العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل من دورة مختصرة عن علم الفلك والأهلة ؟

إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
هل من دورة مختصرة عن علم الفلك والأهلة ؟
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: هل من دورة مختصرة عن علم الفلك والأهلة ؟

حاجة الفقيه والقاضي لعلم الفلك

د. عماد الدين خيتي

يمتاز (علم الأهلَّة) بأنَّه علمٌ ذو شقين: شق علمي فلكي، وآخر شرعي فقهي؛ لذا فإنَّ الفقيه والقاضي محتاجان لعلم الفلك في بحثهم في (علم الأهلة) وإثبات الشهور القمرية؛ ليكون بحثهم مطابقًا للواقع مبنيًا عليه، كما أنَّ الفلكي محتاجٌ لمعرفة العديد من الأمور الشرعية؛ لتكون نتائج عمله صحيحة موافقة للشرع، وفي ما يلي سأتناول ما يتعلق بالشق الأول من المسألة:
فقد ظهرت أثناء مناقشة موضوعات (الأهلة) و(إثبات الشهور القمرية) مقولات مثل:
(إنَّ بداية تحديد بداية ونهاية الصيام حكمٌ شرعيٌ لا دخل للفلكيين فيه)، و(إنَّ الشرع لم يعتبر آراء الفلكيين ولا علمهم في هذه المسألة)؛ لذا: فإنَّه لا يجب على أهل العلم الاستعانة بالفلكيين أو سؤالهم، ولا الأخذ بعلومهم ولا مصطلحاتهم.
وهذه المقولات تحتاج إلى وقفات:
الوقفة الأولى: طبيعة علم (الأهلَّة):
عند النظر في تعريف الموضوع محل النقاش نجد أنَّ (الهلال) هو: أحد مراحل عمر القمر خلال مسيره حول الأرض.
فـــ (الهلال) و(القمر) وحركة القمر حول الأرض ونحو ذلك: أمورٌ فلكية بحتة، والمرجع فيها لعلماء الفلك.
وهي مسألة تختلف عن (إثبات الصيام) أو (إثبات العيد) فهي مسائل شرعية، والمرجع فيها لعلماء الشرع.
الوقفة الثانية: المشهود به:
حين يتقدَّمُ شاهدٌ لتسجيل شهادته على رؤية هلال الشهر، فإنَّ هذه الشهادة تتضمَّن الشهادة على:
1_ مكان رؤية الهلال في السماء شرقًا أو غربًا، شمالاً أو جنوبًا.
2_ تقدير ارتفاعه عن الأرض.
3_ تقدير بعده عن الشمس.
4_ التفريق بينه وبين الكواكب الأخرى.
5_ شكل قوس الهلال الذي يختلف بين أول الشهر وآخره.
6_ ذكر ظروف وجوده في السماء بالنسبة للشمس ومن غرب قبل الآخر.
7_ ذكر مدة بقاء الهلال بعد غروب الشمس.
وغير ذلك من أمور تتعلق بصحة الشهادةِ ودقتها.
والحديث في هذه الأمور وإن كان متاحًا ومعروفًا للعديد من الناس _ومنهم علماء الشرع_ إلا أنَّ الحديثَ عنها بشكلٍ علميٍ منضبطٍ، وبيان الصحيح من الخطأ، أو احتمال اللبس: لا يكون إلا لأصحاب التخصص، وهم أهل الفلك.
الشهادة على الفلك أخطر من الشهادة على بقية الأمور:
من المعلوم أنَّ القاضي يتحرَّى جميع ما يقوله الشاهد في مختلف القضايا: المالية، والجنائية، والأخلاقية، ويناقشه فيها، وكثيرًا ما يستعين بأهل الاختصاص كالأطباء، وخبراء الأدلة الجنائية للتأكد من أقواله، ومناقشته، وكل ذلك حفاظًا على أرواح الناس وأموالهم أن يحدث فيها خطأ، أو تعدٍ.
وهذا ما ينبغي أن يكون الأمر عليه في التعامل مع أمور (الأهلة) و(إثبات الشهور القمرية)، بل إنَّ الشهادة على أمور (الأهلة) أخطر؛ لما يلي:
1_ الشهادة على الدماء والأموال والأعراض: غالبًا ما تكون فردية، والخطأ فيها محصورٌ بعددٍ قليلٍ من الأفراد. أما الخطأ في موضوع (الأهلة) فهو أمرٌ عام شاملٌ لجميع الناس.
2_ الخطأ في أمور الدماء والأموال والأعراض: ليس من الأمور العظيمة على مستوى الأمة، ولا يترتب على الخطأ فيها الخطأ في العبادات.
أما موضوع (الأهلة) فو مرتبطٌ بعباداتٍ وشعائر عظيمة من شعائر الإسلام، والخطأ فيها خطأ في هذه الشعائر.
3_ الخطا في أمور الشهادة الأخرى: خطأ في حقوق بعض العباد.
أما الخطأ في أمور (الأهلة) فهو خطأ في أمور تتعلق بصحة عددٍ من أركان الإسلام.
ولا يصحُّ لأحدٍّ أن يُهوِّن الأمر بالاستشهاد بقول الرسول : (صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ) ويقول: الأمر واسع: فإن أخطأ الناس فإنَّهم غير مؤاخذين، وصيامهم وإفطارهم صحيح.
فالحديث يتكلم عن الخطأ إذا وقع بعد اجتهادٍ وبحثٍ وبذلٍ للأسباب، أما إن وقع الخطأ دون بحثٍ أو بذلٍ للأسباب: فإنَّ الشخص يأثم، وقد تبطل عبادته، كمن صلى لغير القبلة دون أن يتحرى، أو تيمم دون أن يبذل الأسباب لطلب الماء.
الوقفة الثالثة: استعانة أهل العلم بخبراء العلوم الأخرى:
ومما يؤكِّد ضرورة استعانة الفقهاء والقضاة بعلماء الفلك: أنَّ هذا هو المتَّبع من هيئات الإفتاء واللجان الشرعية في مختلف مجالات الحياة، كالاستعانة بخبراء الطب، والاقتصاد عند بحث الموضوعات الشرعية ذات الارتباطات الطبية أو الاقتصادية.
ويقتضي القياس الاستعانة بعلماء الفلك في موضوعات (الأهلة) سواء في تحرير الألفاظ والمصطلحات العلمية ذات الصلة بالموضوع، أو في التأكد من شهادة الشهود.
لكن الواقع يشهد بغير ذلك لأسباب عديدة سبقت الإشارة إليها في مقالات سابقة، ومن أهمها:
1_ عدم معرفة أهمية هذا العلم وتصور مدى حاجة المسلمين إليه، وفائدته لهم.
2_ النظر للفلك والفلكين بنظرة جائرة بناء على تراكمات ثقافية مختلفة الأسباب.
3_ عدم الثقة في أقوالهم وعلمهم.
4_ الظن بأنه لا ارتباط بين الفلك وإثبات دخول الشهور القمرية.
الوقفة الرابعة: تطبيق على بعض الألفاظ والمصطلحات العلمية في (علم الأهلة):
يتعلق بعلم (الأهلَّة والفلك) عدد من المصطلحات الفلكية التي ينبغي لكل من يبحث في موضوع الأهلة أن يعرفها، وهي مصطلحات فلكية بحتة لاطريقة لتحريرها إلا عن طريق علماء الفلك، ومن هذه المصطلحات:
الفرق بين (مرحلة المحاق)، و(ولادة القمر)، و(الإهلال).
وبين (وجود القمر)، و(رؤية الهلال).
وبين (استحالة رؤية الهلال)، و(صعوبة رؤية الهلال)، و(إمكانية رؤية الهلال).
وبين (حساب الرؤية)، و(حساب حركة الكواكب).
وبين (المقطوع به من علم الفلك)، و(غير المقطوع)، وغيرها كثير.
فلكلِّ مُصطلحٍ منها معنىً محدَّد، وقد يختلف الحكم في المسألة بناء على الاختلاف في المصطلح.
وللتوضيح بمثال: يستشهد العديد من الباحثين على عدم صحة تشكيك علماء الفلك بشهادة الشهود في بعض السنوات بقول ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: (فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ بِالْهَيْئَةِ يَعْرِفُونَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَنْضَبِطُ بِأَمْرٍ حِسَابِيٍّ وَإِنَّمَا غَايَةُ الْحِسَابِ مِنْهُمْ إذَا عَدَلَ أَنْ يَعْرِفَ كَمْ بَيْنَ الْهِلَالِ وَالشَّمْسِ مِنْ دَرَجَةٍ وَقْتَ الْغُرُوبِ مَثَلًا؛ لَكِنَّ الرُّؤْيَةَ لَيْسَتْ مَضْبُوطَةً بِدَرَجَاتٍ مَحْدُودَةٍ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حِدَّةِ النَّظَرِ وكلاله وَارْتِفَاعِ الْمَكَانِ الَّذِي يَتَرَاءَى فِيهِ الْهِلَالُ وَانْخِفَاضِهِ وَبِاخْتِلَافِ صَفَاءِ الْجَوِّ وَكَدَرِهِ، وَقَدْ يَرَاهُ بَعْضُ النَّاسِ لِثَمَانِ دَرَجَاتٍ وَآخَرُ لَا يَرَاهُ لِثِنْتَيْ عَشْرَ دَرَجَةً؛ وَلِهَذَا تَنَازَعَ أَهْلُ الْحِسَابِ فِي قَوْسِ الرُّؤْيَةِ تَنَازُعًا مُضْطَرِبًا وَأَئِمَّتُهُمْ _كَبَطْلَيْمُوسَ_ لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ بِحَرْفِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ حِسَابِيٌّ ....) (25/207)، إلى آخر كلامه.
وبقوله: (أَمَّا كَوْنُهُ يُرَى أَوْ لَا يُرَى فَهَذَا أَمْرٌ حِسِّيٌّ طَبِيعِيٌّ لَيْسَ هُوَ أَمْرًا حِسَابِيًّا رِيَاضِيًّا . وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنْ يَقُولَ : اسْتَقْرَأْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى كَذَا وَكَذَا دَرَجَةً يُرَى قَطْعًا أَوْ لَا يُرَى قَطْعًا . فَهَذَا جَهْلٌ وَغَلَطٌ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجْرِي عَلَى قَانُونٍ وَاحِدٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ....) (25/186)، إلى آخر كلامه.
لكن في الحقيقة هذا ليس دليلاً على ذلك؛ لأنَّ الكلام هنا ليس عن (الحساب الفلكي) وإنما عن مسألةٍ أخرى وهي (حساب الرؤية).
أما كلام ابن تيمية عن (دقة حساب حركة الكواكب) و(المقطوع به من علم الفلك) فهو بعد هذا الحديث بقليل، حيث يقول: (بَلْ إذَا كَانَ بُعْدُهُ مَثَلًا عِشْرِينَ دَرَجَةً فَهَذَا يُرَى مَا لَمْ يَحُلْ حَائِلٌ وَإِذَا كَانَ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَذَا لَا يُرَى وَأَمَّا مَا حَوْلَ الْعَشْرَةِ فَالْأَمْرُ فِيهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الرُّؤْيَةِ) (25/186).
فقد يظنُّ غير العارف بعلم الفلك وبكلام ابن تيمية أنَّ في كلامه تناقضًا: ففي الجزء الأول منه ينفي حساب الرؤية، وفي الجزء الأخير يقطع بعدم الرؤية إذا كان الهلال على ارتفاع درجة واحدة! بينما الحديث هنا عن مُصطلحين مختلفين تماماً.
ولعل هذا سبب صمت المشككين في كلام علماء الفلك عن كلام ابن تيمية هذا، مع أهميته الشديدة؛ فلعلهم لم يعرفوا الفرق بين الكلامين، بسبب عدم التمييز بين المصطلحات!
ومما يثير العجب: أنَّ ما قرَّره ابن تيمية من مئات السنين فيما يتعلق بعلم الفلك لم يخالفه فيه الفلكيون المعاصرون، مع ما شهده علم الفلك من تقدّم وتطورٍ، بل إنَّ مؤتمرات الفلكيين في العالم الإسلامي قد أقرَّت ما ذكره ابن تيمية، وضمَّنته في قراراتها، ولا يكاد يختلف معه أحدٌ منهم في كلامه في ذلك.
وجميع ما سبق يرجع إلى موضوع (التصور الفقهي) للمسائل الذي هو عمدة البحث الفقهي بشكلٍ عام، والبحث في مسائل النوازل الفقهية بشكل خاص.
فعلى من أراد الحديث أو البحث في (علم الأهلة) وما يترتب عليها من إثبات الشهور القمرية ونحوها: أن يكون عالمًا بالفلك مدركًا لتفاصيله ومصطلحاته، أو أن يرجع فيما يحتاجه للعلماء الفلك، حتى يكون حكمه مبنيًا على تصور صحيحٍ للمسألة، ولا يكون كمن تكلم في غير فنه، فيأتي بالعجائب والمستحيلات.

http://www.aleqt.com/2011/12/11/article_606052
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: هل من دورة مختصرة عن علم الفلك والأهلة ؟

حاجة الفلكي للعلم الشرعي

د. عماد الدين خيتي

يجب على العالم الفلكي أن يراعي الأمور الشرعية من ناحيتين: من حيث كونه شخصًا مسلمًا كبقية المسلمين، ومن حيث اشتغاله بعلم الفلك، وذلك من خلال النقاط التالية:
المسألة الأولى: وسيلة دراسة علم الفلك وغايته:
فالفلكي المسلم ينبغي أن يضبط اشتغاله في علم الفلك بالضوابط الشرعية العامة التي ينضبط بها المسلم في حياته العلمية والعملية، كوسائل البحث، وكيفية التعامل مع منتجات هذا العلم، وتسخيره فيما ينفع الناس ويوافق الشرع؛ لأنه ينطلق في نظرته للحياة: من العبودية والخضوع لجميع ما في هذا الكون لله تعالى.
فالغاية من علم الفلك _مثلاً_قد تكون غاية عملية فيما يتعلق بالصناعات الحديثة، أو تسهيل أمور الحياة، أو غاية علمية كالاكتشافات المتعلقة بخلق الكون ونشأة الكواكب وتركيبها، وغير ذلك كثير.
فكلا الغايتين يجب أن تكونا مضبوطتين بالشرع، فلا يُسخر الفلكي علمه أو معرفته في أمور ممنوعة شرعًا، أو يتوصل بعلمه إلى أمور تناقض الشرع، كبعض النظريات التي تُصادم الشرع في أصل الكون وخلقه وتسييره، وهي أمور لا تجد صدى عند علماء المسلمين الفلكيين على كل حال.
بل إن علماء الفلك المسلمين كانوا السباقين لتخليص الفلك مما اختلط به من خرافات الأقوام السابقين، مثل علاقة الكواكب بالتأثير على حياة الناس موتًا أو حياةً أو غير ذلك، أو التفسيرات الخرافية للحوادث الفلكية، والتنجيم، وغيرها.
وقد أمر الله تعالى بالتفكر في مخلوقاته والاستدلال بها على وحدانيته وقدرته وربوبيته للكون في الكثير من آيات القرآن الكريم؛ لذا فإنَّ العالم الفلكي المسلم من أولى الناس في الدخول في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].
المسألة الثانية: إثبات دخول شهر رمضان أو خروجه، وتحديد وقت الصيام أو العيد:
فعلى الرغم من أنَّ أساس هذه المسائل فلكي وهو ما يتعلق بحركة الشمس والقمر، إلا أن ما يترتب عليها من مسائل الصيام أو الإفطار أو الحج هي مسائل شرعية بحتة لا يكون الحديث فيها إلا للمختصين بالفتوى.
فيكون عمل علماء الفلك في هذه المسائل: توضيح أمور بدايات الشهور القمرية وما يتعلق بها _كالشهادة على رؤية الهلال_ من ناحية فلكية، والحرص على تسلسل السير في مناقشة أمورها بطريقة علمية صحيحة، فإذا كان لهم ملحوظات على شهادة الشهود، أو صحة الترائي، أو غيرها: فلا بد أن يكون اعتراضهم مقتصرًا عليها، دون الحديث عن صحة الصيام، أو الإفطار، أو القضاء، ونحوها.
المسألة الثالثة: صحة التقويم:
سبق بيان أنَّ الغاية من علم الأهلة: اصطناعُ تقويم شرعي للمسلمين، فإذا كان التقويم يقوم على حساباتٍ فلكيةٍ دقيقة كما يقال، فما حاجة الفلكيين للعلم الشرعي؟ ولماذا يحصل الخلاف بين الفلكيين أنفسهم مع أنَّ حساباتهم واحدة ودقيقة؟
الحقيقة التي ينبغي التأكيد عليها أولاً: أنَّ الحسابات الفلكية من اقتران الشمس بالقمر، وحدوث الإهلال، ومواعيد شروق الكواكب وغروبها، وغيرها: في غاية الدقة، وهي محل إجماعٍ بين جميع علماء الفلك في جميع البلدان، ولا تختلف أبدًا، وهذه الدقة والانضباط تعود إلى بديع خلق الله تعالى وسننه في الكون، لا إلى اختراع الفلكيين أو ادعاءاتهم.
فالسؤال: إذًا لماذا يحدث الخلاف بين الفلكيين أنفسهم في تعيين بدايات الشهور القمرية في بعض السنوات، فضلاً عن اختلافهم مع علماء الشرع في ذلك؟
والإجابة: إن ذلك يعود إلى (منهجية) استخدام هذه المعلومات والحسابات، وسيتضح ذلك في الفقرات التالية:
1_ إثبات دخول الشهر وعلاقته ببداية اليوم الشرعي:
يبدأ اليوم الشرعي بغروب الشمس، فإذا غربت الشمس فقد ابتدأ يوم جديد، فالليل يسبق النهار؛ لذا فإن العديد من الأحكام الشرعية تبدأ أو تنتهي بغروب الشمس: كالبدء بصلاة التراويح من الليلة التي تسبق الصيام، والتوقف عن أدائها في الليلة التي تسبق يوم الفطر، ووجوب صدقة الفطر بغياب شمس آخر يوم من رمضان، والتوقف عن التكبير المُقيَّد بعد الصلوات المفروضة أيام التشريق عند غروب شمس اليوم الثالث لانتهاء أيام التشريق بغروب الشمس، وغير ذلك.
ويُعرف هذا التقويم باسم التقويم الغروبي.
أما التقويم الزوالي فهو التقويم الذي يقوم على أساس أنَّ اليوم يبدأ من بلوغ الشمس منتصف النهار وقت الزَّوال، إلى زوال الشمس من اليوم التالي، فالنَّهار فيه يسبق الليل، وهو التَّوقيت الذي أخذت به التقاويم الغربية الحديثة.
كما أنَّ هناك تقويمًا آخر وهو أقل انتشارًا مما سبق، ويقوم على أساس أنَّ اليوم يبدأ بطلوع الشمس إلى طلوع الشمس من اليوم التالي، فالنهار يسبق الليل.
تطبيق أنواع التقاويم على مسألة إثبات الشهور القمرية:
إذا حدث اقتران الشمس بالقمر قبل غروب الشمس، ثم هلَّ الهلال: فيمكن ترائي الهلال وإثبات دخول الشهر بدايةً من اليوم التالي مباشرة، بناءً على التقويم الغروبي الشرعي.
أما إذا حصل الاقتران والإهلال بعد غروب الشمس: فلا يُعدُّ النهار التالي بداية الصوم بناءً على التقويم الغروبي؛ لأن الليل جزء من اليوم، فكأن الاقتران وتولد الهلال حصل بعد بداية اليوم، لكنه يعتبر أول يوم من الشهر بناءً على التقويم الزوالي، وهذا مخالف للشرع.
وكذلك إن وقع الاقتران ثم الإهلال قبل الفجر: فسيعتبر أن الشهر يبدأ بطلوع الفجر عند من يأخذ بهذا النوع من التقويم، بينما لا يعتبر ذلك بدايةً شرعية لبداية الشهر في التقويمين الغروبي أو الزوالي.
2_ إثبات دخول الشهر وعلاقته بالتوقيت الشرعي:
كما أنَّ هناك من نادى بتطبيق شروط بداية الشهر إذا حدث الاقتران والإهلال قبل منتصف الليل عند الساعة (12)، وهذه الضوابط غير صحيحة شرعًا:
أ_ لأنَّ اليوم الشرعي يبدأ من غروب الشمس كما سبق.
ب_ كما أنَّ منتصف الليل شرعًا يكون في منتصف الوقت بين أذاني المغرب والفجر، وهو لا يتقيَّد بالساعة (12) بل يتغير عنها تبعًا لاختلاف طول الليل والنهار خلال فصول السنة.
3_ إثبات دخول بداية الشهر وعلاقته بالمكان:
يبدأ اليوم من شرقي الأرض، ويتدرج باتجاه الغرب، لكن ذهبت بعض التقاويم إلى ربط التقويم بنقطة التقويم العالمي (غرينتش)، سواء من ناحية المكان، أو من ناحية الوقت، وفي هذا مخالفة شرعية:
أ_ فنقطة غرينتش لا تعلُّق لها بالعبادات مكاناً أو زمانًا، وإنما هي نقطة توقيت عالمية لمقارنة الأوقات قبلها أو بعدها.
ب_ كما أنها تقع في منتصف الأرض تقريبًا، بعد أن يكون اليوم قد دخل على جزء كبيرٍ من الأرض، فيكون الشهر قد دخل فعليًا في مناطق شرق الأرض.
ج_ بالإضافة إلى أنَّ تقويم غرينتش يقوم على أساس التقويم الزوالي، بينما التقويم الشرعي يقوم على أساس التقويم الغروبي.
وللتوضيح بمثال: فإنَّ تقويم أم القرى قد مرَّ في وضعه بمراحل اعتمد فيها ضوابط متعددة لحساب بداية الشهور القمرية، ومن هذه المراحل: اعتماد شرط أن يحدث الإهلال قبل مُنتصف الليل في غرينتش وذلك في الفترة الممتدة من عام 1993هـ إلى 1419هـ.
فبالإضافة إلى عدم شرعية هذه الشروط فإنها كانت غير صحيحة علميًا، فقد كانت نسبة الخطأ في بداية الشهور القمرية كالتالي: (65 %) لشهر رمضان، و( 65 %) لشهر شوال، و(10 %) لشهر ذي الحجة، مما استدعى إدخال العديد من التعديلات حسب ما توصل إليه علماء الفلك بالاتفاق مع علماء الشرع من شروط وضوابط شرعية لبداية الشهور القمرية، والتي من أهمها:
1_ أن يحدث الاقتران بين الشمس والقمر قبل غروب الشمس.
2_ أن يحدث الإهلال بعد الاقتران قبل غروب الشمس.
3_ أن تغرب الشمس قبل الهلال.
وهي الضوابط التي تعمل بها معظم التقاويم الهجرية في العالم.
فيظهر مما سبق: أنَّ اختلاف بعض الدول في بدايات بعض الشهور القمرية يرجع في بعض الأحيان إلى أخذها بمناهج مختلفة في عمل التقاويم، مما يؤدي إلى اختلاف النتائج المترتبة عليها.
وأنَّ الحديث عن (الأهلة) أمرٌ مُشتركٌ بين الفقهاء والفلكيين، ولا يصحُّ لطرفٍ أن يستقلَّ به دون طرفٍ آخر، فكلُّ طرفٍ عنده من العلم والاختصاص ما ليس عند الآخر، ولا تنضبط أمور التقويم والعبادات إلا بالاتفاق فيما بينهم، كما هو الحال في اللجان الاقتصادية والجنائية والطبية التي تنعقد لبحث المسائل الشرعية المتعلقة بها.


http://www2.aleqt.com/2011/12/18/article_608147
 
أعلى