أبوبكر بن سالم باجنيد
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 13 يوليو 2009
- المشاركات
- 2,540
- التخصص
- علوم
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
وقف بعرفة ورمى وحلق، ولكن مات قبل أن يطوف للإفاضة..
فهل يُحَج عنه؟
قال الإمام البخاري في صحيحه: ( بَابُ المُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الحَجِّ )
قال ابن بطال: وفيه دليل أن من شرع فى عمل من عمل الطاعات وصحت فيه نيته الله، وحال بينه وبين تمامه الموت؛ فإن الرجاء قوي أن الله قد كتبه فى الآخرة من أهل ذلك العمل وتقبله منه، ويشهد لهذا قوله تعالى: ((وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ)). أهـ
قال الحافظ في الفتح: (قَوْلُهُ بَابُ الْمُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الْحَجِّ) يَعْنِي لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ. أهـ
قلت: هنا مربط الفرس؛
1- فقد يقال: إن عدم النقل ليس نقلاً للعدم، وإن الأصل أنه لم يتم الحج، ومن لم يطف للإفاضة لم يتم حجه.
2- وقد يقال: هذا مقام البيان ولم يبين، وتأخير البيان عن وقته لا يجوز وقوعه.
في "نهاية المطلب" لأبي المعالي الجويني ما قد يفيد شيئاً في الباب:
( الفصل الثالث
في موت الأجير في الحج وقبله
2760- الكلام في هذا الفصل يستدعي تقديمَ القول في أصل مقصود، وهو أن الإنسان إذا كان يحج عن نفسه، فمات أثناء الحج، فهل يُتَصَوَّر البناء على حجه؟ حتى يفرضَ استنابةُ نائب يقوم مقامه في بقية الأعمال؟ في المسألة قولان: أحد القولين - أن ذلك لا يسوغ؛ فإن العبادة واحدةٌ، فتعلّقها بشخصين محالٌ، وسيتضح عُسر ذلك في التفريع.
والقول الثاني: إنه جائز؛ فإنه إذا أمكن إنابة شخص في كل العبادة، مَناب شخص، لم يبعد ذلك في البعض.
التفريع على القولين:
إن قلنا: لا سبيل إلى البناء، فكما مات الخائض في الحج، انقطع العمل، وحَبِط ما قدمه، ويجب تحصيل حجة تامة مِن تركته إذا كان قد استقرت الحجة في ذمته.
وإن قلنا: إن البناء مُسوَّغ، فنذكر صورتين:
إحداهما - أن يموت قبل الوقوف.
والثانية - أن يموت بعده.
فإن مات قبل الوقوف فسبيل الإنابة عنه أن يستأجر من يُحرم ابتداءً، ويقفُ ويتمادى إلى آخر الحج، على ترتيبه، ثم قد يقع هذا الإحرام من قُرب المعرَّف، ولا بأس؛ فإن من ينصرف هذا إليه قد كان أحرم من الميقات قبل الممات، وذلك معتد به.
فأما إذا مات بعد الوقوف بعرفة، فليتأمل الناظر عند ذلك ما يُلْقَى إليه؛ فإنه مظنة إشكال، وقد اضطربت الطرق لأجله:
-قال العراقيون: المستناب لا بد وأن يُحرم؛ فإن بقية الأعمال لا تتأتى إلاّ من محرِم، والإحرامُ بالحج -وقد انقضى أشهر الحج بطلوع فجر يوم النحر- محالٌ، على مذهب الشافعي.
قالوا: فالوجه أن يحرم المستناب بعمرة، ويطوفَ، ويسعى، وكان بقي على الذي مات الطوافُ والسعي ركنين، فيقع طوافُ المستناب المعتمِر وسعيُه سادّاً مسد الطوافِ والسعي، اللذين كانا بقيا على الميت مع حجه، والمستناب ينويه بالعمرة.
وهذا فيه إشكال ظاهر؛ من جهة أن العمرة يبعد أن تسد مسد الحج.
-وذكر المراوزة مسلكاً آخر، فقالوا: المستناب يُحرم بالحج إحراماً ناقصاً، وزعموا أن تجويز الاستنابة لا يطَّرد إلاّ على تجويز ذلك، ثم هؤلاء قالوا: الإحرام بالحج إنما يمتنع في غير أشهر الحج إذا كان إحراماً تامّاً، فأما الإحرام الناقص، فلا امتناع فيه. وهذا كما أن الإحرام الناقص يبقى دائماً مع انقضاء أشهر الحج، فتقدير الابتداء على النقصان كتقدير الدوام.
ثم من سلك مسلك العراقيين، ذهب إلى أن المستناب المعتمرَ، لا يبيت ولا يرمي، ولا يأتي بشيء من مناسك منى؛ فإنها أتباعُ انتهاء الحج. والعمرة لا تقتضي شيئاً من ذلك.
ومن قال من المراوزة: إن المستناب يُحرم إحراماً ناقصاً ببقية الحج، فالمستناب يأتي بمناسك منى؛ فإنه في الحج. وذكر هؤلاء أنه لو مات الحاج بعد أن تحلل أحدَ التحللين، فالمستناب يأتي بإحرامٍ حُكْمه أن لا يَمنَع اللُّبسَ والقَلْمَ على التفصيل المذكور. وهذا جارٍ على قياسهم.
ولو مات الحاج بعد التحللين، فلست أرى على قياسِ المراوزة وجهاً لجواز الاستنابة في المناسك الواقعة وراء التحللين؛ فإن ذلك لا يتأتى إلاّ ممن سبق منه إحرام، ثم هذه المناسك تتبع الإحرام السابق.
فأما الإتيان بها من غير تقدّم إحرامٍ، فبعيد. هذا ما أراه.
فالوجه الرجوع فيها إلى أبدالها، وهذا أولى فيها من اقتحام مُحالٍ، وليس كالطواف والسعي؛ فإنه لا بدل لهما، فاضطررنا إلى تصوير الإنابة.
فهذا منتهى قولنا في البناء على الحج ).
في مسائل أبي داود: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ بِمِنًى يُقْضَى عَنْهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَنَاسِكِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: يَفْعَلُهُ الَّذِي هُوَ حَاجٌّ عَنْ نَفْسِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَيُوقَفُ عَنْهُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَعْنِي: إِنْ لَمْ يَقِفْ؟ قَالَ: نَعَمْ ".
وفي "مواهب الجليل": وَأَمَّا الْوُقُوفُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى رُكْنِيَّتِهِمَا نَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْوُقُوفِ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْقَبَّابُ وَنَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي الْإِكْمَالِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ، وَإِنْ كَانَ الطَّحَاوِيُّ حَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ نَابَ الدَّمُ مَنَابَهُ حَكَاهُ فِي الطِّرَازِ. أهـ
قلت: ذهب كثير من علمائنا المعاصرين إلى أن من مات قبل طواف الإفاضة فإنه لا يقضى عنه حجه ذلك أخذاً بما ظهر لهم من الحديث، والأقرب عندي إلى موافقة الأصل: وجوب إتمام الحج المفروض عنه. والله أعلم
فهل يُحَج عنه؟
قال الإمام البخاري في صحيحه: ( بَابُ المُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الحَجِّ )
قال ابن بطال: وفيه دليل أن من شرع فى عمل من عمل الطاعات وصحت فيه نيته الله، وحال بينه وبين تمامه الموت؛ فإن الرجاء قوي أن الله قد كتبه فى الآخرة من أهل ذلك العمل وتقبله منه، ويشهد لهذا قوله تعالى: ((وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ)). أهـ
قال الحافظ في الفتح: (قَوْلُهُ بَابُ الْمُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الْحَجِّ) يَعْنِي لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ. أهـ
قلت: هنا مربط الفرس؛
1- فقد يقال: إن عدم النقل ليس نقلاً للعدم، وإن الأصل أنه لم يتم الحج، ومن لم يطف للإفاضة لم يتم حجه.
2- وقد يقال: هذا مقام البيان ولم يبين، وتأخير البيان عن وقته لا يجوز وقوعه.
في "نهاية المطلب" لأبي المعالي الجويني ما قد يفيد شيئاً في الباب:
( الفصل الثالث
في موت الأجير في الحج وقبله
2760- الكلام في هذا الفصل يستدعي تقديمَ القول في أصل مقصود، وهو أن الإنسان إذا كان يحج عن نفسه، فمات أثناء الحج، فهل يُتَصَوَّر البناء على حجه؟ حتى يفرضَ استنابةُ نائب يقوم مقامه في بقية الأعمال؟ في المسألة قولان: أحد القولين - أن ذلك لا يسوغ؛ فإن العبادة واحدةٌ، فتعلّقها بشخصين محالٌ، وسيتضح عُسر ذلك في التفريع.
والقول الثاني: إنه جائز؛ فإنه إذا أمكن إنابة شخص في كل العبادة، مَناب شخص، لم يبعد ذلك في البعض.
التفريع على القولين:
إن قلنا: لا سبيل إلى البناء، فكما مات الخائض في الحج، انقطع العمل، وحَبِط ما قدمه، ويجب تحصيل حجة تامة مِن تركته إذا كان قد استقرت الحجة في ذمته.
وإن قلنا: إن البناء مُسوَّغ، فنذكر صورتين:
إحداهما - أن يموت قبل الوقوف.
والثانية - أن يموت بعده.
فإن مات قبل الوقوف فسبيل الإنابة عنه أن يستأجر من يُحرم ابتداءً، ويقفُ ويتمادى إلى آخر الحج، على ترتيبه، ثم قد يقع هذا الإحرام من قُرب المعرَّف، ولا بأس؛ فإن من ينصرف هذا إليه قد كان أحرم من الميقات قبل الممات، وذلك معتد به.
فأما إذا مات بعد الوقوف بعرفة، فليتأمل الناظر عند ذلك ما يُلْقَى إليه؛ فإنه مظنة إشكال، وقد اضطربت الطرق لأجله:
-قال العراقيون: المستناب لا بد وأن يُحرم؛ فإن بقية الأعمال لا تتأتى إلاّ من محرِم، والإحرامُ بالحج -وقد انقضى أشهر الحج بطلوع فجر يوم النحر- محالٌ، على مذهب الشافعي.
قالوا: فالوجه أن يحرم المستناب بعمرة، ويطوفَ، ويسعى، وكان بقي على الذي مات الطوافُ والسعي ركنين، فيقع طوافُ المستناب المعتمِر وسعيُه سادّاً مسد الطوافِ والسعي، اللذين كانا بقيا على الميت مع حجه، والمستناب ينويه بالعمرة.
وهذا فيه إشكال ظاهر؛ من جهة أن العمرة يبعد أن تسد مسد الحج.
-وذكر المراوزة مسلكاً آخر، فقالوا: المستناب يُحرم بالحج إحراماً ناقصاً، وزعموا أن تجويز الاستنابة لا يطَّرد إلاّ على تجويز ذلك، ثم هؤلاء قالوا: الإحرام بالحج إنما يمتنع في غير أشهر الحج إذا كان إحراماً تامّاً، فأما الإحرام الناقص، فلا امتناع فيه. وهذا كما أن الإحرام الناقص يبقى دائماً مع انقضاء أشهر الحج، فتقدير الابتداء على النقصان كتقدير الدوام.
ثم من سلك مسلك العراقيين، ذهب إلى أن المستناب المعتمرَ، لا يبيت ولا يرمي، ولا يأتي بشيء من مناسك منى؛ فإنها أتباعُ انتهاء الحج. والعمرة لا تقتضي شيئاً من ذلك.
ومن قال من المراوزة: إن المستناب يُحرم إحراماً ناقصاً ببقية الحج، فالمستناب يأتي بمناسك منى؛ فإنه في الحج. وذكر هؤلاء أنه لو مات الحاج بعد أن تحلل أحدَ التحللين، فالمستناب يأتي بإحرامٍ حُكْمه أن لا يَمنَع اللُّبسَ والقَلْمَ على التفصيل المذكور. وهذا جارٍ على قياسهم.
ولو مات الحاج بعد التحللين، فلست أرى على قياسِ المراوزة وجهاً لجواز الاستنابة في المناسك الواقعة وراء التحللين؛ فإن ذلك لا يتأتى إلاّ ممن سبق منه إحرام، ثم هذه المناسك تتبع الإحرام السابق.
فأما الإتيان بها من غير تقدّم إحرامٍ، فبعيد. هذا ما أراه.
فالوجه الرجوع فيها إلى أبدالها، وهذا أولى فيها من اقتحام مُحالٍ، وليس كالطواف والسعي؛ فإنه لا بدل لهما، فاضطررنا إلى تصوير الإنابة.
فهذا منتهى قولنا في البناء على الحج ).
في مسائل أبي داود: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ بِمِنًى يُقْضَى عَنْهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَنَاسِكِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: يَفْعَلُهُ الَّذِي هُوَ حَاجٌّ عَنْ نَفْسِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَيُوقَفُ عَنْهُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أَعْنِي: إِنْ لَمْ يَقِفْ؟ قَالَ: نَعَمْ ".
وفي "مواهب الجليل": وَأَمَّا الْوُقُوفُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى رُكْنِيَّتِهِمَا نَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْوُقُوفِ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْقَبَّابُ وَنَصَّ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى رُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي الْإِكْمَالِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ، وَإِنْ كَانَ الطَّحَاوِيُّ حَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ نَابَ الدَّمُ مَنَابَهُ حَكَاهُ فِي الطِّرَازِ. أهـ
قلت: ذهب كثير من علمائنا المعاصرين إلى أن من مات قبل طواف الإفاضة فإنه لا يقضى عنه حجه ذلك أخذاً بما ظهر لهم من الحديث، والأقرب عندي إلى موافقة الأصل: وجوب إتمام الحج المفروض عنه. والله أعلم