العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

من مظاهر الأزمة في العمل الإسلامي

إنضم
3 ديسمبر 2010
المشاركات
231
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
لا مذهبي
من مظاهر الأزمة في العمل الإسلامي

رضوان محمود نموس
لا يخفى على المهتمين بالعمل الإسلامي أن هناك أزمة تكتنف هذا العمل وتأخذ بخناقه وتطوقه من كل صوب, وأزمته ليست فقط في ضيق قاعدته وقلة عدد العاملين له, بل ربما تكون كثرة اختلاف الذين يقومون بالعمل الإسلامي وتنوعهم, وتفرقهم وعدم الصفاء العقائدي والنقاء الفكري لديهم, واختراق بعضهم طولاً وعرضاً وعمقاً إحدى أهم أسباب الأزمة.
فبينما تدعو الحاجة إلى فهم الدين فهماً شاملاً لجميع نواحي الحياة وأن الإسلام دين ودولة, دنيا وآخرة, منهج عقائدي, ونظام سياسي واجتماعي واقتصادي وتعليمي وعسكري, يستغرق كل الحياة منذ بدايتها إلى قيام الساعة, إلى دار الخلد. نرى بعضهم ينادي بفصل الديني عن السياسي حسب القسمة النصرانية الكافرة, (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)
أو حسب المقولة (لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين) أي دع السياسة وإدارة البلاد والعباد والاقتصاد والقوانين, والحرب والسلام, لمجموعة من وكلاء الغرب أو الشرق؛ دينهم العلمانية, ومذهبهم السياسي الانتهازية؛ وليكتف أهل الدين بأن يكونوا أئمة للمساجد يلقون على الناس التعليمات الواردة إليهم من وزارة الأوقاف أو وزارة الداخلية؛ فهذه بدعة نصرانية ما أنزل الله بها من سلطان, بل كانت البدعة النصرانية أخف وطأً إذ فصلت القضية إلى قسمين, أما قسمة من يسير بركب أهل الردة (العلمانيون) فالسياسة لهم والدين يعمل بتوجيه السياسة.
وما حصل هذا إلا عندما تخلى العلماء عن مهمتهم الريادية وأصبحوا تبعاً للطواغيت فأضاعوا دينهم ودنياهم, وضللوا جماهير الأمة عندما زوروا توقيع الله تعالى؛ فالفتوى وكما هو معلوم هي حكم الدين وهي توقيع عن رب العالمين، فعندما تصاغ الفتاوى حسب رغبة الطاغوت؛ ويقال هذا حكم الشرع فهو تزوير وخيانة لله ورسوله وجماعة المسلمين. وكأن لم يعلم هؤلاء أن من يتبع وينفذ أوامر الطواغيت هو جزء من النظام الطاغوتي، ومن يقاتل تحت راية الطاغوت أو يدافع عنها بالكلام أو السنان أو التحسين أو التبرير هو جزء منها.
فإن لم تعد السياسة إلى الدين وتتقيد بتوجيهاته، و يتسلم أهل الدين دفة التوجيه، فستبقى الأمة في خلل فظيع إذ لا حق للمرتدين بالقيادة؛ بل لا حق لهم بالحياة.
وكما أن الحاجة تدعو إلى توضيح المهمة الرئيسة للرسالة:
فأصل رسالة الأنبياء الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة: 256
وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) النحل: 36
والذي يبدو واضحاً أن كثيراً من الدعوات تريد صرف الأنظار عن الطواغيت والمرتدين والكفار وأهل الضلال وتمييع الولاء والبراء والمزج بين الحق والباطل والالتقاء مع الماسونية على ما يسمونه المشترك الإنساني... الخ. وتتناسى هذه الدعوات أن أصل الدين هو إخلاص العبودية لله، ولا يكون ذلك إلا بالكفر بالطاغوت, فقد بدأت كلمة التوحيد بالنفي (لا إله) وتعني الكفر بالطاغوت, ثم (إلا الله) وتعني الإيمان بالله.
ومن هذا الدين الذي أصله إخلاص العبودية والكفر بالطاغوت؛ الأخلاق الحميدة والرأفة بالمسلمين والتسامح مع المؤمنين ولين الجانب لهم, والغلظة على الكافرين ومجاهدتهم, والالتقاء على أساس العقيدة وليس على الأهواء وليس من الدين منع إنكار المنكر على الكافرين والمبتدعة ابتغاء مرضاتهم قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المائدة: 78 - 79 قال تعالى: (بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) النساء: 138 - 139 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا رأيت أمتي تهاب فلا تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم » -المستدرك على الصحيحين للحاكم - (16 / 358) حديث رقم 7136 –وقال: « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » وعلق عليه الذهبي بالتلخيص وقال: صحيح.

إننا بحاجة ماسة إلى الحكمة، والحكمة هي وضع الأمور في نصابها، فإطلاق الحرية للمرتدين ليست تسامحاً ولكنه كفر, وإكرام الكفار ومشاركتهم سياساتهم وبدعهم وشركياتهم هو انحراف خطير, والدعوة إلى عدم إنكار المنكر هو هزيمة ما بعدها هزيمة، فعلينا أن نضع كل شيء في مكانه، ولا نخلط الأمور خلطاً تضيع به ومعه أصول الدين ومعالمه.
وبينما الحاجة تدعو إلى وجود القاعدة الصلبة التي تفهم الدين فهماً شاملاً, وتعمل على تحقيق هذا الفهم فالواقع يشير إلى أن غالب الجماعات الإسلامية لم ترتق بعد إلى البدايات في هذا الطريق.
ويندر أن نجد قاعدة صلبة تفهم الدين الفهم الشامل الكامل عقيدة وحياة, ونظاماً ومعاملات, ودعوة وجهاداً, واتباعاً للكتاب والسنة وعدم ترك شيء منهما, نعم هناك أفراد وربما يكونون كثراً يفهمون الدين فهماً شاملاً ولكن لم يشكلوا القاعدة المطلوبة حتى الآن؛ القاعدة المستعصية على القوة، المستعصية على المؤامرة, المتبعة غير المبتدعة, المؤتلفة غير المختلفة, المجتمعة غير المتفرقة, التي لا تهدم أصلاً لتبني فرعاً, الخالصة الولاء لله لا تشوبه شائبة, ثم إن وجد من يفهم الفهم الشامل للدين؛ فلا نجد من يعمل جاداً لتطبيق هذا الفهم, وتحويله من نظرية إلى واقع, ومن مخطط إلى بناء قائم, ويخرج من دائرة التنظير وتأليف الكتب وكتابة المقالات ليحول هذا إلى واقع عملي يواجه الشرك, ويقود الأمة نحو الهدف المنشود.
كما أن هناك محاولات حثيثة ومستميتة من بعضهم لخلط الفكر الإسلامي بالأفكار الباطلة كالقومية والوطنية والاشتراكية والديمقراطية والجمهورية بل والشيعية، هذا الخلط الذي يشوه صورة الإسلام الناصعة, ربما يلجأ إليه بعضهم نتيجة لهزيمة نفسية, أو للإحباط والعجز عن المواصلة ومحاولة مسايرة القوى الكافرة, والاستجابة لضغوطها والظهور أمامها بمظهر الانفتاح والتحرر والتقدمية حتى وصل الأمر ببعضهم إلى أنه اكتفى أن ينظر إلى الإسلام كتراث يعتز به, بل لقد قال قائلهم إنه يتمسك بما يتمسك به النصيريون المرتدون من ثوابت وطنية وإسلامية!!!!
[ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا(89)تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) ] مريم
إن الحاجة لتدعو إلى التميز الكامل وعرض الإسلام وتطبيقه بنقائه وصفائه ووضوحه وشموله، فإنَّ أي مزج أو خلط بين الأفكار الأرضية والدين السماوي الخاتم، هو جعل أهل الأرض نداً لله تعالى. تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا. وهو خلط بين غاية الطيب ومنتهى النقاء والكمال مع النهاية في الخبث والدنس, وأي خلط من هذا هو لصالح الخبيث النجس وعلى حساب الدين النقي الطاهر وقيمه وسموه:
ولا تسلم الجربا بقرب سليمة ولكنما هذي السليمة تجرب
فالصراع الفكري يتطلب تعزيز الفكر الإسلامي والعمل على استقلاله وتفرده، فأي خلط سيؤدي إلى التضليل وتشويه صورة الإسلام من جهة, وشهادة حسن سلوك من المسلمين لتلك الحركات والأفكار الهدامة المرتدة من جهة أخرى.
وهناك طروحات انهزامية يحاول البعض أن يلبسها زوراً ما يسمى ثياب الاعتدال والوسطية والتعقل, وربما من هنا برزت ظاهرة ما يسمونه أصحابه (بالإسلام المعتدل). أو (الوسطية والاعتدال).
والحق أن الإسلام هو الإسلام. وتقسيم الإسلام إلى إسلام معتدل وإسلام أصولي وإسلام بدوي وإسلام حضري ووو...الخ هو من قبيل الإساءة لهذا الدين الحنيف الكامل، وإذا أمعنا النظر بهذه الدعوة وما وراءها ومن وراءها لوجدناها دعوة تحمل اتجاهين خطيرين مرفوضين:
الاتجاه الأول: الغمز واللمز من الشباب المجاهد المكابد المصابر والحركات التي ترفض التدجين وتريده إسلاماً كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا كما تريده مراكز الدراسات (الإنجلوصهيوأمريكية)، والمتمسلمون المستغربون (حصان طروادة والطابور الخامس). ووصف هؤلاء الشباب بالتشدد والتطرف والإرهاب، وهذا بحد ذاته سَيرٌ بركب الطواغيت وترديد لمقولاتهم في الهجوم على الإسلام, والذين يرددون هذا الكلام مثلهم كمثل الثور الأسود الذي وافق الأسد على أكل الثور الأبيض, ونرجو لهم أن يصحوا قبل خراب البصرة وأن يصل إليهم الدواء قبل موت سهراب.
والاتجاه الثاني: دعوة لقبول هيمنة الفكر الغربي اللاديني العلماني وماشابه من ضلالات شيعية أو غيرها، وتطويع الإسلام لينسجم مع النظم الجاهلية، وليس لدعوة هذه الجاهليات وعلى رأسها اللادينية العلمانية والشيعة للتخلي عن جاهليتهم وضلالاتهم والالتحاق بركب الإسلام، وهي دعوة ظاهرها اعتدال وباطنها تخريب، والواقع يشهد عليها بذلك, فأبرز رموز هذه الدعوة يدعون لإلغاء الجهاد واستبدال المقاومة السلمية به، عبر القنوات الفضائية والإذاعات, لعرض الإسلام إعلامياً فقط, ولإباحة الربا والتخلي عن حجاب المرأة، وبيع المحرمات كالخمر والخنزير، بل أكل بعض الخنزير إذا كان بنسبة مئوية ضئيلة, بل والتحالف مع الطواغيت والأحزاب اللادينية والالتقاء على المشترك الإنساني والسير بركب الطواغيت والخضوع لمناهجهم وبرامجهم واحترام قوانينهم، وهل بعد هذا الضلال من ضلال.!؟ وأي إسلام يبقى بعد هذا؟!!
 
أعلى