم انتقال الخطاب لكل مكذّب منعم عليه!...
بـ الجحيم كيف تتقونه, وأن وراءكم الراجفة!
(إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهدا عليكم...)
كما قال تعالى :{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]
وكل خير يقدّم ؛ فهو عند الله يربّه وينميه...
وقد امر الله تعالى أمته صلى الله عليه وسلم بالاستغفار...
فاستغفروا الله
-----------
خاتمة:
قال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله:
"وقد سمعت من الشيخ[الشنقيطي] رحمة الله تعالى علينا وعليه قوله: لا يثبت القرآن في الصدر ولا يسهل حفظه وييسر فهمه إلا القيام به من جوف الليل ، وقد كان رحمه الله تعالى لا يترك ورده من الليل صيفاً أو شتاء ، وقد أفاد هذا المعنى قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة }[ البقرة: 45 ] فكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
وهكذا هنا فإن ناشئة الليل كانت عوناً له صلى الله عليه وسلم على ما سيلقى عليه من ثقل القول. ينظر:أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (8/ 478)
سبحان من لا تختلف عليه الأصوات رب الوجود, ولا حرمنا الله كعبة للجود, ومنهلاً منذ همزة جبريل - عليه السلام – يجود.
قال الدليل ألا هاتوا بشارتكم ... فمن نوى كعبة الرحمن قد بلغا
نادوا على العيس بالأشواق وانتحبوا...وحنّ كل فؤاد نحوها وصغا
[نفح الطيب 1/40]
شعور العود بعد فراق... وقد كنت مشتاق.
اللهم كما أريتني بيتك المعظّم فلا تحرمني - ومن أمّن - لذة النظر إلى وجهك الكريم. اللهم ووفقنا لكل خير واكفنا كل شرّ يا حي يا قيوم.
وجزى الله خيرا إمام الحرم...
وكتب أبو محمد.
4/7/1432هـ.
(المزمّل) سورة فيها تأريخ دعوة ورسالة...
والحرم له طابع خاص....
وشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته بأعمالهم! تحجز كل ذي لبّ. وتخاطب العالمين بعصاتهم, ومن دخل الحرم الآمن ليقال له: قف فلا تحسّس ولا تظلم, ولا تعص؛ أنت في حرمٍ تكتب فيه الإرادات كمّاً وعدداً... كما قاله مجاهد وأحمد رحمهما الله, أو تتضاعف كيفاً وعظماً كما قاله غيرهم... ومن تهاون في مندوب فيه فقد حرم نفسه عددا وعدّة من الحسنات ... لو فعلها لكانت مقابل سيئات تغتفر! ومن ذلك صلاة الجنائز واتّباعها , والتطوعات.
ومن لم يصل الفرض فقد خاب...وحُرِم مائة ألف حسنة, ومن يحصّلها...! ومن يفوز بها...
والأشهر الأربعة الحُرم... أولها رجب...
(يا أيها المزمل...)
(إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)...وقلبه صلى الله عليه وسلم قوي بالله مؤمن به لا يرتاب... فتحمل وصبر وقام وأمّ أصحابه رضي الله عنهم حتى تورّمت قدماه... فلم يُفرض عليهم القيام ... وهو قام!
ومما يدّخر: العمل - وخاصة ما خفي منه – لمن سيذكرك بنفسه سبحانه... ثمّ قوة القلب في كل ذلك؛ ليتحمل القلب القرآن ويحيا به, إذا وقع التدبّر ... فحامل القرآن لا يلهو كما يلهو الناس...ويترك فضول الكلام.
والصحابة ألقي عليهم القول, ومع عظمه... تحملته قلوبهم ؛ لقوة إيمانها ويقينها بموعود ووعيد ربها سبحانه... "فحدث منهم وَجل القلوب ودموع العين واقشعرار الجلود..." مجموع الفتاوى11/9.
ومع تقدّم الزمان وبعده عن نور النبوّة يتأثّر القلب أحياناٍ بالقرآن وكأنّ الآيات تخاطبه...فمن يقرأ في جوف ليلِه {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]. ماذا سيرد عليه من خواطر أو تقلبات! وهلع وحزن.
ومن ذكر الله خالياً... ففاضت عيناه. فهو في ظله سبحانه يوم لا ظل إلا ظله. ومثله من ذكر الله وخافه عند عفّته وعفافه...
"وأما الصعق والغشي ونحو ذلك فحدث في التابعين لقوة الوارد وضعف المورود عليه والصحابة لقوتهم وكمالهم لم يحدث فيهم ، فأقدم من علمت هذا عنه الإمام الرباني من أعيان التابعين الكبار الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا } فصعق وكان قبل الظهر فلم يفق إلى الليل" [م م - الآداب الشرعية لابن مفلح (2/ 305)
ولهذا لما سئل الإمام أحمد- رحمه الله - عن هذا... فقال: قرئ القرآن على يحيى بن سعيد القطان فغشي عليه.ولو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه لدفعه يحيى بن سعيد فما رأيت أعقل منه, ونحو هذا.[مجموع الفتاوى11/8].
فـ "حال المؤمن التقي الذي فيه ضعف عن حمل ما يرِد على قلبه فهذا الذي يصعق صعق موت أو صعق غشي فإن ذلك إنما يكون لقوة الوارد وضعف القلب عن حمله وقد يوجد مثل هذا في من يفرح أو يخاف أو يحزن أو يحب أمورا دنيوية يقتله ذلك أو يمرضه أو يذهب بعقله..." إلخ ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (11/9-10) فليراجع 11/
وقد يحدث أن يسقط القلب والجسد وتفرق الروح بله وتموت ؛ كما وقع للإمام القاضي التابعي زرارة بن أوفى - رحمه الله -[ تهذيب الكمال9/341, غذاء الألباب شرح منظومة الآداب 1/312].
وكما روي أنه وقع لقتيل القرآن عليّ عند قراءة والده الفضيل - رحمهما الله -: فيصلاة الفجر... لقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 27]
وفي شعب الإيمان 2/303:قيل للفضيل بن عياض ما سبب موت ابنك علي قال: " بات يتلو القرآن فأصبح في محرابه ميتا ".
ومن الكفار من أرهبته فصّلت عندما قرأها صلى الله عليه وسلم... {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [13]. فأمسك عتبة بن ربيعة على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم, أن يكف عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم.ثم قال لقومه: كيف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب.اهـ.[دلائل النبوة 2/203, صحيح السيرة 160].
صلى الله وسلم على نبينا محمد.
ثم انتقال الخطاب لكل مكذّب منعم عليه!...
بـ الجحيم كيف تتقونه, وأن وراءكم الراجفة!
(إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهدا عليكم...)
كما قال تعالى :{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]
وكل خير يقدّم ؛ فهو عند الله يربّه وينميه...
وقد امر الله تعالى أمته صلى الله عليه وسلم بالاستغفار...
فاستغفروا الله
-----------
خاتمة:
قال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله:
"وقد سمعت من الشيخ[الشنقيطي] رحمة الله تعالى علينا وعليه قوله: لا يثبت القرآن في الصدر ولا يسهل حفظه وييسر فهمه إلا القيام به من جوف الليل ، وقد كان رحمه الله تعالى لا يترك ورده من الليل صيفاً أو شتاء ، وقد أفاد هذا المعنى قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة }[ البقرة: 45 ] فكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
وهكذا هنا فإن ناشئة الليل كانت عوناً له صلى الله عليه وسلم على ما سيلقى عليه من ثقل القول. ينظر:أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (8/ 478)
سبحان من لا تختلف عليه الأصوات رب الوجود, ولا حرمنا الله كعبة للجود, ومنهلاً منذ همزة جبريل - عليه السلام – يجود.
قال الدليل ألا هاتوا بشارتكم ... فمن نوى كعبة الرحمن قد بلغا
نادوا على العيس بالأشواق وانتحبوا...وحنّ كل فؤاد نحوها وصغا
[نفح الطيب 1/40]
شعور العود بعد فراق... وقد كنت مشتاق.
اللهم كما أريتني بيتك المعظّم فلا تحرمني - ومن أمّن - لذة النظر إلى وجهك الكريم. اللهم ووفقنا لكل خير واكفنا كل شرّ يا حي يا قيوم.
وجزى الله خيرا إمام الحرم...
وكتب أبو محمد.
4/7/1432هـ.