العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

العلائي الحافظ يسأل والسبكي الإمام يجيب

إنضم
1 ديسمبر 2011
المشاركات
4
الكنية
أبو محمد
التخصص
دراسات إسلامية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
[ (مسألة)
وردت من القدس أرسلها الحافظ صلاح الدين العلائي صورتها:
المسئول من سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام الجواب عن مسألة وقعت في الديار المصرية:
وهي أنه إذا حلف لا يقرأ القرآن، هل يحنث بقراءة البعض أو يتوقف الحنث على قراءة الجميع ؟
ولو حلف ليقرأن القرآن هل يبرأ بقراءة بعضه أو لا يبرأ إلا بقراءة كله ؟
وربما يختلج في الذهن: أنه في جانب النفي يحنث بالبعض وفي جانب الإثبات لا يبرأ إلا بقراءة الجميع.
فهل هذا صحيح أم لا؟ وإن كان كذلك فما الفرق ؟
وهل لفظ القرآن من الألفاظ المتواطئة التي تطلق على القليل والكثير؟
فينبغي أن يطرد ذلك في جانب النفي والإثبات
أو لا يطلق إلا على الجميع وتكون الألف واللام للعهد فلا يفترق الحال في النفي والإثبات.
ويكون ذلك من صدقات مولانا قاضي القضاة - أحسن الله - إليه وأدام أنعمه عليه.
(الجواب)
الحمد لله، إذا حلف لا يقرأ القرآن لا يحنث إلا بقراءة الجميع. وإذا حلف ليقرأن القرآن لا يبرأ إلا بقراءة الجميع.
ولا يحنث بقراءة بعضه في المسألة الأولى ولا يبرأ بقراءة بعضه في الثانية.

وما ذكر أنه يختلج في الذهن من الحنث ببعضه في جانب النفي وعدم البر ببعضه في الإثبات لا مستند له وليس بصحيح.
فإن المدلول في الإثبات والنفي لا يختلف في هذا المقام، ولا فرق بين المقامين في كل منهما، فالحكم متعلق بكل القرآن لا ببعضه، والحكم في الأولى الحنث، وفي الثانية البر.
ولفظ القرآن من الألفاظ المتواطئة: تطلق على كل القرآن وعلى بعضه عند التجرد من الألف واللام، وعند الاقتران بها إذا أريد بها مطلق الماهية.
ويطلق على ما يراد به إذا اقترن بالألف واللام وأريد بها معهودا إما كله وإما بعضه.
فإن اقترن بالألف واللام ولم يكن معهودا، ولا أريد مطلق الماهية، كانت الألف واللام للعموم، فيحمل على جميع القرآن لأنه جميع ما تصلح له اللفظة.
لأن لفظ القرآن لم يطلق على غير الكتاب العزيز بالحقيقة.
وليس هذا كالحلف على أنه لا يشرب الماء والعسل وغير ذلك من الألفاظ المتواطئة، حيث يحمل على القليل والكثير، ويحنث بالبعض.
لأن تلك الحقائق أفرادها كثيرة لا تتناهى، فلا يمكن الحمل فيها على العموم.
بخلاف لفظ القرآن، فإن أفراده سور القرآن وآياته، والحمل فيها على العموم ممكن، فوجب المصير إليه عند عدم العهد لما قدمنا أنه لم يطلق على غير الكتاب العزيز.

وما أفهمه كلام السائل من أنه إذا كان من الألفاظ المتواطئة ينبغي أن يطرد في جانب النفي والإثبات - وهو كذلك - وكما قدمناه، وما أفهمه من كونه إذا كان لا يطلق إلا على الجميع تكون الألف واللام للعهد ليس بينهما تلازم، بل قد تكون الألف واللام للعهد، وهو مطلق على القليل والكثير ولا يفترق الحال بين النفي والإثبات.
وينبغي أن يعلم أن قولنا القرآن اسم للكل والبعض، مرادنا بالألف واللام مطلق الماهية.
فإن أراد السائل لفظ القرآن المقترن بالألف واللام عند الإطلاق.
فجوابه: أنه الكل لا البعض، لا من حيث كونه اسما للكل بل بقرينتين:
إحداهما: دخول الألف واللام.
والثانية: عن العهد وعن إرادة الماهية.
فإن أطلق مطلق أن القرآن بالألف واللام اسم للكل، كان مصيبا في المعنى مخطئا في العبارة.
لأنا لا نسمي مثل ذلك اسما، فإن الاسم: ما كان موضوعا للمعنى، وقرآن المنكر: موضوع للماهية الصالحة لكله ولبعضه، والمعرف لم يوضع وحده إنما هو مركب من كلمتين المنكر الكلي والأداة المعممة عند عدم العهد.
هذا جواب السائل نفع الله به.
وأما قوله إنها وقعت في الديار المصرية فعجيب لأن هذه المسألة من المشهورات.
......................... . ] إلى نهاية جوابه رحمه الله
فتاوى السبكي (422/2)

والسؤال هنا: كم هو عدد الأئمة الذين يحسنون الجواب بمثل هذا التأصيل والتشقيق.
والمتتبع لفتاوى السبكي يجد قدرة باهرة منه على استخراج المباحث من النصوص بالقوة، كحال المجتهد ابن دقيق العيد رحمهم الله جميعا.
وأما الكلام على هذه الفتوى بالخصوص فهي أرفع من أن يتكلم عليها أمثالي.
والله الموفق
 
أعلى