العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

صيام يوم عاشوراء للمسلمين وصيام اليهود.

محمد ال عمر التمر

:: مطـًـلع ::
إنضم
30 أغسطس 2008
المشاركات
130
التخصص
غير متخصص
المدينة
المدينة
المذهب الفقهي
شافعي
هذا مقال يبحث الجانب التاريخي حول عاشوراء بين اليهود والمسلمين للدكتور علي وافي قرأته قديما في مجلة الوعي الإسلامي الكويتية ولكن أظن أن بعض ما ذهب إليه يحتاج إلى نقد :

في الثامن عشر من سبتمبر احتفل اليهود بيوم من أعظم أيامهم وهو اليوم العاشر من شهر تشرى العبري (سنة 5733 من بدء الخليقة بحسب ما يزعمون)
وشهر تشرى هو أول الشهور في سنتهم المدنية وإن كان سابعها ي سنتهم الدينية، لأن سنتهم الدينية تبدأ بشهر نيسان ويسمى هذا اليوم عندهم يوم (عاشور) لوقوعه في العاشر من الشهر ويسمى كذلك (يوم كبور) أي يوم الكفارة لأن اليهود يصومونه راجين بصومهم هذا أن يكفر الله عنهم ما اقترفوه من آثام في أثناء العام المنصرم، وقد جاء أمر اليهود بتعظيم هذا اليوم وصيامه وعدم مزاولة الأعمال فيه في عدة فقرات من أسفار توراتهم وعهدهم القديم " سفر اللاويين فقرة 29 وتوابعها من إصحاح 16" وفقرة 27 وتوابعها من إصحاح 23 ، وسفر العدد فقرة 7 من إصحاح 29 .. وفي مواضع أخرى كثيرة " ويزعم اليهود أنه لم يفرض عليهم من الصيام إلا صيام هذا اليوم وأما الأيام الأخرى التي يصومونها فيعتقدون أن صيامهم فيها نافلة.
وهذا يوم عاشوراء اليهود أو يوم (كبور).
وأما عاشوراء المسلمين فهو اليوم العاشر من الشهر الأول من السنة العربية. وهو شهر المحرم فيتفق مع عاشوراء اليهود في أن كليهما عاشر يوم ن أول شهر من السنة، وإن كان العاشر من أول شهر من شهور السنة العبرية قلما يتفق ميقاته مع العاشر من أول شهر من شهور السنة العربية. ويرجع السبب في ذلك إلى أن السنة العبرية سنة قمرية ـ شمسية، مقدارها اثنا عشر شهرا قمريا، ويزاد عليها كل ثلاث سنين شهر يسمى آذار الثاني لتساير السنين الشمسية أو تقرب منها علي حين أن السنة العربية سنة قمرية خالصة مقدارها اثنا عشر شهرا قمريا ولا يزاد على شهورها شيء ما.
وكما يطلق على العاشر من المحرم اسم عاشوراء يطلق على التاسع منه اسم تاسوعاء وهاتان التسميتان عربيتان على الأصح وليستا معربتين من العبرية ولا من لغة أخرى.
وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث يدعو فيها إلى صيام العاشر من المحرم كما رويت عنه أحاديث أخرى يدعو فيها إلى صيام التاسع والحادي عشر منه، واستخلص ابن قيم الجوزية من الأحاديث الواردة في هذا الصدد أن أكمل الحالات أن يصام يوم عاشوراء ويوم قبله ويوم بعده، ويليها أن يصام تاسوعاء وعاشوراء فقط ويلي ذلك إفراد عاشوراء بالصوم.
هذا وقد ورد في النشأة الأولى لصيام يوم عاشوراء حديثان أحدهما ما رواه البخاري عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم المدينة يم عاشوراء فإذا اليهود صيام، فسألهم عن ذلك فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجّا فيه موسى وبني إسرائيل فقال: نحن أولى بموسى منكم وإني لأحتسب هذا اليوم ذنوب العام السابق له، فصامه وأمر المسلمين بصيامه..
والآخر ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما كذلك عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فُرض رمضان فقال من شاء فليصمه ومن شاء أفطر.
ويظهر في بادئ الرأي أن في هذين الحديثين مجالا للنظر من أربعة وجوه:
أولها: أنه يظهر من الحديث الأول أن النشأة الأولى ليصام عاشوراء عند المسلمين كانت يوم أن قدم الرسول عليه السلام المدينة في هجرته إليها وعلم أن اليهود يصومونه على حين أنه يظهر من الحديث الثاني أن صيام يوم عاشوراء يرجع إلى أصل جاهلي قديم سابق بأمد طويل لهجرته صلى الله عليه وسلم.
وثانيها: أنه يظهر من الحديث الأول أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صامه وأمر المسلمين بصيامه تكريما لموسى عليه السلام واستصحابا لشعيرة من شعائر دينه. على حين أنه يظهر من الحديث الثاني أن الرسول صلى الله لعيه وسلم قد صامه وأمر المسلمين بصيامه إقراره لشعيرة كانت قريش تسير عليها في الجاهلية واستصحابه لهذه الشعيرة، وأن المسلمين ظلوا على هذا الأساس يصومونه وجوبا إلى أن فُرض صيام رمضان.
ثالثها أنه يظهر من الحديث إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في هجرته إليها في اليوم العاشر من المحرم مع أن الثابت أنه قدمها يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول الموافق 20 سبتمبر سنة 622 ميلادية وكان هذا اليوم يوافق اليوم العاشر من شهر نشرى العبري سنة 4383 من بدء الخليقة بحسب ما يزعمه اليهود، وهو يوم عاشوراء عندهم أو يوم (كبور). وقد تأكد ذلك من تحقيق للعلامتين أبي الريحان البيروني في كتابه الآثار، ومحمود باشا الفلكي في كتابه بالفرنسية التقويم العربي قبل الإسلام.
ورابعها: أنه قد ورد في الحديث الثاني أن اليهود يصومون عاشوراءهم تخليدا لذكرى اليوم الذي نجّا الله تعالى فيه موسى وبني إسرائيل ويسر لهم الخروج من مصر وأغرق فرعون وجنده، مع أن الثابت أن اليهود يصومونه للاستغفار وطلب العفو والتكفير عما ارتكبوه من ذنوب في العام المنصرم كما تصرح بذلك نصوص العهد القديم التي أشرنا إليها فيما سبق وكما يدل عليه الاسم نفسه الذي يطلقونه على هذا اليوم يوم (كبور) أي يوم الكفارة.
وأما اليوم الذي يحتفلون فيه بذكرى نجاة موسى وبني إسرائيل وخروجهم من مصر وغرق فرعون وجنده فهو اليوم الثامن والأخير من أيام احتفالهم بعيد الفصح Pesakh فِصَحْ أي الفسح أو الخروج أو المرور ويسميه الفرنجة باك، ويجيء في الحادي والعشرين من شهر نيسان وهو أول الشهور في سنتهم الدينية "يجيء عيد الفصح عندهم في اليوم الرابع عشر من شهر نيسان ويمتد احتفالهم به سبعة أيام بعد يوم العيد نفسه فينتهي احتفالهم به في اليوم الحدي والعشرين من شهر نيسان وهو اليوم الذي تذكر التوراة أن الله أغرق فيه فرعون وجنده ونجا موسى وبني إسرائيل ويسر لهم الخروج من مصر" وعيد الفصح والأيام السبعة التالية له ليست أيام صيام عندهم بل هي أيام توسعة في المأكل والمشرب فعند غروب الشمس من يوم عيد الفصح تذبح كل أسرة يهودية خروفا بلون واحد لا شية فيه وتلطخ جدران المنزل بدمه ويأكل أفرادها منه في أثناء الليل مع خبز بدون خميرة ويمتد أكل هذا الخبز سبعة أيام بعد عيد الفصح. (انظر فقرات 5 ـ 9 من إصحاح 23 من سفر اللاويين وقد اقتصر هذا السفر على أكل الخبز المذكور مدة سبعة أيام تبدأ من اليوم الخامس عشر مع تقديم ضحايا محرقة (تحرق في المذبح) للرب في هذه الأيام. ويطهر أن ذبح خروف ليلة الخامس عشر وتلطيخ جدران المنزل بدمه وأكل أفراد الأسرة منه هي طقوس زادها أحبار اليهود وفقهاؤهم على ما ورد في سفر اللاويين.

ولما كان الحديثان صحيحين لورودهما في البخاري ومسلم وقوة سندهما فلا مجال إذن للطعن فيهما أو في أحدهما بالضعف ويجب تفسيرهما تفسيرا يدفع جميع الشبهات السابق ذكرها.
وأمثل طريق لذلك في نظري هو أن يكون المراد بيوم عاشوراء الوارد ذكره في الحديث الأول عاشورا اليهود وهو العاشر من شهر تشرى العبري سنة 4383 من بدء الخليقة بحسب ما يزعمه اليهود، وهو اليوم الذي قدم فيه الرسول صلى الله لعيه وسلم المدينة في هجرته إليها وأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما رأى اليهود صائمين هذا اليوم صامه هو كذلك في هذه السنة بالذات وطلب إلى المسلمين أن يصوموه تكريما لموسى عليه السلام ولشرائعه، ولعله كان كذلك للابتهاج بالمناسبة الإسلامية الخطيرة التي اتفق حدوثها في هذا اليوم وهي نهاية مرحلة هجرته عليه السلام إلى المدينة.
وليس في الأحاديث النبوية ولا في أخبار التاريخ الإسلامي ما يدل على أن المسلمين قد صاموا يوم عاشوراء اليهود صوما جماعيا أو طلب إليهم ذلك في غير هذه السنة فهو إن صيام قد حدث في الإسلام على هذه الصورة مرة واحدة فحسب.
وأما يوم عاشوراء الذي ورد ذكره في الحديث الثاني فهو يوم عاشوراء المسلمين أو يوم عاشوراء العرب، وهو العاشر من شهر المحرم العربي وكانت قريش تصومه في الجاهلية وقد أقر الرسول عليه السلام شريعتهم في هذا الصدد، فظل المسلمون يصومونه وجوبا كل عام إلى أن فُرض صيام رمضان فأصبح صيام عاشوراء مستحبا فقط، أي أنهم قد صاموه وجوبا في السنة الثانية من الهجرة، لأن الآيات التي فُرض فيها صيام رمضان قد نزلت على الراجح يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان من السنة الثانية من الهجرة أي بعد العاشر من محرم من هذه السنة.
وبذلك تسقط جميع الشبهات التي تنطوي عليها الاعتراضات الثلاثة الأولى لأن منشأ هذه الشبهات راجع إلى توهم أن يوم عاشوراء الوارد في الحديثين كليهما هو العاشر من شهر المحرم العري.
ولا يبقى بعد ذلك إلا الشبهة التي وردت في الاعتراض الرابع وهي الخاصة بالخطأ في تعليل صيام يوم (كبور) فقد جاء في الحديث الأول أن هذا الصوم لتخليد اليوم الذي نجّا الله فيه موسى وبني إسرائيل ويسر لهم الخروج من مصر وأغرق فرعون وجنده مع أن الغرض من صيامه عند اليهود هو طلب التكفير عن ذنوبهم في العام المنصرم كما سبق بيان ذلك.
وتدفع هذه الشبهة بأن الذين ذكروا هذا الغرض غير الصحيح هم بعض أفراد من يهود المدينة سئلوا عن ذلك وكانوا قليلي المعرفة بشعائرهم وحكمتها وأغراضها فالتبست عليهم أغراض عيد (كبور) بعيد الفصح، وألصقوا بالعيد الأول الأغراض التي من أجلها يُحتفل بالعيد الثاني وكان معظم يهود المدينة من عوام اليهود، بل كان منهم من ينحدر من أمم أخرى غير شعب بني إسرائيل واعتنق اليهودية بدون علم بتفاصيل شريعتها وهو الذين كان يطلق الإسرائيليون على أممهم اسم الأمميون لأن اللغة العبرية تنسب إلى الجمع وفي هؤلاء يقول القرآن الكريم { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون}
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم بإلهام من الله عز وجل قد قصد إلى إصلاح هذا الخطأ والإشارة إلى الغرض الصحيح من صيام يوم (كبور) حينما قال في الحديث الذي نحن بصدده " نحن أولى بموسى منكم، وإني لأحتسب إلى الله أن يكفّر بصيام هذا اليوم ذنوب العام السابق له"
انتهى
 
أعلى