العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تقرير مذهب الحنفية في توبة الساب وما أشكل من كلام المتأخرين

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
تقرير مذهب الحنفية في توبة الساب وما أشكل من كلام المتأخرين

أولاً: ربما يكون الكلام عن تحرير المذهب الحنفي في هذه المسألة من نافلة التحرير! إذ قد قام بذلك محرر المذهب الحنفي: ابن عابدين ذاته! ولا عطر بعد عروس، بل صنف في ذلك رسالة خاصة في الموضوع! وبهذا ختم على المسألة بالشمع الأحمر! فهو محرر المذهب! ومحرر المسألة! وصنف فيها تصنيفا! فماذا بقي؟!
كما أن رأي الحنفية في المسألة لم يكن مشكلا عند الأئمة المعتنين بها بحثاً وتصنيفا، كالقاضي عياض، والتقيين: ابن تيمية والسبكي، ولم يكن مشكلاً أيضاً لمن نظر في أصول الباب، فأصول الحنفية متميزة بمحل يبعد أن يقع فيه اللبس، فهم يذهبون إلى أبعد من هذا! ولهذا صرح الحنفية أنفسهم أن قبول توبة الساب هو اللائق بمذهبهم، وأهل البيت أدرى بما فيه.
والكلام في المسألة سيكون في مبحثين:
المبحث الأول:
تقرير المذهب الحنفية في توبة الساب.
المبحث الثاني: الجواب عما أشكل من كلام المتأخرين.
ثم أذكر في خاتمة ذلك: نتائج موجزة للبحث.
فإلى تفصيل ذلك.


المبحث الأول: تقرير المذهب الحنفية في توبة الساب.
مذهب الحنفية هو قبول توبة الساب كمذهب الشافعي تماما خلافا لمذهب المالكية والحنابلة القائلين بعدم قبول توبة الساب، وخلافا لقول ثالث في المسألة، وهو التفريق بين ساب الله عز وجل وبين ساب الرسول صلى الله عليه وسلم، فتقبل توبة الأول دون الثاني قضاء في الظاهر، أما في الباطن فتقبل بلا تردد.
المطلب الأول: التنصيص الصريح من غير استثناء على قبول توبة المرتد:
المنصوص في كتب الحنفية المتقدمة، المتون منها والشروح على حد سواء هو قبول توبة المرتد من غير استثناء، كماهي طريقة الشافعية خلافا للمالكية والحنابلة الذين يستثنون عدة صور لا تقبل فيها توبة المرتد قضاء، أشهرها ثلاث صور:
الصورة الأولى: من تكررت ردته.
الصورة الثانية: الزنديق.
الصورة الثالثة: الساب.
فكتب المالكية والحنابلة تستثني هذه الصور من قبول توبة المرتد، بينما يطلق الحنفية والشافعية توبة المرتد من غير استثناء، وهذا يظهر فرقا جوهريا بين هذين الاتجاهين الكبيرين، وهو بدوره يضبط الرؤية العامة لمن رام تقعيد أصول الباب، ويصعِّب من وقوع الخطأ([1]).
المطلب الثاني: تنصيص أئمة الحنفية على قبول توبة الساب:
النقول الثلاثة الأولى: الأئمة (أبو حنيفة، أبو يوسف، محمد بن الحسن):
النقل الأول: الإمام أبو حنيفة:

نقل أبو السعود التصريح بأن مذهب الإمام الأعظم أنه لا يقتل إذا تاب ويكتفي بتعزيره([2]).
النقل الثاني: القاضي أبو يوسف:
قال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: (أيما رجل مسلم سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كذبه أو عابه أو تنقصه؛ فقد كفر بالله وبانت منه زوجته؛ فإن تاب وإلا قتل)([3]).
النقل الثالث: محمد بن الحسن:
قال محمد بن الحسن في الجامع الصغير، وهو أحد كتب ظاهر الرواية: (يعرض على المرتد حرا أو عبدا الإسلام فإن أبى قتل وتجبر المرتدة على الإسلام ولا تقتل حرة أو أمة والأمة يجبرها مولاها)([4]).

  • تعيلق:
إن قيل: نعم، إن عبارة أبي يوسف صريحة، لكن عبارة أبي حنيفة لم تنقل بنصها، وعبارة محمد بن الحسن لا يستفاد الغرض منها إلا من جهة العموم
فالجواب: أن تصريح أبي يوسف كافي في تقرير مذهب الحنفية إذا لم يكن لصاحبيه قول؛ فكيف إذا كان مؤيدا بهما من جهة الحكاية ومن جهة العموم ؟
الأمر الآخر: إذا صرح أحد الأئمة الثلاثة بقول فإنه لا يصار في تقرير المذهب إلى غيره، إنما محل الترجيح بين شيوخ المذهب والمتأخرين إذا لم يكن لأحدهم قول في المسألة، أو أن الثلاثة اختلفوا على تفصيل مشهور عندهم.
النقل الرابع: أبو الحسن الكرخي (المتوفى: 340هـ):
قال أبو الحسن الكرخي: (هذا قول أصحابنا جميعا أن المرتد يستتاب أبدا)([5]).
فإن قيل: إنما هذا فيمن تكررت ردته، لا في توبة الساب.
الجواب: أن هذه هي المسألة المشهورة التي ترد في كتب الحنفية، ويناقشون فيها مذهب المالكية والحنابلة بعدم قبول من تكررت ردته، وقد قرر الحنفية بوضوح تام قبول توبة المرتد ولو تكررت ردته، ونصروا ذلك بالأدلة النقلية والبراهين العقلية، بما لا يدع مجالا للشك في قبول توبة المرتد مهما كانت ردته.
النقل الخامس: السُّغْدي(المتوفى: 461هـ):
قال أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد السُّغْدي الحنفي: (من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه مرتد، وحكمه حكم المرتد، ويفعل به ما يفعل بالمرتد)([6]).
النقل السادس: المسطور في كتب المذهب لاسيما المتقدمين منهم:
نقل الخير الرملي في حاشية البحر: (أن المسطور في كتب المذهب أنها ردة، وحكمها حكمها)([7]).
وقال ابن عابدين: (فهذا صريح المنقول عمن تقدم على البزازي ومن تبعه)([8]).
النقل السابع: الحموي:
قال الحموي في حاشية الأشباه نقلا عن بعض العلماء: (إن ما ذكره صاحب الأشباه من عدم قبول التوبة قد أنكره عليه أهل عصره وأن ذلك إنما يحفظ لبعض أصحاب مالك كما نقله القاضي عياض وغيره. أما على طريقتنا فلا)([9]).
النقل الثامن: حسام جلبي ورسالته في الرد على البزازي، وما فيها من تتبع كتب الحنفية، وبيان الغلط ومنشئه:
ألف العلامة النحرير الشهير بحسام جلبي رسالة في الرد على البزازي وقال في آخرها: (وبالجملة قد تتبعنا كتب الحنفية فلم نجد القول بعدم قبول توبة الساب عندهم سوى ما في البزازية، وقد علمت بطلانه ومنشأ غلطه أول الرسالة)([10]).
النقل التاسع: مفتي الحنفية بمصر شيخ الإسلام ابن عبد العال:
قال التمرتاشي: (سمعت من مفتي الحنفية بمصر شيخ الإسلام ابن عبد العال أن الكمال وغيره تبعوا والبزازي تبع صاحب السيف المسلول عزاه إليه ولم يعزه لأحد من علماء الحنفية وقد صرح في النتف ومعين الحكام وشرح الطحاوي وحاوي الزاهدي وغيرها بأن حكمه كالمرتد ولفظ النتف من سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه مرتد وحكمه حكم المرتد ويفعل به ما يفعل بالمرتد انتهى. وهو ظاهر في قبول توبته كما مر عن الشفاء اهـ فليحفظ) ([11]).
النقل العاشر: الرحمتي:
قال ابن عابدين: (وكذلك كتب شيخ مشايخنا الرحمتي هنا على نسخته أن مقتضى كلام الشفاء وابن أبي جمرة في شرح مختصر البخاري في حديث «إن فريضة الحج أدركت أبي» إلخ " أن مذهب أبي حنيفة والشافعي حكمه حكم المرتد، وقد علم أن المرتد تقبل توبته كما نقله هنا عن النتف وغيره) ([12]).
ونقل عن الرحمتي أيضاً قوله: (المذهب كمذهب الشافعي قبول توبته كما هو رواية ضعيفة عن مالك وأن تحتم قتله مذهب مالك، وما عداه فإنه :

  1. إما نقل غير أهل المذهب.
  2. أو طرة مجهول لم يعلم كاتبها.
فكن على بصيرة في الأحكام، ولا تغتر بكل أمر مستغرب وتغفل عن الصواب، والله تعالى أعلم)([13]).
النقل الحادي عشر: أستاذ ابن عابدين ورسالة خاصة له في المسألة:
قال ابن عابدين: (أسمعني بعض مشايخي رسالة حاصلها أنه لا يقتل بعد الإسلام وأن هذا هو المذهب) ([14]).
النقل الثاني عشر: ابن أفلاطون زاده:
نقل ابن أفلاطون زاده في كتابه المسمى بمعين الحكام: أنها ردة حيث قال معزيا إلى شرح الطحاوي ما صورته من سب النبي - عليه الصلاة والسلام - أو بغضه كان ذلك منه ردة وحكمه حكم المرتدين([15]).
النقل الثالث عشر: إبراهيم السائحاني شيخ مشايخ ابن عابدين:
قال ابن عابدين: (رأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني في هذا المحل: والعجب كل العجب حيث سمع المصنف كلام شيخ الإسلام يعني ابن عبد العال، ورأى هذه النقول كيف لا يشطب متنه عن ذلك) ([16]).
النقل الرابع العشر: ابن عابدين:
قال ابن عابدين: (قد علمت أن هذا – يعني عدم قبول توبة الساب- ليس مذهبا للحنفية كما نطقت به كتبهم ونقله عنهم الأئمة كالقاضي عياض وابن أبي جمرة)([17]).
وقال أيضاً: (العجب من الشارح – يعني الحصكفي- حيث نقل صريح ما في كتب المذهب من أن الحنفي كالشافعي في قبول توبته كيف جارى صاحب النهر في هذه المسألة، فكان الصواب أن يبدل الحنفي بالمالكي أو الحنبلي)([18]).
ولما قال الحصكفي في الدر المختار: (هذا يقوي القول بعدم قبول توبة ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي ينبغي التعويل عليه في الإفتاء والقضاء رعاية لجانب حضرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم) تعقبه ابن عابدين بقوله: (الذي ينبغي التعويل عليه ما نص عليه أهل المذهب فإن اتباعنا له واجب)، وقال عن قوله: (رعاية لجانب حضرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -) : بأن رعاية جانبه في اتباع ما ثبت عنه عند المجتهد([19]).
وقال ابن عابدين أيضاً: وقد حررت المسألة في تنقيح الحامدية فراجعها، ثم جمعت في ذلك كتابا سميته تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام ([20]).


المطلب الثالث: نقل المذاهب الأخرى:

قبول توبة الساب هو الشمهور عن المذهب الحنفي، وقد نقل ذلك عنهم أصحاب المذاهب الأخرى، كالقاضي عياض المالكي في الشفا، وابن تيمية الحنبلي في الصارم المسلول، والسبكي الشافعي في السيف المسلول.
قال القاضي عياض: (وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلم لكنهم قالوا هي ردة) ([21]).
وقال ابن تيمية: (ذكرنا أن المشهور عن مالك وأحمد أنه لا يستتاب ولا تسقط القتل عنه توبته وهو قول الليث بن سعد وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وحكى مالك وأحمد أنه تقبل توبته وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبة المرتد)([22]).
وقال أيضاً: (عامة هؤلاء لما ذكروا هذه المسألة قالوا: خلافا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما: إن كان مسلما يستتاب فإن تاب وإلا قتل كالمرتد)([23]).
قلت: هذا، مع ملاحظة أن ابن تيمية رحمه الله من أكثر الناس كلاما في هذه المسألة وأوسعهم تصنيفا، وهو الذي نقل كلامه متأخرة الحنفية، وهو يجزم بأن الخلاف في المسألة هكذا، يقتل الساب ولو تاب خلافا للحنفية والشافعية، فهذا هو شكل المسألة، وابن تيمية رحمه الله من أعلم الناس بخلاف المذاهب الفقهية حتى كان يقول لصدر الدين ابن الوكيل، أنا أنقل من المذهب الشافعي أكثر منك! إضافة إلى تفننه في تصنيف المذاهب وفرزها بحسب الاتجاهات العامة وبحسب أصول كل مذهب.
وقال السبكي: (لا يوجد للحنفية قول غير قبول توبته) ([24]).
قلت: دعك من صريح عبارته وتأمل في مدى جزمه أنه لا يوجد للحنفية قول غير قبول التوبة، وكفاك بالسبكي خبيرا، وقد قيل لو رفع علم الخلاف لأملاها السبكي من صدره!
ويقول ابن عابدين معلقا على نقل أئمة المذاهب والخلاف لقول الحنفية في قبول توبة الساب:
(وممن صرح بقبول توبته عندنا الإمام السبكي في السيف المسلول وقال: إنه لم يجد للحنفية إلا قبول التوبة، وسبقه إلى ذلك أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي في كتابه الصارم المسلول فصرح فيه في عدة مواضع بقبول التوبة عند الحنفية وأنه لا يقتل)([25]).
وقال أيضاً: (فهذا صريح كلام القاضي عياض في الشفاء والسبكي وابن تيمية وأئمة مذهبه على أن مذهب الحنفية قبول التوبة بلا حكاية قول آخر عنهم، وإنما حكوا الخلاف في بقية المذاهب، وكفى بهؤلاء حجة لو لم يوجد النقل كذلك في كتب مذهبنا التي قبل البزازي ومن تبعه مع أنه موجود أيضا كما يأتي في كلام الشارح قريبا، وقد استوفيت الكلام على ذلك في كتاب سميته تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام([26]).



المطلب الرابع: القول بقبول توبة الساب هو اللائق بمذهب الحنفية، وهو الملتئم بأصولهم في باب الردة:
اللائق بمذهب الحنفية هو القول بقبول توبة الساب؛ فإن مذهبهم يحمل أخف الأحكام في باب المرتد، بداية من قولهم بعدم قتل المرتدة، للنهي عن قتل المرأة في الحروب، وقبول توبة من تكررت ردته، وذلك لوجود الإيمان ظاهرا في كل كرة، إلى أبعد من ذلك بكثير، وبمسألة لها تعلق مباشرة بمسألة البحث؛ فإن من مشهور قول الحنفية: أن سب الذمي للنبي صلى الله عليه وسلم لا ينقض عهده([27])، وكان من جملة أدلتهم على ذلك أن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم يجري مجرى سب الله تعالى، والمعاهدون يسبون الله تعالى فيقولون له ولد، ولا ينقض عهدهم بذلك.
وهذا الاستدلال يؤكد: أنه لا فرق عند الحنفية بين بين ساب الله عز وجل وساب الرسول صلى الله عليه وسلم وأن حكمهما عندهم واحد([28]).
وقد اعترف بهذه المناسبة: الحصكفي صاحب الدر المختار، فمع كونه رجح القول بعدم قبول التوبة شأنه شأن جماعة من متأخري الحنفية، إلا أنه اعترف أن اللائق بالمذهب هو قبول التوبة؛ إذ قال: (وإذا كفر بسبه لا توبة له على ما ذكره البزازي وتوارده الشارحون، نعم لو لوحظ قول أبي هاشم وإمام الحرمين باحتمال العهد فلا كفر، وهو اللائق بمذهبنا لتصريحهم بالميل إلى ما لا يكفر)([29]).
ومن هنا قال الحموي في حاشية الأشباه نقلا عن بعض العلماء: (ذلك إنما يحفظ لبعض أصحاب مالك كما نقله القاضي عياض وغيره، أما على طريقتنا فلا)([30]).

المطلب الخامس: ورود أمر سلطاني على وفق ذلك:
ورد أمر سلطاني في سنة 944 لقضاة الممالك المحمية برعاية رأي الجانبين بأنه إن ظهر صلاحه وحسن توبته وإسلامه لا يقتل، ويكتفى بتعزيره وحبسه عملا بقول الإمام الأعظم وإن لم يكن من أناس يفهم خيرهم يقتل عملا بقول الأئمة، ثم في سنة 955 تقرر هذا الأمر بآخر، فينظر القائل من أي الفريقين هو فيعمل بمقتضاه اهـ فليحفظ، وليكن التوفيق([31]).

المطلب السادس: نكتة فنية في مظنية المسألة:
هذه نكتة لطيفة في مظنة المسألة عند الحنفية والشافعية، وفي كيفية تعرضهما لها، يقول تقي الدين السبكي في ذلك: الشافعية والحنفية لا يتكلمون عن مسألة السب باستقلال فهي في مدرجة في باب الردة، وإنما يتعرضون لها في مسألة نقض المعاهد([32]).

المبحث الثاني: الجواب عما أورده جماعة من متأخري الحنفية:

ذهب جماعة من متأخري الحنفية: إلى التفريق في توبة الساب، فتقبل توبة ساب الله عز وجل، أما ساب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يتحتم قتله حدا ولا تقبل توبته قضاء.
فمن هؤلاء: البزازي([33])، والكمال ابن الهمام([34])، والملا خسرو([35])، وابن نجيم([36])، وشيخي زاده([37])، والحصكفي([38]).

والجواب عن ذلك في الفقرات التالي:
أولاً:
سبق سياق نصوص أئمة المذهب الحنفي المتقدمين منهم والمتأخرين، القاضية بقبول توبة الساب، وفي مقدمة هؤلاء القاضي أبو يوسف نفسه.
ثانياً: ما في جاء في كلام المتأخرين نجد أنه إنما ظهر في كتاب فتح القديرللكمال ابن الهمام، والكمال من أعيان القرن التاسع، وهو معروف بالمحقق، وهو موصوف بالاجتهاد المطلق، وهو كثير الاستدراك على أصحابه في المذهب سواء كان في تقرير المذهب أو في النقل عن المذاهب الأخرى أو حتى في صحة المذهب نفسه، ولهذه المنزلة الرفيعة كانت تحريراته ليست في محل الاعتماد لجسارته على مخالفة المذهب، وإن كانت في محل احتفاء وحفاوة.
وكتابه فتح القدير هو شرح لكتاب الهداية لبرهان الدين أبي الحسن علي لمرغيناني، وكتاب الهداية هو أحد أبرز المتون الحنفية التي عليها الاعتماد، ولهم به عناية بالغة.
وقد قرر المرغيناني في هذا الكتاب في فاتحة باب أحكام المرتدين أن المسلم إذا ارتد عن الإسلام عرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة كشفت عنه، ونقل عن الجامع الصغير –وهو أحد أصول كتب ظاهر الرواية – أن المرتد يعرض عليه الإسلام فإن أبى قتل، وهذا التقرير هو ملخص لتقرير الحنفية في كتبهم، وهو قبول توبة المرتد من غير تفصيل في نوع الردة.
ثالثاً: استثنى الكمال ابن الهمام من عبارة الماتن، فصدر ذلك بقوله: "فروع"، ثم أضاف هذه الجملة: (كل من أبغض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقلبه كان مرتدا، فالسباب بطريق أولى، ثم يقتل حدا عندنا فلا تعمل توبته في إسقاط القتل. قالوا: هذا مذهب أهل الكوفة ومالك، ونقل عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه)([39]).
رابعاً: جاء الزين ابن نجيم بعده، وهو يكاد يفرغ تحريرات الكمال ابن الهمام في بحره الرائق، وهو مفتون بحبه، وقد فهم ابن نجيم أن إطلاق النسفي صاحب كنز الدقائق (المتن الذي يشرحه) يفيد قبول توبة المرتد، وأنه لا فرق في ذلك بين ردة وردة إلا أنه استثنى مسألة ردة الساب ناقلاً كلام ابن الهمام بنصه، ثم قال: "وعلله البزازي([40]) – والبزازي من طبقة شيوخ الكمال ابن الهمام - بأنه حق تعلق به حق العبد فلا يسقط بالتوبة كسائر حقوق الآدميين وكحد القذف لا يزول([41]).
رابعاً: هذا القول الذي دخل على متأخرة الحنفية في القرن التاسع تنقل من سلسلة واحدة، فالحصكفي من شيخي زاده، وشيخي زاده من ابن نجيم، وابن نجيم أخذه من الكمال ابن الهمام، والكمال أخذه من البزازي، والبزازي تبع في ذلك ابن تيمية الحنبلي من كتابه "الصارم المسلول"، وهذا بتصريح البزازي نفسه!
يقول التمرتاشي متعقبا شيخه ابن نجيم في هذه المسألة:"وبمثله صرح الإمام البزازي، وبهذا جزم شيخنا في فوائده، لكن سمعت من مولانا شيخ الإسلام أمين الدين بن عبد العال مفتي الحنفية بالديار المصرية: أن صاحب الفتح تبع البزازي في ذلك، وأن البزازي تبع صاحب الصارم المسلول فإنه عزا في البزازية ما نقله من ذلك إليه، ولم يعزه إلى أحد من علماء الحنفية([42])
وبما سبق: تعرف موقف مفتي الديار المصرية مما أقحمه البزازي على المذهب.
ولهذا الإقحام:فقد أنكر على ابن نجيم علماء عصره، وأنه لا يجري على طريقة الحنفية([43]).
وقد ألف في ذلك العلامة النحرير الشهير بحسام جلبي: رسالة في الرد على البزازي، قال في آخرها: وبالجملة قد تتبعنا كتب الحنفية فلم نجد القول بعدم قبول توبة الساب عندهم سوى ما في البزازية وقد علمت بطلانه ومنشأ غلطه أول الرسالة([44]).
يقول ابن عابدين: سيذكر الشارح عن المحقق المفتي أبي السعود التصريح بأن مذهب الإمام الأعظم أنه لا يقتل إذا تاب ويكتفي بتعزيره فهذا صريح المنقول عمن تقدم على البزازي ومن تبعه ولم يستند هو ولا من تبعه إلى كتاب من كتب الحنفية وإنما استند إلى فهم أخطأ فيه حيث نقل عمن صرح بخلاف ما فهمه كما قدمناه وإن أردت زيادة البيان في المقام فارجع إلى كتابنا تنبيه الولاة والحكام([45]).

النتائج


  • مذهب الحنفية هو قبول توبة الساب مطلقا، وقد نص على ذلك أبو يوسف وأئمة الحنفية المتقدمين منهم والمتأخرين، وهو ما نقله عنهم أصحاب المذاهب الأخرى وفي مقدمتهم المعتنين بخصوص هذه المسألة كالقاضي عياض المالكي، وابن تيمية الحنبلي، والسبكي الشافعي، وهو أيضاً ما يليق بمذهب الحنفية، ويلتئم بأصولهم.
  • بهذا التقرير يتبين أن قبول توبة الساب هو مذهب الحنفية والشافعية خلافا للمالكية والحنابلة القائلين بعدم قبول توبة الساب، وخلافا لقول بعض الفقهاء من أتباع المذاهب الفقهية بالتفريق بين ساب الله عز وجل وساب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأشهرهم ابن تيمية وجماعة من متأخري الحنفية.
  • بهذا التقرير يتبين أن التفريق بين السابين ليس هو قول الجماهير ولا هو قول الجمهور ، ولا هو قول أحد المذاهب الفقهية بحسب المعتمد، وإنما هو قول لبعض الأعيان من الفقهاء المجتهدين.



([1]) المبسوط للسرخسي (10/ 98- 100)، بدائع الصنائع (7/134، 135) ، بداية المبتدي (ص: 122)، الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 404، 405)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 765)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/276)، البناية شرح الهداية (7/ 267، 269).

([2]) حاشية ابن عابدين (4/ 235).

([3]) الخراج لأبي يوسف (ص: 199)، منحة الخالق مطبوع بهامش الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4/ 234).

([4]) الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 306)، بداية المبتدي (ص: 122).

([5]) تبيين الحقائق (3/ 284).

([6]) قال ابن عابدين: (فقوله "ويفعل به ما يفعل بالمرتد" ظاهر في قبول توبته كما لا يخفى. النتف في الفتاوى للسغدي (2/ 694)، منحة الخالق المطبوع بهامش حاشية ابن عابدين (5/ 135).

([7]) قال ابن عابدين: (العجب منه أنه أفتى بخلافه في الفتاوى الخيرية. رأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني في هذا المحل والعجب كل العجب حيث سمع المصنف كلام شيخ الإسلام يعني ابن عبد العال، ورأى هذه النقول كيف لا يشطب متنه عن ذلك). منحة الخالق (4/ 234).

([8]) حاشية ابن عابدين (4/ 235).

([9]) حاشية ابن عابدين (4/ 234).

([10]) منحة الخالق (4/234، 235).

([11]) الدر المختار (4/ 233-235).

([12])حاشية ابن عابدين (4/ 234).

([13]) حاشية ابن عابدين (4/ 234)

([14]) حاشية ابن عابدين (4/ 234).

([15]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 135).

([16]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 234).

([17]) حاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 235).

([18]) حاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 235).

([19]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 236).

([20]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 135).

([21]) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 215).
قال ابن عابدين: (قول الشفاء لكنهم قالوا هي ردة إلخ صريح في قبول توبته لأنه استدراك على قوله قبله يقتل ولا تقبل توبته عند هؤلاء فعلم أن قوله وبمثله قال أبو حنيفة أي قال أنه يقتل لكن قالوا أنه ردة فحاصله أنه يقتل إن لم يتب كما هو حكم الردة وإلا لم يكن للاستدراك المذكور فائدة). منحة الخالق (5/ 135).

([22]) الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 313).

([23]) الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 302).

([24]) السيف المسلول ص174.

([25]) منحة الخالق (5/ 136).

([26]) حاشية ابن عابدين (4/ 233).

([27]) عللوا ذلك بأنه كفر والكفر المقارن له لا يمنعه فالطارئ لا يرفعه، ورد عليهم الجمهور بأن عقد الذمة خلف عن الإيمان في إفادة الأمان فما ينقض الأصل الأقوى ينقض الخلف الأدنى بطريق الأولى. الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/276)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 299).

([28]) الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (2/ 276).

([29]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 232).

([30]) حاشية ابن عابدين (4/ 234).

([31]) حاشية ابن عابدين (4/ 236).

([32]) السيف المسلول ص174.

([33]) علله البزازي: بأنه حق تعلق به حق العبد فلا يسقط بالتوبة كسائر حقوق الآدميين وكحد القذف لا يزول بالتوبة وصرح بأن سب واحد من الأنبياء كذلك. منحة الخالق (5/ 135).

([34]) قال ابن الهمام الحنفي (كل من أبغض رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بقلبه كان مرتدا، فالسباب بطريق أولى، ثم يقتل حداً عندنا، فلا تعمل توبته في إسقاط القتل). فتح القدير (6/98).

([35]) قال الملا خسرو: (إذا سبه أو واحدا من الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - مسلم، فإنه يقتل حدا ولا توبة له أصلا سواء بعد القدرة عليه والشهادة أو جاء تائبا من قبل نفسه كالزنديق؛ لأنه حد وجب فلا يسقط بالتوبة ولا يتصور خلاف لأحد؛ لأنه حد تعلق به حق العبد فلا يسقط بالتوبة كسائر حقوق الآدميين وكحد القذف لا يزول بالتوبة، بخلاف ما إذا سب الله تعالى ثم تاب؛ لأنه حق الله تعالى ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر والبشر جنس تلحقه المعرة إلا من أكرمه الله تعالى، والباري تعالى منزه عن جميع المعايب وبخلاف الارتداد؛ لأنه معنى ينفرد به المرتد ولكونه حق الغير). درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 299، 300).

([36]) قال ابن نجيم: (إلا الردة بسب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل ولا يعفى عنه، كذا في البزازية: كل كافر تاب فتوبته مقبولة في الدنيا والآخرة إلا جماعة الكافرين بسب النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء). الأشباه والنظائر:ص158).

([37]) قال شيخي زاده: (هذا إذا لم يعلن أما إذا أعلن بشتمه أو اعتاد فالحق أنه يقتل لأن المرأة التي كانت تعلن بشتمه - عليه الصلاة والسلام - قتلت وهو مذهب الأئمة الثلاثة وبه يفتى اليوم.
وفي المؤيد زاده نقلا عن الشفاء: من شتم النبي - عليه الصلاة والسلام - من الذمي فأرى للإمام أن يحرقه بالنار فله ذلك ولا يسقط إسلامه قتله. وفي النوادر يسقط هذا إذا سبه كافر وأما إذا سبه - عليه الصلاة والسلام - أو واحدا من الأنبياء مسلم ولو سكران وأنه يقتل حدا ولا توبة له أصلا تنجيه من القتل سواء بعد القدرة عليه والشهادة أو جاء تائبا من قبل نفسه كالزنديق لأنه حد وجب فلا يسقط بالتوبة ولا يتصور خلافه لأنه حد تعلق به حق العبد.
وفي البزازية: من شك في عذابه وكفره فقط كفر بخلاف ما إذا سب الله تعالى ثم تاب لأنه حق الله تعالى. وفي الرسالة المسماة بالمعروضات للمولى أبي السعود تفصيل في حق السب فليطالع لأننا أمرنا الآن بعملها ). مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 676، 677).

([38]) هذا، مع اعتراف الحصكفي في الدر المختار بأنه خلاف المذهب! ولذا كان هذا موضع تعجب من الشراح. الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4/ 231، 232).

([39]) فتح القدير للكمال ابن الهمام (6/ 98).

([40]) هو محمد بن محمد بن شهاب بن يوسف الكردري البريقيني الخوارزمي البزازي الحنفي المتوفى سنة 728هـ. الأعلام للزركلي (7/45).

([41]) البحر الرائق (5/ 136).

([42]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5/ 135).

([43]) حاشية ابن عابدين (4/ 234).

([44]) حاشية ابن عابدين (4/ 234).

([45]) حاشية ابن عابدين (4/ 235).
 
إنضم
9 ديسمبر 2011
المشاركات
103
الكنية
ابو حماد
التخصص
في الحديث
المدينة
ميلسي
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: تقرير مذهب الحنفية في توبة الساب وما أشكل من كلام المتأخرين

بارك الله في علمك وعملك
 

رشيد لزهاري حفوضة

:: مطـًـلع ::
إنضم
8 يناير 2012
المشاركات
103
الإقامة
الوادي/ الجزائر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد البر
التخصص
ماستر دراسات قرآنية و آداب إسلامية
الدولة
الجزائر
المدينة
الوادي
المذهب الفقهي
مالكي
رد: تقرير مذهب الحنفية في توبة الساب وما أشكل من كلام المتأخرين

بارك الله فيك و زادك علماً و تحقيقاً و فصلاً فيما اختُلف فيه من الحق ...
 
إنضم
12 أكتوبر 2010
المشاركات
26
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
حضرموت
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تقرير مذهب الحنفية في توبة الساب وما أشكل من كلام المتأخرين

جزاك الله خيرا ياشيخ فؤاد
 
إنضم
4 ديسمبر 2011
المشاركات
451
التخصص
الوعظ والارشاد
المدينة
المسيلة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: تقرير مذهب الحنفية في توبة الساب وما أشكل من كلام المتأخرين

جزاك الله كل خير شيخنا الكريم موضوع يحتاج الىالاهتمام به كثيرا والى التمعن والتنبيه لمانحن فيه من الشباب والكبار والى المثقفين والى الكثير من الناس ان البعض ادا تخاصم مع صاحبه يقع في سب الدات الالهية والى سب الاسلام والى الكلام الدييودي الى الكفر نسال الله ان يحفظنا ويثبتنا على دينه اقول على مشائخنا الكرام ان يفيدون ويبحثون في بطون الكتب لاقوال العلماء على ما قالوا في الكلام والالفاظ التي يكون سببها يكون صاحبها على شفى جرف هار سواء في الاقوال او الافعال نسال الله الثبات امين امين امين
 
إنضم
18 سبتمبر 2013
المشاركات
15
الكنية
أبو عبد الباري
التخصص
الحديث والفقه
المدينة
نيروبي
المذهب الفقهي
شافعي
رد: تقرير مذهب الحنفية في توبة الساب وما أشكل من كلام المتأخرين

بحث جميل رائع جزيت عليه خيرا.
لكن يا حبذا لو ألحقته بتحرير مذهب الشافعية وما وجد من نصوص الإمام الشافعي رحمهم الله تعالى
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
أعلى