العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التفويض والتخيير والتوكيل في الطلاق على مذهب السادة المالكية

إنضم
23 أبريل 2010
المشاركات
572
التخصص
علوم قانونية
المدينة
بشار
المذهب الفقهي
مالكي
5xU74186.gif
مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

محمد بن محمد بن عبد الرحمن (الحطاب)

كتاب الطلاق
فصل التفويض في الطلاق
.....................

ص ( فَصْلٌ إنْ فَوَّضَهُ لَهَا تَوْكِيلًا ، فَلَهُ الْعَزْلُ إلَّا لِتَعْلِيقِ حَقٍّ لَا تَخْيِيرًا أَوْ تَمْلِيكًا )
ش : لَمَّا كَانَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ : إمَّا بِمُبَاشَرَةِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَفْوِيضِهِ لِغَيْرِهِ فِي إيقَاعِهِ وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الثَّانِي أَعْنِي التَّفْوِيضَ ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تَوْكِيلٌ وَتَمْلِيكٌ وَتَخْيِيرٌ ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ رَدُّ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ يُقَالُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهِ إذَا رَدَّهُ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النِّيَابَةِ عَمَّنْ وَكَّلَهُ ، وَالْمُمَلِّكُ وَالْمُخَيِّرُ إنَّمَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَلَكَا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ ، وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ ، فَقِيلَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ لَا مُشَارَكَةَ لِلُّغَةِ فِيهِ فَقَوْلُهُمْ فِي الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَ الْمُمَلَّكَةَ دُونَ الْمُخَيَّرَةِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعُرْفِ ، وَعَلَى هَذَا يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِانْعِكَاسِ الْعُرْفِ ، وَقِيلَ هُوَ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِلْعُرْفِ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إعْطَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ بِيَدِهِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ أَعْطَاهُ ، وَأَمَّا التَّخْيِيرُ ، فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ خَيَّرَ فُلَانًا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ، فَيَكُونُ تَخْيِيرُ الزَّوْجَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ فَوَّضَ إلَيْهَا الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ ، وَالذَّهَابِ عَنْهَا ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى لَهَا إذَا حَصَلَتْ عَلَى حَالٍ لَا يَبْقَى لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا حُكْمٌ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ وَابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ النِّيَابَةُ فِيهِ تَوْكِيلٌ أَوْ رِسَالَةٌ ، وَتَمْلِيكٌ ، وَتَخْيِيرُ التَّوْكِيلِ جَعْلُ إنْشَائِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ بَاقِيًا مُنِعَ الزَّوْجُ مِنْهُ ، فَلَهُ الْعَزْلُ قَبْلَهُ اتِّفَاقًا ، وَرَسْمُ الْوَكَالَةِ فِي كِتَابِهَا .
فَإِنْ كَانَ لِاثْنَيْنِ تُوقِفَ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا وَالرِّسَالَةُ جَعْلُ الزَّوْجِ إعْلَامَ الزَّوْجَةِ بِثُبُوتِهِ لِغَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ لِاثْنَيْنِ كَفَى أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَالَ : وَالتَّمْلِيكُ جَعْلُ إنْشَائِهِ حَقًّا لِغَيْرِهِ رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يَحْضُرُ بِمَا دُونَهَا بِنِيَّةِ أَحَدِهِمَا ، وَالتَّخْيِيرُ جَعْلُ الزَّوْجِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا حُكْمًا أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا حَقًّا لِغَيْرِهِ انْتَهَى ، وَفِي جَعْلِهِ الرِّسَالَةَ دَاخِلَةً فِي النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا النِّيَابَةُ فِي التَّبْلِيغِ لَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ النِّيَابَةَ فِيهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ النِّيَابَةِ فِي إيقَاعِهِ أَوْ تَبْلِيغِهِ ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِّ التَّخْيِيرِ أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الثَّلَاثِ ، وَقَالَ فِي التَّمْلِيكِ : الصِّيغَةُ كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهَا دُونَ تَخْيِيرٍ كَقَوْلِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ ، وَطَلِّقِي نَفْسَكِ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت ، وَطَلَاقُكِ بِيَدِكِ ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ ، وَغَيْرِهَا مَلَّكْتُكِ ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ ، وَلَّيْتُكِ أَمْرَكِ ، ثُمَّ قَالَ : فِي التَّخْيِيرِ صِيغَتُهُ فِيهَا اخْتَارِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَكِ ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا أَوْ اخْتَارِي أَمْرَكِ انْتَهَى .
ص ( وَعَمِلَ بِجَوَابِهَا الصَّرِيحِ )
ش : يَعْنِي أَنَّ الْمُمَلَّكَةَ ، وَالْمُخَيَّرَةَ إذَا أَجَابَتْ بِجَوَابٍ صَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ : فَإِذَا لَفَظَ بِالتَّمْلِيكِ ، فَلَا تَخْلُو الْمُمَلَّكَةُ مِنْ أَنْ تُجِيبَ الطَّلَاقَ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ فِي الْبَتَاتِ أَوْ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ بِجَوَابٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَعْضَ الطَّلَاقِ أَوْ كُلَّهُ أَوْ شَيْئًا غَيْرَهُ أَوْ تَسْكُتُ عَنْهُ ، فَأَمَّا إجَابَتُهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَوْ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ قَبِلْتُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُهَا أَوْ أَبَنْتُهَا أَوْ حَرَّمْتُهَا فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ إنْ سَكَتَ أَوْ أَنْكَرَهُ ، وَلَمْ يَدَّعِ نِيَّةً ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهَا إنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ وَاحِدَةً ، وَأَمَّا إجَابَتُهَا بِلَفْظٍ يُشْكِلُ ، فَلَا يُدْرَى أَرَادَتْ بِهِ الطَّلَاقَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ لَمْ تُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَإِنَّهَا تُسْئَلُ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ : وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا خَلَّيْت سَبِيلَكِ ، فَإِنَّهَا تُسْئَلُ كَمْ أَرَادَتْ انْتَهَى .
( تَنْبِيهٌ ) : قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ : إذَا وَقَعَ طَلَاقُ الْمُمَلَّكَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا النِّصْفُ مِنْ صَدَاقِهَا بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ تِلْكَ لَا صَدَاقَ لَهَا ، وَالتَّخْيِيرُ مِثْلُهُ ، وَالطَّلَاقُ بِالتَّمْلِيكِ إذَا كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ رَجْعِيٌّ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا عَلَى مَالٍ ، فَيَكُونُ بَائِنًا كَالْخُلْعِ انْتَهَى .
، وَفِي الشَّامِلِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ ، وَنَصَّ فِي أَوَّلِ التَّخْيِيرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ
ص ( كَطَلَاقِهَا )
ش : كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ كَطَلَاقِهَا نَفْسَهَا بِأَنْ تَقُولَ : طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ أَنَا طَالِقٌ أَوْ بِنْتُ مِنْكَ أَوْ بِنْتَ مِنِّي ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَطَلَاقِهِ أَيْ كَمَا لَوْ قَالَتْ لَهُ طَلَّقْتُكَ .
ص ( وَرَدِّهِ )
ش : أَيْ رَدِّ مَا جَعَلَ لَهَا مِنْ التَّمْلِيكِ ، وَالتَّخْيِيرِ كَقَوْلِهَا رَدَدْت إلَيْكَ مَا جَعَلْتَهُ لِي أَوْ لَا أَقْبَلُهُ
ص ( كَتَمْكِينِهَا طَائِعَةً )
ش : فَلَوْ لَمْ تَكُنْ طَائِعَةً كَانَتْ عَلَى خِيَارِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ : وَأَحْرَى إذَا كَانَتْ غَيْرَ عَالِمَةٍ ، وَيُعَاقَبُ الزَّوْجُ فِي فِعْلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ فِي التَّخْيِيرِ ، وَالتَّمْلِيكِ مُسَاوٍ لَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْمُمَلَّكَةِ الْعِلْمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَإِنْ أَعْلَمَهَا فَأَمْكَنَتْهُ ، وَادَّعَتْ الْجَهْلَ لَمْ تُعْذَرْ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِصَابَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ خَلْوَةً ، وَإِنْ أَصَابَهَا ، وَقَالَتْ : أَكْرَهَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ إذَا قَبَّلَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا انْتَهَى .
( تَنْبِيهٌ ) فُهِمَ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّهَا إذَا مَكَّنَتْهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ سَقَطَ خِيَارُهَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ اللَّخْمِيُّ : قَالَ أَصْبَغُ : وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْخَلْوَةِ ، وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ أَوْ غَلْقِ الْبَابِ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَطْءُ ، فَقَدْ سَقَطَ مَا بِيَدِهَا إذَا زَعَمَ أَنَّهُ أَصَابَ ، وَإِنْ قَبَّلَهَا ، وَقَالَتْ أَكْرَهَنِي أَوْ اغْتَفَلَنِي ، وَقَالَ أَطَاعَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى هَيْئَةٍ ، وَصِفَةٍ ، وَهَذَا كَالْحَضْرَةِ يَكُونُ عَنْ غَفْلَةٍ انْتَهَى .
ثُمَّ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا : إنَّ خِيَارَهَا يَسْقُطُ قَالَ ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ التَّزْوِيجِ الرِّضَا بِالْإِصَابَةِ ، وَبِهِ يُسْتَحَقُّ الصَّدَاقُ ، وَالرِّضَا بِذَلِكَ يُسْقِطُ مَا بِيَدِهَا ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِالْإِصَابَةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَسَقَطَ مَا بِيَدِهَا ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ انْتَهَى .
ص ( وَقُبِلَ تَفْسِيرُ قَبِلْتُ أَوْ قَبِلْتُ أَمْرِيَ أَوْ مَا مَلَّكْتَنِي بِرَدٍّ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بَقَاءٍ )
ش : قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ التَّخْيِيرِ مِنْ الْبَيَانِ فِيمَنْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا فَقَالَتْ : قَدْ فَرَغْت أَوْ جَعَلَهُ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَالَ : إنَّ ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهَا قَبِلْتُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ قَوْلَهَا قَدْ فَرَغْتُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلطَّلَاقِ ، وَعَدَمِهِ فَوَجَبَ سُؤَالُهَا عَنْ إرَادَتِهَا بِذَلِكَ مِثْلُ إذَا قَالَ : قَدْ شِئْت أَوْ قَدْ رَضِيتُ ، وَقَدْ قَبِلْتُ أَوْ قَدْ اخْتَرْتُ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى .
( فَرْعَانِ الْأَوَّلُ ) : قَالَ فِي الْمُنْتَقَى : فَإِنْ قَالَتْ قَبِلْت : أَمْرِي فِي الْمَجْلِسِ ، وَلَمْ تُفَسِّرْ ذَلِكَ حَتَّى حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا ، ثُمَّ قَالَتْ أَرَدْتُ بِذَلِكَ طَلْقَةً وَاحِدَةً قُبِلَ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ ، وَلَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهَا قَبِلْتُ أَمْرِي مُحْتَمِلٌ لِلطَّلَاقِ فَإِذَا فَسَّرَتْهُ بِالطَّلَاقِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهَا ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَمِينٌ كَمَا لَوْ فَسَّرَتْهُ فِي الْعِدَّةِ ، وَإِذَا فَسَّرَتْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ ، فَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ الرَّجْعَةِ ، وَالزَّوْجُ ضَيَّعَ حَقَّهُ حِينَ لَمْ يُوقِفْهَا ، وَيَسْتَفْسِرْ قَوْلَهَا .
( الثَّانِي ) : لَوْ أَجَابَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ عِنْدَمَا مَلَّكَهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا إنَّهَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ ، وَكَذَلِكَ تَمْلِيكُ الْعِتْقِ اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ .
ص ( وَنَاكَرَ مُخَيَّرَةً لَمْ تَدْخُلْ ، وَمُمَلَّكَةً مُطْلَقًا إنْ زَادَتْ عَلَى طَلْقَةٍ )
ش : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ : وَإِنْ خَيَّرَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَالَتْ : قَدْ اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ طَلَّقَتْ نَفْسِي ثَلَاثًا أَوْ قَالَتْ لَهُ قَدْ خَلَّيْت سَبِيلِي تُرِيدُ بِذَلِكَ الثَّلَاثَةَ فَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً صَدَقَ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُبَيِّنُهَا وَالْخِيَارُ ، وَالتَّمْلِيكُ فِيهَا سَوَاءٌ انْتَهَى .
وَقَوْلُهُ إنْ زَادَتْ عَلَى طَلْقَةٍ قَيْدٌ لِلْمُخَيَّرَةِ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ ، وَفِي الْمُمَلَّكَةِ مَفْهُومَةٌ أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَزِيدَا عَلَى وَاحِدَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَاكَرَتُهُمَا ، وَهُوَ كَذَلِكَ أَمَّا الْمُمَلَّكَةُ فَوَاضِحٌ ، وَأَمَّا الْمُخَيَّرَةُ فَعَدَمُ الْمُنَاكَرَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ مَا لَهَا مِنْ التَّخْيِيرِ إذَا لَمْ تَقْضِ بِالثَّلَاثِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : وَهُوَ الظَّاهِرُ ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْ بِمَنْزِلَةِ الْمُمَلَّكَةِ انْتَهَى مِنْهُ بِالْمَعْنَى .
، وَلِأَنَّهَا أَيْضًا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ ، وَمَنْ طَالَعَ مَسَائِلَ كِتَابِ التَّخْيِيرِ مِنْ الْبَيَانِ عَلِمَ هَذَا .
( مَسْأَلَةٌ ) إذَا قَارَنَ التَّخْيِيرَ ، وَالتَّمْلِيكَ خُلْعٌ ، فَهَلْ لَهُ الْمُنَاكَرَةُ فِيمَا زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَقَالَ فِي رَسْمِ سَعْدٍ فِي الطَّلَاقِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ ، وَالتَّمْلِيكِ قَالَ مَالِكٌ : إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا شَيْئًا عَلَى أَنْ يُخَيِّرَهَا ، فَفَعَلَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ، فَهِيَ ثَلَاثٌ أَلْبَتَّةَ ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّمْلِيكِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ : اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَوْ يُخَيِّرُهَا عَلَى شَيْءٍ تُعْطِيهِ إيَّاهُ ، فَمَرَّةً رَأَى التَّخْيِيرَ فِي ذَلِكَ جَارِيًا عَلَى سُنَّةٍ لَا تَأْثِيرَ لِمَا أَعْطَتْهُ مِنْ الْمَالِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَعْطَتْهُ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُمَلِّكَهَا ، وَيُخَيِّرَهَا فَإِذَا مَلَّكَهَا أَوْ خَيَّرَهَا ، وَجَبَ لَهُ الْمَالُ ، وَكَانَ لَهَا هِيَ فِي ذَلِكَ سُنَّةُ الْخِيَارِ وَالتَّمْلِيكِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، فَإِنْ خَيَّرَهَا فَقَضَتْ بِالثَّلَاثِ لَمْ يُنَاكِرْهَا ، وَإِنْ قَضَتْ بِدُونِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ ، وَإِنْ مَلَّكَهَا فَقَضَتْ بِمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا ، وَتَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ ، وَمَرَّةً رَآهَا بِمَا أَعْطَتْهُ مِنْ الْمَالِ فِي حُكْمِ الْمُمَلَّكَةِ ، وَالْمُخَيَّرَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ بِسَبَبِ الْمَالِ كَمَا تَبِينُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِوَاحِدَةٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِي التَّخْيِيرِ ، وَالتَّمْلِيكِ إنْ قَضَتْ بِمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ ، وَتَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَأْتِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمٍ أَوْصَى وَرَسْمٍ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى ، وَعَلَيْهِ قِيلَ إنَّ مَنْ أَعْطَتْهُ امْرَأَتُهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ إذْ قَدْ نَالَتْ بِهَا مَا نَالَتْ بِالثَّلَاثِ إذْ هِيَ بَائِنَةٌ انْتَهَى .
( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ : وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَمَّنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ ، وَقَالَ لَهَا إثْرَ الْخُلْعِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَأَجَابَ إنْ نَسَّقَ كَلَامَهُ بِذَلِكَ لَزِمَهُ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ كَلَامِهِ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ فِي إيقَاعِ طَلَاقٍ آخَرَ إنْ أَرَادَتْهُ انْتَهَى .
ص ( وَبَادَرَ )
ش : تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَرْأَةِ بِبُطْلَانِ خِيَارِهَا فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الزَّوْجِ الْتِزَامٌ لِمَا قَضَتْ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ
ص ( وَلَمْ يُكَرِّرْ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ )
ش : فِي ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ نَظَرٌ فَإِنَّ حُكْمَهُ مُوَافِقٌ لِمَا إذَا لَمْ يُكَرِّرْ ذَلِكَ فَلَوْ أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فَقَالَ ، وَإِنْ كَرَّرَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا لَكَانَ أَحْسَنَ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ إذَا نَوَى الْوَاحِدَةَ ، فَلَهُ نِيَّتُهُ ، وَإِنْ كَرَّرَ لَفْظَ التَّمْلِيكِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْطِفَ تَمْلِيكَهُ أَمْ لَا انْتَهَى .
( الثَّانِي)مِنْ شَرْطِ الْمُنَاكَرَةِ أَنْ لَا يَقُولَ لَهَا كُلَّمَا شِئْت فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فَلَا مُنَاكَرَةَ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، وَلَوْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِهَذَا الشَّرْطِ لَكَانَ أَحْسَنَ مِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ص ( وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْعَقْدِ )
ش : أَمَّا اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ دَخَلَ أَمْ لَا
( تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ ) إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ الْبِنَاءِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ ، وَغَيْرُهُ لَا رَجْعَةَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرَطُ ابْنِ عَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ مِنْ صَدَاقِهَا لِشَرْطِهَا قَالَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ جَارٍ عَلَى أُصُولِهِمْ انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ
( الثَّانِي ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَقْدِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ عِنْدَ نِكَاحِهِ أَوْ قَبْلَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ص ( وَحَلَفَ فِي اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ أَوْ فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَكِ طَلْقَةً وَاحِدَةً لَا اخْتَارِي طَلْقَةً )
ش : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ : إنْ قَالَ اخْتَارِي فِي وَاحِدَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً لَا أَنَّكِ تَخْتَارِي فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ قَالَ اخْتَارِي مِنْ الطَّلَاقِ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ الطَّلَاقِ طَلْقَةً أَوْ اخْتَارِي طَلْقَةً فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ إذَا قَالَ فِي أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَكِ طَلْقَةً وَاحِدَةً ، وَفِي أَنْ تُقِيمِي عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَنَسَبَ اللَّخْمِيُّ وُجُوبَ الْيَمِينِ لِابْنِ الْقَاسِمِ ، وَعَدَمُ الْيَمِينِ أَحْسَنُ انْتَهَى .
ص ( وَبَطَلَ إنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ فِي اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ أَوْ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ )
ش : مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ إنَّهَا لَوْ قَضَتْ بِأَكْثَرَ مِمَّا عَيَّنَ لَهَا لَا يَبْطُلُ مَا لَهَا مِنْ التَّخْيِيرِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا عَيَّنَهُ ، وَيُلْغِي مَا زَادَتْهُ قَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْإِرْشَادِ : وَإِنْ عَيَّنَ لَهَا عَدَدًا فَزَادَتْ أَلْغَى الزَّائِدَ قَالَ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحَلِّ : كَمَا إذَا قَالَ اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ أَوْ فِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا أَلْغَى الزَّائِدَ ، وَلَوْ قَضَتْ بِوَاحِدَةٍ بَطَلَ خِيَارُهَا انْتَهَى ، وَقَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقُ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحَلِّ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ اخْتَارِي طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا أَلْغَى الزَّائِدَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ص ( وَبَطَلَ فِي الْمُطْلَقِ إنْ قَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ )
ش : اُخْتُلِفَ فِيمَا يُوجِبُهُ التَّخْيِيرُ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ : أَشْهَرُهَا مَذْهَبُ الْكِتَابِ أَنَّ اخْتِيَارَهَا ثَلَاثًا ، وَلَا مُنَاكَرَةَ لِلزَّوْجِ نَوَتْ الْمَرْأَةُ الثَّلَاثَ أَمْ لَا ، وَإِنَّ قَضَاءَهَا بِدُونِ الثَّلَاثِ لَا حُكْمَ لَهُ ، وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهَا لِعُدُولِهَا عَمَّا جَعَلَ لَهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ لَا ؟ وَلَا يَكُونُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَقْضِيَ بِالثَّلَاثِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : مُتَمِّمًا لِلْمَشْهُورِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ الرِّضَا بِمَا أَوْقَعَتْ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ ، وَهُوَ اللُّزُومُ فِيمَا أَوْقَعَتْهُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ أَوْ لَا ؟ تَرَدُّدٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا .
مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ التَّوْضِيحِ ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ، وَلَوْ قَضَتْ الْمَدْخُولُ بِهَا بِطَلْقَةٍ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ : عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ رَضِيَهَا الزَّوْجُ كَانَتْ رَجْعِيَّةً ، وَإِلَّا ، فَفِي سُقُوطِ اخْتِيَارِهَا وَبَقَائِهِ ثَالِثُهَا تَجِبُ بِهَا الثَّلَاثُ لِلْمَشْهُورِ مَعَ الْأَكْثَرِ وَأَشْهَبُ مَعَ الشَّيْخِ عَنْ رِوَايَتِهِ وَاللَّخْمِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَصَوَّبَ الثَّانِيَ انْتَهَى .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَ بِهِ ، وَنَصُّهُ ، وَإِنْ طَلُقَتْ دُونَ الثَّلَاثِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ انْتَهَى .
( تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ ) : قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ : أَنَّهَا إذَا أَوْقَعَتْ دُونَ الثَّلَاثِ ، وَكَانَ سَبَقَ لَهُ فِيهَا مِنْ الطَّلَاقِ مَا يُكْمِلُ الثَّلَاثَ إنَّ ذَلِكَ كَإِيقَاعِ الثَّلَاثِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَنَصُّهَا ، وَإِنْ خَيَّرَهَا مُطْلَقًا فَاخْتَارَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ ، فَإِنْ تَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ بَانَتْ الْآنَ بِالتَّطْلِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَوْقَعَتْهُمَا ، ثُمَّ قَالَ : وَسُئِلَ ابْنُ عَتَّابٍ عَمَّنْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ ، فَاخْتَارَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ، فَقَالَ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِالْبَتَّةِ ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو الْأَصْبَغِ : وَهَذَا عِنْدِي صَحِيحٌ لَا يَتَوَجَّهُ فِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى .
( الثَّانِي ) : فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ قَضَتْ بِدُونِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا لَوْ قَضَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ ، وَلَزِمَهُ الثَّلَاثُ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ ، وَشَارِحِيهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( الثَّالِثُ ) : قَالَ ابْنُ نَاجِي إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ : وَيَقُومُ مِنْهَا أَنَّ الْحَاضِنَةَ إذَا رَضِيَتْ بِأَخْذِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ ، وَوَجْهُ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ جَعَلَ هُنَا الْجُزْءَ مِنْ الْجُمْلَةِ لَا يَسْتَقِلُّ ، فَيَلْزَمُ اطِّرَادُهُ انْتَهَى مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ التَّخْيِيرِ .
( فَرْعَانِ الْأَوَّلُ ) :قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ : قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي أَبَاك أَوْ أُمَّكِ أَوْ كَانَتْ تُكْثِرُ التَّرَدُّدَ إلَى الْحَمَّامِ أَوْ الْغُرْفَةِ فَقَالَ لَهَا اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي الْحَمَّامَ أَوْ الْغُرْفَةَ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ طَلَاقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى .
قَالَ ابْنُ نَاجِي : يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ ، فَهُوَ الطَّلَاقُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ ، فَهُوَ الطَّلَاقُ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا اخْتَارَتْ الشَّيْءَ الَّذِي خَيَّرَهَا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ خَيَّرَهَا فِي نَفْسِهَا فَإِنْ لَمْ تَخْتَرْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهَا انْتَهَى قَالَ ابْنُ نَاجِي : وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ مَا الَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ : إنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ ، وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْتُ وَاحِدَةً فَقِيلَ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ قَالَهُ أَصْبَغُ ، وَهُوَ أَشْبَهُ .
( الثَّانِي ) : قَالَ فِيهَا ، وَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ ، وَأَرَادَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَذَلِكَ لَهَا ، وَتَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ انْتَهَى
ص ( وَوَقَفَتْ إنْ اخْتَارَتْ بِدُخُولِهَا عَلَى ضَرَّتِهَا )
ش : هَكَذَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَالَ سَحْنُونٌ : فِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ لَهَا قَضَاءٌ ؛ لِأَنَّهَا أَجَابَتْ بِغَيْرِ مَا جَعَلَ لَهَا ، وَعُورِضَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا إذَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً بَطَلَ خِيَارُهَا ، وَوَجْهُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَخَذَتْ بَعْضَ حَقِّهَا ، وَأَسْقَطَتْ بَعْضًا فَإِنْ كَانَ إسْقَاطُهَا لِلْبَعْضِ مُقْتَضِيًا لِسُقُوطِ حَقِّهَا ، فَهُوَ سُقُوطٌ فِيهِمَا كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ : وَإِلَّا فَلَا ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا فِي مَسْأَلَةِ طَلَاقِهَا وَاحِدَةٌ تَرَكَتْ بَعْضَ مَا جُعِلَ لَهَا ، وَلِلزَّوْجِ فِيهِ غَرَضٌ ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ الثَّلَاثُ سَقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ ، فَصَارَتْ لِذَلِكَ الْوَاحِدَةِ كَأَنَّهَا أَمْرٌ آخَرُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ ، فَإِنَّهَا لَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا لِلزَّوْجِ فِيهِ غَرَضٌ ، وَإِنَّمَا وَقَفَتْ لِحَقِّ اللَّهِ فِي إبْقَاءِ الْعِصْمَةِ عَلَى الشَّكِّ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ .
( فَرْعٌ ) : قَالَ اللَّخْمِيّ : فَإِنْ لَمْ تُوقَفْ حَتَّى دَخَلَ عَلَى ضَرَّتِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالِاخْتِيَارِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَإِنْ ، وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ ، وَإِنْ أَرَادَتْ بَعْدَ قَوْلِهَا الْأَوَّلِ أَنْ تَقْضِيَ الْآنَ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ إذَا كَانَ قَدْ أَجَازَ قَوْلَهَا الْأَوَّلَ
ص ( وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى بَقَائِهِمَا بِيَدِهَا فِي الْمُطَلِّقِ مَا لَمْ تُوقَفْ أَوْ تُوطَأْ كَمَتَى شِئْت )
ش : أَيْ ، وَرَجَعَ مَالِكٌ إلَى بَقَاءِ التَّخْيِيرِ ، وَالتَّمْلِيكِ بِيَدِ الزَّوْجَةِ فِي التَّخْيِيرِ ، وَالتَّمْلِيكِ الْعَارِي عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ أَوْ بِالْمَكَانِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَا لَمْ يُوقِفْهَا الْحَاكِمُ ، وَيُلْزِمْهَا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ أَوْ رَدِّ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجِ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أُسْقِطَتْ مِنْ يَدِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ ، وَوَقَفَتْ وَإِنْ قَالَ إلَى سَنَةٍ مَتَى عَلِمَ فَتَقْضِي أَوْ تَرُدُّ إلَّا أَنْ يُسْقِطَ الْحَاكِمُ ، وَقَوْلُهُ أَوْ تُوطَأَ يَعْنِي أَنَّ الْمُمَلَّكَةَ وَالْمُخَيَّرَةَ إذَا مَكَّنَتْ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا بَطَلَ مَا بِيَدِهَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ إنَّهُمَا إذَا تَفَرَّقَا مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ طَالَ الْمَجْلِسُ بِهِمَا حَتَّى يَرَى أَنَّهُمَا قَدْ تَرَكَا ذَلِكَ ، وَخَرَجَا مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي كَانَا فِيهِ إلَى غَيْرِهِ بَطَلَ ، وَأَمَّا إنْ مَلَّكَهَا ، وَأَسْرَعَ الْقِيَامَ عَنْهَا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهَا ، وَإِنْ افْتَرَقَا أَوْ طَالَ الْمَجْلِسُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ مَتَى شِئْت مَا لَمْ تُوقَفْ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَتَى شِئْت ، وَاخْتُلِفَ إذَا ، وَطِئَهَا هَلْ يَقْطَعُ وَطْؤُهُ خِيَارَهَا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ لَا يَقْطَعُهُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْبَغَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ : وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ نَصَّ الْمُخَيِّرُ أَوْ الْمُمَلِّكُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إلَّا إنْ اخْتَارَتْ فِي الْحَالِ أَوْ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهَا ، وَإِنْ تَفَرَّقَا أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ .
ص ( وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالسُّقُوطِ )
ش : قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ : وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ : وَبِهِ الْقَضَاءُ ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ مَالِكٍ انْتَهَى .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ : وَنَقَلَ أَشْهَبُ أَنَّ مَالِكًا إنَّمَا قَالَ بِبَقَائِهِ إنْ انْقَضَى الْمَجْلِسُ مَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى أَنْ مَاتَ انْتَهَى
ص ( وَهُمَا فِي التَّنْجِيزِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِمُنَجَّزٍ ، وَغَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ )
ش : تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ
( فَرْعٌ ) قَالَ اللَّخْمِيُّ ، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَلَكِ الْخِيَارُ أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا لَزِمَهُ ، وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يُحَرِّمُ النِّكَاحَ ، وَقَدْ تَخْتَارُ الْبَقَاءَ مَعَهُ بَلْ الْغَالِبُ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ الرَّجُلَ لَا تَخْتَارُ فِرَاقَهُ بِحَضْرَةِ الْعَقْدِ ، وَقُرْبِهِ انْتَهَى .
ص ( وَاعْتُبِرَ التَّخْيِيرُ قَبْلَ بُلُوغِهَا )
ش : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى ، وَمَنْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ مَغْمُورَةٌ جَازَ قَضَاؤُهَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ مُفِيقَةً ، ثُمَّ أَصَابَهَا ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ قَضَاءَهَا عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ حَالِهَا ، وَعَقْلِهَا ، فَلَمَّا ذَهَبَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا قَضَتْ بِهِ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ انْتَهَى .
ص ( وَهَلْ إنْ مَيَّزَتْ أَوْ حَتَّى تُوطَأَ قَوْلَانِ )
ش : الْقَوْلَانِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ مَالِكٍ إذَا كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ فِي حَالِهَا ، وَرَجَّحَ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ التَّخْيِيرِ ، وَالتَّمْلِيكِ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ص ( ، وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ قَوْلَانِ )
ش : قَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ، وَلَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا ، وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ قَوْلَانِ قَوْلُهُ ، وَلَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ، وَقَالَ أَصْبَغُ : لَيْسَ لَهُ تَفْوِيضُ أَمْرِ امْرَأَتِهِ لِغَيْرِهَا ، وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَيْهَا ، فَإِمَّا قَضَتْ أَوَرَدَّتْ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ عَزْلُ الْوَكِيلِ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ ؟ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ ، وَنَحْوِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ لَا ؟ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ، وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى .
وَنَحْوُ هَذَا الشَّرْحِ فِي الصَّغِيرِ ، وَهُوَ سَهْوٌ ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُمَلَّكِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ كَلَامُهُ فِي الْكَبِيرِ ، وَنَصُّهُ ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ لِغَيْرِهَا أَمْ لَا فَالْمَشْهُورُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ ذَلِكَ ، وَقَالَ أَصْبَغُ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ أَوْ لَا ؟ حَكَى الْبَاجِيُّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الشَّارِحُ : قُلْت : وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ : وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ قَالَ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ إنْ تَكَارَيْتَ لِابْنَتِكِ ، وَخَرَجْت بِهَا مِنْ الْقَرْيَةِ فَأَمْرُهَا بِيَدِكِ فَتَكَارَتْ لَهَا لِتُخْرِجَهَا فَأَبَى ، وَبَدَا لَهُ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَشَارَ بِالْقَوْلَيْنِ إلَّا أَنَّ الْبَاجِيَّ تَأَوَّلَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهُ لِلْأَوَّلِ ، فَقَالَ : وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي لَهُ الرُّجُوعُ فِي سَبَبِ التَّمْلِيكِ ، وَهُوَ بِأَنْ يَمْنَعَ أُمَّهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِهَا ، وَلَوْ أَخْرَجَتْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي التَّمْلِيكِ انْتَهَى .
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَى الْوَكِيلِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الْمُمَلِّكِ ، وَالْمُخَيِّرِ ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ عَنْ الطَّلَاقِ قَوْلَيْنِ ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ ، وَغَيْرِهِمَا ، وَعَلَى هَذَا ، فَيَكُونُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ، وَلِلزَّوْجِ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ بِأَنْوَاعِ التَّفْوِيضِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ ، فَإِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيلِ ، فَفِي عَزْلِهِ لِلْوَكِيلِ قَوْلَانِ ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ فَوَّضَهُ لِلْغَيْرِ تَمْلِيكًا ، وَتَخْيِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ حِينَئِذٍ ، وَهَذَا الْحَمْلُ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِمَا جَزَمَ بِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَوَّضَهُ لِلزَّوْجَةِ تَوْكِيلًا ، فَلَهُ عَزْلُهَا ، وَإِذَا كَانَ لَهُ عَزْلُهَا فَغَيْرُهَا أَحْرَى ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَعْنًى ثَالِثٍ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ، وَلَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا أَيْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ ، وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ عَائِدًا عَلَى التَّمْلِيكِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا ، وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُمَلِّكَ زَوْجَتَهُ أَمْرَهَا أَوْ يُخَيِّرَهَا ، فَهَلْ لَهُ عَزْلُهُ أَوْ لَا ؟ قَوْلَانِ ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ ، وَنَصُّهُ ، وَاخْتُلِفَ إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُمَلِّكَ زَوْجَتَهُ أَمْرَهَا هَلْ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَهُ فَرَأَى اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا بِخِلَافِ أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ ، وَرَأَى غَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِي عَزْلِهِ كَالطَّلَاقِ ، وَاسْتَشْكَلَ الْمَازِرِيُّ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى بِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَزْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا جَعَلَ لَهُ تَمْلِيكَ زَوْجَتِهِ صَارَ كَالْمُلْتَزِمِ لِذَلِكَ الْتِزَامًا لَا يَصِحُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ انْتَهَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
 
أعلى