العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

موقف الشافعي من القياس والأدلة التبعية

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
موقف الشافعي من القياس والأدلة التبعية

في هذه الورقة نحاول – بعون الله وتوفيقه-: استعراض إجمالي لموقف الإمام الشافعي رحمه الله من القياس، ومن الأدلة التبعية الأخرى، كالاستحسان، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع.
وأهمية هذا الاستعراض: أن لغة الشافعي المتقدمة باصطلاحاتها الخاصة، عكست نتائج متضادة لدى المتأخرين في موقفه من الأدلة الأخرى بإزاء موقفه من القياس، ففريق يرى أنه ينكرها، حصراً منه الاجتهاد في باب القياس الخاص، وفريق آخر يرى بخلاف ذلك، وأن الشافعي رحمه الله كان واسع الخطو في اعتبار الأدلة التبعية، وإن كان يحكمها بأزمة وقيود.
وتفصيل ذلك سيكون متدليا من أعلى في الفقرات العمودية التالية:

أولاً: شمول الأخبار لأحكام الحوادث نصا أو استدلالا:
كلام الشافعي في هذا الباب كثير ومنتشر، ومنه قوله: "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها"([1]).

ثانياً: العلم طبقات، وإنما يؤخذ العلم من أعلى:
قال الشافعي: "العلم طبقات شتى:
الأولى: الكتاب، والسنة إذا ثبتت السنة.
ثم الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة.
والثالثة: أن يقول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا نعلم له مخالفا منهم.
والرابعة: اختلاف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.
الخامسة: القياس على بعض الطبقات.
ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان: وإنما يؤخذ العلم من أعلى"([2]).

ثالثاً: الناس في العلم طبقات:
قال الشافعي: "الناس في العلم طبقات، موقعُهم من العلم بقدْر درجاتهم في العلم به"([3]).

رابعاً: علم العامة وعلم الخاصة:
العلم من وجوه:

  1. منه إحاطةٌ في الظاهر والباطن.
  2. ومنه حق في الظاهر فقط.
فالإحاطة منه: ما كان نصَّ حكم لله أو سنة لرسول الله نقلها العامة عن العامة.
وعلمُ الخاصة:

  1. سنةً من خبر الخاصة يعرفها العلماء، ولم يُكَلَّفها غيرهم، وهي موجودة فيهم أو في بعضهم، بصدق الخاص المخبِرِ عن رسول الله بها، وهذا اللازم لأهل العلم أن يصيروا إليه، وهو الحق في الظاهر، كما نقتل بشاهدين، وذلك حق في الظاهر، وقد يمكن في الشاهدين الغلطُ.
  2. وعلمُ إجماع.
  3. وعلمُ اجتهادٍ بقياسٍ، على طلب إصابة الحق. فذلك حق في الظاهر عند قايِسِه، لا عند العامة من العلماء، ولا يعلم الغيب فيه إلا الله([4]).

خامساً: المثالان المشهوران: القبلة، العدل:
للإمام الشافعي رحمه الله مثالان مشهوران على تقسيم العلم إلى علم إحاطة بالظاهر والباطن، وعلم إحاطة بالظاهر، ويمثل لذلك بمثالين مشهورين:
المثال الأول: استقبال القبلة: فإنه يصيبها من رآها في المسجد الحرام، وعلم ذلك علم إحاطة بالظاهر والباطن، ويتحراها من غابت عنه، وعلم ذلك علم إحاطة بحق في الظاهر دون الباطن، فما كُلفنا في طلب العين المغيَّب غيرُ الذي كُلِّفنا في طلب العين الشاهد([5]).
المثال الثاني: العدالة: فإنا كُلفنا أن نقبل عدل الرجل على ما ظهر لنا منه، وقد يكون غير عدل في الباطن([6]).



خامساً: النص:

  1. كان السلف لا يرون اللازم إلا الكتاب أو السنة([7])، وقد أَتَيَا جميعاً بمتابعة سبيل المؤمنين، والنهي عن التفرق عنهم، وهذا هو الإجماع الصادر عن نص.
أما قول الصحابي ونحوه من الأدلة التبعية فإنما يكون حجة إذا كان طريقا إلى هذين الدليلين أعني النص، أو الإجماع، والإجماع هو أيضاً بنفسه طريقٌ إلى معرفة النص.

  1. لا يكون ما سوى النص حجة إلا إذا كان دالا عليه.

سادساً: معنى النص:
جاءت النصوص متضافرة باتباع لفظ النص ومعناه، والقياس الصحيح لا يجاوز معنى النص، وإنما هو بيان وإثبات لعلة النص، وغاية الأمر تعدية صورة النص، والإلحاق بها في حكمه، وهذه طريقة جماعة من الأئمة، وفقهاء الحديث.
وليس مِن الإنصاف أن يختزل رأيه المحرَّر والمفصَّل في حرفٍ واحد، وهو نفسه لم يرض أن يكون قوله كذلك.

سابعاً: ليس لأحد أن يقول إلا من جهة الاجتهاد، الاجتهاد هو القياس.

ثامناً: شرط الاجتهاد:
الاجتهاد لا يكون إلا لمن عرف الدلائل عليه من خبر لازم كتاب أو سنة أو إجماع ثم يطلب ذلك بالقياس عليه بالاستدلال([8]).

تاسعاً: وإن كان الشافعي يحصر الاجتهاد في نطاق "القياس"، إلا أن القياس عنده يستوعب الأدلة الأخرى، لأن كل الأدلة خارج "النص" لا تعتبر إلا أن تكون مقايسة بالنص إما على أصل خاص، كمسألة بمسألة، وإما على أصل عام، كاعتبار النص للمقامات العالية من اعتبار المصالح وسد الذرائع، وبه ندرك عدم دقة ما وصف مذهب الشافعي من عدم اعتبار الشافعي لهذه الأدلة.

عاشراً: من أنواع القياس عند الشافعي:

  1. فأقوى القياس أن يحرِّم الله في كتابه أو يحرم رسول الله القليل من الشيء، فيُعْلمَ أن قليله إذا حُرِّم كان كثيره مثلَ قليله في التحريم أو أكثرَ، بفضل الكثرة على القلة، وكذلك إذا ُحمِد على يسير من الطاعة، كان ما هو أكثرُ منها أولى أن ُيحمد عليه، وكذلك إذا أباح كثيرَ شيء كان الأقل منه أولى أن يكون مباحاً.
  2. أن يكون الشيء في معنى الأصل، فلا يختلف القياس فيه.
  3. أن يكون الله أو رسوله حرم الشيء منصوصاً، أو أحله لمعنى، فإذا وجدنا ما في مثل ذلك المعنى فيما لم يَنُصَّ فيه بعينه كتابٌ ولا سنة: أحللناه أو حرمناه؛ لأنه في معنى الحلال أو الحرام.
  4. وأن يكون الشيء له في الأصول أشباهٌ، فذلك يُلحق بأولاها به وأكثرِها شَبَهاً فيه، وقد يختلف القايسون في هذا([9]).

الحادي عشر: علم الشافعي بتوسعه في تفسير القياس:
قال الشافعي: "وقد يمتنع بعض أهل العلم من أن يسمي هذا " قياساً " ويقول: هذا معنى ما أحل الله، وحرم، وحمِد، وذمّ، لأنه داخل في جملته، فهو بعينه، ولا قياسٌ على غيره.
ويقول مثل هذا القول في غير هذا، مما كان في معنى الحلال فأُحل، والحرام فحُرم.
ويمتنع أن يُسمَّى" القياس " إلا ما كان يحتمل أن يُشَبَّه بما احتمل أن يكون فيه شَبَهاً من معنيين مختلفين، فَصَرَفَه على أن يقيسه على أحدهما دون الآخر.
ويقول غيرهم من أهل العلم: ما عدا النصَّ من الكتاب أو السنة، فكان في معناه فهو قياس، والله اعلم.([10])

الثاني عشر: القياس لا يكون إلا على مطلوب:
والمطلوب لا يكون أبداً على عين قائمة تطلب بدلالة يُقصد بها إليها، أو تشبيهٍ على عين قائمة، والخبرُ - من الكتاب والسنة - عينٌ يتأخَّى معناها المجتهدُ ليصيبه، كما البيتُ يتأخَّاه مَن غاب عنه ليصيبه، أو قَصَدَه بالقياس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاجتهاد، والاجتهاد أبداً لا يكون إلا على طلب شيء، وطلبُ الشيء لا يكون إلا بدلائل، والدلائلُ هي القياس([11]).

الثالث عشر: الاجتهاد هو القياس.
الرابع عشر: القول بالاستحسان حرام إذا خالف الخبر، وإنما الاستحسان تلذُّذ، فلا يجوز الاستحسان بغير قياس، وإنما يجوز لأهل العلم القياس على الخبر.


خاتمة
اعتبر جماعة من أهل العلم أن الإمام الشافعي رحمه الله يضيق دائرة الاجتهاد في باب القياس، اعتبارا بالمقدمات التالية:

  • نصوص الشافعي في أن الاجتهاد هو القياس.
  • نصوص الشافعي في أن القياس لا يكون إلا على عين قائمة من النص يتوخاها المجتهد.
  • موقف الشافعي الرافض لدليل الاستحسان وسد الذرائع والمصالح المرسلة، ونحو ذلك من الأدلة.
  • مقارنة بعضهم بين الشافعي وتضييقه لدائرة الاجتهاد، وبين توسع الإمام مالك رحمه الله في اعتبار المصالح المرسلة وسد الذرائع.
وفي الحقيقة إن هذا الموقف وإن كان يستند إلى جملة من نصوص الشافعي رحمه الله إلا أنه موقف غير دقيق، فالإمام الشافعي رحمه الله كان في موقف التقعيد الأصولي الأول، وقد احتاج إلى استعمال عبارات حاسمة في اعتبار ما يلحق بالنصوص، وفي نقد ما لا يعتبر بالنص.
وقد تطورت المصطلحات بعد ذلك، وتشققت الأدلة إلى أنواع وأصناف، وبذلك يظهر خطأ حصر أصول الشافعي في قوالب عباراته القديمة.
إن المتأمل في فقه الشافعي لاسيما في باب الاستدلال منه، سواء كان ذلك في فقهه الشخصي أو في فقه مذهبه العام ليظهر له بجلاء أين كان يقف الشافعي، وأين كان يضرب، لقد كان واسع الخطو في اعتبار الدليل، وإن كانت ذخيرته الأصولية بقواعدها وقيودها تحول دون الإسراف في هدم أسوار الأدلة.


([1]) الرسالة للشافعي ص 20.

([2]) الأم للشافعي (7/ 280).

([3]) الرسالة للشافعي ص 19.

[4]) الرسالة للشافعي (باختصار ص 478، 479).

([5]) الرسالة للشافعي (ص 481، 497).

([6]) الرسالة للشافعي (ص 482).

([7]) الأم (1 / 153،7 / 262).

([8])الأم للشافعي (7/ 291).

([9]) الرسالة للشافعي ص 39، 479، 512.

([10]) الرسالة للشافعي ص 515، 516.

([11]) الرسالة للشافعي ص 503- 505، 507- 509، 511.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: موقف الشافعي من القياس والأدلة التبعية

[h=2]سلسلة مباحث الإجماع والشذوذ (7) فرز مذهب الشافعي في الإجماع[/h]http://feqhweb.com/vb/showthread.php?t=2365&highlight=%C7%E1%C5%CC%E3%C7%DA+%C7%E1%D4%C7%DD%DA%ED+%DD%C4%C7%CF
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: موقف الشافعي من القياس والأدلة التبعية

[h=2]سلسلة الإشكالات الفقهية (10): تفسير الشافعي الاجتهاد بأنه القياس[/h]http://feqhweb.com/vb/showthread.php?t=12728&highlight=%C7%E1%D4%C7%DD%DA%ED+%CD%CC%ED%C9+%C7%E1%D5%CD%C7%C8%ED
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: موقف الشافعي من القياس والأدلة التبعية

بارك الله فيكم ونفع بكم،
والشيء بالشيء بالذكر؛ فإن الشجي يبعث الشجي، فقد درستُ هذه المسألة في خلال دراستي لإلزامات ابن حزم في في دعواه تناقض الفقهاء في الاحتجاج بقول الصاحب.
فخرجت بنتيجة أن الشافعي رحمه الله كان قوله منسجماً مع استقرائه الذي عمله فإنه قال: "وجدتُ الناس يأخذون بقولهم مرة ويتركونه أخرى"،
وأن "قول الصحابي" من جملة الأدلة التبعية التي يصير إليها المجتهد إذا كانت مفيدة للنص ودالة عليه لا أنه دليل قائم بنفسه.
فإن استقراء الشافعي ومن بعده ابن حزم يفيدان أنه لم يلتزم أحدٌ من الأئمة الاحتجاج بقول الصاحب.
وإنما شأنهم الأخذ به في حين وتركه في حين، وهم في ذلك في تفاوت واتساع.
أما تصريح الشافعي بأنه يصير إلى قول الواحد منهم إذا لم يجد دليلاً، فهذا من باب تقليد المجتهدين، وتقليد الصحابه هو من أرقى مراتبه، والله أعلم.
http://feqhweb.com/vb/showthread.php?t=5474&highlight=%CD%CC%ED%C9+%C7%E1%D5%CD%C7%C8%ED
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: موقف الشافعي من القياس والأدلة التبعية

بارك الله فيكم شيخنا الكريم على هذا التحرير الرائع
إن كان لي من إضافة بسيطة على الموضوع فهي في النقاط التالية :
أولاً : سبق أن بينت أن جعل الإمام الشافعي الاجتهاد والقياس أمراً واحداً فيه توسيع لدائرة القياس بمعنى يشمل القياس الخاص وما يلحق به أي أن مفهوم القياس عنده لا يقتصر على المعنى المتأخر .
ثانياً : يظهر من كلام الشافعي مرارا قوة تمسكه بالنص ومحاولة تضييق جانب الاجتهاد والاستحسان العقلي والرأي المجرد لا سيما في مذهبه الجديد ولربما كان لمحاوراته لأهل الرأي تأثيرا كبيرا في طرحه .
ثالثاً : اشتهر مذهب أبي حنيفة بالاستحسان ومذهب مالك بالمصالح المرسلة فجاء مذهب الشافعي ليتميز بالقياس بالمفهوم الذي يشمل الاجتهاد المستند على دليل بمفهومه الواسع فيشمل كل ما يلحق بالنص مما يدل عليه من جهة المعنى .
رابعاً : القياس في نظر الشافعي رحمه الله لا يخرج عن النص بل هو عموم معنوي له فالقياس مبني على دلائل : قد يكون بمعنى الأصل ، وقد يكون مفهوم موافقة ، وقد ينص على العلة ، وقد يعلم ذلك بالقطع بنفي الفارق ، وقد يعلم ذلك باستقراء عادة الشرع ونوع الخطاب والسياق ونحو ذلك مما تثبت به المعاني .
خامساً : المعاني عند الإمام الشافعي يراد بها : تفسير اللفظ ، والمقصد الشرعي العام ، والمناط الخاص الذي علق به الحكم .
سادساً : اشتد نكير الشافعي على من عمل بالاستحسان كرر ذلك في كتاب الرسالة والأم وعقد لذلك كتابا خاصا به وليس نكيره على لفظ الاستحسان وإنما على معناه وقد كان معناه واضحا جليا عند الإمام ويعود نكيره عليه بأنه معارضة للنص وما في معناه ( القياس ) بلا دليل ، وبعبارة أخرى الاستحسان الذي ينكره هو تخصيص العلة إذ لا يوجد استحسان بدون تخصيص علة ، وحيث لا يوجد هذا التخصيص بنص فإنه لا يصح على المشهور عند الشافعي وما روي عنه من فتاوى بلفظ الاستحسان فهي مستندة إلى دليل من قول صحابي أو قياس صحيح كما أفاد ذلك أتباعه ، وعليه فإن التخصيص بالنص أو الإجماع أو الضرورة أو غير ذلك وإن سمي استحسانا فهو خارج عن نكير الإمام الشافعي لأنه من باب التخصيص بالدليل .
سابعاً : ما يتعلق بالمصالح المرسلة فالمشهور عن الشافعي رده لها وهو ما عليه أكثر الشافعية كما رد الاستحسان باعتبار أنها حكم بالرأي الذي لا يسنده الدليل وقد ذكر في رد الاستحسان أن من احتج به يزعم أن الله ترك بعض مصالح خلقه ، لكن بعض الشافعية كالجويني وابن برهان والزنجاني وغيرهم نقلوا عن الشافعي تمسكه بالمعنى وإن لم يستند إلى أصل صحيح لكنه قريب وشبيه بالمعاني المعتبرة ، وحيث احتج بها فالذي يظهر أنها نوع من القياس الذي أشار إليه في الرسالة .
ثامناً : ما يتعلق بسد الذرائع فالذي نقله أتباعه عنه أنه يحرم الوسائل القطعية فقط وهي التي تستلزم المتوسل إليه ، والعمدة في حجة الشافعي في عدم القول بسد الذرائع في الصور المتنازع فيها أن الأصل هو الحكم بالظاهر ، وهو الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة وقد سرد الإمام الشافعي الأدلة في كتاب الرسالة ولم يذكر سد الذرائع .
تاسعاً : حيث وجد فروع فقهية في سد الذرائع وغيرها مما لا يعلم أن الإمام اعتبرها دليلاً فينبغي النظر في دليل تلك الفروع فربما يكون نصاً او إجماعاً أو قول صحابي أو قياساً أو ترجيحاً بين الأدلة بأحد المرجحات .
والله أعلم
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: موقف الشافعي من القياس والأدلة التبعية

د. أبا حازم، كعادتك، لا جديد، إيعاب في إتقان، فتح الله علينا وعليك من واسع فضله.
الاستحسان + المصالح المرسلة + سد الذرائع :
ونحو هذه الأدلة، فهذه كل الأئمة القياسيين يعتبرونها، وإن كانوا يختلفون في :
- مقدار الاعتبار.
- في معيار الاعتبار.
- في التصريح به.
ولهذا بحسب التفاريع الشافعية فلا أتصور أن الشافعي ينكر هذه الأدلة في معناها الحسن
نعم، قد يقول قائل: لقد كان الشافعي يميل إلى الضبط والتحديد أكثر من غيره، هذا صحيح.
وقد يتوسع بعضهم في اعتبار هذه الأدلة - كالمالكية- فيرون بحسب موقفهم أن الإمام الشافعي رحمه الله لا يثبتها، توهما أن ما وقفوا عليه من درجة اعتبار هذه الأدلة هو حدها المحدود ومناراتها المحسومة.
ولهذا رأى الشيخ عبد الله بن بيه المالكي حفظه الله أن المذهب الشافعي أقرب المذاهب إلى المذهب الظاهري.
وهذا نظر اعتباري، نعم، الشافعي أقرب إلى "المذهب الظاهري" من "الحنفية والمالكية"، ولا يعني هذا بحال أن المذهب الشافعي قريب من جمود أهل الظاهر، ولا أنه لا يعتبر هذه الأدلة، بل قد يكون اقترابه من المذهب الظاهري هو من الجانب الحسن من اعتبار النصوص، وعدم معارضتها بالأقيسة، فهو قرب في صالحه!.
وأخيراً: فالمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان لا تخرج عن اعتبار القياس، فهي وإن كانت لا تظهر بهيئة القياس الخاص الذي يتوخى عينا قائمة يجتهد المجتهد في القياس عليها، إلا أنها مندرجة في القياس العام، فهي لا تخرج عن انكسار القياس لاعتبار قياس أخص، أو اعتبار (قياس) بالنص للمصلحة أو النأي عن المنكر، وكلها في لب القياس.
فعبارة الشافعي المحكمة أن ما ثَم إلا النص إما اتباعا وإما قياسا هي من جوامع الكلم التي نطق بهذا الفقيه تنظيرا، ومارسها تفريعاً.
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: موقف الشافعي من القياس والأدلة التبعية

بارك الله فيكم شيخنا الكريم
لعلي أزيد شيئاً يسيراً مهماً في الموضوع فأقول :
أولاً : حقيقة نحن بحاجة إلى الوصول لمرحلة محاولة فهم كلام الإمام الشافعي الذي يعتبر القمة في الفهم الأصولي ومحاولة الوصول إلى مفاهيم المصطلحات عنده فالإشكالية هي في تنزيل مصطلحات المتأخرين على مصطلحات
المتقدمين ثم محاولة حل الإشكال بتأويل كلام المتقدمين إما بالنقد أو الاعتراض أو المنع ، ونغفل عن كون هؤلاء الأئمة مجتهدين غير مقلدين ، وأن ما يقررونه هو ما وصلوا إليه من فهم عميق ومعايشة لنشوء المصطلحات في المذاهب مع ما صاحب ذلك من ردود ومناظرات مذهبية ، فأنا أتعجب ممن يقرر أن الشافعي لم يدرك أو لم يفهم المراد من هذا المصطلح أو ذاك كما في الاستحسان مثلا .
إن لم يكن مفهوم الاستحسان والقياس والمصلحة وأمثالها واضحة في عقلية الإمام الشافعي ففي عقلية من بعده ستكون واضحة ؟ .
الإمام الشافعي إمام الأصوليين وقد وصل قمة الهرم في فهم أساسيات الأصول فهو ( إمام في اللغة ، إمام في المنقول ، إمام في المعقول ) وعليه فإن حضور هذه المفاهيم وأصول هذا الفن في ذهن الإمام أكثر من حضورها في أذهان المتأخرين ولا يعني كونهم أكثر تشقيقا وتقسيما وتوسعا في الحدود وذكر الشروط والضوابط أن كل ذلك لم يكن حاضراً في ذهنه رحمه الله .
ثانياً : قضية تطور المفاهيم الأصولية قضية مهمة ينبغي الاعتناء بها ، فمفهوم المصطلح وتطوره عبر العصور وداخل المذاهب ومدارسها المتفرعة عنها محور مهم لفهم ما ينبثق عنه من تصور وتصديق وأحكام وشروط وضوابط وتفريعات ، وقد كان الأصوليون على دراية بأهمية هذا الأمر فأكثروا من الحدود لا سيما في مقدمات كتبهم ، وبعضهم أفرد فيه مصنفات واعتنى كثير منهم بتحرير المصطلحات وبيان المقصود منها تارة بالحد وتارة ببيان الفروق بينها وبين ما يشبهها ، وهذا يعتبر مرحلة في فهم المصطلح وتبقى مرحلة أخرى مهمة وهي دراسة تطور المفهوم تاريخياً .
وفي هذا العصر التفت كثير من العلماء والباحثين إلى ضرورة دراسة هذا الجانب وكان للشيخ الدكتور المغربي الشاهد البوشيخي اهتمام بعلم المصطلحات وكذا الدكتور فريد الأنصاري أيضا ألف في هذا وعند المغاربة اهتمام بهذا حتى أنشاوا وحدات ومعاهد تهتم بهذا الشأن فضلا عن اهتمامهم بها في الدراسات العليا دراسة وبحثاً .
ثالثاً : في نظري ان القياس والاجتهاد في عصر الشافعي هو بمعنى الرأي عند الصحابة والذي يشمل ( الاجتهاد القياسي والاجتهاد المصلحي ) ونحن إذا نظرنا إلى عمل الصحابة بشكل سريع وجدناهم يجعلون الأمرين من الرأي وربما غلب على بعضهم أحد المسلكين في الرأي :
فمدرسة الكوفة كعلي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهما ثم تلاميذهم غلب عليهم الاجتهاد القياسي وهذا واضح في فتاويهم وأقضيتهم وعنهم أخذ أصحاب الرأي من الحنفية ومن القياس انبثق الاستحسان .
ومدرسة الحجاز غلب عليها الاجتهاد المصلحي وعلى رأسهم إمام المقاصديين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنه أخذ مالك العمل بالمصلحة واعتبار المقاصد ومنه انبثق سد الذرائع .
والإمام الشافعي رحمه الله جمع ذلك كله فأخذ عن مالك وصاحب محمد بن الحسن والإمام أحمد وأهل الحديث وسكن الحجاز والعراق ومصر وناظر أهل الرأي فاجتمع عنده الأمور الثلاثة :
1 - قوة التمسك بالنص .
2 - والاجتهاد القياسي .
3 - والاجتهاد الاستصلاحي .
فهذه التركيبة الثلاثية متداخلة في الاجتهاد عند الإمام الشافعي .
والإمام الشافعي حينما استنكر العمل بالاستحسان نظر إليه أنه خارج عن النص وهذا يوحي بأن القياس عنده جزء من النص وقد أشار الغزالي في كتابه أساس القياس إلى هذا الأمر وقرر أن القياس توقيف ، وانه عموم معنوي للنص وهذا يوافق ما يؤكده كثير من الأصوليين من أن القياس كاشف ومظهر لحكم الشرع وان دور المجتهد هو بيان وكشف هذا الحكم لا انه حكم يأتي به المجتهد .
وقريب مما ذكر حول مصطلح الرأي والقياس كذلك مصطلح الاستدلال والقياس ، وقد أشار أبو الحسين البصري والسمعاني وغيرهما إلى أن الشافعي يستعمل الاستدلال بمعنى القياس والقياس بمعنى الاستدلال ، والاستدلال له اطلاقان عند الأصوليين :
أولهما طلب الدليل وهو استعمال عام .
والثاني : طلب الحق بدليل معاني النصوص كما قال السمعاني في القواطع وهو بهذا يشمل الأدلة سوى الكتاب والسنة والإجماع ثم هم مختلفون فيما يندرج من أدلة تحت مصطلح الاستدلال ويمكن النظر في كتاب الاستدلال عند الأصوليين للكفراوي حول هذا الخلاف .
رابعاً : هناك محاولات للتقريب بين هذه المصطلحات تارة بذكر الفروق وتارة بمحاولة ذكر القاسم المشترك بينها المؤثر في الاستدلال ومن المؤلفات في ذلك كتاب التقريب بين القواعد الأصولية فيما لا نص فيه للدكتور نور الدين عباسي وهناك عدة رسائل علمية ألفت في الفروق الأصولية تخدم في هذا الباب .
والله أعلم
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: موقف الشافعي من القياس والأدلة التبعية

شيخي الكريمين أبا فراس وأبا حازم.
أخالفكما الرأي في كثير مما قررتما، ولي عودة للتوضيح إن شاء الله تعالى ولكنها ربما لا تكون قريبة.
 
أعلى