العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل يسوغ اعتبار المصة الواحدة رضعة من الرضعات الخمس التي تحرِّم ؟

مساعد أحمد الصبحي

:: مطـًـلع ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
143
الكنية
أبو سعود
التخصص
عقيدة
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
الحمد لله ... وبعد
ليس من غرضي في هذا البحث الموجز أن أستقصي الأقوال في هذه المسألة ونسبتها بل كل قصدي إنما هو استنطاق النصوص مجتمعة متظافرة لمعرفة سواغ هذا القول من عدمه ... وليس من شرط الحكم على قولٍ بأنه غير سائغ ألا يكون قد قال به أحد من السلف وإلا فلنقل بسواغ إباحة إتيان المرأة في دبرها ونكاح المتعة لأنه قد قيل به قديما.
ولا أخفيكم أني قد ترددت كثيرا قبل نشر هذا الموضوع هنا ولكني لما رأيت جرأة غريبة في كلام أحد الأعضاء في هذا الملتقى ترجّح عندي نشره ...
ينظر هذا الرابط: http://www.feqhweb.com/vb/t1623

ولا شك أنه من أصول هذا الباب ما أخرجه مسلم وأبو داود
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:"كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ. ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ. " أي : نُسخت العشر حكما وتلاوةً , ولكن الخمس نُسخت تلاوةً وبقيت حكماً

وبعد إعمال الفكر والنظر يتلخص الآتي:
القول بأن الرضعة التي تحرم إذا تكررت خمس مرات أنها هي المصة قول غير سائغ إطلاقا ولا يسع أحدا عرَف الأدلةَ الأخذُ به ... وذلك لعدة أوجه:-


-1- أن لفظ الرضعة هو : اسم للمرة من الفعل الثلاثي رَضَعَ , فلنفرض ان طفلا جرع جَرعة واحدة ثم انتهى ولم يعد وصُد عن تلك المرأة فلم يقبل ثديها مرة اخرى , فهل يصح لغة وعرفا أن يقال : إن الطفل قد رضع من تلك المرأة مرةً ؟ وهو لم يأخذ منها الا جرعة الله أعلم بمقدارها ! .

والاحتجاج بأن الرضاعة في اللغة هي مص الثدي فيصح أن تسمى المصة الواحدة رضعة لا يصح , لأن لفظ الرضاعة في اللغة لا يصح إطلاقه إلا إذا كان ثمّ اغتذاء.. فهل يصح إذا ذاق رجلٌ شيئا أن يقال له: إنه قد تغذى غِذاءً أو أكل طعاما ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم {لا رضاع ، إلا ما أنشز العظم ، وأنبت اللحم} رواه أبو داود . فهل خمس جرعات لاتغني ولاتسمن من جوع ، تنشز عظما و تنبت لحما ! .


2 - أن مجرد تقييدها بهذا العدد القليل دال على ذلك . وإلا فلو كانت مجرد الجرعة , لما كان في هذا التقييد كبير أثر ، ويؤيد هذا نسخها من عشر الى خمس فلو كانت مجرد المصة الواحدة فليس هناك كبير فائدة من النسخ , ونسخ العدد من الاكثر الى الاقل لم يأت في الشريعة قط الا لحكمة ظاهرة كالتخفيف والتيسير فلو سلمنا أنها الجرعة فما الحكمة اذاً ؟ ! .


3 - ما ذُكر في الحديث من اشتراط كونها معلومات أي متيقنة أو قريبا من اليقين , وإلا فالجرعة من الصعب ضبط عددها والتيقن انه تجرع فعلا لانه كثيرا مايبدو الطفل وكأنه يتجرع اللبن وهو في الحقيقة لم يتجرع الا ريقه .

4- ما أخرجه البخاري عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَتْ إِنَّهُ أَخِي فَقَالَ "انْظُرْنَ مَا إِخْوَانُكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ" . ومن تأمل هذا الحديث عرف أن لا يحتمل أن تكون الرضعة هي الجرعة أو المصة .. فهل لخمس مصات أثر في سد جوعة طفل جائع ؟! , قال ابن حجر في فتح الباري : " والمعنى تأملن ما وقع من ذلك هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في زمن الرضاعة ومقدار الارتضاع فإن الحكم الذي ينشأ من الرضاع إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط قال المهلب معناه انظرن ما سبب هذه الأخوة فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حتى تسد الرضاعة المجاعة وقال أبو عبيد معناه أن الذي جاع كان طعامه الذي يشبعه اللبن من الرضاع لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع قوله فإنما الرضاعة من المجاعة فيه تعليل الباعث على امعان النظر والفكر لأن الرضاعة تثبت النسب وتجعل الرضيع محرما وقوله من المجاعة أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلا لسد اللبن جوعته لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير كجزء من المرضعة فيشترك في الحرمة مع أولادها فكأنه قال لا رضاعة معتبرة الا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة كقوله تعالى اطعمهم من جوع ومن شواهده حديث بن مسعود لا رضاع الا ما شد العظم وانبت اللحم أخرجه أبو داود مرفوعا وموقوفا وحديث أم سلمة لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الأمعاء أخرجه الترمذي وصححه ويمكن أن يستدل به على أن الرضعة الواحدة لا تحرم لأنها لا تغني من جوع وإذا كان يحتاج إلى تقدير فأولى ما يؤخذ به ما قدرته الشريعة وهو خمس رضعات واستدل به على أن التغذية بلبن المرضعة يحرم سواء كان بشرب أم أكل بأي صفة كان حتى الوجور والسعوط والثرد والطبخ وغير ذلك إذا وقع ذلك بالشرط المذكور من العدد لأن ذلك يطرد الجوع وهو موجود في جميع ما ذكر فيوافق الخبر والمعنى وبهذا قال الجمهور..."
فانظر كيف كان مستقراً عند الأئمة والعلماء أن الرضاعة المحرمة هي ما تطرد الجوع ...
ويلزم على من قال بالمصة أننا لو قطّرنا في فيِّ الرضيع خمس قطرات متفرقة زمنياً من لبن امرأة لحرمت عليه لأنه لا حدّ عنده لمقدار هذه المصة التي يأخذها الطفل فكأن القائل بالمصة يقول: إن أي مقدار تفرق وتكرر خمس مرات حرّمَ ! ولا شك أن الأدلة صريحة في بطلان هذا اللازم ، وما يلزم عليه الباطل فهو باطل !

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات...
 
أعلى