العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
وقف بعرفة ورمى وحلق، ولكن مات قبل أن يطوف للإفاضة..
فهل يُحَج عنه؟

قال الإمام البخاري في صحيحه: ( بَابُ المُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الحَجِّ )
قال ابن بطال: وفيه دليل أن من شرع فى عمل من عمل الطاعات وصحت فيه نيته الله، وحال بينه وبين تمامه الموت؛ فإن الرجاء قوي أن الله قد كتبه فى الآخرة من أهل ذلك العمل وتقبله منه، ويشهد لهذا قوله تعالى: ((وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ)). أهـ

قال الحافظ في الفتح: (قَوْلُهُ بَابُ الْمُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الْحَجِّ) يَعْنِي لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ. أهـ

قلت: هنا مربط الفرس؛
1- فقد يقال: إن عدم النقل ليس نقلاً للعدم، وإن الأصل أنه لم يتم الحج، ومن لم يطف للإفاضة لم يتم حجه.
2- وقد يقال: هذا مقام البيان ولم يبين، وتأخير البيان عن وقته لا يجوز وقوعه.

في "نهاية المطلب" لأبي المعالي الجويني ما قد يفيد شيئاً في الباب:
( الفصل الثالث
في موت الأجير في الحج وقبله
2760- الكلام في هذا الفصل يستدعي تقديمَ القول في أصل مقصود، وهو أن الإنسان إذا كان يحج عن نفسه، فمات أثناء الحج، فهل يُتَصَوَّر البناء على حجه؟ حتى يفرضَ استنابةُ نائب يقوم مقامه في بقية الأعمال؟ في المسألة قولان: أحد القولين - أن ذلك لا يسوغ؛ فإن العبادة واحدةٌ، فتعلّقها بشخصين محالٌ، وسيتضح عُسر ذلك في التفريع.
والقول الثاني: إنه جائز؛ فإنه إذا أمكن إنابة شخص في كل العبادة، مَناب شخص، لم يبعد ذلك في البعض.


التفريع على القولين:
إن قلنا: لا سبيل إلى البناء،
فكما مات الخائض في الحج، انقطع العمل، وحَبِط ما قدمه، ويجب تحصيل حجة تامة مِن تركته إذا كان قد استقرت الحجة في ذمته.
وإن قلنا: إن البناء مُسوَّغ، فنذكر صورتين:

إحداهما - أن يموت قبل الوقوف.
والثانية - أن يموت بعده.

فإن مات قبل الوقوف فسبيل الإنابة عنه أن يستأجر من يُحرم ابتداءً، ويقفُ ويتمادى إلى آخر الحج، على ترتيبه، ثم قد يقع هذا الإحرام من قُرب المعرَّف، ولا بأس؛ فإن من ينصرف هذا إليه قد كان أحرم من الميقات قبل الممات، وذلك معتد به.


فأما إذا مات بعد الوقوف بعرفة، فليتأمل الناظر عند ذلك ما يُلْقَى إليه؛ فإنه مظنة إشكال، وقد اضطربت الطرق لأجله:
-قال العراقيون: المستناب لا بد وأن يُحرم؛ فإن بقية الأعمال لا تتأتى إلاّ من محرِم، والإحرامُ بالحج -وقد انقضى أشهر الحج بطلوع فجر يوم النحر- محالٌ، على مذهب الشافعي.
قالوا: فالوجه أن يحرم المستناب بعمرة، ويطوفَ، ويسعى، وكان بقي على الذي مات الطوافُ والسعي ركنين، فيقع طوافُ المستناب المعتمِر وسعيُه سادّاً مسد الطوافِ والسعي، اللذين كانا بقيا على الميت مع حجه، والمستناب ينويه بالعمرة.
وهذا فيه إشكال ظاهر؛ من جهة أن العمرة يبعد أن تسد مسد الحج.
-وذكر المراوزة مسلكاً آخر، فقالوا: المستناب يُحرم بالحج إحراماً ناقصاً، وزعموا أن تجويز الاستنابة لا يطَّرد إلاّ على تجويز ذلك، ثم هؤلاء قالوا: الإحرام بالحج إنما يمتنع في غير أشهر الحج إذا كان إحراماً تامّاً، فأما الإحرام الناقص، فلا امتناع فيه. وهذا كما أن الإحرام الناقص يبقى دائماً مع انقضاء أشهر الحج، فتقدير الابتداء على النقصان كتقدير الدوام.
ثم من سلك مسلك العراقيين، ذهب إلى أن المستناب المعتمرَ، لا يبيت ولا يرمي، ولا يأتي بشيء من مناسك منى؛ فإنها أتباعُ انتهاء الحج. والعمرة لا تقتضي شيئاً من ذلك.
ومن قال من المراوزة: إن المستناب يُحرم إحراماً ناقصاً ببقية الحج، فالمستناب يأتي بمناسك منى؛ فإنه في الحج. وذكر هؤلاء أنه لو مات الحاج بعد أن تحلل أحدَ التحللين، فالمستناب يأتي بإحرامٍ حُكْمه أن لا يَمنَع اللُّبسَ والقَلْمَ على التفصيل المذكور. وهذا جارٍ على قياسهم.

ولو مات الحاج بعد التحللين، فلست أرى على قياسِ المراوزة وجهاً لجواز الاستنابة في المناسك الواقعة وراء التحللين؛ فإن ذلك لا يتأتى إلاّ ممن سبق منه إحرام، ثم هذه المناسك تتبع الإحرام السابق.
فأما الإتيان بها من غير تقدّم إحرامٍ، فبعيد. هذا ما أراه.

فالوجه الرجوع فيها إلى أبدالها، وهذا أولى فيها من اقتحام مُحالٍ، وليس كالطواف والسعي؛ فإنه لا بدل لهما، فاضطررنا إلى تصوير الإنابة.
فهذا منتهى قولنا في البناء على الحج ).

في مسائل أبي داود: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ بِمِنًى يُقْضَى عَنْهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَنَاسِكِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: يَفْعَلُهُ الَّذِي هُوَ حَاجٌّ عَنْ نَفْسِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَيُوقَفُ عَنْهُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَعْنِي: إِنْ لَمْ يَقِفْ؟ قَالَ: نَعَمْ ".

وفي "مواهب الجليل": وَأَمَّا الْوُقُوفُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى رُكْنِيَّتِهِمَا نَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْوُقُوفِ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْقَبَّابُ وَنَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي الْإِكْمَالِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ، وَإِنْ كَانَ الطَّحَاوِيُّ حَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ نَابَ الدَّمُ مَنَابَهُ حَكَاهُ فِي الطِّرَازِ. أهـ

قلت: ذهب كثير من علمائنا المعاصرين إلى أن من مات قبل طواف الإفاضة فإنه لا يقضى عنه حجه ذلك أخذاً بما ظهر لهم من الحديث، والأقرب عندي إلى موافقة الأصل: وجوب إتمام الحج المفروض عنه. والله أعلم
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,509
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

جزاك الله خيرا
مسألة تستحق النظر
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

وإياكم.. بقي الكلام في شأن هذا الذي سيتم الحج عنه: هل يستأنف من أوله أو يبني؟
أترك ذلك للحوار والمشاركة
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

قلت: ذهب كثير من علمائنا المعاصرين إلى أن من مات قبل طواف الإفاضة فإنه لا يقضى عنه حجه ذلك أخذاً بما ظهر لهم من الحديث، والأقرب عندي إلى موافقة الأصل: وجوب إتمام الحج المفروض عنه. والله أعلم
جزاكم الله خيرا
ما هو الأصل الذي بنيت عليه ترجيح الوجوب؟!
والوجوب على من؟ على أولياء الميت؟ فإن لم يمكنهم لغيبتهم فعلى ولي الأمر؟
هل يقاس على هذا من نذر صوم يوم فشرع فيه ثم مات فيجب أن يصوم عنه وليه؟
 
إنضم
20 مارس 2010
المشاركات
12
التخصص
شريعة
المدينة
---
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

بارك الله فيك على طرح هذه المسألة في هذا الوقت وذلك لقرب الحج ..
ولقد أحسن أخي فضيلة الدكتور أيمن بقوله ما هو الاصل الذي بنيت عليه الوجوب لأن الوجوب حكم شرعي يحتاج للدليل، ولو قلت يستحب لكان مقبول لحد ما،وقد تكون هي محل البحث!!
والقاعدة الشرعية في هذا ما قاله ابن عبد البر رحمه الله : أما الصلاة فإجماع من العلماء أنه لا يُصلِّي أحد عن أحد فرضا عليه من الصلاة ، ولا سنة ، ولا تطوعا لا عن حي ولا عن ميت ، وكذلك الصيام عن الحي لا يجزئ صوم أحد في حياته عن أحد ، وهذا كله إجماع لا خلاف فيه .
وأما من مات وعليه صيام فهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا
. اهـ . ثم ذكر الخلاف .

وقال ابن قدامة في المغني : من مات وعليه صيام من رمضان لم يَخْلُ من حالين :
أحدهما : أن يموت قبل إمكان الصيام ، إما لضيق الوقت ، أو لعذر من مرض أو سفر ، أو عجز عن الصوم ؛ فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم . وحُكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا : يجب الإطعام عنه ؛ لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه كالشيخ الهِمّ إذا ترك الصيام لعجزه عنه .
ولنا إنه حق لله تعالى وجب بالشرع مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل كالحج
الحال الثاني : أن يموت بعد إمكان القضاء ، فالواجب أن يُطعم عنه لكل يوم مسكين ، وهذا قول أكثر أهل العلم . رُوي ذلك عن عائشة وابن عباس ، وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي والخزرجي وابن علية وأبو عبيد في الصحيح عنهم
. اهـ .
وقول ابن قدامة (ولنا إنه حق لله تعالى وجب بالشرع مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل كالحج )
أفاد أن الحج لا يجب على الولي لقوله (فسقط إلى غير بدل كالحج)فقاس الصيام على الحج بجامع أن كلا منهما حقا لله مات ولم يتمكن من فعلها.
والقاعدة الشرعية :أن العبادات توقيفة لا تثبت إلا بدليل!!ومن خالف في هذا فعليه بأثبات الدليل وإلا بقي الحكم على أصله وهو عدم الوجوب.
كما أن القاعدة :أن خطاب الشارع موجه للمكلف نفسه لا إلى غيره وقد قال تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
وما نقلت أخي أبو بكر من أقوال تحمل على جواز الاستنابة عن الميت لا على الوجوب ...
وهذه المسألة كما قلت أختي أم طارق تحتاج إلى نظر وتأمل وهذا ما رأيته على عجالة في المسألة غير أني أحببت المشاركة وتفعيل الموضوع لا غير وإلا لست أهلا لذلك لقلة البضاعة وضعف الصناعة......غفر الله لي ولاحبابي ولجميع المسلمين،،،
ودمتم بخير،،،

 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

جزاكم الله خيرا
ما هو الأصل الذي بنيت عليه ترجيح الوجوب؟!
والوجوب على من؟ على أولياء الميت؟ فإن لم يمكنهم لغيبتهم فعلى ولي الأمر؟
هل يقاس على هذا من نذر صوم يوم فشرع فيه ثم مات فيجب أن يصوم عنه وليه؟
وإياكم

الأصل: أنه دَين لله تعالى يجب وفـاؤه، ولو بأن يستناب من يحج عنه من تركته كما لو لم يحج.
وإذا كنا نقول بأن النيابة في النسك تكون عن الميت الذي لم يحج الفرض وله مال، كما تكون عن العاجز المأيوس من برئه، فذلك في المسألة التي معنا كذلك.

وأحسنتم باختيار المثال الذي تدخله النيابة بخلاف ما لا نيابة فيه.. على أن بعض الناس قد فرقوا بين الصوم والحج بأن الصوم لَا يقبل النيابة في الْحياة فَضُيِّقَ فيه، بِخِلَافِ الحج.

أما من نذر صوم يوم فشرع فيه ثم مات فللعلماء في ذلك خلاف، وقد اختلفوا في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) أهو على سبيل الوجوب أو الاستحباب. وجمهور القائلين بمقتضاه على استحبابه. وقد حمله الإمام أحمد على النذر كما هو في سؤالكم.
فإن سألتم عن الفرق بين الاستحباب في الصوم والإيجاب هنا؛ فهو ما ذكروه من أن الصوم ليس في شيء مما تركه الميت، وأما الحج فمن تركته كالدّين سواءً.
وعند مَن خيَّر الوليَّ بين الصوم والإطعام:
وجوب الإطعام إن لم يصم؛ ففي «المستوعب» للسامُرِّي وغيره أنه مع عدم صوم الورثة يجب إطعام مسكين من ماله عن كل يوم، ومع صوم الورثة لا يجب.

في "البحر الرائق": وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ إذَا مَاتَا قَبْلَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَضَاءُ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِقَدْرِهِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ، لِوُجُودِ الْإِدْرَاكِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ، وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِهِ عِنْدَ الْكُلِّ،
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ بِأَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ: "لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ" فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَضَاءُ مَا صَحَّ فِيهِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فَظَهَرَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْخَلَفِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ فِيهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ قَبْلَ الصِّحَّةِ لِيَظْهَرَ فِي الْإِيصَاءِ. أهـ

وفي "الأُم": وَمَنْ مَرِضَ فَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ: فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إنَّمَا الْقَضَاءُ إذَا صَحَّ ثُمَّ فَرَّطَ، وَمَنْ مَاتَ وَقَدْ فَرَّطَ فِي الْقَضَاءِ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ. أهـ
هذا على قول الشافعي في "الجديد" مِن أنَّ مَن مات وعليه صيام فإنه يُطعَم عنه، وفي "القديم" أنه يصام عنه.

وفي "البيان" للعمراني: إذا كان عليه قضاء من شهر رمضان، فلم يصم حتى مات.. نظرتَ؛ فإن دام العذر إلى أن مات.. لم يجب أن يطعم عنه، وبه قال عامة الفقهاء.
وقال قتادة، وطاوس: يطعم عنه لكل يوم مسكين.

دليلنا: أنه فرض لم يتمكن من أدائه إلى الموت.. فسقط حكمه، كالحج.


وإن مات بعد أن تمكن من قضائه.. ففيه قولان:
[الأول] : قال في القديم: (يصوم عنه وليه) . وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة؛ لما روت عائشة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مات وعليه صيام.. صام عنه وليه» ، ولأن الصوم عبادة يدخل في جبرانها المال، فدخلتها النيابة بعد الوفاة، كالحج.
فإذا قلنا بهذا: فصام عنه الولي، أو أمر أجنبياً، فصام عنه بأجرة أو بغير أجرة.. جاز، وإن صام عنه أجنبي بغير إذن الولي.. ففيه وجهان، حكاهما في " الفروع ".
والمشهور: أنه لا يصح.
و [الثاني] : قال في الجديد: (لا يصح أن يصام عنه، بل يطعم عنه الولي لكل يوم مسكينا) . وهو الصحيح؛ لما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من مات وعليه صيام.. أطعم عنه وليه عن كل يوم مداً لمسكين» ، ولأن الصوم عبادة لا تدخلها النيابة في حال الحياة، فلم تدخلها النيابة بعد الوفاة، كالصلاة، وعكسه الحج.
وأما الخبر: فمعناه: فعل عنه وليه ما يقوم مقام الصوم، وهو الإطعام. أهـ
وقد رأيتَ تأويلهم للخبر، وهو ما جعل جماعة من فقهاء الشافعية الجامعين بين الفقه والحديث يرجحون القديم من مذهبه في هذه المسألة.


وفي "المجموع شرح المهذب": وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ خَمِيسٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ صَامَ أَيَّ خَمِيسٍ شَاءَ فَإِذَا مَضَى خَمِيسٌ وَلَمْ يَصُمْ مَعَ التَّمَكُّنِ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ فُدِيَ عَنْهُ. أهـ
وفي "أسنى المطالب" عند الكلام على ذات المسألة التي ذكرها صاحب "المجموع": حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَدَى عَنْهُ أَوْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. أهـ

وأما قول الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى: ولأننا لو قضينا عنه بقية نسكه لفوتنا عليه فائدة كبيرة جداً، وهي أنه يبعث يوم القيامة ملبياً؛ لأنه لو قضي عنه بقية النسك لتحلل وانتهى من النسك، فيكون في قضاء بقية النسك عنه إساءة للميت. أهـ فأرى أن ذلك غير وارد، بل المرجو أن يُبعَث ملبياً ولو قضي عنه بقية نسكه.
والله أعلم
 
التعديل الأخير:

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

أخي أبو بكر، أحسنتم الجواب بارك الله فيكم
أرى أن نفرق بين حالين:
إحداهما: أن يكون الحج قد وجب على الميت ثم أخَّره لغير عذر إلى أن سافر للحج فمات في أثنائه، فهذا ينسجم مع الأصل الذي بنيت عليه؛ لأن الحج وجب عليه قبل أن يحج فلا تبرأ ذمته إلا بأن يُحجَّ عنه، ودليله "فدين الله أحق بالقضاء". وهنا يبرز إشكال جواز توكيل من يكمل الحج عنه أم وجوب توكيل من يستأنف عنه حجا جديدا في عام لاحق أو في نفس العام لكن مع الإتيان بجميع أركان الحج وجبر ما لم يمكن تداركه بدم. وهذا يتوقف على النظر إلى عبادة الحج وهل هي كل مترابط كالصلاة أم أعمال متفرقة كصيام أيام رمضان والأرجح الثاني لجواز الاستنابة في بعض أعمال الحج كالرمي مثلا. وعليه يكون الحكم هو وجوب أن يستنيب أولياء الميت من يكمل الحج عن ميتهم الذي مات وقد وجب عليه الحج إذا أمكنهم ذلك، فإن لم يفعلوا وجب عليهم أن يستنيبوا من يحج عنه في عام قابل (من تركته)

والحال الأخرى: أن لا يكون الحج وجب عليه إلا في العام الذي مات فيه فهذا لم يجب عليه من أركان الحج إلا ما أدَّاه فإن مات لم يجب الباقي عليه لانقطاع التكليف بالموت. ولا يجب على أوليائه أن يستنيبوا من يكمل حجه ولا من يستأنفه من عام قابل فإن فعلوا فهو تطوع.
ووزان المسألة في الصوم
الحالة الأولى: من نذر أن يصوم يوما فشرع فيه ثم مات وجب على وليه أن يصوم عنه أو أن يطعم لأن دين الله أحق بالقضاء ولعل الإطعام أولى للإجماع على وصول الصدقة عن الميت دون الصوم
والحالة الأخرى: من صام يوما من رمضان فمات في أثنائه فلا يقضى عنه هذا اليوم ولا تتمة الشهر لأنه لم يجب عليه من اليوم أو الشهر إلا ما صامه لانقطاع التكليف بالباقي بسبب الموت.
والله أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

أخي أبو بكر، أحسنتم الجواب بارك الله فيكم
أرى أن نفرق بين حالين:
إحداهما: أن يكون الحج قد وجب على الميت ثم أخَّره لغير عذر إلى أن سافر للحج فمات في أثنائه، فهذا ينسجم مع الأصل الذي بنيت عليه؛ لأن الحج وجب عليه قبل أن يحج فلا تبرأ ذمته إلا بأن يُحجَّ عنه، ودليله "فدين الله أحق بالقضاء". وهنا يبرز إشكال جواز توكيل من يكمل الحج عنه أم وجوب توكيل من يستأنف عنه حجا جديدا في عام لاحق أو في نفس العام لكن مع الإتيان بجميع أركان الحج وجبر ما لم يمكن تداركه بدم. وهذا يتوقف على النظر إلى عبادة الحج وهل هي كل مترابط كالصلاة أم أعمال متفرقة كصيام أيام رمضان والأرجح الثاني لجواز الاستنابة في بعض أعمال الحج كالرمي مثلا. وعليه يكون الحكم هو وجوب أن يستنيب أولياء الميت من يكمل الحج عن ميتهم الذي مات وقد وجب عليه الحج إذا أمكنهم ذلك، فإن لم يفعلوا وجب عليهم أن يستنيبوا من يحج عنه في عام قابل (من تركته)

والحال الأخرى: أن لا يكون الحج وجب عليه إلا في العام الذي مات فيه فهذا لم يجب عليه من أركان الحج إلا ما أدَّاه فإن مات لم يجب الباقي عليه لانقطاع التكليف بالموت. ولا يجب على أوليائه أن يستنيبوا من يكمل حجه ولا من يستأنفه من عام قابل فإن فعلوا فهو تطوع.
ووزان المسألة في الصوم
الحالة الأولى: من نذر أن يصوم يوما فشرع فيه ثم مات وجب على وليه أن يصوم عنه أو أن يطعم لأن دين الله أحق بالقضاء ولعل الإطعام أولى للإجماع على وصول الصدقة عن الميت دون الصوم
والحالة الأخرى: من صام يوما من رمضان فمات في أثنائه فلا يقضى عنه هذا اليوم ولا تتمة الشهر لأنه لم يجب عليه من اليوم أو الشهر إلا ما صامه لانقطاع التكليف بالباقي بسبب الموت.
والله أعلم.
كم أنا في سعادة لمذاكرة العلم مع أمثالكم فضيلة الأخ الدكتور أيمن، فجزاكم الله خيراً.

وافقتموني في الأولى، والاتفاق حسن.

وبقيت الثانية.. ويشكل فيها: أن النسك يجب بالشروع فيه، بخلاف بقية العبادات من صوم وغيره.
وعليه: فكونه قد شرع فيه يجعل إتمامه لازماً، والاحتياط الواجب أن لا نسقط ذلك في حق من كان له تركة يمكن أن يستناب منها.

وقولكم -بارك الله فيكم- بأن التكليف انقطع بالموت يجاب عنه:
بأن الزكاة كما تجب في المال بعد الموت، وكذا الديون، فكذلك الحج.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

أخي أبو بكر، أحسنتم الجواب بارك الله فيكم
أرى أن نفرق بين حالين:
إحداهما: أن يكون الحج قد وجب على الميت ثم أخَّره لغير عذر إلى أن سافر للحج فمات في أثنائه، فهذا ينسجم مع الأصل الذي بنيت عليه؛ لأن الحج وجب عليه قبل أن يحج فلا تبرأ ذمته إلا بأن يُحجَّ عنه، ودليله "فدين الله أحق بالقضاء". وهنا يبرز إشكال جواز توكيل من يكمل الحج عنه أم وجوب توكيل من يستأنف عنه حجا جديدا في عام لاحق أو في نفس العام لكن مع الإتيان بجميع أركان الحج وجبر ما لم يمكن تداركه بدم. وهذا يتوقف على النظر إلى عبادة الحج وهل هي كل مترابط كالصلاة أم أعمال متفرقة كصيام أيام رمضان والأرجح الثاني لجواز الاستنابة في بعض أعمال الحج كالرمي مثلا. وعليه يكون الحكم هو وجوب أن يستنيب أولياء الميت من يكمل الحج عن ميتهم الذي مات وقد وجب عليه الحج إذا أمكنهم ذلك، فإن لم يفعلوا وجب عليهم أن يستنيبوا من يحج عنه في عام قابل (من تركته)

والحال الأخرى: أن لا يكون الحج وجب عليه إلا في العام الذي مات فيه فهذا لم يجب عليه من أركان الحج إلا ما أدَّاه فإن مات لم يجب الباقي عليه لانقطاع التكليف بالموت. ولا يجب على أوليائه أن يستنيبوا من يكمل حجه ولا من يستأنفه من عام قابل فإن فعلوا فهو تطوع.
ووزان المسألة في الصوم
الحالة الأولى: من نذر أن يصوم يوما فشرع فيه ثم مات وجب على وليه أن يصوم عنه أو أن يطعم لأن دين الله أحق بالقضاء ولعل الإطعام أولى للإجماع على وصول الصدقة عن الميت دون الصوم
والحالة الأخرى: من صام يوما من رمضان فمات في أثنائه فلا يقضى عنه هذا اليوم ولا تتمة الشهر لأنه لم يجب عليه من اليوم أو الشهر إلا ما صامه لانقطاع التكليف بالباقي بسبب الموت.
والله أعلم.
كم أنا في سعادة لمذاكرة العلم مع أمثالكم فضيلة الأخ الدكتور أيمن، فجزاكم الله خيراً.

وافقتموني في الأولى، والاتفاق حسن.

وبقيت الثانية.. ويشكل فيها: أن النسك يجب بالشروع فيه، بخلاف بقية العبادات من صوم وغيره.
وعليه: فكونه قد شرع فيه يجعل إتمامه لازماً، والاحتياط الواجب أن لا نسقط ذلك في حق من كان له تركة يمكن أن يستناب منها.

وقولكم -بارك الله فيكم- بأن التكليف انقطع بالموت يجاب عنه:
بأن الزكاة كما تجب في المال بعد الموت، وكذا الديون، فكذلك الحج.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

كم أنا في سعادة لمذاكرة العلم مع أمثالكم فضيلة الأخ الدكتور أيمن، فجزاكم الله خيراً.
وأنا كذلك ولكم الفضل في الابتداء


ويشكل فيها: أن النسك يجب بالشروع فيه، بخلاف بقية العبادات من صوم وغيره.
يجب بشرط الحياة، وإلا فلا يتصور الوجوب على من مات لانقطاع التكليف عنه بالإجماع


والاحتياط الواجب أن لا نسقط ذلك في حق من كان له تركة يمكن أن يستناب منها.

لا خلاف على حكم الاحتياط، ولكنه لا يرقى إلى الإيجاب لأن المال الآن حق الورثة فيكفي حكم التطوع

وقولكم -بارك الله فيكم- بأن التكليف انقطع بالموت يجاب عنه:
بأن الزكاة كما تجب في المال بعد الموت، وكذا الديون، فكذلك الحج.
بمضي الحول تجب الزكاة أما في أثناء الحول فلا فكذلك الحج إذا وجب فأخره فعليه القضاء أما إذا شرع فيه فلا يجب عليه إلا ما أداه منه دون الباقي
ثم إن الزكاة عبادة مالية تتعلق بالمال أساسا وأما الحج فعبادة ـ في الغالب ـ بدنية فافترقا
والزكاة تجب دفعة واحدة بمضي الحول ويرخص له التأخير اليسير ليتسنى له توزيعها، والحج لا يتصور فيه هذا
وعليه كان أولى قياس الحج على الصوم لا على الزكاة
أما الديون فشأن آخر، لأنا ننازع في كون ما تبقى من الحج بعد موته دينا أصلا، ففي القياس على الدين مصادرة على المطلوب
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

بمضي الحول تجب الزكاة أما في أثناء الحول فلا فكذلك الحج إذا وجب فأخره فعليه القضاء أما إذا شرع فيه فلا يجب عليه إلا ما أداه منه دون الباقي
ثم إن الزكاة عبادة مالية تتعلق بالمال أساسا وأما الحج فعبادة ـ في الغالب ـ بدنية فافترقا
والزكاة تجب دفعة واحدة بمضي الحول ويرخص له التأخير اليسير ليتسنى له توزيعها، والحج لا يتصور فيه هذا
وعليه كان أولى قياس الحج على الصوم لا على الزكاة
أما الديون فشأن آخر، لأنا ننازع في كون ما تبقى من الحج بعد موته دينا أصلا، ففي القياس على الدين مصادرة على المطلوب
يؤيد ما ذكرنا وجهان:

أولهما: أن فريضة الحج لا تسقط عمن عجز عن أدائه بنفسه وقدر على أدائه بغيره كولده. والنيابة فيها كما تجوز لأجل العجز فإنها تجوز لأجل الموت.
ثانيهما: أنها عبادة مالية بدنية، فمن عجز عنها ببدنه لزمه أن يحج عنه من ماله.

ولا يخفاكم أن أكثر الفقهاء قد غلّبوا الجانب المالي فيها بالنظر إلى تركة الميت كما في الزكاة والكفارات.

 
التعديل الأخير:

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

يؤيد ما ذكرنا وجهان:

أولهما: أن فريضة الحج لا تسقط عمن عجز عن أدائه بنفسه وقدر على أدائه بغيره كولده. والنيابة فيها كما تجوز لأجل العجز فإنها تجوز لأجل الموت.
ثانيهما: أنها عبادة مالية بدنية، فمن عجز عنها ببدنه لزمه أن يحج عنه من ماله.

ولا يخفاكم أن أكثر الفقهاء قد غلّبوا الجانب المالي فيها بالنظر إلى تركة الميت كما في الزكاة والكفارات.
فتح الله عليكم
هذا منحى آخر في بناء المسألة، وهو سليم لا غبار عليه على مذهب الذين فسروا شرط الاستطاعة بالبدن والمال أو بالمال وحده، وهو مذب الشافعي وأبي حنيفة. أما من فسروا الاستطاعة بالصحة والقوة ونحو ذلك كما هو مذهب مالك فلا يلزمهم ما ذكر والله أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

فتح الله عليكم
هذا منحى آخر في بناء المسألة، وهو سليم لا غبار عليه على مذهب الذين فسروا شرط الاستطاعة بالبدن والمال أو بالمال وحده، وهو مذب الشافعي وأبي حنيفة. أما من فسروا الاستطاعة بالصحة والقوة ونحو ذلك كما هو مذهب مالك فلا يلزمهم ما ذكر والله أعلم.
نعم، هو مبني على ما أرجحه من أن الاستطاعة التي يجب بتحققها الحج تشمل الزاد والراحلة وأمن الطريق وزوال الموانع

قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره(5/616): ( وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال بقول ابن الزبير وعطاء: إن ذلك على قدر الطاقة؛ لأن السبيل في كلام العرب الطريقُ. فمن كان واجداً طريقاً إلى الحج لا مانع له منه، من زَمانة، أو عجز، أو عدو، أو قلة ماء في طريقه، أو زادٍ، أو ضعفٍ عن المشي، فعليه فرضُ الحج، لا يجزئه إلا أداؤه ) إلى أن قال: ( وإنما قلنا: هذه المقالة أولى بالصحة مما خالفها؛ لأن الله عز وجل لم يخصص –إذ ألزم الناسَ فرضَ الحج- بعض مستطيعي السبيل إليه بسقوط فرض ذلك عنه. فذلك على كل مستطيع إليه سبيلاً بعموم الآية. فأما الأخبار التي رُويَت عن رسول الله
salah.gif
في ذلك بأنه الزاد والراحلة فإنها أخبار في أسانيدها نظر، لا يجوز الاحتجاج بمثلها في الدين ).

قلت: وهذا هو الأجود في تفسيرها والذي يتناسب مع لفظ الآية وعمومها، والله أعلم
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

قال ابن عبد البر في الاستذكار (4/ 164)
وَأَمَّا اخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ [يقصد حديث الخثعمية] الَّذِي لَهُ سُنَّ وَذَلِكَ حَجُّ الْمَرْءِ عَنْ مَنْ لَا يُطِيقُ الْحَجَّ مِنَ الْأَحْيَاءِ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَخْصُوصٌ بِهِ أَبُو الْخَثْعَمِيَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى بِهِ إِلَى غَيْرِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آلِ عِمْرَانَ 97 وَلَمْ يَكُنْ أَبُو الْخَثْعَمِيَّةِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لَمَّا لَمْ يَسْتَطِعْ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَخُصَّ بِأَنْ يُقْضَى عَنْهُ وَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَخُصَّتِ ابْنَتُهُ أَيْضًا أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا وَهُوَ حَيٌّ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ قَالُوا خُصَّ أَبُو الْخَثْعَمِيَّةِ وَالْخَثْعَمِيَّةُ بِذَلِكَ كَمَا خُصَّ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بِرَضَاعِهِ فِي حَالِ الْكِبَرِ
وَهَذَا مِمَّا يَقُولُ بِهِ الْمُخَالِفُ فَيَلْزَمُهُ
وَرُوِيَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعِكْرِمَةَ وعطاء والضحاك
قال ابن الزُّبَيْرِ وَالِاسْتِطَاعَةُ الْقُوَّةُ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ الِاسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةُ
وَقَالَ أَشْهَبُ قِيلَ لِمَالِكٍ الِاسْتِطَاعَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ قَالَ لَا وَاللَّهِ وَمَا ذَاكَ إِلَّا عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ فَرُبَّ رَجُلٍ يَجِدُ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَسِيرِ وَآخَرُ يَقْوَى يَمْشِي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ تَكُونُ فِي الْبَدَنِ وَالْقُدْرَةِ وَتَكُونُ أَيْضًا بِالْمَالِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِبَدَنِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ
وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالسُّدِّيِّ كُلُّهُمْ وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ يَقُولُونَ السَّبِيلُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ السَّبِيلُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا مُرْسَلَةٌ وَمِنْهَا ضَعِيفَةٌ
وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ تَكُونُ بَالْمَالِ وَتَكُونُ بِالْبَدَنِ
وَتَقُولُ الْعَرَبُ أَنَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَبْنِيَ دَارِي يَعْنِي بِمَالِهِ
وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا يُشْبِهُهُ ذَلِكَ وَالِاحْتِجَاجُ لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ يَطُولُ وَلَيْسَ هُنَا مِمَّا قُصِدَ بِهِ إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْنَا أُصُولَ ذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

فبان بهذا النقل أن الجمهور على ما ذكرنا أولاً من أن الاستطاعة يدخل فيها الجانب المالي، والله أعلم
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

قال أ.د. عبد المجيد صلاحين في رسالته "مفردات المذهب المالكي في العبادات": إن حديث الخثعمية صحيح وصريح في المسألة، وردود المالكية عليه من الوَهَن بمكان، ذلك أن مبنى جلها على نفي وجوب الحج عن المرأة الخثعمية نفسها، ولم يقل أحد من الفقهاء بأن الحج واجب عليها، ذلك أن أباها إذا كان الحج وجب عليه وهو شيخ كبير، وكان قادراً على الاستنابة والاستئجار ولم يفعل فلا يعني هذا أن الحج واجب على ورثته.
وبعبارة أخرى: فوجوب الاستنابة عن المعضوب شيء، ووجوبها على ورثته إذا لم يفعل شيء آخر، وأن تفريطه لا يستلزم وجوب الحج على ورثته إلا أن يتطوع الورثة فيحجوا عن أبيهم...
إلى أن قال: وأما آية الاستطاعة؛ فلا شك أن الاستطاعة المالية نوع من أنواع الاستطاعة يبقى تردد الحج بين العبادات المالية والبدنية، والحق أن وجود الجانب المالي في الحج يدفع إلى القول بأن من الاحتياط للدين إيجاب الاستنابة عن المعضوب.
ثم إن الاستنابة مشروعة في أعمال الحج كالاستنابة في رمي الجمار والاستنابة في ذبح الهدي وغيره، فإذا كانت الاستنابة داخلة في أعمال الحج وواجباته فيمكن أن تكون داخلة في أصله....
ثم قال: وبهذا يترجح لدي أن المعضوب تجب عليه الاستنابة إذا كان عنده من المال ما يستأجر به، ووجد من يستنيبه. أهـ

 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مات قبل أن يطوف للإفاضة.. هل يؤدى عنه بقية الحج؟

فتبين من كلام الشيخ صلاحين أن قول المالكية المذكور قول ضعيف، وأن ما قررناه موافق للسنة وأكثر ظهوراً. وبالله تعالى التوفيق
 
أعلى